أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

خيارات طهران:

كيف تتأثر صادرات النفط الإيراني حال انهيار الاتفاق النووي؟

08 مايو، 2018


قد يتعرض قطاع النفط الإيراني لتهديدات محتملة تتزامن في حال قيام الإدارة الأمريكية الحالية بالانسحاب من الاتفاق النووي النهائي المُوَقَّع بين إيران والمجموعة الدولية (5+1) في يناير 2016، ومن ثَمّ إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران قد تتمثل في حظرٍ شبه كليٍّ على إمدادات النفط للأسواق الدولية، وذلك بعد مرحلة من الانتعاش شهدها العامان الماضيان بفضل زيادة حصة صادرت النفط الإيرانية بالأسواق الدولية تدريجيًّا. 

ومع ذلك، تبدو فعالية العقوبات الأمريكية هذه المرة محدودة، ليس لعدم اقتناع العديد من القوى الدولية والإقليمية بالخطوة الأمريكية المزمعة فقط، وإنما أيضًا في ظل توتر العلاقات الأمريكية مع القوى الدولية وفي مقدمتها الصين بسبب الحرب التجارية الدائرة بينهما حاليًّا، وهذا ما قد يَحدُّ من درجة الامتثال دوليًّا للعقوبات الأمريكية في الوقت الراهن.

مكاسب الاتفاق:

مَثَّل الاتفاق النووي النهائي المبرم بين إيران ومجموعة القوى الدولية (5+1)، في يناير 2016، فيما يعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة، مكسبًا اقتصاديًّا كبيرًا للجانب الإيراني، حيث إن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها بموجب الاتفاق أدى إلى استعادة الصادرات الإيرانية لحصتها بالأسواق الدولية تدريجيًّا، وبما مهد في الوقت نفسه لجذب الاستثمارات الأجنبية في المشروعات المختلفة لا سيما بقطاع النفط والغاز الطبيعي. 

وبنهاية شهر أبريل الماضي، سجلت صادرات النفط الإيرانية (النفط الخام ومكثفات الغاز الطبيعي) مستوى قياسيًّا جديدًا بكميات بلغت 2.83 مليون برميل، أي مرتين ونصف أكثر من مستواها قبل توقيع الاتفاق النووي النهائي البالغ وقتها مليون برميل يوميًّا، ويتزامن ذلك مع نمو إنتاج النفط بالبلاد بما يقدر بنحو 3.82 ملايين برميل يوميًّا، أي بزيادة حوالي مليون برميل قبل توقيع الاتفاق.

وفي الوقت نفسه، بدا انخراط إيران مجددًا في أسواق النفط العالمية مشجِّعًا للمستهلكين على زيادة مشترياتهم من طهران، خاصة في ظل جاذبية أسعار الخام الإيراني، وقد زادت أوروبا من مشترياتها من النفط الإيراني باضطراد لتستحوذ تقريبًا على ثلث صادرات إيران من النفط الخام، وبكميات بلغت أكثر من 700 ألف برميل يُوجَّه معظمها لتركيا وأسواق أخرى مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وغيرها من الدول. فيما كانت الأسواق الآسيوية في الفترة الماضية الوجهة الرئيسية لصادرات النفط الإيراني، حيث سيطرت على ما يتراوح بين 60 إلى 70% من الصادرات الإيرانية على نحو برزت فيه الصين كأكبر مشترٍ للنفط الإيراني في عام 2017، تلتها الهند، فيما جاء بين المشترين الرئيسيين الآخرين كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وغيرها من الدول الآسيوية. 

ولا تقتصر المكاسب المحققة على النفط فقط، وإنما امتدت للغاز الطبيعي أيضًا، حيث تجاوز إنتاج الخام نحو 850 مليون متر مكعب يوميًّا بالتوازي مع بدء تطوير إيران حقل غاز جنوب بارس ليصل إنتاجه إلى 550 مليون متر مكعب يوميًّا مقارنة بالمستويات السابقة البالغة 280 مليون متر مكعب، بما عزز من خطة إيران لتزويد بعض الدول المجاورة بالغاز الطبيعي وفي مقدمتها العراق. 

