أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (ماذا يعني توسيع هجمات الحوثيين إلى المحيط الهندي؟)
  • أحمد نظيف يكتب: (بين داعش والغرب: هجوم موسكو الإرهابي.. دلالات التوقيت والتنفيذ والمصلحة)
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (بعد قيادة "العولقي": مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بين التشرذم والتبعية)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (الطريق الثالث: ماذا لو خرج بايدن أو ترامب من السباق الانتخابي 2024؟)
  • يوسف ورداني يكتب: (هشاشة عالمية: خارطة التهديدات والتوقعات من منظور الاستخبارات الأمريكية 2024)

شراكة نوعية:

كيف تطورت العلاقات النفطية بين العراق والصين؟

15 فبراير، 2021


يمتد التعاون النفطي بين العراق والصين إلى جوانب مختلفة، إذ تعد الأولى إحدى أكبر مزودي النفط الخام للثانية، وحلّت ضمن أكبر خمسة من مصدري الخام للمصافي الصينية في السنوات الأخيرة. وإضافة للسابق، لدى الشركات النفطية الصينية حضور قوي في قطاع النفط العراقي، وتُشغِّل مؤسسة البترول الصينية و"بتروتشاينا" حالياً عدداً من حقول النفط الرئيسية في العراق. وفي ظل الشراكة المتنامية بين الطرفين، تحاول بغداد أيضاً جذب الشركات الصينية للعمل في مجال إعادة إعمار العراق، الذي يتطلب رؤوس أموال ضخمة، وذلك في إطار آلية ثنائية تندرج تحت ما يعرف ببرنامج "إعادة الإعمار مقابل النفط"، كما أن بغداد بصدد الاتفاق النهائي مع شركة صينية لتوريد النفط إليها مقابل دفع الأموال مسبقاً، في صفقة هى الأولى من نوعها، وسوف تدعم السيولة من النقد الأجنبي لدى العراق في وقت تواجه ضغوطاً مالية شديدة بسبب جائحة كورونا. وبدون شك فإن أوجه التعاون السابقة ترسخ لمرحلة جديدة للشراكة الاقتصادية والاستراتيجية بين العراق والصين.

تعاون مستمر:

تطورت الشراكة الاقتصادية بين العراق والصين بشكل ملموس في السنوات الأخيرة، على نحو يعكسه نمو التبادل التجاري بين البلدين، وتزايد حضور الشركات الصينية في السوق العراقية، ولاسيما في قطاع الطاقة، ويأتي ذلك في ظل رغبة بغداد في تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليص الاعتماد المفرط على الشركات الغربية في عمليات التنقيب وإنتاج النفط، في حين أن الصين تسعى لتعزيز انخراطها الاقتصادي في الشرق الأوسط، وربط العراق بمشاريعها ذات الصلة بمبادرة "الحزام والطريق".

 وعلى هذا النحو، شهدت العلاقات التجارية بين الطرفين نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. وفي العام الماضي، بلغ التبادل التجاري 30.1 مليار دولار، أي ما يوازي تقريباً رُبع التجارة الخارجية للعراق.  كما تجاوز التعاون الاستثماري بين البلدين التركيز المكثف على مشاريع الطاقة، وليشمل مجالات جديدة مثل الصناعة والبنية التحتية، ويمثل ذلك تحولاً نوعياً في طبيعة العلاقات بينهما والذي جاء عقب انضمام العراق رسمياً لمبادرة "الحزام والطريق" على هامش زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي للصين في سبتمبر 2019. 

وفي هذا السياق، وقعت الدولتان حزمة من الاتفاقيات للتعاون في مجالات مختلفة بما في ذلك الصناعة والبنية التحتية وغيرها، مهدت لمشاركة الشركات الصينية في بعض المشاريع النوعية في السوق العراقية. وفي يناير 2021، فاز تحالف يضم شركات "هولدر" و"نكير" و"سان يان" الصينية بمشاريع صناعية بقيمة تصل لنحو 20 مليار دولار في محافظة المثنى جنوب العراق. كما فاز المكتب الهندسي الثالث للإنشاءات الصينية بعقد آخر بقيمة 1.39 مليار دولار في أغسطس 2019 لإقامة مشاريع بنية تحتية في العراق.

