أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

خيارات مُكَلِفة:

هل تستمر الهند في شراء النفط الإيراني بعد العقوبات الأمريكية؟

14 أكتوبر، 2018


يواجه قطاع الطاقة الهندي موقفًا معقدًا في ظل اتجاه الإدارة الأمريكية نحو تطبيق جولة ثانية من العقوبات على إيران في نوفمبر المقبل، حيث تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني، ومن بينهم الهند، لوقف استيراده في الفترة المقبلة. وبالنسبة للهند، يعد النفط الإيراني أحد الخيارات التي لا يمكن الاستغناء عنها لتأمين الطاقة لديها نظرًا للشروط التفضيلية التي تمنحها إيران لها. ورغم الموقف الهندي الرافض للعقوبات الأمريكية، إلا أن عددًا من شركات التكرير الهندية قررت وقف تحميل شحنات النفط الإيراني بداية من نوفمبر المقبل، وهو ما قد يدفعها لتعويض الفجوة المحتملة من منتجين آخرين ولكن بكلفة اقتصادية مرتفعة.

مصالح حيوية:

تعد الهند إحدى الدول التي استفادت بشدة من إبرام الاتفاق النووي النهائي بين مجموعة "5+1" وإيران، حيث رفعت من مستوى مشترياتها من النفط الإيراني في العامين الماضيين ليصل إلى ذروته في مايو الماضي عند 705 ألف برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2016، وبزيادة 45% مقارنة بنفس الشهر في عام 2017.

لكن في المتوسط، استوردت الهند نحو ​​583 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني في النصف الأول من عام 2018، وبزيادة 6.5% فوق مستويات نفس الفترة من العام الماضي. وعلى الدوام، ظل الخام الإيراني أحد الخيارات التي لا يمكن الاستغناء عنها لشركات التكرير الهندية لتأمين الطاقة لديها نظرًا لأن إيران تبيع نفطها بالسوق الهندية وفق شروط ائتمانية جاذبة وشحن مجاني عمليًا، فضلاً عن انخفاض كلفة النقل نظرًا للقرب الجغرافي بين البلدين.

وفي هذا السياق، تمنح إيران الهند، في العادة، فترة سماح تصل إلى 60 يومًا لتسديد أثمان مشترياتها من النفط، وهى ضعف المدة الزمنية التي يمنحها المنتجون الآخرون، بالإضافة إلى خصم على تكلفة الشحن يزيد على 60%. والأكثر من ذلك، أن العديد من مصافي التكرير الهندية قد تم تجهيزها لمعالجة النفط الإيراني، وهو ما يعني أنها لا تستطيع التحول إلى موردين آخرين بسهولة.

وبجانب ذلك، فلدى الدولتين مصالح مشتركة أخرى خاصة في تطوير حقل فرزاد للغاز، حيث عرض تحالف من الشركات الهندية في الأشهر الماضية استثمار ما يصل إلى 11 مليار دولار لزيادة إنتاجيته وتشييد البنية التحتية اللازمة لأنشطته لبدء تصدير الغاز للأسواق الدولية من بينها الهند بطبيعة الحال.

وبخلاف الطاقة، يمتد التعاون بين طهران ونيودلهي إلى أحد المشروعات الاستراتيجية، وهو تطوير ميناء تشابهار في إيران، حيث من المتوقع أن يربط بين الهند وإيران وأفغانستان دون المرور بباكستان، ومن أجل ذلك خصصت الهند له استثمارات تصل إلى نصف مليار دولار.

مناورة محدودة:

منذ إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو الماضي، تضغط الإدارة الأمريكية بقوة على مستوردي النفط الإيراني للتوقف عن شراءه، وهو ما قد يتحقق بالفعل خاصة مع تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، بداية من نوفمبر المقبل، والتي سوف تطال قطاع الطاقة الإيراني، على نحو دفع مستوردي النفط الإيراني لتخفيض مشترياتهم مثل اليابان، أو التوقف تمامًا عن تحميل شحنات النفط الإيراني على غرار كوريا الجنوبية بداية من أغسطس الماضي.

وبالنسبة للهند، فقد ضغطت الإدارة الأمريكية لإثنائها عن شراء النفط الإيراني، وهو ما يعكسه تصريح نيكي هيلي السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، في 27 يونيو 2018، الذي حثت فيه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على تقليص اعتماد بلاده على النفط الإيراني في مقابل السماح للهند بالاستمرار في تطوير ميناء تشابهار الإيراني في مقايضة تبدو غير مقبولة لدى الأخيرة.

ومن جانبها، رفضت الهند العقوبات الأمريكية، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج، في 28 مايو 2018، بقولها أن "الهند تلتزم فقط بالعقوبات التي تفرضها ​الأمم المتحدة ​وليس العقوبات الأحادية الجانب مثل العقوبات الأمريكية". وبالرغم من ذلك، استجابت بعض شركات التكرير الهندية، مثل شركة تشيناي للبترول وشركة ريلاينس إندستريز، للضغوط الأمريكية وقررت التوقف عن شراء النفط الإيراني بمجرد بدء تطبيق العقوبات الجديدة في نوفمبر المقبل.

