أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تطويق الصين:

الأهداف العسكرية والأمنية للقمة اليابانية – الأمريكية

23 يناير، 2023


عقد رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، محادثات قمة في واشنطن في 13 يناير 2023، حملت عدة رسائل أمنية وعسكرية للصين وكوريا الشمالية وروسيا، وذلك في ضوء البيان المشترك للولايات المتحدة واليابان الصادر بعد القمة، والذي حدد سلسلة من المبادرات في مجالات الدفاع والتعاون الفضائي والأمن السيبراني، بهدف تحديد مسار التحالف الأمريكي – الياباني في ظل سعي الجانبين إلى توسيع التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.

سياقات مأزومة للقمة:

عُقدت القمة اليابانية – الأمريكية بواشنطن في إطار سياق مأزوم، سيطرت عليه عدة سمات وخصائص يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- بيئة أمنية مضطربة: تشهد منطقة آسيا – المحيط الهادئ تحديات أمنية غير مسبوقة، تتمثل في تنامي حدة التوترات العسكرية اليابانية – الصينية، على ضوء انتقادات طوكيو للمناورات العسكرية الصينية حول تايوان، فضلاً عن احتمال نشوب حرب حولها على غرار الحرب الروسية – الأوكرانية، بالإضافة إلى تزايد التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، إذ أعلنت نيتها إجراء تجربة نووية سابعة. 

2- تبني طوكيو استراتيجية دفاعية جديدة: أعلنت اليابان، في 16 ديسمبر 2022، استراتيجية دفاعية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ بدلت عقيدتها العسكرية الدفاعية بعقيدة أخرى أكثر نشاطاً وعدائية، إذ إنها نصت صراحة على أنها تهدف إلى مواجهة ما تسميه "التحدي الاستراتيجي للصين"، كما أعلنت مضاعفة ميزانيتها الدفاعية خلال السنوات الخمس المقبلة، علاوة على تعزيز تطوير الأسلحة المتقدمة.

وقولبت الاستراتيجية بتأييد أمريكي قوي، لكونها ستصب في صالح الخطط الأمريكية الرامية إلى تطويق الصين، حيث ترى الولايات المتحدة أن الصين وروسيا تمثلان "تحدياً استراتيجياً" لها، بحسب ما كشفت عنه مؤخراً استراتيجية الأمن القومي الأمريكي. واتهمت كوريا الشمالية رئيس الوزراء الياباني بالسعي لتحويل بلاده إلى "عملاق عسكري هجومي"، في حين رأت موسكو أن مثل هذا التحرك "سيؤدي إلى تصاعد التوتر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

3- تنامي القدرات العسكرية الصينية: حقق الجيش الصيني قفزة كبيرة، كماً وكيفاً، خلال السنوات العشر الماضية، وهو ما أدى إلى قلب التوازن العسكري في المنطقة لصالح بكين، والتي سارعت بعض دولها لرفع قدراتها العسكرية لمجاراة تطور قدرات بكين العسكرية، مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا وتايوان، وأعلنت الأخيرة مد فترة التجنيد الإجباري من أربعة أشهر إلى عام، وذلك للاستعداد بصورة أفضل لأي هجوم صيني. 

توثيق التحالف العسكري:

انطوت قمة كيشيدا – بايدن على عدة دلالات تكشف عن تصاعد التنسيق والتعاون الأمني بين طوكيو وواشنطن، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:

1- التنسيق الياباني – الأمريكي: على الرغم من أن زيارة كيشيدا إلى واشنطن تُعد الأولى له بصفته رئيساً للوزراء منذ توليه منصبه في أكتوبر 2021، فإن القمة التي جمعته مع بايدن ليست الأولى بينهما، حيث التقى الزعيمان أثناء زيارة بايدن إلى طوكيو في مايو 2022، وعلى هامش اجتماعات مجموعة العشرين في جزيرة بالي بإندونيسيا، في نوفمبر 2022، وكذلك على هامش قمة إقليمية في كمبوديا في الشهر نفسه، وهو ما يعكس حرص زعيمي البلدين على الالتقاء المباشر وجهاً لوجه لتنسيق الرؤى بشأن القضايا الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام البلدين. 

