أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ثلاثة تحديات:

كيف تتعامل المغرب مع التهديدات غير التقليدية؟

10 يونيو، 2016

ثلاثة تحديات:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 25 مايو 2016، د. محمد الهاشمي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن زهر أكادير، وعضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالمغرب، في لقاء عام تحت عنوان: "كيف تتعامل المغرب مع التهديدات غير التقليدية". وتطرق خلاله إلى التحديات والتهديدات التي تتعرض لها المملكة المغربية، وآليات تعامل الدولة معها.

وفي البداية، أشار المحاضر إلى أن المغرب مُعرضة لنوعين من التهديدات، هما:

- التهديدات الصلبة: وتعني كل التهديدات المرتبطة بالجانب العسكري، وتتحدد التهديدات الصلبة لمملكة المغرب في أزمة الصحراء الغربية مع الجزائر، والتوترات والصراعات الكامنة مع إسبانيا بشأن بعض المدن المغربية المُحتلة (سبتة ومليلة) من قِبل إسبانيا. وعلى الرغم من أن هذا التهديد خامد، ويرجع تاريخ آخر احتكاك بين الجانبين المغربي والإسباني في هذا الصدد إلى عام 2004، فإنه قابل للاشتعال في أي لحظة مرة أخرى.

- التهديدات المرنة: وهي الأهم للمغرب في الوقت الحالي، وهي التي تُعرف بالتهديدات الأمنية غير التقليدية التي ترتبط بالأوضاع الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. وفي هذا الإطار، ثمة ثلاثة تهديدات غير تقليدية تواجه المغرب، أوضحها د. الهاشمي كالتالي:

1- موجات الهجرة:

تعد ظاهرة موجات الهجرة التي تشهدها المملكة المغربية من الظواهر غير التقليدية، حيث كانت المغرب لفترات طويلة بلداً مُصدراً للهجرة، غير أن تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وأفريقيا جعلت منها بلداً مُستقبلاً للمهاجرين. وقد ترتب على تصاعد النزاعات في هذه المنطقة نزوح موجات من السكان، وهو ما حوَّل المغرب إلى بلد "ترانزيت" للهجرة إلى أوروبا.

غير أنه في الآونة الأخيرة، وبسبب التشديد على منافذ الحدود الأوروبية الجوية والبحرية والبرية، تحولت المملكة المغربية إلى بلد استقرار للمهاجرين، وهو ما طرح تحديات أمنية جديدة ترتبط بعدم المعرفة الجيدة بخلفيات المهاجرين وثقافتهم واتجاهاتهم، وعدم القدرة على ضبطهم جغرافياً في نطاق المغرب. ويُضاف إلى ذلك، التحدي الاقتصادي في ظل ارتفاع أعداد المهاجرين الذين يُقدرون بعشرات الآلاف، وتحدي إدماج المهاجرين داخل نسيج المجتمع المغربي، والذي يرتبط بدوره بمخاوف تصاعد الجرائم الاقتصادية ذات الصلة بمحاولات توفير العيش.

وفي مواجهة تلك التحديات وغيرها المرتبطة بتزايد أعداد المهاجرين، كانت للمغرب تجربة في إدماج المهاجرين، حيث اعتمدت الدولة سياسة توطين المهاجرين أو "شرعنة" المهاجرين. وشكَّل الملك محمد السادس لجنة لتسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين، وتقدم إليها حوالي 100 ألف طلب، وتمت تسوية أوضاع نحو 50% منهم. وقد نجحت هذه التجربة على الأقل في مواجهة النقد الذي تعرضت له المغرب من قِبل المنظمات الحقوقية الدولية.

2- الحراك الاجتماعي:

تختلف المغرب عن باقي دول المنطقة في خصوصية الحراك الاجتماعي بها، وذلك نظراً لتركيبة المجتمع المغربي من ناحية، ومن ناحية أخرى لبقاء تجربة الجزائر في تسعينيات القرن الماضي في ذاكرة المجتمع المغربي، فالدمار الذي وقعت فيه الجزائر خلال هذه الفترة هو تجربة لا ترغب المغرب في تكرارها تحت أي ظرف، وبالتالي هناك مخاوف من أي تحولات سياسية راديكالية.

وأكد المحاضر أن هناك شبه حاجز نفسي بين الشعب المغربي وصعود التظاهرات، ومن ثم لم تتأثر المغرب كثيراً أثناء موجة الربيع العربي، فضلاً عن وجود ذكاء من متخذي القرار، بحيث لا يتركون الأمور تصل إلى مرحلة السخط العام. فهناك حركة إصلاحات بين الحين والآخر، وأيضاً تعديلات دستورية مستمرة. أي أن الحراك الاجتماعي مُستمر بشكل أو بآخر في المجتمع المغربي، وهناك مطالبات بالتغيير والإصلاح لكن في إطار المؤسسات الموجودة، فيما يُطلق عليه "الحراك أو التغيير في إطار الاستمرارية".