في الوقت نفسه، بدا القطاع المالي الهندي متوجسًا هو الآخر من تبعات العقوبات الأمريكية عليه، بشكل دفع بنك الدولة الهندي للتوقف عن التعامل مع المدفوعات المتعلقة بالنفط القادم من إيران اعتبارًا من نوفمبر المقبل، وهو ما قد يؤثر بشدة على مستويات واردات النفط الخام من إيران بحسب مؤسسة النفط الهندية.

وبناءً على هذه التطورات، انخفضت واردات الهند من النفط الإيراني حتى آخر بيانات متاحة إلى نحو 523 ألف برميل يوميًا في أغسطس الماضي بتراجع 32% عن الشهر السابق، إلا أنها لا تزال أعلى بنسبة 56% عن الشهر نفسه من العام الماضي.

بدائل محتملة:

وعلى ما يبدو، فإن نيودلهي لن تتجاوب بسهولة مع الضغوط الأمريكية لوقف شراء الخام الإيراني، حيث من الصعب للغاية بالنسبة لها، ولغيرها من المشترين، وقف جميع الواردات، وإن كانت حريصة في الوقت نفسه على إظهار امتثالها للعقوبات الأمريكية تجنبًا لنشوب خلافات واسعة مع الولايات المتحدة.

ومن هنا، رجحت بعض الاتجاهات استمرار المفاوضات بين الولايات المتحدة والهند للحصول على إعفاءات من الأولى لكى تتمكن من شراء الخام الإيراني، ويتزامن ذلك مع تغير نسبي في الموقف الأمريكي مؤخرًا وتلميح واشنطن، بحسب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى إمكانية منح إعفاءات لبعض الدول.

وفي إشارة ربما للإصرار على استيراد النفط الإيراني، صرح وزير النفط الهندي دارميندرا برادان، في 8 أكتوبر الجاري، بأن شركتين هنديتين طلبتا شراء الخام الإيراني في نوفمبر المقبل، وهما على الأرجح وفق بعض الاتجاهات مؤسسة النفط الهندية و مانجالور للتكرير والبتروكيماويات، وذلك في الوقت الذي ظهرت فيه بعض المقترحات التي تقضي بأن تقوم شركات التكرير الهندية بتسديد أثمان مشترياتها من النفط بالروبية بعد نوفمبر القادم.      

ومن جهة أخرى، يمكن فهم وتفسير تصريح الوزير الهندي بأن حكومته ترغب في توجيه رسالة لكل من الولايات المتحدة وإيران مفادها أن عددًا محدودًا من شركات تكرير النفط الهندية سوف يستمر في شراء الخام الإيراني، ما يعني تقليص مستويات الواردات، على نحو قد يتوافق نسبيًا مع رؤية الجانب الأمريكي، لكن مع عدم وقف الاستيراد بشكل تام في الوقت نفسه.

وعلى أية حال، فإذا لم يكن بإمكان الهند استيراد النفط الإيراني بنفس المستويات السابقة، فذلك سوف يضطرها في الأشهر المقبلة للتحول لمنتجي النفط الآخرين بهدف سد الفجوة. ومن بين الخيارات المحتملة المتاحة أمامها استيراد النفط من الولايات المتحدة أو من بعض منتجي الشرق الأوسط.

لكن جميع الخيارات المحتملة لسد فجوة النفط بعد تطبيق العقوبات الأمريكية تبدو مُكَلِفة اقتصاديًا. إذ من المتوقع أن يخرج من السوق العالمية ما بين 1-1.5 مليون برميل يوميًا من النفط الإيراني في الأشهر المقبلة، وهو ما سيعمل على رفع أسعار النفط فوق المستويات القياسية الحالية التي تصل إلى 80 دولار للبرميل، وزيادة قيمة فاتورة واردات الهند من الوقود بعدما فقدت الروبية 13% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري.

ووفق معطيات الموازنة الهندية للعام 2018/2019، ربطت الحكومة سعر برميل النفط عند متوسط سنوي قدره 65 دولارًا للبرميل، بما يعني أن الحكومة ستتحمل ما يزيد عن 10 دولارات لكل برميل نفط تستورده في الفترة المقبلة.

فضلاً عن ذلك، فقد حددت الحكومة سعر الصرف بـ65 روبية مقابل الدولار، لكن قيمتها في أكتوبر الجاري تراجعت إلى أكثر من 74 روبية، وهو ما سوف يرفع كلفة استيراد النفط. ولن تتمكن الهند أيضًا من الحصول على نفس الشروط التفضيلية من إيران، على نحو سيتسبب لها بخسارة أخرى.

وختامًا، يمكن القول إنه بات من الصعب على الهند الاستمرار في شراء النفط الإيراني بنفس مستويات العامين الماضيين، وهو ما سيدفعها لتعويض الفجوة من مصادر أخرى تبدو مُكَلِفة اقتصاديًا لها في وقت يعاني فيه سعر الصرف للعملة المحلية من تدهور ملحوظ بجانب ارتفاع الأسعار العالمية للنفط.