أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رهان الإصلاحات:

هل تنجح التحولات الإثيوبية في دعم الاقتصاد؟

25 يوليو، 2018


تشهد إثيوبيا تحولات سياسية واقتصادية عديدة منذ تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء، يتمثل أبرزها في الاتجاه نحو تفعيل تطبيق التعددية الحزبية وتداول السلطة بين كافة الأحزاب بجانب إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إريتريا بعد فترة طويلة من الصراع والقطيعة، وذلك بالتوازي مع إقدام الحكومة على اتخاذ خطوات عديدة لتحرير الاقتصاد. كل هذه التطورات من شأنها أن تعزز الثقة الدولية في الاقتصاد ودعم النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات وتعزيز حركة التجارة مع العالم الخارجي. ولكن ينبغي على الحكومة توظيف هذه التحولات بشكل فعّال لدعم المستوى المعيشي للسكان، بما قد يخفف وتيرة الاضطرابات الاجتماعية التي تصاعدت في البلاد على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.

أزمة سياسية:

تصاعدت الاضطرابات الاجتماعية والأمنية في إثيوبيا منذ عام 2015، على ضوء الاحتجاجات التي شهدتها مناطق تمركز السكان من قوميتى الأورومو والأمهرا في شمال وجنوب البلاد، وقد زاد من حدتها تمسك الحكومة بتنفيذ خطة تنمية حضرية للعاصمة أديس أبابا من شأنها انتزاع بعض الأراضي المملوكة للأورومو، وسط تشديد قبضتها الأمنية تجاه المحتجين، بالتوازي مع تعرض العديد من الشركات الأجنبية لهجمات، مما أضر بثقة المستثمرين الأجانب في البلاد.

وعلى ضوء هذه الاحتجاجات المتكررة، واجه الائتلاف الحاكم، وهو "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية"، أزمة شرعية سياسية، وبما اضطر رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين إلى تقديم استقالته في فبراير 2018، في خطوة وصفها وقتها بأنها محاولة لتسهيل إجراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في البلاد.

وبالتزامن مع الاحتجاجات السابقة، واجهت إثيوبيا صعوبات اقتصادية طارئة تتعلق بانخفاض قيمة العملة المحلية (البير) مقابل الدولار، وهو ما نجم عنه ارتفاع وتيرة التضخم إلى 15.6% بحلول فبراير 2018، وذلك بجانب نقص شديد في العملات الأجنبية نتيجة الخلل المستمر في الميزان التجاري، بالإضافة إلى تحديات رئيسية ترتبط بضعف القدرة التنافسية للبلاد.

لكن ذلك لا ينفي أن الاقتصاد الإثيوبي لا يزال يعتبر أحد أسرع الاقتصادات العالمية نموًا في العام الماضي بنسبة 10.8%، وذلك نتيجة جذب استثمارات أجنبية في قطاعات اقتصادية عديدة أبرزها الزراعة والصناعة. وفي نهاية المطاف، كان المناخ السياسي والاقتصادي ملائمًا لإجراء عملية تغيير سياسي من خلال انتخاب الائتلاف الحاكم آبي أحمد رئيسًا جديدًا للوزراء، وهو ما مهد المجال أمام اتخاذ خطوات عديدة لتفعيل الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد.

تغييرات عديدة:

شهدت إثيوبيا تغييرات جذرية على الساحتين الداخلية والخارجية قد يكون لها تداعيات واسعة على الاقتصاد، ويتمثل أبرزها في:

1- انفتاح سياسي: في تحول سياسي ملحوظ، تعهد رئيس الوزراء آبي أحمد، في يوليو الجاري، تطبيق ديمقراطية متعددة الأحزاب تدعمها مؤسسات قوية تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو ما يمكن أن يؤدي، في حالة حدوثه، إلى تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، بما يدعم الثقة الدولية في الاقتصاد.

 وفي الشهر نفسه، اتخذ آبي أحمد خطوة تاريخية نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إريتريا بعد قطيعة بين البلدين امتدت لأكثر من 18 عامًا، وهو ما سمح لهما بالاتفاق على استئناف العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك تسيير رحلات طيران بين البلدين، بالإضافة إلى تطوير أربعة موانئ بحرية مطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي في إريتريا.

وسوف يساهم تطبيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين في تنشيط حركة المبادلات التجارية بين البلدين، إلى جانب رفع مستوى الاستثمارات المشتركة وتعزيز التعاون في المشروعات المختلفة، لا سيما في قطاع النقل البري والبحري.

