أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

النسر الهابط:

دلالات المراجعة الدفاعية للبنتاجون عام 2014

17 يناير، 2015


إعداد: محمد أحمد عبد المعطي

جرت العادة أن تصدر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" كل أربع سنوات تقريراً يسمى "المراجعة الدفاعية الرباعية"Quadrennial Defense Review  والذي يُعبّر عن إطار العمل الاستراتيجي للبنتاجون، ويساعده على تحديد السياسات وتطوير القدرات في مجال التعامل مع التحديات الحالية والمستقبلية.

وفي إطار اهتمام مراكز الفكر الأمريكية بتحليل محتوى ومضمون مثل هذه التقارير الهامة، نشر معهد بحوث السياسة الخارجية (FPRI) دراسة بعنوان: "النسر الهابط.. مراجعة الدفاع الرباعية لعام 2014 وتراجع القوة الأمريكية"، حيث استعرض خلالها "كيفين مارش Kevin Marsh" أستاذ العلوم السياسية بكلية وويستر في ولاية أوهايو الأمريكية، المراجعة الدورية التي تتم كل أربع سنوات للسياسة الدفاعية الأمريكية، وما تحتويه من مظاهر تراجع القوة الأمريكية، منطلقاً من "نظرية انتقال القوة"، ومن التهديدات الناشئة التي تواجه الأمن القومي الأمريكي، وكيف تُظهِر هذه المراجعة الانخفاض النسبي في القوة الأمريكية والفشل في صياغة استراتيجية المواجهة الفعَّالة لمواجهة صعود الصين وروسيا كدولتين منافستين للولايات المتحدة في النظام الدولي، كما يقترح الكاتب عدة خيارات لمعالجة أوجه القصور في عملية المراجعة للتصدي للقوى المنافسة.

أهمية المراجعة الدفاعية الرباعية

بدايةً، يوضح الكاتب أن المراجعة بمثابة "وثيقة استراتيجية للدفاع الأمريكي" التي تَصوغها وزارة الدفاع كل أربع سنوات بتكليف من الكونجرس، حيث تشرح فيها استراتيجيتها الدفاعية، ومتطلبات شراء الأسلحة، وأولويات ميزانية الدفاع.

وتكتسب هذه الوثيقة أهمية خاصة، نظراً لصدورها في وقت يعاني فيه النظام الدولي من حالة عدم الاستقرار، فيما تحاول إدارة "أوباما" الدفاع عن المصالح الأمريكية في ظل قيود مالية وسياسية عالمية، ويؤدي التحليل المُعمَّق لهذه الوثيقة إلى فهم أفضل لكيفية حماية الولايات المتحدة لأمنها القومي.

وفي هذا الصدد، تحلل الدراسة ما إذا كانت الوثيقة تدعم استراتيجية دفاعية ومالية قادرة على وقف تراجع القوة الأمريكية، ومدى قدرتها على الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، وكذلك مواجهة التهديدات الناشئة من قبل المنافسين الصاعدين.

الملامح الأساسية لوثيقة الدفاع الأمريكية

تقوم وثيقة الدفاع على استراتيجية شاملة ترتكز على ثلاثة محاور، وهي:

1- حماية الوطن: تلتزم القوات المسلحة الأمريكية بالقيام بالعمليات اللازمة لمكافحة الإرهاب وتقديم الدعم في حالات الطوارئ. وبالإضافة إلى ذلك، يجب عليها أن تكون قادرة على الحفاظ على ردع نووي آمن وفعال، والقيام بالحرب الإلكترونية.

2- بناء الأمن: يشير هذا المفهوم عالمياً إلى انتشار القوات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، لتعزيز الأمن القومي. وتؤكد الوثيقة على تعزيز محور الولايات المتحدة الاستراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والالتزام بتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

3- إبراز القوة والنصر الحاسم: يهدف هذا البند إلى "إعادة التوازن للقرن الـ21"، ويشمل ذلك الاستعداد لمواجهة طيف واسع من الصراعات، وضمان أن تكون القوة الأمريكية في وضع قادر على حماية مصالحها وتحقيق إعادة التوازن، ورفع درجة الاستعداد لدى القوات المشتركة.

ويُضاف إلى ذلك، القيام بمجموعة من الإصلاحات في عمليات إدارة البنتاجون، بما في ذلك توفير مزيد من الكفاءة في شراء الأسلحة، وبرامج الرعاية الصحية، والإدارة المالية، ورواتب وأجور العسكريين.

