أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

المسألة النووية ليست التحدي الإيراني الحقيقي

09 أكتوبر، 2017


للثقافات المختلفة أساليب مختلفة في التعبير عن فكرة «حتمية الاختيار» أو استحالة الحصول على كل شيء. فهناك مثل ألباني يقول: «لا يمكنك السباحة من دون أن يبتل جسدك». ولدى البولنديين مثل يقول: «لا يمكن أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها في الوقت نفسه». غير أن الإيرانيين يريدون «بلوغ سبيل الرب» وتناول «الفاكهة المحرمة» في آن واحد.

كانت إدارة الرئيس ترمب تفكر في نسخة جيوسياسية معاصرة لهذه العملية الخيارية المركبة. وكان الصقور من أعضاء الإدارة يحضون الرئيس على سحب الثقة عن الاتفاق النووي الإيراني، بيد أن الرئيس ترمب يرغب في تعزيز الاتفاق وليس نقضه. والفكرة ذات جاذبية سياسية بكل تأكيد، ولكن فرصتها أكبر لأن تقوم مقام القول الألماني المأثور «اغسل الفراء من دون أن تبتل!».

ولقد وصف السيناتور الجمهوري توم كوتون، وهو من أبرز المعارضين للاتفاق النووي الإيراني، هذا النهج الدبلوماسي الغامض خلال الأسبوع الحالي أمام مجلس العلاقات الخارجية بقوله: «لا أقترح الانسحاب من الاتفاق حتى الآن. بل أقترح اتخاذ الخطوات اللازمة للحصول على النفوذ الكافي بغية التوصل إلى اتفاق أفضل». ويريد السيناتور كوتون سحب الثقة من الاتفاق الحالي، ولكن من دون عقوبات، حتى يتسنى للولايات المتحدة أن تفعل... ماذا؟ من الواضح أن الفكرة هي أن الضغوط الأميركية سوف تنجح في إقناع إيران بتقديم تنازلات أحادية الجانب تلك التي رفضتها طهران من قبل عبر 13 عاما هي تاريخ التفاوض على الاتفاق النووي المبرم.

لطالما كان التفكير السحري يحمل جاذبية خاصة في السياسة الخارجية، غير أنه نادرا ما يسفر عن شيء ملموس بأكثر من بعض الغبار المزيف. وفي هذه الحالة، فإن الانتقال بالاتفاق إلى طي النسيان لن يعود بأي مزايا أمنية جديدة على الولايات المتحدة أو على إسرائيل. بل من شأنه أن يجلب حالة من عدم اليقين حيث يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها المطالبة بمزيد من الوضوح، من خلال الإصرار على الامتثال من قبل جميع الأطراف المعنية لاتفاق يقضي على أجهزة الطرد المركزية والمخزون الإيراني من المواد النووية المخصبة لفترة لا تقل عن عقد آخر من الزمان.

ولقد صرح وزير الدفاع جيم ماتيس، وهو من الصقور البارزين فيما يتعلق بالشأن الإيراني، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي يوم الثلاثاء الماضي، بأن الاتفاق النووي الإيراني كان «من الأمور التي ينبغي على السيد الرئيس الالتزام بها». ومع مزيد من الضغوط من جانب السيناتور الديمقراطي أنغوس كينغ حول ما إذا كان يعتقد أن الاتفاق يصبّ في صالح الأمن القومي للولايات المتحدة من عدمه، توقف الوزير ماتيس لبرهة ثم قال: «أجل سيدي السيناتور، أعتقد ذلك».

يتحدث المسؤولون أمام ذوي السلطة بالحقيقة الناصعة على مسؤوليتهم الخاصة في عاصمة الرئيس ترمب. ولذلك، فإن حجة الوزير ماتيس للالتزام بما وصفه الرئيس ترمب بأنه «واحد من أكثر الاتفاقات غموضا وأعمقها خطورة»، هي حجة ذات أهمية كبيرة، على الرغم من نتائج النقاش فلا تزال غير واضحة تماما. وربما يرجع السبب في ذلك إلى مشورة الوزير ماتيس العسكرية، رغم كل شيء، بأن الرئيس ترمب قد تخلى بكل بساطة عن تهديداته إبان الحملة الانتخابية الرئاسية بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني تماما.

ما هي الاستجابة الإيرانية؟ أخبرني سيد حسين موسويان، وهو المسؤول الإيراني الأسبق الذي ظل على اتصال وثيق بزملاء العمل السابقين، مؤخرا بأنه إذا لم يصادق الرئيس ترمب على الاتفاق، ولكن الكونغرس توقف عن إعادة فرض العقوبات، وضمن المفاوضون الآخرون من مجموعة دول (5+1) التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، فربما تواصل إيران الالتزام ببنود الاتفاق المبرم. ولكنه حذر من أن هناك بعض الفصائل السياسية في طهران يعارضون هذا المسار ويدعون إلى تعليق الاتفاق إذا طعن الرئيس ترمب على الامتثال الإيراني لبنود الاتفاق.

أما بالنسبة لآمال الإدارة الأميركية بإجبار إيران على إعادة التفاوض بشأن بنود «غروب الشمس» المتضمنة في الاتفاق وغير ذلك من التفاصيل المدرجة، فيقول السيد موسويان إن هذا أمر غير وارد في طهران ولن يجدي نفعا يُذكر.

والتحدي الحقيقي مع إيران لا يتعلق بالمسألة النووية، التي وضعت في صندوق من الصناديق لمدة عشر سنوات على الأقل وفقا لبنود الاتفاق، ولكنها السلوكيات العدائية من جانب طهران في منطقة الشرق الأوسط. إذ تواصل إيران ووكلاؤها زعزعة استقرار البلدان الأخرى في المنطقة. وهم يسعون لبسط الهيمنة والسيطرة على كل عاصمة كبيرة: بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء. ووفقا للبيت الأبيض، فإن وكلاء إيران يلغمون مدخل البحر الأحمر عند مضيق باب المندب، ويوجهون صواريخهم من اليمن نحو الرياض وأبوظبي، ويسعون لاجتزاء منطقة النفوذ على أطلال تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق.

وتزعم الإدارة الأميركية تركيزها على المشكلة الإيرانية الكبيرة. يا ليت ذلك كان صحيحا. يقول المسؤولون إن الرئيس ترمب قد وقع على مسودة استراتيجية موسعة تجعل من سلوكيات إيران في المنطقة هي بؤرة الاهتمام الأميركي في الأيام المقبلة. غير أن النقاش حول سحب الثقة عن الاتفاق الإيراني من شأنه أن يهيمن على عناوين الأخبار الرئيسية عبر الأسابيع والأشهر المقبلة، مما يعني تركيز الاهتمام من دون داع على جزء وحيد من المشكلة الإيرانية ذلك الذي تمت السيطرة عليه وبات خاضعا للإدارة، ونزع الاهتمام وتهدئة الجهود صوب التحديات الإيرانية الحقيقية.

وهناك سبب أخير وحاسم يدعو الرئيس ترمب إلى التصديق على الامتثال الإيراني ببنود الاتفاق النووي، ألا وهو أن الامتثال الإيراني حقيقي وصحيح. وحتى السيناتور كوتون قد أقر بذلك خلال الأسبوع الحالي، إذ قال محتجاً ضد التصديق على الامتثال الإيراني: «ليس لأسباب تتعلق بالامتثال الفني الإيراني، ولكنه يستند إلى الفهرس المطول من جرائم النظام الحاكم هناك ونكث العهود حيال الولايات المتحدة».

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط