تركز دولة الإمارات العربية المتحدة على أنشطة التنمية المستدامة، وتهتم بالتنويع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية والتزام تعزيز الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين والمقيمين في البلاد؛ إذ صنفت الإمارات كواحدة من أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم، لتحتل المرتبة 12 عالمياً في تقرير التنافسية العالمية 2014/2015 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
ويقصد بمفهوم التنمية المستدامة أنها "التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار باحتياجات الجيل القادم". وقد شهدت السنوات الماضية اهتماماً كبيراً بهذا المفهوم وتطبيقاته، ويقوم اليوم على ثلاث دعائم أساسية، أولها العنصر الاقتصادي، ويركز على تحقيق النمو الاقتصادي؛ وثانيها العنصر الاجتماعي، ويركز على تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل وتحقيق الرفاه؛ وأخيراً العنصر البيئي، ويتعلق بحماية البيئة والحفاظ على نظمها ومواردها المادية والبيولوجية.
مؤشرات التنمية المستدامة بالإمارات
بدأت تجربة دولة الإمارات في مجال التنمية المستدامة والاعتماد على الاقتصاد الأخضر والحفاظ على الموارد الطبيعية من خلال خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الطموحة التي وضعها الآباء المؤسسون، والتي تأخذ بعين الاعتبار الآثار البيئية لأي مشروع؛ الأمر الذي وضع الدولة مبكراً على خارطة التنمية المستدامة. ورسخت هذه الممارسات لأن تصبح الإمارات نموذجاً يحتذى ليس في المنطقة فحسب، وإنما على مستوى دول العالم.
ثم تطورت هذه التجربة لتستند على رؤية الإمارات 2021، والتي جاءت انطلاقاً من رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، التي تركز على أهمية تطوير الاقتصاد الوطني إلى نموذج تعتمد التنمية فيه على المعرفة والابتكار، لتوفير فرص العمل المميزة لأبناء الامارات، وتحافظ من خلاله على الموارد الطبيعية والبيئية، وتعزز الموقع التنافسي للدولة في الأسواق العالمية.
وترتكز استراتيجية حكومة دولة الإمارات على سبع أولويات تماشياً مع رؤية الإمارات 2021 لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لشعبها بهدف تحقيق التنمية المستدامة للوصول بالإمارات إلى مصاف أفضل الدول العالمية.
وتشتمل هذه الأولويات على اقتصاد معرفي تنافسي، وبيئة مستدامة، وبنية تحتية متكاملة، ونظام رعاية صحية بمعايير عالية، ومجتمع آمن، وقضاء عادل، ومكانة عالمية متميزة، ونظام تعليمي رفيع المستوى، ومجتمع متلاحم محافظ على هويته.
ويشير تحليل المؤشرات المؤسسية للتنمية المستدامة في دولة الإمارات إلى تقدم كبير، لاسيما بعد إطلاق استراتيجية حكومة الإمارات عام 2007، التي تضمنت ستة قطاعات رئيسية؛ هي التنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والعدل والسلامة، والتطوير الحكومي، والبنية التحتية، وقطاع تطوير المناطق النائية. هذا إضافة إلى إنشاء العديد من اللجان الوطنية المعنية بمتابعة قضايا التنمية المستدامة في الدولة، وكذلك هيئات وجوائز وبرامج كثيرة تصب في الاتجاه نفسه.
وعلى الصعيد الاقتصادي، توضح البيانات الخاصة بمؤشرات الهيكل الاقتصادي أن بنية الاقتصاد الإماراتي تتسم بالقوة، وهذا ما يعكسه ارتفاع مؤشر نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث أوضح تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارات ارتفع بنسبة 25% ليصل إلى 10 مليارات دولار، أي نحو 36,7 مليار درهم في عام 2013. وحلت الإمارات في المرتبة 13 في قائمة الاقتصادات الواعدة في الاستثمار الأجنبي المباشر بين عامي 2013 - 2015، في تقرير الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الصاعدة لعام 2013.
وإضافة إلى ذلك، تضاعف فائض ميزان المدفوعات في الإمارات ليصل إلى 77,3 مليار درهم عام 2013 بنسبة نمو بلغت 112٪ مقارنة مع 36,4 مليار درهم عام 2012، وفقأ للبيانات الصادرة عن المصرف المركزي. علاوة على انخفاض مؤشر نسبة المديونية الخارجية وارتفاع معدلات الاستهلاك، لاسيما استهلاك الطاقة، وزيادة كمية النفايات الناجمة عن الأنشطة الصناعية والزراعية والبلدية والبناء والتشييد.