ضغوط أمريكية:

تبنّت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب منذ توليه الحكم في يناير 2017 اتجاهًا يُشكك في جدوى الاتفاق النووي في الضغط على إيران، سواء لتجميد نشاط برنامجها النووي وتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، أو وقف أعمالها العدائية المُهدِّدة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط.

وبناء عليه، لوّح الرئيس الأمريكي "ترامب" منذ توليه الحكم في العام الماضي في أكثر من مناسبة بإمكانية الانسحاب من الاتفاق النووي النهائي ما لم يقدم الشركاء الآخرون -وهم: الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة- على سد الثغرات والخروقات بالاتفاق النووي، الأمر الذي يُعتبر جوهريًّا بالنسبة للولايات المتحدة للالتزام به والمضي في رفع العقوبات.

وفي ظل تباطؤ القوى الدولية الأخرى في تعديل الاتفاق، اتجهت الإدارة الأمريكية على مدار الأشهر الماضية لتشديد العقوبات المفروضة على النظام الإيراني والشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني وبعض الشركات الأجنبية بسبب تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي، وكان أبرزها عندما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 14 شخصية ومؤسسة إيرانية من بينهم رئيس السلطة القضائية الإيرانية "آية الله صادق لاريجاني" في يناير الماضي.

وفي هذه الأثناء أيضًا، أحجمت كثير من الشركات الأجنبية عن ممارسة الأعمال في إيران خوفًا من العقوبات الأمريكية، حيث تساهم شركات الحرس الثوري الإيراني في كثير من مشروعات النفط والغاز الطبيعي بالبلاد، كما لم تتمكن إيران أيضًا من تنفيذ الصفقات التجارية والاستثمارية التي أبرمتها مع شركات أجنبية مثل بوينج الأمريكية وإير باص الفرنسية وتوتال الفرنسية.

بيد أن التصعيد الأمريكي ضد النظام الإيراني أخذ منعطفًا جديدًا مع تعيين مدير وكالة المخابرات المركزية السابق "مايك بومبيو" كوزير للخارجية في 26 أبريل الماضي ليحل محل "ريكس تيلرسون" بجانب تعيين "جون بولتون" مستشارًا للأمن القومي منذ 9 أبريل، واللذين يُعدان من أشد معارضي الاتفاق النووي مع إيران، ولتعتبر هذه الخطوة -بحسب اتجاهات عديدة- إشارة تأكيد من الإدارة الأمريكية للتخلي عن خطة العمل المشتركة عندما يحل ميعاد تجديد العقوبات على إيران من عدمه في 12 مايو المقبل أو على أقل تقدير تشديد العقوبات مجددًا على إيران.

سيناريوهات مفتوحة:

يُمثِّل الانسحاب الأمريكي المحتمل من الاتفاق النووي تهديدًا أكيدًا للاقتصاد الإيراني إذا نجحت في فرض حظر شبه كلي على صادرات النفط الإيراني للأسواق الدولية، على غرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها حتى نهاية عام 2016، وسيتوقف مستوى الأضرار التي ستتعرض لها الأنشطة الاقتصادية في هذه المرة على مدى التزام القوى الدولية الأخرى بالعقوبات الأمريكية. 

وحتى الآن، يبدو أن القوى الدولية، وخاصة الاتحاد الأوروبي وروسيا، على اقتناع تامٍّ بضرورة المضيِّ في الاتفاق النووي بصيغته الراهنة، خاصة مع التزام إيران ببنوده حتى الآن، وهذه الرؤى الدولية المختلفة للاتفاق ستجعل تطبيق أية عقوبات أمريكية محتملة على إيران حاليًّا غير فعّالة في الغالب، وإن طُبّقت فقد يستغرق الأمر فترة طويلة قد تمتد لأشهر عديدة للامتثال لهذه العقوبات.

