أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

توظيف الكوارث:

التداعيات السياسية لحرائق الأمازون في البرازيل

26 أغسطس، 2019


تتعرض غابات الأمازون، التي تُعرف بـ"رئة العالم"، لموجات من الحرائق هي الأشد من نوعها منذ عدة سنوات، حيث تم تسجيل نحو 75 ألف حريق في الغابات، خلال الشهور الثمانية الأولى من هذا العام، بزيادة بنسبة 84 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لبيانات المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء. وبالرغم من التداعيات البيئية الخطيرة لحرائق الأمازون، إلا أنه لا يمكن تجاهل التداعيات السياسية لهذه الكارثة البيئية، سواء على علاقة البرازيل ببعض القوى الدولية وفي مقدمتها فرنسا، وكذلك على مكانة البرازيل كقوة عالمية صاعدة، إضافة إلى تداعياتها المحتملة على الاقتصاد البرازيلي.

أسباب متباينة:

تتداخل العديد من الأسباب التي يمكن أن تقف وراء حرائق الأمازون، وتتباين التفسيرات، لتصل إلى حد التناقض وفقًا لرؤى الأطراف ذات الصلة، سواء كانت أطرافًا داخلية أو دولية، وذلك كما يتضح فيما يلي:

1- رؤى الأطراف الداخلية: ثمة تباين واضح في مواقف الأطراف الداخلية البرازيلية فيما يتعلق بأسباب اشتعال حرائق الغابات؛ فمن ناحية أولى، تُلقي المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة وكذلك المنظمات المدافعة عن حقوق السكان الأصليين، بالمسئولية على الرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو"، عن اشتعال الحرائق في غابات الأمازون بوتيرة غير مسبوقة منذ عدة سنوات. ويرى المدافعون عن البيئة أنه على الرغم من أن التغيرات المناخية قد تكون من العوامل المفسرة لاشتعال الحرائق، خاصة مع موسم الجفاف الذي تشهده البرازيل في الوقت الحالي، لكنهم يؤكدون أن معظم الحرائق قد أُضرمت عن عمد من قبل المزارعين لإزالة الغابات، بطريقة غير شرعية.

ووفقًا لرواية تلك المنظمات، فقد تسبب الرئيس البرازيلي، ولو بصورة ضمنية، في الحرائق المشتعلة في غابات الأمازون؛ وذلك من خلال تشجيعه الحطابين والمزارعين على تطهير الغابات المطيرة لتجهيزها للاستخدام الزراعي، وإزالتها للتوسع في نشاط رعي الماشية.

علاوة على ذلك، لم يتخذ "بولسونارو" خطوات سريعة للحيلولة دون انتشار حرائق الغابات واتساع نطاقها إلا بعد ضغوط دولية قوية عليه، دفعته إلى دعوة الجيش إلى التحرك للمساهمة في جهود إخماد الحرائق.

ويمكن تفسير موقف "بولسونارو" برغبته في استخدام الغابات المطيرة من أجل تسريع معدل النمو الاقتصادي، وذلك على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، حيث يرى "بولسونارو" أن حماية الغابات المطيرة "عقبة أمام التنمية الاقتصادية"، كما أن مطالبة "بولسونارو" منذ توليه رئاسة البرازيل، في الأول من يناير الماضي، بضرورة استخدام الغابات لأغراض الزراعة والتعدين ورعي الماشي، إنما تأتي استجابة لضغوط "اللوبي الزراعي"، الذي شكّل قاعدة انتخابية مهمة اعتمد عليها في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر الماضي.

على الجانب الآخر، ألقى "بولسونارو" بالمسئولية على المنظمات غير الحكومية البيئية عن حرائق الأمازون، قائًلا إنها "تعاني نقصًا في الموارد المالية بسبب تجميد النرويج وألمانيا مساعداتهما لصندوق الأمازون المخصص لحماية غابات الأمازون". وقال "بولسونارو": "ثمة احتمال لا أستطيع تأكيده بأن يكون ذلك مرده إلى خطوات إجرامية من هؤلاء الناشطين في المنظمات غير الحكومية بهدف التجييش ضدي وضد الحكومة البرازيلية"، وتابع: "إنّه بالإمكان توجيه اتهامات واسعة تشمل المجتمعات المحلية والسكان وكبار مالكي الأراضي، ولكن الشبهات الكبرى تقع على المنظمات غير الحكومية".

2- رؤى الأطراف الدولية: مثلما اختلفت رؤى الأطراف الداخلية البرازيلية حول المسئول عن حرائق غابات الأمازون، فقد حدث الشيء نفسه بالنسبة للأطراف الدولية. ففي الوقت الذي اتخذت فيه بعض الدول الأوروبية مواقف منددة بسياسات "بولسونارو" البيئية، واتهمته بعدم اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للتصدي لمشكلة الحرائق، فقد ساندت بعض الدول الأخرى "بولسونارو". 

