أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عودة سوريا إلى محيطها العربي.. احتواء لا إقصاء

24 أكتوبر، 2021


شهدت الأشهر الماضية العديد من التحركات والمؤشرات على عودة سوريا إلى إطارها العربي تدريجياً. ويأتي ذلك بعد أن أصدر مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في 11 نوفمبر 2011، قراراً بتعليق مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات المجلس وجميع المنظمات والأجهزة التابعة للجامعة العربية. وكان القرار يعبر عن رفض المجلس سلوك النظام السوري في مواجهة قوى المعارضة التي تفجرت في سياق الانتفاضات الشعبية العربية في مطلع العقد الثاني من هذا القرن. ولم يكن هذا القرار هو الأول من نوعه، فقد سبقه تعليق عضوية جنوب اليمن بعد اتهام نظامها باغتيال رئيس اليمن الشمالي في عام 1978، وتعليق عضوية مصر في عام 1979 بعد معاهدتها للسلام مع إسرائيل. 

عزل سوريا:

ثمة ملاحظتان على القرار السابق بتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية؛ أولاهما أنه مع القرار الخاص بالنظام الليبي السابق في عام 2011 أيضاً كانا يمثلان السابقة الأولى من نوعها لتدخل الجامعة في شأن داخلي يمكن أن يكون موضوعاً للاختلاف في التقدير، فضلاً عن أنه يفتح الباب لممارسات مماثلة لا علاقة لها بأهدافها المُعلنة. والملاحظة الثانية أن القرار اقتصر على الجامعة العربية ولم يمتد للأمم المتحدة، فتعليق تمثيل نظام حكم ما في المنظمة الدولية لا نص عليه في ميثاقها ولا سوابق لحدوثه في تاريخها، والحجج التي سيقت لتعليق تمثيل الحكومة السورية في الجامعة، سواء فيما يتعلق بممارساتها تجاه شعبها أو بعلاقاتها الخارجية، موجودة في نظم عربية أخرى على نحو يذكرنا بعشوائية ما يُسمى بالتدخل الإنساني وازدواجية معاييره.

واللافت أن قرار تعليق تمثيل الحكومة السورية في الجامعة العربية لم يحقق أياً من أهدافه المُعلنة؛ لأن الأهداف الخفية للقرار لا علاقة لها بالمُعلنة، فالهدف المُعلن هو حماية الشعب السوري، ولسنا بحاجة للحديث عن الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي ألمت بهذا الشعب، وأعلم ما سيُقال من أن النظام السوري هو المسؤول ولا أنفي مسؤوليته لكني أُضيف إليها مسؤولية أولئك الذين حركهم منطق تصفية الحسابات والمصالح التوسعية فسلحوا المعارضة من دون أدنى مراعاة لمصالح الشعب السوري. 

والأهم أن قرار التعليق لم يفشل في وقف معاناة هذا الشعب فحسب، لكنه زاد من عزلة النظام السوري وألجأه لمزيد من الاعتماد على التدخل الخارجي لحمايته من قِبَل إيران أولاً ثم روسيا ثانياً، ولكلٍ أهدافه المعروفة التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على عروبة سوريا واستقلالها، ناهيك عن أن التدخل الخارجي معني بمصالحه أساساً ولا يعنيه استقلال سوريا أصلاً، وإنما تحقيق هذه المصالح بدليل التسامح مع الوجود العسكري التركي وأهدافه في شمال شرق سوريا.

مراجعة عربية:

كان طبيعياً بعد أن اتضح أن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لم يحقق أهدافه المُعلنة، أن تبدأ عملية مراجعة للقرار، ومن هنا بدأ رصد بعض التطورات في ساحة علاقات سوريا العربية التي تشير إلى احتمال عودة هذه العلاقات إلى حالتها الطبيعية مع تزايد وتيرة هذه المؤشرات عبر الزمن. ويُلاحظ أن القرارين الشهيرين بتعليق عضوية نظامي جنوب اليمن ومصر في الجامعة العربية اللذين سبقت الإشارة إليهما قد انتهى بهما المآل إلى المصير ذاته.

