أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

رسائل آليبون:

دلالات رسو سفينة الإنزال العسكرية البريطانية في ميناء طرابلس

07 أكتوبر، 2022


وصلت سفينة الإنزال البريطانية "اتش إم إس آليبون" (HMS Albion) إلى قاعدة "أبوستة" البحرية، بالعاصمة الليبية طرابلس، في 28 سبتمبر 2022، حيث استمرت يومين قبل أن تغادر القاعدة. وعقد خلالها كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، الفريق جون مارتن سامبسون، لقاءات مع بعض المسؤولين الليبيين، بما في ذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة.

تطور مفاجئ: 

مثّل وصول سفينة الإنزال البريطانية تطوراً لافتاً في المشهد الليبي، كونها المرة الأولى لوصول قطعة بحرية تابعة للبحرية الملكية البريطانية إلى طرابلس منذ قرابة الثماني سنوات، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- وصول سفينة الإنزال البريطانية آليبون: تعد السفينة البريطانية أحد أبرز القطع البحرية البريطانية كبيرة الحجم، والتي يبلغ طولها نحو 176 متراً، بينما يصل عرضها إلى حوالي 30 متراً، وهي من أجزاء "مجموعة الاستجابة الساحلية الشمالية"، المصممة للانتشار في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية لبريطانيا. فضلاً عن كونها واحدة من القطع الداعمة لعمليات حلف الناتو، حيث تحوي على أكثر من ألف بحار وعنصر من مشاة البحرية البريطانية. 

2- إجراء لقاءات متعددة: استضافت سفينة الإنزال البريطانية على متنها لقاءات مع عدد من المسؤولين الليبيين، فقد قام نائب رئيس المجلس الرئاسي، موسى الكوني، ومحافظ البنك المركزي، الصادق الكبير، ووزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة، نجلاء المنقوش، بزيارة السفينة، حيث عقدوا اجتماعات مع القيادات العسكرية بها.

كذلك قام كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، الفريق جون مارتن سامبسون، رفقة فريق فني من وزارة الدفاع البريطانية، بزيارة إلى العاصمة الليبية، عقدوا خلالها اجتماعاً مع الدبيبة، وبحضور السفيرة البريطانية في ليبيا، كارولين هورندال، والملحق العسكري بالسفارة، كريس أوفلاهيرتي.

وتضمن اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون الفني بين وزارتي الدفاع في البلدين، وتفعيل سلسلة من البرامج التدريبية، إلى جانب لقاء آخر عقده الوفد البريطاني مع نائبي رئيس المجلس الرئاسي، موسى الكوني وعبد الله اللافي، بحضور رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الدبيبة، محمد الحداد.

3- توظيف الدبيبة الزيارة لتعزيز شرعيته: عمدت حكومة الدبيبة إلى محاولة توظيف الزيارة لتعزيز موقفها الداخلي، والتأكيد على أن شرعية هذه الحكومة منبثقة من الدعم الدولي، وهو الطرح الذي ربما تدعمه تصريحات وزير خارجية حكومة الدبيبة، ومحافظ المصرف المركزي الليبي، خاصة مع تأكيدهما إبرام لندن وحكومة الدبيبة لعدد من اتفاقيات التعاون البحري المشترك.

4- مواقف رافضة للزيارة البريطانية: لم تصدر أي بيانات رسمية عن قوى شرق ليبيا، سواء من قبل البرلمان الليبي، أو حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، أو حتى القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، حيث التزمت هذه الأطراف الصمت إزاء الزيارة، فيما أصدر بعض أعضاء مجلس النواب الليبي تصريحات منفردة عبروا خلالها عن استنكارهم للتحركات البريطانية في غرب ليبيا، وما تتضمنه من دعم لحكومة الدبيبة المنتهية ولايتها. 