ففرنسا، الدولة الحاضنة لاتفاق باريس للتغير المناخي، كانت صاحبة الصوت الأعلى في الأزمة؛ إذ صدرت عن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" انتقادات لاذعة للرئيس البرازيلي، بسبب ما اعتبره ماكرون "تقاعسًا" من قبل "بولسونارو" أمام هذه الكارثة البيئية. واتهمت باريس "بولسونارو" بـ"الكذب" بشأن التزاماته حول المناخ. ووصف "ماكرون" الحرائق بأنها "أزمة دولية"، مطالبًا قادة مجموعة الدول السبع بضرورة إدراجها على جدول أعمال قمتهم المنعقدة في فرنسا.

وسارت كل من ألمانيا وكذلك أيرلندا وفنلندا على نفس النهج الفرنسي، فانتقدت استجابة "بولسونارو" للأزمة، ووصفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الحرائق بأنها "حالة طوارئ خطيرة". كما هددت فرنسا وأيرلندا بعدم التصديق على الاتفاق التجاري الموقع في يونيو الماضي بين الاتحاد الأوروبي وتجمع الميركوسور "البرازيل، الأرجنتين، أوروجواي، وباراجواي"، حال عدم بذل البرازيل المزيد من الجهود لحماية الغابات المطيرة. وفي السياق ذاته، طالبت فنلندا بفرض حظر على صادرات البرازيل من اللحوم.

وتربط بعض الدول الأوروبية -وتحديدًا فرنسا وأيرلندا- موقفها من حرائق الأمازون بالاتفاق التجاري مع الميركوسور، على خلفية مخاوف مزارعي البلدين من الأضرار التي قد تلحق بهم جراء تدفق صادرات لحوم البقر القادمة من دول الميركوسور إلى السوق الأوروبية، فضلًا عن الضغوط التي تمارسها جماعات حماية البيئة الأوروبية.

في المقابل، كان موقف بريطانيا إلى حد ما فاترًا من هذه الأزمة، وربما يمكن وصفه بالمساند لبولسونارو، فبينما صرح رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" بأنه "قلق جدًا" بسبب التأثير الكارثي المحتمل لفقدان عدد كبير من الأشجار على البيئة، فقد زار وزير التجارة البريطاني "كونور بيرنز" البرازيل سعيًا إلى تعميق علاقات بلاده الاقتصادية ببرازيليا، وذلك في إطار استعداد بريطانيا لمرحلة ما بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وردًّا على سؤال حول الحرائق، قال وزير التجارة البريطاني، إن حكومة "بولسونارو" لديها "طموحات مشروعة لتحقيق الرخاء لشعبها".

أما الولايات المتحدة، فقد ساندت الرئيس البرازيلي، وقد أجرى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" اتصالًا هاتفيًّا ببولسونارو، وعرض المساعدة إذا لزم الأمر في التعامل مع الحرائق. ويمكن تفسير موقف ترامب المساند لبولسونارو بعاملين، أولهما: موقف الرئيس الأمريكي نفسه المعارض لقضية التغير المناخي، خاصة أنه سبق أن أعلن في يونيو 2017 انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للتغير المناخي. وثانيهما: تقارب الرؤى بين الرئيسين الأمريكي والبرازيلي ليس فقط فيما يتعلق بالموقف من قضية التغيرات المناخية، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالعديد من القضايا والملفات الدولية والإقليمية، خاصة أن كلا الرئيسين ينتميان إلى تيار اليمين المتطرف.

تأثيرات متنوعة:

من المُرجح أن تُسفر حرائق غابات الأمازون عن العديد من التداعيات والتأثيرات التي لن تمس البرازيل فحسب، بل العالم أجمع:

1- الإضرار بالأمن البيئي الإقليمي والعالمي: تلعب غابات الأمازون دورًا محوريًّا في التصدي لظاهرة التغيرات المناخية، وهي مسئولة عن إنتاج نحو عشرين بالمائة من الأكسجين على كوكب الأرض، وتمتص الغابات ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون سنويًّا. وتمتد غابات الأمازون المطيرة على مساحة 1.7 مليار فدان، لتغطي ثماني دول في أمريكا الجنوبية، والتي امتدت الحرائق بالفعل إلى عدد منها، وتحديدًا فنزويلا وبوليفيا وكولومبيا التي تقدمت بطلب إلى مجموعة السبع للحصول على مساعدات لمواجهة حرائق الغابات. 