ويشير تحليل المؤشرات الاجتماعية للتنمية المستدامة في الإمارات إلى ارتفاع المستوى الصحي للفرد، وهو ما يوضحه ارتفاع العمر المتوقع عند الولادة، كما أن جميع سكان الإمارات مشمولين ببرامج الرعاية الصحية الأولية، ويحصلون على المياه المأمونة، وينتفعون بخدمات الصرف الصحي بنسبة 100%، هذا إلى جانب تعميم التعليم الابتدائي بالدولة، وانخفاض نسبة التسرب المدرسي، وارتفاع معدل القدرة على القراءة بين البالغين.
أما على صعيد المؤشرات البيئية للتنمية المستدامة، فشهدت تطورات إيجابية في المعطيات الخاصة باستخدامات الأرض والزراعة؛ حيث ارتفعت نسبة مساحة الأراضي المغطاة بالغابات إلى إجمالي مساحة الأرض، وارتفع معدل استخدام الأسمدة؛ مما انعكس إيجابياً على كفاءة الإنتاج الزراعي في الدولة.
خطوات إضافية على طريق التنمية المستدامة
في إطار الاستراتيجية الوطنية للابتكار التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في أكتوبر الماضي، لجعل البلاد واحدة من أكثر دول العالم ابتكاراً في غضون سبع سنوات، تم تخصص 9% من الميزانية السنوية العامة لعمليات البحث والتطوير، بما يعزز من التحول نحو توظيف الابتكار في عمليات التنمية والتطوير.
وكما ورد في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال للبنك الدولي عام 2015، تتصدر الإمارات دول المنطقة نتيجة للسياسات الاقتصادية الرائدة، إذ ارتفع تصنيفها إلى المرتبة 22 كما صنفت من قبل البنك الدولي واحدة من أكثر 10 دول تحسناً في الاقتصاد العام الماضي، بعد أن طورت الكثير من الإجراءات التنظيمية المتعلقة بالأعمال. وبالإضافة لذلك حلت الإمارات في المرتبة الأولى في العالم العربي في تقرير السعادة العالمي للأمم المتحدة، ولاتزال الإمارات واحدة من أكثر الدول رواجاً ووجهة لرجال الأعمال والسياحة.
وفي نفس الإطار، أي السعي المتواصل لمزيد من التنمية المستدامة، يشهد أسبوع أبوظبي للاستدامة 2015 إقامة عدد من الفعاليات الخاصة بالتنمية المستدامة، كما يوفر الحدث الذي يُعقد في 17 يناير المقبل، منصة فعالة تتيح للقطاع الخاص اتباع منهجية تدريجية لتسريع عملية تطبيق الحلول التجارية اللازمة لمواجهة تحديات تأمين مصادر مستدامة للطاقة والمياه والغذاء والحد من تداعيات ظاهرة تغير المناخ، من خلال السعي إلى مناقشة العلاقة المترابطة بين الطاقة والمياه والغذاء، وأهمية تطبيق استراتيجيات فعالة لإدارة النفايات لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن أمن المياه يعد إحدى أكثر القضايا الملحة حول العالم، لكنها أكثر إلحاحاً في منطقة الخليج بشكل خاص، نظراً إلى الظروف المناخية القاسية التي تحدّ من خيارات المصادر الطبيعية المتوفرة، ويعتبر مشروع تحلية المياه الذي تنفذه "مصدر" نموذج يعبر عن تضافر جهود الأطراف المعنية في القطاعات المختلفة وتشكيل الشراكات الاستراتيجية وتطوير الحلول المنشودة. ويعد المشروع التجريبي الذي تنفذه مدينة "مصدر" لتحلية المياه بالاعتماد على الطاقة الشمسية، مثالاً عن الحلول التجارية الفعالة التي تتبع النهج التدريجي، حيث تم الإعلان عن المشروع خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة 2013، ويضم المشروع مجموعة من الشركات في إطار الجهود الرامية إلى تسريع الوصول إلى مرحلة التطبيق التجاري واسع النطاق وتبني تقنية تحلية المياه بالاعتماد على الطاقة المتجددة، ومن شأن هذه التقنية أن تعالج قضية أمن المياه في الإمارات على المدى البعيد في حال أثبتت إمكانية توسعها، خاصة في ظل النمو الاقتصادي القوي الذي تشهده البلاد والذي ينتج عنه ارتفاع الطلب على المياه.
في ضوء ما سبق، يجب التأكيد على أهمية زيادة دور وصلاحيات القطاع الخاص وأهمية إشراكه في عمليات التنافسية من خلال تقديم المزايا التشجيعية، بما يسهم في الأهداف المرجوة من التنافسية، والتي تسهم في تحقيق رؤية الإمارات 2021 بأن تكون الإمارات ضمن أفضل دول العالم، وذلك من خلال ارتباطها بمجموعة من الأمور الرئيسية التي تتعلق بالبنية التحتية المتطورة وشبكة المواصلات والاعتماد على الاستدامة والاقتصاد القائم على المعرفة، والتي تعد في مجملها من المساهمات الرئيسية للوصول إلى المراتب المتقدمة على سلم التنافسية العالمي.