أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تكريس الانقسام:

تأثير الانخراط الإقليمي والدولي على الصراع الدائر في ليبيا

10 سبتمبر، 2022


بات العامل الخارجي محدداً حاسماً في تطورات المشهد في ظل الجمود السياسي والعسكري، الذي يطغى على الملف الليبي. وشهدت الفترة الأخيرة تصاعد الانخراط الدولي والإقليمي في الأزمة الليبية، في ظل وجود تحركات مكثفة تقوم بها هذه الفواعل للتوصل إلى ترتيبات جديدة لحلحلة الأزمة السياسية الراهنة.

موقف دولي متباين:

يتسم الموقف الدولي الراهن إزاء الملف الليبي بحالة من التباين وعدم اليقين، ويمكن رصد حدود الانخراط الدولي الحالي في ليبيا على النحو التالي:

1- ضغوط أمريكية: تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً قوية حالياً على أطراف الأزمة الليبية لإنجاز القاعدة الدستورية وتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات كأولوية، وهو ما وضح في اللقاءات المكثفة التي عقدها السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، مع الأطراف الليبية.

ولا تزال واشنطن متمسكة بمقاربتها القائمة على تثبيت الأمر الواقع لحين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أي الإبقاء على وجود حكومتين متنافستين مع تولي كل منهما مسؤولية إجراء الانتخابات في النطاق الجغرافي الذي يسيطر عليه، ولكن شريطة عدم تصعيد حدة الصراع الداخلي لمستوى المواجهات العسكرية، وهو ما كان قد عبّر عنه صراحة السفير الأمريكي في ليبيا.

2- استمرار النفوذ الروسي: على الرغم من انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية الراهنة، فإنها قامت مؤخراً بإعادة الكثير من عناصر فاجنر الروسية إلى ليبيا مرة أخرى، حيث بات عددهم يقدر بنحو 5000 جندي، كما ستتحول ليبيا إلى ساحة تنافس بين روسيا والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، لاسيما بعد إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية من طراز "إن كيو – 9 ريبر" (NQ-9 Reaper) بسلاح روسي، والتي كانت تحلق بالقرب من مركز قيادة الجيش الليبي بمنطقة الرجمة شرق ليبيا، وتقوم بعمليات استطلاع بشأن نشاط عناصر فاجنر في ليبيا.

ويبدو أن موسكو أرادت توصيل رسائل إلى واشنطن مفادها أن هذه المنطقة باتت منطقة نفوذ روسي. وتعمل موسكو حالياً على تعزيز حضورها في ليبيا لاستخدامها كورقة ضغط على الغرب من ناحية، واتخاذها كنقطة ارتكاز لتعزيز النفوذ الروسي في الساحل الأفريقي.

3- دور أوروبي مرتبك: تراجع النفوذ الأوروبي في ليبيا خلال الفترة الأخيرة بسبب السياسات المنفردة التي تنتهجها الدول الأوروبية تجاهها، والتي تتسم في كثير من الأحيان بالتنافس وتضارب الأدوار، لاسيما بين فرنسا وإيطاليا.

وازداد الموقف الأوروبي ارتباكاً بسبب الانشغال بتداعيات الحرب الأوكرانية على أوضاعها الداخلية. ولاتزال إيطاليا وفرنسا تلعبان دوراً مؤثراً في ليبيا. وتركز روما على زيادة حصتها من النفط والغاز الليبي، وهو ما انعكس بوضوح في اللقاء الأخير الذي جمع الدبيبة بالسفير الإيطالي لدى ليبيا، جوزيبي بوتشينو. وتسعى باريس في المقابل لتعزيز حضورها في ليبيا عبر دعم باشاغا، إذ إن محاولته الأخيرة لدخول العاصمة طرابلس جاءت بتنسيق ودعم رئيسي من فرنسا.

وتدعم بريطانيا حكومة الدبيبة، غير أن هذا الموقف قد يتغير مع تولي ليز تراس رئاسة الحكومة، لاسيما مع وجود مارك فولبروك، في قيادة حملتها، والذي يتوقع أن يصبح أحد عناصر حكومتها المقبلة، حيث كان فولبروك يضغط على حكومة بوريس جونسون لدعم موقف مجلس النواب الليبي وحكومة باشاغا، من خلال شركته "فولبروك ستراتيجيز" (Fullbrook Strategies).

4- تفعيل الدور الأممي: تمكنت الأمم المتحدة أخيراً من تعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا، هو الدبلوماسي السنغالي، عبد الله بيتلي، بعد تعثر دام لنحو تسعة أشهر، وهو ما قد يدفع نحو تفعيل الدور الأممي في الملف الليبي خلال الفترة المقبلة. وجاء اختيار بيتلي بناء على ضغوط روسية وصينية وأفريقية. كما ألمحت بعض التقارير إلى أن اختيار بيتلي يحظى بدعم فرنسي كذلك، نظراً للعلاقات القوية التي تربط باريس بالدبلوماسي السنغالي منذ توليه منصب نائب المبعوث الأممي لبعثة "مينوسما" في مالي عام 2013.

انخراط إقليمي متنامٍ:

تنامي حجم الانخراط الإقليمي في الملف الليبي في الوقت الراهن، وهو ما يمكن رصده على النحو التالي:

1- تحركات تركية للوساطة: حافظت أنقرة على موقفها الحيادي من الصراع القائم بين الدبيبة وباشاغا، حيث استضافتهما، في 2 سبتمبر 2022، بعد اشتباكات طرابلس نهاية أغسطس الماضي، وعقدت اجتماعات منفصلة مع كل منهما بمقر المخابرات التركية.