كما سبق عقد القمة إجراء محادثات أمنية رفيعة المستوى بين وزيري الخارجية والدفاع في البلدين، وذلك في إطار اللجنة الاستشارية الأمنية الأمريكية – اليابانية لعام 2023. وركزت المحادثات على استراتيجيات الأمن القومي الجديدة للبلدين، علاوة على كيفية معالجة المخاوف الأمنية المتزايدة بشأن الصين وكوريا الشمالية وروسيا. 

2- الطابع الدفاعي لجولة كيشيدا: جاءت القمة اليابانية – الأمريكية في ختام جولة خارجية لكيشيدا خلال الفترة من 9 – 13 يناير 2023، شملت كلاً من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وكندا، وهي دول تنتمي إلى مجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى التي تضم أيضاً اليابان، وهدفت إلى تعزيز العلاقات العسكرية مع هذه الدول. 

وغلب على الجولة الطابع الأمني والدفاعي في ظل ما تمخضت عنه من اتفاقيات بشأن التعاون العسكري بين اليابان وهذه الدول، إذ وقع كيشيدا ورئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، اتفاقية دفاع تسهل إجراء التدريبات المشتركة ونشر القوات في أراضي كل منهما.

رسائل القمة الإقليمية:

ارتباطاً بالسياقات المشار إليها، ومن خلال استقراء أبعاد البيان المشترك الصادر في ختام قمة كيشيدا – بايدن بواشنطن، وما صدر من تصريحات عن الجانبين الياباني والأمريكي، فقد تضمنت القمة عدة رسائل أمنية وعسكرية، يمكن توضيحها في الآتي:

1- قوة التحالف الأمريكي – الياباني: أكدت الولايات المتحدة التزامها الراسخ بالدفاع عن اليابان، عبر مد المظلة النووية الأمريكية إليها، فضلاً عن توقيع اتفاقيات في مجالات الدفاع والتعاون العسكري والأمني والأمن السيبراني والفضاء، بالإضافة إلى نشر قوات من المارينز أكثر قدرة على التحرك، والإعلان عن اتجاه الولايات المتحدة لتشكيل فوجاً ساحلياً بحرياً في اليابان بحلول عام 2025. وتشير تلك الخطوات والإجراءات إلى حرص البلدين على تعزيز التحالف الأمني بينهما.

وأشاد الرئيس بايدن بقيادة اليابان الجريئة في تعزيز قدراتها الدفاعية، كما هو موضح في استراتيجية الأمن القومي الجديدة واستراتيجية الدفاع الوطني وبرنامج تعزيز الدفاع، وهو ما سيؤدي إلى تعزيز الأمن عبر المحيطين الهندي والهادئ وما وراءهما وتحديث العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان للقرن الحادي والعشرين. وأكد الزعيمان أن التحالف الأمني بين البلدين يظل حجر الزاوية للسلام والأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفقاً لهما.

2- محاصرة وتطويق الصين: ترغب الولايات المتحدة في توصيل رسالة مهمة للصين مفادها أنها محاصرة من جانب واشنطن وحلفائها الإقليميين الرئيسيين في آسيا، وعلى رأسهم اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وتايوان، حيث ستعمل الولايات المتحدة على تكثيف خطواتها الرامية لتعزيز التدريبات العسكرية ونقل التكنولوجيا وتكثيف العلاقات مهم.

ومن جانبها، فإن اليابان، ومن خلال قيامها بتوسيع شبكة تحالفاتها العسكرية مع القوى الدولية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة، فإنها ترغب في إيصال رسالة واضحة إلى الصين مفادها تصميم طوكيو على وقف التمدد الصيني في جنوب شرق آسيا. 

ويرجع هذا الموقف المتناغم من جانب واشنطن وطوكيو تجاه الصين، وفقاً لما جاء في البيان المشترك الصادر في ختام القمة، إلى أن بكين تمثل تهديداً "غير مسبوق" للنظام الدولي، وأن "السياسة الخارجية للصين تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي لمصلحتها وتوظيف القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية المتنامية للصين لتحقيق هذه الغاية".