وفي الوقت نفسه، أبدت إيران استعدادها لمواجهة أي عقوبات أمريكية محتملة على قطاع النفط، وهذا ما أكده وزير النفط الإيراني "بيجان زانجانه" بتأكيده في أبريل الماضي اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للحفاظ على حصتها في سوق النفط، وهذا فيه إشارة فيما يبدو على اتجاه إيران لتقديم مزيدٍ من الخصومات على أسعار الخام الإيراني لتحفيز المشترين أو اتّباع أساليب التفافية على أقصى تقدير لضمان وصول النفط الإيراني للأسواق الدولية مثلما كان عليه الحال أثناء فترة العقوبات. 

وفي هذا السياق أيضًا، هناك العديد من القوى الدولية والإقليمية الأخرى ليست على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة للولايات المتحدة، ويأتي في مقدمتها الصين التي تشهد توترًا في العلاقات مع الولايات المتحدة مؤخرًا بسبب تصاعد الحرب التجارية بينهما، فضلًا عن ذلك ربما تجد الصين ومثلها الهند في الأجواء الحالية فرصة للحصول على الخام الإيراني بخصومات أكبر في ظل تصاعد مخاطر التوريد.

وفي المقابل، على الأرجح لن يكون شركاء وحلفاء آخرون للولايات المتحدة -مثل كوريا الجنوبية واليابان- أكثر استجابة للعقوبات، وقد يُخفّضان جزئيًّا بعض وارداتهما من النفط الإيراني بحسب ترجيحات عديدة، في الوقت الذي شهدت فيه واردات البلدين من إيران بالفعل انخفاضًا بنسبة 20% على أساس سنوي خلال الربع الأول من عام 2018.

وعلى غرار ذلك، من المحتمل أن تمتثل دول الاتحاد الأوروبي لأية عقوبات أمريكية محتملة على النفط الإيراني بالرغم من معارضتها للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وقد يؤدي هذا في المجمل إلى خفض إمدادات النفط الإيراني بحسب تقديرات أولية لبعض الأسواق الأوروبية والآسيوية بنحو 400 ألف إلى 500 ألف برميل في غضون عام قد تزيد إلى مليون برميل مستقبلًا. 

ومع ذلك، يُمكن أن يتلاشى أثر خفض الإمدادات الإيرانية لبعض الأسواق إذا أقبلت الصين والهند على استقبال فائض إنتاج النفط الإيراني في الفترة المقبلة، بما يجعل إمدادات هذا النفط تسير بشكل طبيعي في الأسواق الدولية مع تغير في اتجاه تدفقات الإمدادات وليست الكميات ذاتها، لكن هذا السيناريو يبقى مرهونًا برد الفعل الصيني إزاء فرض أية عقوبات أمريكية على إيران. وإذا لم تتجه الصين لاتخاذ مثل هذه الخطوة، فذلك يعني تقلص الإمدادات العالمية بآلاف البراميل من النفط، في الوقت الذي ستتصاعد فيه المخاطر الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط أيضًا بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط.

وفي ظل السيناريو السابق، من المتوقّع بحسب وحدة المعلومات التابعة لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن ترتفع أسعار خام برنت بما يتراوح بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل في عامي 2018 و2019، وبما يُبقي على أسعار النفط فوق مستويات أكثر من 70 دولارًا للبرميل، وهذا ما لا يرغب فيه كل من القيادة الصينية أو ترامب ذاته الذي اعترض مؤخرًا على ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية بشكل مصطنع. 

لكن من المؤكد أن فرض عقوبات جديدة على إيران سيعرقل نهائيًّا من خطوات الشركات الأجنبية خاصة الأوروبية الطامحة للمشاركة في مشروعات النفط والغاز الطبيعي الإيراني، ومن بينها بطبيعة الحال صفقة شركة توتال الفرنسية مع الحكومة الفرنسية لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، وهذا ما سيقضي على الطموح الإيراني في تطوير طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي. 

وختامًا، يمكن القول إن التهديد الأساسي للعقوبات الأمريكية المقبلة على قطاع النفط الإيراني لا يتمثّل في خفض إمدادات النفط للأسواق الدولية وإنما تجميد الخطوات الإيرانية نحو دعم طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي على حد سواء ولفترة طويلة.