أثر تقليص ميزانية الدفاع على تحقيق هذه الأهداف

تتطرق الوثيقة في هذا الصدد إلى ميزانية الدفاع، مؤكدةً استمرار اتجاه إدارة أوباما لتقليصها، حيث تم رصد 495.6 مليار دولار لها في عام 2015، لنتخفض أكثر من 400 مليون دولار عن عام 2014، وأقل من 20 مليار دولار تحت إدارة جورج بوش في نهاية عام 2009.

وقد أدى ذلك إلى التأثير على هيكل القوات الأمريكية التي تشكل فيها قوات مشاة البحرية "المارينز" الجزء الأكبر، وأدى إلى تحميلها بأكبر حصة من تقليص الميزانية، مما نتج عنه انخفاض عدد القوات الحربية العاملة ككل من 570 ألف جندي إلى 450 ألف. وفي مشاة البحرية انخفض العدد من 200 ألف إلى 182 ألف جندي.

وفي ظل هذه الميزانية التنازلية، من المتوقع أن ينخفض عدد القوات العاملة بمشاة البحرية ليصل إلى 175 ألف جندي، وهو ما سيكون أكبر انخفاض في عدد القوات منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه التنازلي في الميزانية لعشر سنوات قادمة، وهو ما ترى الدراسة أنه سيؤدي إلى تهديد قدرة الجيش على فرض نفوذه وتحقيق النصر الحاسم في أي صراعات مستقبلية، كما سيقلل من قدرة البحرية على استمرار نشر حاملات الطائرات الحالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والحد من مستوى التدريبات مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في تلك المنطقة، وتقييد برامج شراء الأسلحة والتحديث بما في ذلك F-35، وأنظمة الأسلحة أخرى التي تعتبر حاسمة لإبراز القوة.

الآثار المحتملة على مصالح الأمن القومي الأمريكي

يرى الكاتب أن الوثيقة الدفاعية لم تضمن وقف التراجع النسبي في القوة الأمريكية، حيث إن ميزانية الدفاع لعام 2015 لم تستطع ربط الاستراتيجية بالموارد المتاحة، مما سينتج عنه "جيش أجوف"، وسوف تبرز أولوية السياسة الداخلية لتطغى على السياسات الاستراتيجية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الميزانية سيكون لها آثار سلبية على الأمن القومي للولايات المتحدة، حيث ستدفع باتجاه تسريع انتقال القوة في النظام الدولي، في ظل ظهور كل من الصين وروسيا كمنافسين رئيسيين بعد انتهاء الحرب الباردة وسيطرة الولايات المتحدة على النظام العالمي، إذ لم تشتمل الوثيقة على استراتيجية متماسكة لمواجهة هذه الدول.

ويحذر الكاتب من أن التسارع في تراجع القوة النسبية للولايات المتحدة سيؤدي إلى زيادة جرأة السياسات الخارجية الصينية والروسية، بما يقوض مصداقية الردع الأمريكي والتزاماتها الدفاعية العالمية، ويزيد من زعزعة الاستقرار في النظام الدولي.

ويضيف الكاتب أن الوثيقة – على سبيل المثال - تلزم الولايات المتحدة باتباع استراتيجية دفاعية غير مستدامة تقوم فيها بعمل كل شيء دون توفير الموارد المالية أو الموارد البشرية المتمثلة في هيكل القوات الحربية التي تستطيع تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهو ما كان يتوجب معه تخفيف الالتزامات الدفاعية الأمريكية، وهو ما لم يحدث، مما سوف ينتج عنه العديد من المخاطر المؤثرة على المصالح القومية الأمريكية مثل انخفاض جاهزية القوات الأمريكية.

ويشير ما تقدم بوضوح إلى تقدم أولويات السياسية الداخلية على الاستراتيجية الدفاعية الخارجية، حيث يتم تحويل هذه المخصصات إلى برامج الرعاية الاجتماعية التي تم تقليص ميزانياتها أيضاً ليتم تعويضها جزئياً من الانخفاض المتتالي لميزانية الدفاع دون الأخذ في الاعتبار أن ذلك يدفع باتجاه زيادة المخاطر على الأمن القومي الأمريكي ككل.

ولهذا، يفضل الرئيس أوباما التدخل العسكري المحدود خارجياً، اعتماداً على القوات الجوية والطائرات بدون طيار وعدد محدود من القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب، وهو ما يقوم به في كل من ليبيا وسوريا.