ولم تقتصر رسائل القمة بالنسبة للصين على الجانب الأمني والعسكري فحسب، وإنما امتدت أيضاً لتشمل الجانب المرتبط بالأمن الاقتصادي، بهدف محاصرة الصين اقتصادياً، عبر محاولة واشنطن إقناع طوكيو بالحد من التعاون مع الصين في الصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، وأشباه الموصلات. كما ستعمل الولايات المتحدة واليابان على بناء المرونة في سلاسل التوريد بين الشركاء المتشابهين في التفكير ضد تهديدات مثل الإكراه الاقتصادي والسياسات والممارسات غير السوقية والكوارث الطبيعية.

وقد اتجهت الصين للرد على ذلك من خلال التأكيد على مبالغة اليابان في وصف التوترات الإقليمية، سعياً وراء تبرير زيادة إنفاقها العسكري وتغيير سياساتها الدفاعية. كما رأت بكين أن ذلك سيغير بشكل جذري الظروف الأمنية في شرق آسيا، ولعل ذلك ما يفسر دعوتها واشنطن وطوكيو إلى التخلي عن عقلية الحرب الباردة، والتوقف عن خلق أعداء وهميين، وإلى عدم تكرار مأساة الحرب العالمية الثانية.

3- تشديد الخناق على روسيا: أكدت واشنطن وطوكيو في البيان الأمريكي – الياباني الصادر في ختام القمة على وحدة موقفهما بشأن معارضة الحرب الروسية على أوكرانيا، واستمرار فرض العقوبات على روسيا وتقديم الدعم لأوكرانيا. كما أعلنتا أن أي استخدام روسي لسلاح نووي في أوكرانيا سيكون عملاً عدائياً ضد الإنسانية وغير مبرر بأي شكل من الأشكال. 

4- التشدد حيال كوريا الشمالية: أكدت القمة تجديد التزام الولايات المتحدة واليابان بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بشكل كامل، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي. علاوة على مواصلة تعزيز التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في المجالات الأمنية لتحقيق هذه الغاية. ويلاحظ أن هذا الموقف المشترك لن يكون له أي تأثير على كوريا الشمالية، والتي أعلنت، في سبتمبر 2022، أنها لن تتخلى عن السلاح النووي.

5- الحفاظ على الوضع القائم حول تايوان: أكدت القمة على عدم حدوث أي تغيير في المواقف الأساسية للبلدين بشأن تايوان، فضلاً عن تأكيدهما على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، علاوة على تشجيع الحل السلمي لها بين الصين وتايوان. وفي حين أن الولايات المتحدة سبق وأن تعهدت بالتدخل للدفاع عن تايوان في حالة قيام الصين بغزوها عسكرياً، فإن البيان المشترك لم يتضمن أي تعهد من هذا القبيل، سواء بشكل صريح أو ضمني.

6- تكريس اليابان نفسها قوة عظمى: يبدو أن هناك رغبة قوية من جانب اليابان لتكريس نفسها قوة عظمى في النظام الدولي الراهن، وذلك من خلال البحث عن شراكات استراتيجية وعلاقات أمنية ودفاعية مع القوى الكبرى في العالم.

كما تبعث القمة أيضاً برسالة مهمة للداخل الياباني، مفادها أن نجاح كيشيدا في تعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، يقوي موقفه السياسي داخل بلاده، بما يخفض من حدة الانتقادات الموجهة له داخلياً قبل مناقشة ميزانية الدفاع الجديدة داخل البرلمان الياباني، حيث يواجه اعتراضات على رفع الضرائب لتوفير التمويل لزيادة الإنفاق الدفاعي.

وفي الختام، تكشف الرسائل الأمنية والعسكرية للقمة اليابانية – الأمريكية بواشنطن عن نجاح واشنطن في تأسيس نواة لحلف عسكري جديد ضد الصين، والذي يتوقع أن تعمل واشنطن على زيادة عدد أعضائه مستقبلاً، وهو ما سوف يؤدي إلى تفاقم التوترات الأمنية والعسكرية في المنطقة باتجاهها نحو مزيد من العسكرة والحشد العسكري، لمواجهة ما ترى واشنطن وطوكيو أنه تحد استراتيجي لهما من جانب بكين.