من ناحية أخرى، عبّر عدد من أنصار نظام القذافي عن رفضهم لزيارة السفينة العسكرية البريطانية إلى الموانئ الليبية، وهو ما يمكن أن يعزى إلى الدور الذي لعبته بريطانيا في الإطاحة بالرئيس الليبي السابق، معمر القذافي.

تفسيرات متباينة:

تباينت التقديرات بشأن تفسير دوافع زيارة سفينة الإنزال البريطانية إلى طرابلس، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تعزيز الحضور البريطاني في ليبيا: لا يمكن فصل زيارة السفينة البريطانية إلى طرابلس عن التحركات البريطانية الراهنة لتعزيز حضورها في ليبيا، وهو ما انعكس في المساعي الحثيثة التي تتخذها لندن في هذا السياق، بما في ذلك تحركات السفيرة البريطانية في ليبيا، كارولين هورندال.

2- توجيه رسائل تحذيرية لروسيا: اعتبرت بعض التقديرات أن زيارة السفينة العسكرية البريطانية تعكس رسائل ضمنية من لندن إلى موسكو، حيث تسعى لندن للتلويح بأنها لاتزال تتمتع بنفوذ واسع في ليبيا، وأنها قد تستثمر وجودها هناك لتأمين مسارات الطاقة في البحر المتوسط، لاسيما أن هذه الزيارة تتزامن مع اتهام موسكو للولايات المتحدة وبريطانيا وأوكرانيا بالتورط في العمل التخريبي الذي طال خطي الغاز الروسيين "نورد ستريم 1" و"نورد ستريم 2"، وهو ما يعكس وجود مخاوف من أن تتجه روسيا للرد على ذلك الهجوم عبر تنفيذ هجوم يطال خط الغاز الرابط بين ليبيا وإيطاليا. 

ومن جهة أخرى، ربما تسعى الدول الأوروبية إلى زيادة استثماراتها في قطاع الطاقة الليبي. وربما يعزز من هذا الطرح الاجتماع الذي عقدته السفيرة البريطانية في ليبيا، كارولين هورندال، مع وزير النفط والغاز بحكومة الدبيبة، محمد عون، والذي تضمن مناقشة عودة الشركات الإنجليزية للعمل في قطاع الطاقة بليبيا، وإتاحة المجال أمام الشركات الإنجليزية لاستكشاف النفط والغاز في المناطق البرية والبحرية.

وتشير تقارير غير مؤكدة إلى وجود مساع لحكومة الدبيبة لشن هجمات على منطقة الهلال النفطي بوسط ليبيا، في محاولة لتعزيز استمراريته في السلطة، وضمان هيمنته على مصادر الطاقة، إلى جانب سيطرته على المؤسسات المالية في ليبيا، بل أن هذه التقارير لم تستبعد أن تكون السفينة البريطانية قد تضمنت معدات عسكرية قدمتها لندن لدعم لحكومة الدبيبة، بيد أنه حتى الآن لا يوجد أي تأكيدات على هذا الأمر.

انعكاسات محتملة: 

يمكن رصد جملة من الانعكاسات المحتملة لرسو السفينة العسكرية البريطانية في ميناء طرابلس، على النحو التالي:

1- عودة ملف توحيد الجيش: يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عودة الاهتمام الدولي بملف توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من خلال لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، فقد جددت بريطانيا التأكيد على دعمها لجهود اللجنة لاتخاذ خطوات ملموسة لتوحيد المؤسسة العسكرية، تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك خلال اللقاء الذي جمع كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جوي مارتن سامبسون، مع نائبي رئيس المجلس الرئاسي الليبي.

2- تنامي التنافس الدولي في ليبيا: يبدو أن التوجهات البريطانية الراهنة نحو ليبيا باتت تشكل إزعاجاً لتركيا التي تخشى على نفوذها هناك، فبعد ساعات قليلة من وصول سفينة الإنزال البريطانية إلى ميناء طرابلس، أعلنت تركيا في 29 سبتمبر 2022، عن إجراء مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين قواتها البحرية ونظيرتها الليبية، قبالة سواحل طرابلس.