انتقال القوة في النظام الدولي

يشير الكاتب إلى أن عام 2014 يعد عاماً مؤسِساً لتحول عميق في النظام الدولي وبداية لانتقال القوة من هيمنة الولايات المتحدة وعصرها الأحادي القطبية إلى نظام ناشئ متعدد الأقطاب، مؤكداً أنه وفقاً لنظرية "انتقال القوة"، فإن فترات انتقال القيادة في النظام الدولي تكون غير مستقرة للغاية وعُرضة لاندلاع الحرب، حيث إن القوة المهيمنة الآخذة في التراجع تفعل ذلك للحفاظ على الوضع القائم، وتدخل في صراع مع المنافسين الصاعدين الساعين لإعادة تشكيل النظام الدولي لصالحهم.

وتواجه الولايات المتحدة حالياً تراجعاً خطيراً في قوتها النسبية مع صعود قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا التي تتحدى بشكل متزايد النظام الدولي الراهن، ويتصرف كل منهما بعدوانية متزايدة في سياساتهما الخارجية. وتزيد خطورة هذا التراجع نتيجة لارتباطه بعاملين مهمين للغاية وهما: زيادة عدم الاستقرار وانتشار التهديدات لأمن الولايات المتحدة، وانتقال الثروة والقوة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وفي هذا الصدد، يرى الكاتب أن الاستراتيجية التي تتضمنها وثيقة مراجعة الدفاع ستفشل في التعامل الفعَّال مع هذا الاتجاه الصاعد في العلاقات الدولية، حيث تبدو وكأنها مفككة، وليس لديها ما تواجه به الصعود الصيني في ظل قيام الأخيرة بتحديث وتطوير برامجها العسكرية، فالصين على سبيل المثال، أصبحت القوة البحرية الموازية للقوة الأمريكية، فضلاً عن امتلاكها للتكنولوجيا العسكرية المتطورة التي أدت إلى رفع وزيادة كفاءة قواتها البرية والجوية وقوات الدفاع الجوي.

ولمواجهة هذه التحديات، طورت وزارة الدفاع الأمريكية مفهوم "الحرب الجوية/البحرية"، إلا أن الاستقطاعات في الميزانية ستؤدي إلى وقف عدد من المنظومات الهامة اللازمة للتنفيذ الفعَّال لهذا المفهوم وتطبيقه في مواجهة التهديدات الصينية.

من ناحية أخرى، فإن الوثيقة الأمريكية تفترض بشكل خاطئ أن روسيا قد تصبح شريكاً أمنياً أساسياً للولايات المتحدة، وهو ما يدل على ضبابية الرؤية، لأن موسكو تحت قيادة بوتين تعمل كمنافس وكعدو لواشنطن، وهو ما يظهر في مواجهتها للسياسات الأمريكية تجاه كل من سوريا وإيران وأوكرنيا ودول أوروبا الشرقية، كما تعمل روسيا - مثل الصين- على تطوير برامج وقدرات عسكرية خاصة. ورغم ذلك لاتزال تنظر الوثيقة لروسيا كحليف محتمل بدلاً من عدو فعلي.

الخيارات السياسية لوقف التراجع في القوة الأمريكية

يقدم الكاتب عدداً من المقترحات للتغلب على المشكلات الموجودة بوثيقة الدفاع الرباعية، نوجزها فيما يلي:

1 ـ أن تعمل الإدارة الأمريكية والكونجرس على خفض مستوى الاستقطاعات في الموازنة العسكرية، على أن يتم الاتفاق على الالتزام بتوفير النفقات، بحيث لا تكون على حساب تلك المتعلقة بهيكل القوات أو زيادة جاهزيتها أو برامج التطوير.

2 ـ مراجعة وثيقة الدفاع الرباعية مرة أخرى للوصول إلى استراتيجية متماسكة لكيفية مواجهة الصعود الصيني، وزيادة طمأنة حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، والتعامل مع التهديدات الصينية بشكل فعَّال.

3 ـ إعادة انتشار القوات الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتوجيه ثلثها إلى أوروبا لمواجهة "التحرشات الروسية" وزيادة فعالية الناتو.

4 ـ التوقف عن التعامل مع موسكو باعتبار أنها حليف أمني محتمل، بل ومعاملتها كعدو، وذلك بتوجيه مزيد من الاهتمام لدول أوروبا الشرقية، لحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي.

* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "النسر الهابط.. مراجعة الدفاع الرباعية لعام 2014 وتراجع القوة الأمريكية"، المنشورة في أغسطس 2014، عن معهد بحوث السياسة الخارجية، وهو منظمة بحثية أمريكية غير ربحية تعمل على جمع رؤى الباحثين لتطوير السياسات المعززة للمصالح القومية الأمريكية.

المصدر:

Kevin Marsh, Descending Eagle: The 2014 Quadrennial Defense Review & the Decline of U.S. Power (USA, Foreign Policy Research Institute, August 2014).