ومنذ البداية لم تكن قطيعة النظام السوري مع محيطه العربي شاملة، فقد رفضت لبنان واليمن قرار تعليق العضوية أصلاً وتحفظت العراق عليه، كما أن بعض الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري مثل مصر في ظل حكم الإخوان المسلمين سرعان ما تبنت سياسة مغايرة بعد الخلاص من حكمهم. صحيح أن العلاقات الدبلوماسية لم تعد، ولكن السياسة المصرية الرسمية وقفت بوضوح مع الحفاظ على كيان الدولة السورية، وكان هذا يعني ضمناً رفض إسقاط النظام السوري الذي لم تتوقف الاتصالات معه وبالذات على الصعيد الاستخباري.

مؤشرات العودة:

ابتداءً من عام 2018 بصفة خاصة، بدأت تتصاعد مؤشرات الحركة باتجاه إعادة سوريا إلى محيطها العربي، فزار الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، دمشق في ديسمبر من ذلك العام، وتردد يومها أنه مُحَمل برسالة استطلاعية عربية بشأن العودة السورية المحتملة لمحيطها العربي وإن لم تتمخض الزيارة عن نتائج محددة. 

ثم أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في 27 ديسمبر 2018، وذلك في إشارة إلى بروز بديل جديد في التعامل مع النظام السوري، وهو "الاحتواء بدلاً من الإقصاء". ومع ذلك بدا أن المؤشرات على التحرك في هذا الطريق الصحيح تسير ببطء على الصعيد العربي، وفُسر ذلك أحياناً بالاعتراض الأمريكي على هذا البديل. وتزايدت تصريحات الساسة والخبراء التي تتحدث عن ضرورة عودة سوريا إلى محيطها العربي وجدوى هذه العودة، إلى أن شهد العام الحالي (2021) نقلة نوعية في هذا الصدد بكل المقاييس.

وكما كانت الإمارات هي المبادرة بإعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، حدث في مارس 2020 أول اتصال مباشر على مستوى قيادي بين الدولتين بالاتصال الهاتفي بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس السوري بشار الأسد. وعلى الرغم من أن المضمون المُعلن للاتصال كان التباحث في تداعيات انتشار فيروس كورونا والدعم الإماراتي لسوريا في هذه المحنة، فإن الدلالة السياسية للاتصال ليست خافية بطبيعة الحال. وقد تكرر هذا الاتصال مرة أخرى في 20 أكتوبر 2021، حيث تلقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأسد، وبحثا علاقات البلدين وسُبل تعزيز التعاون المشترك، فضلاً عن تناول الاتصال تطورات الأوضاع في سوريا والشرق الأوسط.

وقد شهد مايو 2021 حدثاً مهماً آخر بلقاء مدير الاستخبارات السعودي مع نظيره السوري في دمشق. ولكن يمكن القول إن الأمور اختلفت جذرياً اعتباراً من شهر سبتمبر 2021 الذي شهد عدداً من المؤشرات الدبلوماسية والاقتصادية بل وذات الطابع الاستراتيجي، على العودة السورية للمحيط العربي. ففي يوم 25 سبتمبر الماضي، جرى أول لقاء بين وزيري الخارجية المصري والسوري منذ 10 سنوات، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصرح الوزير المصري بعده بتأييد عودة سوريا كطرف فاعل في الإطار العربي. وفي 29 سبتمبر الماضي، أعلنت السلطات الأردنية إعادة فتح معبر جابر- نصيب الحدودي بعد سلسلة من المحادثات بين مسؤولين سوريين وأردنيين تتعلق بالتجارة والطاقة والزراعة. واعتُبرت كذلك المكالمة الهاتفية بين الملك عبدالله الثاني والرئيس بشار الأسد، في 3 أكتوبر الجاري، فاتحة لعودة العلاقات بين البلدين.

