على الرغم من أن أغلب أنظار العالم تتجه صوب ساكن البيت الأبيض الجديد، وما قد تسفر عنه انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة في 5 نوفمبر 2024 من تداعيات على الصعيدين الداخلي والدولي؛ فإن ثمة معركة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي انتخابات الدورة رقم 119 من الكونغرس، والتي تُجرى، كالعادة، بالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي. ففي هذا اليوم، سوف يتجه ملايين الأمريكيين لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في معركة شرسة، يتنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري على جميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعداً، وكذلك على ثُلث عدد مقاعد مجلس الشيوخ؛ أي على 34 مقعداً من أصل 100.
وليس من قبيل المبالغة القول إن انتخابات "الكابيتول هيل" سوف يكون من شأنها التأثير في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة خلال العامين المقبلين؛ أي حتى انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2026. ويتصل ذلك بتوازن القوى بين الكونغرس والرئاسة، وحجم الوظائف والأدوار المخولة إلى الهيئة التشريعية بمجلسيها والتي تملك في إطارها القدرة على عرقلة عمل أي رئيس مقبل، وكذلك خصوصية المشهد الانتخابي الراهن في ضوء الاحتقان السياسي الحاد بين الحزبين الكبيرين، فضلاً عن تعدد القضايا الداخلية والخارجية ذات الأولوية القصوى، والتي ستكون على أجندة مباحثات الكونغرس القادم ومداولاته، مثل: الضرائب، والهجرة، والبيئة، والإجهاض، والمساعدات الخارجية... إلخ.
في ضوء ما تقدم، يتناول هذا التحليل أهمية انتخابات الكونغرس، وأبرز السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بفرص الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ وذلك في ضوء العوامل المؤثرة في المشهد السياسي الأمريكي ونتائج استطلاعات الرأي.
أهمية الكونغرس:
تتنوع المؤشرات الدالة على أهمية انتخابات الكونغرس الحالية، والتي تأتي في لحظة فارقة داخلياً وخارجياً من منظور مختلف الأطراف الفاعلة بالسياسة الأمريكية. ويمكن تلخيص أهمية هذه الانتخابات في التالي:
1- محورية الأغلبية البرلمانية في النظام السياسي الأمريكي، الذي يستند إلى قاعدة "الفائز يحصل على كل شيء"؛ إذ إن الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية، حتى وإن كانت ضئيلة، يمكنه تغيير وجه السياسة الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي، بما يمتلكه من صلاحيات واختصاصات هائلة قد تُيسِر أو تُعرقِل إدارة الرئيس الأمريكي. فإلى جانب سن وإصدار التشريعات، يتمتع الكونغرس بسلطة الموافقة على تعيينات الإدارة الرئاسية سواء على صعيد المناصب الوزارية أم القضاة الفدراليين أم المرشحين لتولي مناصب بالمحكمة العليا الأمريكية، والتصديق على المعاهدات مع الدول الأجنبية بأغلبية الثُلثين، ومحاكمة المسؤولين الفدراليين وعزلهم من مناصبهم حال إدانتهم وهي المحاكمات التي تتم داخل أروقة مجلس الشيوخ.
أضف إلى ذلك، أن الكونغرس صاحب الاختصاص الوحيد في توفير الآليات اللازمة لتمويل الحكومة الفدرالية وسن القوانين المرتبطة بأدق أمور معيشة المواطنين، كما أنه المسؤول عن تحديد ميزانية وزارة الدفاع، وتنظيم قواعد التجارة والرسوم الجمركية، وتخصيص المساعدات العسكرية والمالية للخارج؛ ويعني كل ما تقدم، أن برنامج عمل الرئيس الأمريكي القادم، وسياساته الداخلية والخارجية، وجميع الوعود التي أطلقها طوال فترة حملته الانتخابية؛ سوف تصبح قيّد التعطيل إذا لم تحظ إدارته بالأغلبية داخل الكونغرس بغرفتيه. إذ إن السيطرة على إحدى الغرفتين وحسب؛ تعني إمكانية عرقلة تعيينات الرئيس وتعطيل التشريعات التي تطلبها إدارته، وذلك عملاً بالحكمة الأمريكية القائلة إن "الكونغرس المُنقسم يخلق رئيساً ضعيفاً".
2- تعدد القضايا المُلحة على أجندة الكونغرس القادم، والتي من شأنها تغيير سياسة واشنطن لسنوات قادمة. فعلى سبيل المثال، سيتباحث أعضاء الكونغرس الجديد حول مجموعة من التشريعات الضريبية التي تنتهي صلاحيتها بحلول نهاية العام المقبل، والخاصة بمعدلات الضريبة على دخول الأفراد ورجال الأعمال، وكذلك حجم الإعفاءات الضريبية على الهدايا والتركات. وفي هذا السياق، بينما يأمل الجمهوريون تمديد العمل بقانون خفض الضرائب الذي سبق أن صاغوه عام 2017، فإن الديمقراطيين يسعون لاستغلال الفرصة لتغييره عبر رفع معدلات الضرائب على الأثرياء والشركات، وخفض نسب الإعفاءات الضريبية على الهدايا والتركات؛ من أجل استخدام فوائض الأموال في تمويل مشروعات الرعاية الصحية والتعليمية التي تُعد جزءاً من برنامج كامالا هاريس الانتخابي.