2- إصلاح اقتصادي: بالتوازي مع الانفتاح السياسي، تبنت الحكومة خطة للإصلاح الاقتصادي ترتكز على تعزيز دور القطاع الخاص. وفي هذا السياق، أعلنت عن طرح بيع حصص أقلية في القطاعات الحيوية الأساسية التي يحتكرها القطاع العام من الاتصالات والطاقة إلى الخدمات اللوجيستية، وذلك باستثناء قطاع المصارف. 

وقد حظيت هذه الخطة باهتمام المستثمرين الطامحين في العمل في السوق الإثيوبية، مثل مجموعة الاتصالات "إن تي إن" وشركة "فواكوم"، اللتين أبدتا استعدادهما للمشاركة في عمليات خصخصة شركات الاتصالات.

وبشكل عام، يعكس تحول الحكومة نحو زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد اعترافها بعدم نجاح النموذج الاقتصادي القائم حاليًا على القطاع العام في توفير الوظائف وزيادة عوائد التصدير، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة للحكومة في الوقت الذي يتجاوز عدد سكان الدولة 100 مليون نسمة، ويقل فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن 800 دولار سنويًا.

3- استغلال الموارد: رغم أن إثيوبيا ليست دولة منتجة للنفط والغاز الطبيعي حاليًا، إلا أنها تمتلك احتياطيات واعدة من النفط تقدر بنحو 2.7 مليار برميل نفط، وذلك وفق مسح أجرته شركة "تولو أويل" في عام 2013، بجانب احتياطيات تتراوح بين 7 إلى 8 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في منطقة أوجادين.

واعتمادًا على هذه الاحتياطيات، تطمح الحكومة في توسيع نطاق إنتاجها من النفط والغاز في الفترة المقبلة، وهو ما قد يسمح لها بتخفيض فاتورة واردات الطاقة. وبناءً على ذلك، بدأت باستخراج النفط الخام على أساس تجريبي من احتياطيات منطقة أوجادين، بالشراكة مع شركة "بولي جي سي إل بتروليوم" الصينية، وذلك بموجب خمس اتفاقيات للاستكشاف وإنتاج النفط تم إبرامها في عام 2013. كما دفعت احتياطيات الغاز إثيوبيا إلى مد خط أنابيب للغاز الطبيعي من أوجادين إلى ميناء جيبوتي على البحر الأحمر لبدء تصدير الخام بحلول عام 2021.

تداعيات محتملة:

تفرض التحولات السابقة مجموعة من التداعيات على الاقتصاد الإثيوبي. ينصرف أولها، إلى تعزيز الثقة في الاقتصاد على المستوى الدولي، وخاصة مع اتجاه الحكومة إلى إجراء تحولات سياسية واقتصادية جذرية من شأنها دعم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد. ويتعلق ثانيها، بتحفيز القطاع الخاص وتعزيز قدرته التنافسية.

ويتمثل ثالثها، في توفير إيرادات مالية من العملات الصعبة، على نحو سيساعد الحكومة على ضخ استثمارات ضخمة في مشاريع للبنية التحتية بقيمة 7.5 مليار دولار. ومن المتوقع أن تصل عائدات الغاز السنوية إلى نحو مليار دولار سنويًا، وستكون هذه العائدات ضرورية أيضًا لدعم جهود الحكومة لتقليص نسبة الفقر.

ويرتبط رابعها، بفك الاختناقات اللوجيستية التي تعاني منها إثيوبيا، نظرًا لأنها دولة حبيسة تعتمد حتى الآن بشكل أساسي على جارتها جيبوتي في تسيير حركة تجارتها مع العالم الخارجي، حيث يوفر تعزيز التعاون البحري مع إريتريا منفذًا آخر على البحر الأحمر، وبما سيدعم حركة التجارة، التي يمكن أن يتسع نطاقها في حالة تنفيذ خطة تصدير الغاز الطبيعي.

ومن دون شك، فإن التحولات السياسية والاقتصادية التي تمر بها إثيوبيا سوف ترفع من سقف توقعات السكان تجاه احتمال حدوث تحسن قوي في مستوى معيشتهم، وهو ما يفرض على الحكومة العمل على توظيف هذه التحولات في دعم برامج الغذاء والصحة والتعليم والبنية التحتية للسكان، باعتبار أن ذلك ربما يكون ضمانة أساسية لتقليص احتمال تصاعد حدة الاضطرابات الاجتماعية مجددًا خلال الفترة المقبلة.