وتعتمد المقاربة التركية الراهنة تجاه ليبيا على انفتاحها على الأطراف كافة، لضمان تعظيم مصالحها هناك، والعمل على التوصل لتوافقات سياسية، مع رفض تغيير الوضع القائم بالقوة، وهو ما يتضح في استخدام القوات التابعة للدبيبة طائرات مسيرة تركية من طراز "بيرقدار تي بي 2" في صدها تقدم المجموعات المسلحة التابعة لباشاغا صوب طرابلس.

2- دعم مصري للمسار الدستوري: تركز مصر حالياً على إحداث تقدم في مسار القاعدة الدستورية التي ستنظم الانتخابات المقبلة. وفي هذا السياق، استقبلت القاهرة في أغسطس رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، في أعقاب زيارة الأخير إلى أنقرة، حيث تسعى مصر إلى بلورة تفاهمات بين صالح والمشري حول القاعدة الدستورية، مع تمسك القاهرة بشرعية حكومة باشاغا المكلفة من قبل البرلمان، ونهاية ولاية حكومة الدبيبة، وهو ما انعكس بوضوح في انسحاب الوفد المصري، في 6 سبتمبر، من اجتماعات الجامعة العربية، احتجاجاً على شغل نجلاء المنقوش، وزيرة خارجية حكومة الدبيبة، مقعد ليبيا أثناء الدورة الحالية للجامعة. 

3- تنافس مغاربي: يمثل الملف الليبي أحد أبرز أولويات السياسة الخارجية للجزائر في الوقت الراهن، حيث تحاول الأخيرة تعزيز حضورها في هذا الملف، وهو ما انعكس في استقبالها للدبيبة في أبريل 2022، فضلاً عن زيارة وزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، للجزائر في يوليو الماضي، كما عمدت الجزائر إلى تعيين سفير لها في ليبيا العام الماضي، بعدما أعادت فتح سفارتها بطرابلس، والتي كانت قد أغلقتها في مايو 2014، فيما عينت حكومة الدبيبة سفيراً لها في الجزائر في أغسطس 2022، وهو البرلماني، محمد همه بكدة، بعدما ظل هذا المنصب شاغراً منذ 2018.

وتعد الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تعترف صراحة بشرعية حكومة الدبيبة، وتسعى من خلال علاقاتها القوية به إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في غرب ليبيا، ويجري حالياً التحضير لعقد اجتماعاً بين البلدين من أجل إعادة فتح المعابر الحدودية بينهما، خاصة معبر غدامس، فضلاً عن المباحثات الراهنة بين البلدين في عودة الخطوط الجوية بينهما، وبحث إمكانية فتح خط بحري يربط الجانبين.

وباتت تونس أقرب إلى الموقف الجزائري بشأن الصراع الراهن في ليبيا، بعدما كانت تونس في وقت سابق أقرب لدعم حكومة باشاغا، ويبدو أن ذلك نتاج التفاهمات المتنامية بين الجزائر وتونس. وتسعى الجزائر لتشكيل تكتل إقليمي بقيادتها بديلاً عن مجموعة دول الجوار الليبي، في ظل المواقف المتباينة بين الجزائر ومصر حول ليبيا، والتنافس الحاد بين الأولى والمغرب.

ارتدادات داخلية محتملة:

في ضوء شبكة الانخراط الخارجي المعقدة في الداخل الليبي، يمكن رصد جملة من الارتدادات المحتملة لهذا الانخراط على المشهد الداخلي، على النحو التالي:

1- دعم مسار القاعدة الدستورية: من المرجح أن تشهد الفترة المقبلة تزايد التركيز على المسار الدستوري، ومحاولة صياغة توافقات بين مجلسي النواب والدولة يمهد الطريق لصياغة قاعدة دستورية يتم الاعتماد عليها لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، خاصةً في ظل الضغوط الأمريكية الراهنة.

2- وضع خريطة طريق جديدة: أشارت بعض التقديرات إلى أن ثمة تحركات راهنة لطرح خارطة طريق جديدة خلال الفترة المقبلة، في ظل التوافقات النسبية الراهنة في علاقات القوى الإقليمية الفاعلة في الملف الليبي. ويبدو أن ثمة تصور أمريكي بشأن ملامح هذه الخريطة، وهو ما عبّر عنه سفير واشنطن لدى ليبيا، وبالتالي يمكن أن يقود المبعوث الأممي الجديد خلال المرحلة المقبلة عملية المشاورات لطرح هذه الخريطة الجديدة.

وفي الختام، يبدو أن الدور الإقليمي والدولي بات مؤثراً في تطورات المشهد الليبي في الوقت الراهن، بصورة قد تساعد على التوصل لتوافقات فيما يتعلق بالمسار الدستوري وإجراء الانتخابات المبكرة، مع محاولة منع الحكومتين المتنافستين من اللجوء إلى القوة العسكرية لحسم الصراع الجاري على السلطة. ويلاحظ أن التوافق على المسار الدستوري لن يكون بالعملية اليسيرة، خاصة في ظل تعثر الجهود السابقة، وهو ما يعني استمرار وجود حكومتين موازيتين في ليبيا في المدى المنظور.