وعندما ظهرت حركة 20 فبراير في عام 2011، كانت أمراً غير مسبوق، باعتبارها مثَّلت حينها تحدياً أمنياً وسياسياً. ومازالت هذه الحركة موجودة ولكنها غيَّرت من استراتيجيتها، حيث باتت هناك عدة أشكال للحراك في المغرب، ومنها: توظيف السينما والفن فيما يُعرف باسم "سينما النضال"، وعرض المسرحيات في الشارع من دون أي اعتبارات للقانون، والاتجاه نحو ما يُسمى political podcast، فضلاً عن الإعلام البديل من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم وجهات نظر أخرى عما يحدث، وهو ما يمثل قلقاً للجهات الحكومية.

3- الراديكالية والتطرف:

طُرحت هذه المشكلة في المغرب منذ التسعينيات في ظل نشاط الحركات الإسلامية في هذه الفترة، وغُض الطرف عنها لمواجهة التيار اليساري، غير أنها أصبحت حينها تشكل عبئاً على الدولة. وكانت نقطة التحول في عام 2003 عندما حدثت عمليات إرهابية كبيرة في الدار البيضاء ومراكش، وترتب عليها اتخاذ إجراءات أمنية حاسمة، وشن حركة اعتقالات واسعة، حيث تم القبض على 3 آلاف شخص وصدرت أحكام مغلظة بالسجن بحق عدد كبير من هؤلاء المتهمين. وأيضاً كان حزب العدالة والتنمية مهدداً بالحل، لأن كثيراً من الجهات حمَّله مسؤولية هذه العمليات الإرهابية.

وبعد عام 2003، اعتمد المغرب استراتيجية أمنية ذات بُعدين، أحدهما البُعد الأمني البحت، والآخر بُعد غير أمني، والذي استهدف جذور الراديكالية، لمنع تكرار مثل هذه الحوادث الإرهابية مرة أخرى. وتم التركيز على الإجراءات الاستباقية لإجهاض العمليات الإرهابية.

وفي عام 2004، تم اعتماد سياسة لإصلاح الشأن الديني ومنع انتشار الفكر المتطرف في المغرب، وتتضمن هذه السياسة عدة أبعاد، أهمها ما يلي:

أ- إعداد أئمة المساجد، وذلك لأن بداية التشدد قد تبدأ من المساجد كونها تعتبر أول تجربة للشخص بالدين خارج نطاق الأسرة. وأثبتت تجربة إعداد أئمة المساجد نجاحها، وتقوم المغرب بإرسال عدة أئمة إلى دول أفريقية وأوروبية، ما سمح بصعود ما يُسمى "النموذج المغربي للتدين".

ب- فتح حوار مع المشتبه فيهم والمتورطين في أعمال العنف والراديكالية، وسمح هذا الأمر بإجراء عدة مراجعات.

ج- اعتماد المغرب "الحوكمة الأمنية"، فلأول مرة يكون هناك مجلس أعلى للأمن تحت إشراف الملك مباشرة، ويضم وزراء الداخلية والعدل والدفاع، ويُسمح بحضور آخرين لهم علاقة بالأمن من غير الأمنيين التقليديين.

ويؤشر ذلك على تبني مفهوم الأمن بمعناه الواسع، حيث تنبه صانع القرار المغربي للعلاقة بين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين الإرهاب. وتم إطلاق العديد من المبادرات لعلاج جذور التطرف والبيئة المواتية له، فعلى سبيل المثال أعلن الملك محمد السادس، في عام 2004، عن مشروع ضخم وهو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث استهدفت تقليص نسبة الفقر، ومحاربة التهميش والإقصاء الاجتماعي، وتطوير وتحسين مستوى مناطق عشوائية كثيرة، وتمكين قاطنيها من الاندماج في المجتمع.

ومن جهة أخرى، تعتمد المغرب "مقاربة حقوقية" تراعي حقوق الانسان في الجوانب الأمنية، وتمت معاقبة عدد من عناصر الشرطة على تجاوزات قاموا بها، وذلك في إطار نوع من المصالحة وتعزيز الثقة بين أجهزة الأمن والمجتمع.

وأخيراً، أكد د. الهاشمي أن أهم عنصر قوة لأمن واستقرار المغرب هو جهاز المخابرات المعروف بكفاءته، وهو من أكثر الأجهزة التي تعتمد على العنصر البشري، بما يتيح له تجميع قدر هائل من المعلومات، وقد اتضح ذلك في هجمات بروكسل الأخيرة.