كما أنه بعد يومين فقط من مغادرة السفينة البريطانية ميناء طرابلس، أعلنت الخارجية التركية أن وفداً تركياً رفيع المستوى توجه إلى ليبيا، في 3 أكتوبر 2022، بناء على تعليمات من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يتضمن وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، ووزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، بالإضافة إلى وزراء الطاقة والموارد الطبيعية، فاتح دونمز، والتجارة، محمد موش، فضلاً عن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، ومدير الاتصالات، فخر الدين ألتون.

وتم الإعلان عن توقيع حكومة الدبيبة والوفد التركي على مذكرة تفاهم للتنقيب على النفط والغاز في المياه الإقليمية وكذا الأراضي الليبية، وذلك في إطار شراكة بين شركات تركية وليبية. وكان وزير النفط والغاز الليبي، محمد عون، ألمح مؤخراً إلى أن نحو 40% من إجمالي المواقع التي يحتمل أن ينطوي على اكتشافات نفطية يقع في المناطق التي تتضمنها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع أنقرة. وأشارت تقديرات إلى أن زيارة الوفد التركي إلى طرابلس تضمنت التوقيع على مذكرة تفاهم أخرى تتعلق بالتعاون بين الجانبين في المجال الأمني والموارد الهيدروكربونية والإعلام، دون ذكر تفاصيل إضافية. 

3- انخراط بريطاني أكبر في الملف الليبي: ألمحت بعض التقديرات إلى أن زيارة سفينة "اتش إم إس آليبون" إلى ميناء طرابلس تمثل مقدمة لدور بريطاني أكبر في الملف الليبي خلال الفترة المقبلة، وذلك لملء الفراغ الأوروبي هناك، في ظل انشغال القوى الأوروبية بتداعيات الأزمة الأوكرانية على الداخل الأوروبي.

وأشارت بعض التقديرات إلى أن الخطة التي كانت بريطانيا قد أعلنتها بموجب المراجعة الدفاعية الأخيرة قد تضمنت نشر مجموعتين للاستجابة الساحلية المنتظمة في المناطق التي تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة للمملكة المتحدة، وهو ما قد يدعم فرضية اتجاه بريطانيا لتعزيز حضورها في الملف الليبي.

4- ترسيخ الانقسام في الداخل الليبي: يلاحظ أن هناك تراجعاً في الموقف الدولي الدافع نحو تشكيل حكومة جديدة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية، ومن ثم الاتجاه نحو الإبقاء على حكومة الدبيبة مع تكثيف الضغط لإجراء الانتخابات، وهو قد يزيد من حالة الاستقطاب الداخلي، والذي بدأت بعض ملامحه في الظهور مع إعادة طرح فكرة تفعيل دستور 1951 والنظام الفيدرالي، فضلاً عن تصريحات رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، ورئيس حكومة الاستقرار الوطني، فتحي باشاغا، الأخيرة رداً على الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الدبيبة مع الوفد التركي الذي زار طرابلس في 3 أكتوبر الجاري، حيث رفض صالح وباشاغا هذه الاتفاقيات، معتبرين أنها غير قانونية وغير ملزمة بالنسبة لليبيا، باعتبار أن حكومة الدبيبة منتهية ولايتها وغير شرعية، وهو ما قد يزيد من تفاقم الانقسامات الداخلية في ليبيا.

وفي الختام، يبدو أن السياقات الدولية الراهنة، والتي تشهد تصاعداً لافتاً في وتيرة التنافس بين القوى الدولية، ستنعكس بقوة على المشهد الليبي خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل أهمية موقع طرابلس الجيواستراتيجي في منطقة البحر المتوسط، ناهيك عن أهميتها المرتبطة بملف الطاقة، وبالتالي يرجح أن تشهد المرحلة القادمة تنامي في مستويات التنافس الدولي والإقليمي في ليبيا.