مجالات متعددة:

يمتد التعاون النفطي بين العراق والصين إلى جوانب مختلفة يتمثل أبرزها في:

1- تصدير الخام: تحل العراق ضمن أكبر خمس مصدرين للنفط للصين، حيث بلغت صادراتها من الخام للسوق الصينية نحو 1.2 مليون برميل يومياً في عام 2020، وبزيادة 16.1% مقارنة بعام 2019، وذلك على الرغم من جائحة كورونا التي خفضت من طلب الأنشطة الاستهلاكية بالصين على المنتجات النفطية المكررة. إلا أن نمو الصادرات العراقية للصين يعكس رغبة المصافي النفطية الصينية في استيراد كميات إضافية من الخام العراقي وتخزينه في ظل الأسعار المنخفضة بالعام الماضي. 

2- استثمارات نفطية واسعة: سعت شركات النفط الصينية لملء الفراغ الذي تعرض له قطاع النفط العراقي في أعقاب انسحاب العديد من الشركات الغربية منه عقب التوترات الأمنية والسياسية في البلاد منذ عام 2003. واستحوذت الشركات الصينية، مثل المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري وشركة البترول الوطنية الصينية و"بتروتشاينا" على العديد من الأصول النفطية بالعراق في السنوات الماضية. ومن المرجح أن يستمر دورها في التصاعد مع رغبة مزيد من الشركات الأمريكية والأوروبية في الخروج من العراق. وبحسب ترجيحات مختلفة، فإن مؤسسة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري بصدد الاستحواذ على حصة شركة "إكسون موبيل" الأمريكية المتبقية في حقل غرب القرنة-1 والبالغة 32.7%.

3- برنامج النفط مقابل الإعمار: دشنت بغداد وبكين آلية ثنائية تستهدف تعزيز مشاركة الشركات الصينية في عمليات إعادة العراق وتعرف بـ"النفط مقابل إعادة الإعمار"، وقد تم التوصل إليها على هامش زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي لبكين في سبتمبر 2019، وهي تشابه صفقة مماثلة أخرى تم إبرامها بين الجانبين في عام 2015 أثناء حكومة حيدر العبادي، وانطوت على تنفيذ الشركات الصينية نحو 100 مشروع في البنية التحتية بالعراق مقابل إمدادات النفط، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ.

4- الدفع المُسبق مقابل النفط: اختارت الحكومة العراقية، في ديسمبر الماضي، شركة "تشينخوا أويل" (ZhenhuaOil ) الصينية في إطار عطاء شمل عدداًَ من الشركات الغربية والآسيوية، لكي توفر لها دفعة مسبقة من الأموال بما لا يقل عن مليارى دولار، نظير إمدادها بنحو 48 مليون برميل من الخام بين الأول من يوليو 2021 ويونيو 2022، على أن تمتد الإمدادات لأربع سنوات أخرى. وجدير بالذكر أن الشركة الصينية لديها مشاريع نفطية خارجية عديدة، وشاركت في السابق في تسويق النفط العراقي.

5- تخزين النفط بمرافق صينية: تجري بغداد مباحثات حالياً مع شركات حكومية صينية لبحث إقامة مرافق لتخزين الخام العراقي هناك، ويأتي ذلك ضمن خطة عراقية لبناء خزانات نفط خام في باكستان ودول أخرى، وعلى نحو سوف يساهم في تعزيز المبيعات العراقية من النفط الخام في آسيا ولاسيما بالسوق الصينية الآخذة في النمو بشكل سريع.

مكاسب مشتركة:

من الاستعراض السابق، يبدو أن العلاقات النفطية بين العراق والصين تتطور بشكل غير مسبوق وعلى نحو قد يحقق للطرفين مكاسب اقتصادية مشتركة. ومن ناحية بكين، فإن صفقاتها السابقة مع العراق تسمح بالوصول إلى إمدادات آمنة وموثوقة من الخام العراقي، إضافة إلى تعزيز شراكاتها الاستراتيجية والاقتصادية مع بغداد، في وقت تبتعد فيه الشركات الغربية عن السوق العراقية. بينما قد تستفيد العراق من عدة جوانب تتمثل في الوصول لرؤوس الأموال الصينية واستقطاب خبرات الشركات في عمليات إعادة الإعمار، بالإضافة للحصول على السيولة النقدية في أسرع وقت ممكن في وقت تواجه الحكومة العراقية ضغوطاً مالية بسبب جائحة كورونا، كما يبدو الدعم المالي الصيني أقل كلفة نسبياً من الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية.

ختاماً، يمكن القول إن العراق والصين بصدد تنفيذ صفقات نفطية مشتركة سوف تعمل بدون شك على تعزيز الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية بين الطرفين، غير أن دخولها حيز التنفيذ يتطلب، من ضمن عوامل مختلفة، تمريرها من قبل البرلمان العراقي، إضافة إلى تقديم الضمانات الكافية لحماية الاستثمارات الصينية بالسوق العراقية.