وتزامنت هذه التطورات مع أخرى ذات طابع استراتيجي، وهي تلك التي تتعلق بمفاوضات تزويد لبنان بالكهرباء الأردنية والغاز المصري، إذ شاءت الأقدار أن تسوقنا لمثال عملي على أهمية عودة سوريا إلى محيطها العربي. فعندما تفاقمت أزمة الوقود في لبنان وخرج "حزب الله" بمبادرته الخاصة باستيراد الوقود من إيران، بدت للجميع مخاطر استشراء النفوذ الإيراني ليس في لبنان فحسب وإنما في المنطقة بأسرها، وهنا فقط طُرِح البديل العربي من خلال فكرة تزويد لبنان بالكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر الأردن وسوريا. ولقد بُح صوت المؤمنين بأهمية التكامل العربي وجدواه منذ عشرات السنين من دون جدوى حتى وصلنا إلى النقطة التي لم يعد فيها هذا التكامل مجدياً فحسب، بل بات هو المخرج الوحيد من الأزمة، وهو مخرج عربي بامتياز، ناهيك عن أنه يحقق مصالح أطراف العملية التكاملية كافة. 

وسوف يُقال بطبيعة الحال أن النهج العربي للحل قد جاء برضا أمريكي أو حتى بمبادرة أمريكية، إذ بات من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية قد راجعت نفسها بدورها، وأدركت أن التمسك بسياسة عزل النظام السوري وفرض العقوبات عليه لم تفض سوى لاستشراء النفوذ الإيراني في المنطقة مع استمرار جمود الصراع وتفاقم المعاناة الإنسانية للشعب السوري. ويُقال إن الملك الأردني قد لعب أثناء زيارته واشنطن في يوليو الماضي دوراً في هذا الصدد. ومع ذلك فأهمية ما حدث أن جوهر الحل عربي، وإذا كان قد جاء هذه المرة برضا أمريكي ليأتي المرة القادمة بمبادرة عربية، لأننا نملك مقومات التكامل وتراثاً من الأدبيات التي تحدثت عن كل صغيرة وكبيرة تتعلق بحلم التكامل العربي ومقوماته وآليات تحقيقه والتغلب على معوقاته.

مردود إيجابي:

تعني التطورات السابقة أن ثمة توافقاً عربياً إلى حد كبير بدأ يتبلور حول ضرورة عودة سوريا إلى محيطها العربي وجدوى هذه العودة. والواقع أن سوريا قد لعبت على الدوام في التاريخ العربي وصولاً إلى التاريخ المعاصر دوراً محورياً، وسوف يكون لهذه العودة مردود متعدد الأبعاد، وأول ما يمكن الإشارة إليه هو أنها ستعيد الاعتبار للدور العربي في تسوية الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من عقد بعد أن استأثرت به الجهود الأممية والاحتكار الروسي- الإيراني - التركي من دون جدوى. ومن ناحية أخرى، فإن إعادة اللحمة السورية - العربية سوف تساعد في مواجهة المعاناة الإنسانية الهائلة للشعب السوري وتحديات إعادة الإعمار بل ومواجهة بعض المشكلات الحادة بنهج عربي كما رأينا في معضلة الطاقة في لبنان. كذلك سوف تساعد من دون شك على التصدي للاختراق المتفاقم من قِبَل القوى الإقليمية التي استغلت ظروف الصراعات العربية الراهنة لزيادة نفوذها إلى حد غير مقبول.

وتزداد أهمية هذه المسألة بالنظر إلى ما أصبح واضحاً من تراجع للاهتمام الأمريكي بالمنطقة أو على الأقل تغيير في آلياته، بما يفتح الباب واسعاً لمزيد من سعي القوى الإقليمية لزيادة نفوذها في الأراضي العربية، ولن يمكن التوصل إلى الصيغة المُثلى للعلاقة مع هذه القوى من دون توافق عربي. ومن المؤكد أن العودة السورية للجامعة العربية سوف تُطرح في أول قمة عربية قادمة، ونظراً لتعثر انعقاد القمة للسنة الثانية على التوالي، فمن الواضح أن العلاقات السورية - العربية تأخذ منحى شبيهاً بالعلاقات المصرية - العربية بعد معاهدة السلام مع إسرائيل حين عادت بالتدريج من الناحية الواقعية مع معظم الدول العربية قبل أن تعود رسمياً بحضور مصر القمة العربية في عام 1989.