وهو الأمر الذي يعني أن هذه الأزمة تتجاوز في تأثيراتها الحدود السياسية للدول التي تتواجد فيها الغابات، إضافة إلى أن حرائق غابات الأمازون ليست مجرد مشكلة في المستقبل، فهذه الغابة المطيرة هي بالفعل موطن في الوقت الحالي لحوالي ثلاثة ملايين نوع من النباتات والحيوانات والطيور، ومليون نسمة من السكان الأصليين. ولذا تعتبر غابات الأمازون المطيرة أكثر الأماكن تنوعًا من الناحية البيولوجية على الأرض، وفقًا للصندوق العالمي للطبيعة. 

وعلى الرغم من التأثيرات الوخيمة الحالية لحرائق غابات الأمازون على العالم، فيمكن تحويل هذه الأزمة البيئية الخطيرة إلى فرصة في حال تم توظيف واستثمار هذا الاهتمام الحكومي والشعبي العالمي الضخم، من أجل تجديد الاهتمام مرة أخرى بقضية حماية البيئة، وحث القادة وصانعي السياسات على اتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية.

2- التأثير على الاقتصاد البرازيلي: يمكن أن يكون لحرائق غابات الأمازون تأثيرات مزدوجة على اقتصاد البرازيل، فمن ناحية، ربما تُفسح إزالة الغابات المجال أمام التوسع في قطاع الزراعة وتربية الماشية، وهو ما يمكن أن يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد البرازيلي. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تُلحق الدعوات الأوروبية لمقاطعة منتجات البرازيل من لحوم البقر أو وقف التصديق على الاتفاق التجاري مع الميركوسور، خسائر بالاقتصاد البرازيلي الذي يُعاني بالفعل من حالة من الركود، خاصة مع انخفاض توقعات النمو الاقتصادي لعام 2019، من 2 بالمائة إلى 0.8 بالمائة. 

وفي هذا الإطار، عبر "بولسونارو" عن قلقه من الانعكاسات الاقتصادية السلبية لحرائق الغابات، وقال: "إذا بدأ العالم بوضع حواجز تجارية (في وجه البرازيل) فسيتراجع قطاع صناعاتنا الغذائية والاقتصاد"، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يُعد ثاني أكبر شريك تجاري للبرازيل، كما أن الأخيرة هي أكبر مصدر منفرد للمنتجات الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم، وفقًا للمفوضية الأوروبية. كما تُعد البرازيل أكبر مصدر للحوم البقر على مستوى العالم (20 بالمائة من إجمالي الصادرات العالمية من اللحوم)، وصدرت العام الماضي 1.64 مليون طن من اللحم البقري، محققة أرباحًا بلغت 6.57 مليارات دولار، بحسب جمعية الصناعات المصدّرة للحوم في البرازيل. إضافة إلى ذلك، تعتبر البرازيل أكبر مصدّر عالمي للصويا (الذي يستخدم كعلف للماشية)، وصدّرت كمّية قياسية من الصويا سنة 2018 بلغت 83.3 مليون طنّ. 

3- تهديد مكانة البرازيل الدولية: جذبت حرائق غابات الأمازون اهتمام قطاعات عريضة في المجتمع الدولي، ونظم المتظاهرون المعنيون بتغير المناخ احتجاجات خارج السفارات البرازيلية في عدد من البلدان، للمطالبة بالتصدي لهذه المشكلة. وواجهت الحكومة البرازيلية ضغوطًا دولية لحماية الغابات المطيرة الشاسعة من أنشطة قطع الأشجار أو عمليات التنقيب غير القانونية. وكان ائتلاف يضم 118 منظمة غير حكومية انتقد في بيان مشترك "انعدام المسئولية" لدى الرئيس البرازيلي. 

وقد أدى تراجع البرازيل عن التزاماتها السابقة المتعلقة بلعب دور بنّاء للحد من التغيرات المناخية، إلى عزل البلاد دوليًا، والإضرار بصورة البرازيل التي لطالما لعبت دورًا محوريًا في التصدي لظاهرة التغيرات المناخية، وشاركت بقوة ونشاط في مختلف الفاعليات البيئية الدولية، كما سبق أن استضافت في عام 1992 قمة الأرض في ريو دي جانيرو.

إضافة إلى ذلك، أدى تبني "بولسونارو" لهجة حادة تجاه الدول التي انتقدت أسلوب تعامله مع حرائق الأمازون إلى حدوث توتر في علاقات بلاده ببعض الدول الأوروبية، وتحديدًا فرنسا، خاصة مع اتهامه الرئيس الفرنسي بأنه يستغل حرائق الأمازون لتحقيق مصالح سياسية شخصية. وقال "بولسونارو" إن "اقتراح الرئيس الفرنسي بأن تناقش قضايا الأمازون في مجموعة السبع من دون مشاركة بلدان المنطقة يستدعي إلى الذهن "عقلية استعمارية" لا مكان لها في القرن الحادي والعشرين".