إضافة إلى ما تقدم، سوف يتصدى الكونغرس لمهمة رفع سقف الدين الحكومي بعدما بلغ مستويات غير مسبوقة، تجاوزت 35 تريليون دولار في يوليو الماضي. صحيح أن الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، نجح في الحصول على موافقة الكونغرس لتمرير حزمة إضافية لتمويل الحكومة الفدرالية بعد قرابة العام من المساومات والعراقيل التي فرضها الجمهوريون، غير أنه بحلول الربع الثاني من العام المقبل سوف تكون على عاتق الكونغرس مهمة اتخاذ التدابير اللازمة حتى لا تتخلف الإدارة الأمريكية عن سداد التزاماتها المالية أو تتعرض لأزمة إغلاق حكومي.
أضف إلى ذلك، أن قضية المساعدات العسكرية والمالية لحلفاء واشنطن بالخارج سوف تطِل برأسها مرة أخرى على طاولة الكونغرس، خصوصاً في ضوء تعقد المشهد العسكري على الجبهة الروسية الأوكرانية وحاجة كييف لاستدامة المساعدات من ناحية، واتساع رقعة الصراع المُسلح في منطقة الشرق الأوسط مع إصرار إسرائيل على التصعيد العسكري في عدة جبهات من ناحية أخرى. وغني عن القول إن قضية المساعدات العسكرية لأوكرانيا، التي كانت ضمن حزمة أكبر لإسرائيل وتايوان، شغلت أروقة غرفتي الكابيتول لشهور عديدة طوال العام الجاري؛ نتيجة رفض الجمهوريين، وخصوصاً من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، مناقشتها أو السماح بالموافقة عليها دون الحصول على تنازلات تقضي بتغيير سياسة الإدارة الديمقراطية تجاه برامج التمويل الحكومي؛ ويعني ذلك أن قضية المساعدات الخارجية سوف تصبح إشكالية ومحل جدل واسع النطاق بين جدران "الكابيتول"، حال لم يتمكن أحد الحزبين من حصد أغلبية مقاعد المجلسين، أو كان الرئيس المقبل من حزب مخالف للأغلبية البرلمانية في الكونغرس.
3- رغبة الحزب الجمهوري في رأب الصدع الداخلي، واستعادة مكانته وشعبيته بين الأمريكيين، ولاسيما بعد أداء الحزب المتواضع خلال انتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب في نوفمبر 2022، والتي رغم أنها قادت إلى سيطرته على المجلس؛ فإن النتائج جاءت مخيبة لتوقعاته بعدما فاز بأغلبية طفيفة تصل إلى 222 مقعداً مقابل 213 للديمقراطيين، والتي تُصنف من بين أدنى مستويات الأغلبية البرلمانية في تاريخ انتخابات التجديد النصفي. هذا فضلاً عن فشله في السيطرة على مجلس الشيوخ الذي بقي تحت هيمنة الديمقراطيين. وكان من شأن هذه النتائج أن ثارت عدد من الأزمات داخل الحزب الجمهوري؛ إذ تبادلت قياداته التُّهم بالتسبب في تدهور مكانة الحزب وشعبيته. وانعكست الأزمة الداخلية على أداء الكتلة الجمهورية في الكونغرس، والتي كان من أبرز مظاهرها تصويت عدد كبير من النواب الجمهوريين لصالح عزل زعيم الأغلبية الجمهورية، كيفن مكارثي، من منصب رئيس مجلس النواب العام الماضي بعد تعاونه مع الديمقراطيين لحل أزمة الموازنة، في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة.
4- تصاعد آمال الحزب الديمقراطي في الاستحواذ على الكونغرس، حيث يأمل في توظيف حالة الزخم الانتخابي الناجمة عن انسحاب بايدن من السباق الرئاسي في 21 يوليو الماضي، والدفع بنائبته، هاريس، كمرشحه عن الحزب بدلاً منه. وقد صاحب ذلك تحسن ملحوظ في أداء الحزب الديمقراطي في استطلاعات الرأي العام منذ ذلك التاريخ؛ الأمر الذي يتضح في تفوق الحزب النسبي على نظيره الجمهوري خلال الأشهر الثلاثة الماضية (1 أغسطس وحتى 30 أكتوبر 2024)، وفق متوسط استطلاعات التصويت العامة التي أجراها موقع (FiveThirtyEight.com) بصورة يومية خلال هذه الفترة.
في هذا الإطار، يسعى الديمقراطيون إلى تعزيز سيطرتهم على مجلس الشيوخ، واستعادة هيمنتهم على مجلس النواب، معتمدين في ذلك على خطاب سياسي وحقوقي يتسق مع هوية الحزب من خلال تأكيد دور الدولة في تأمين رعاية صحية وتعليمية مناسبة، والدفاع عن وجود نظام ضريبي عادل، وحماية حقوق الأقليات؛ وذلك في مواجهة خطاب الجمهوريين الذي يؤكدون فيه قدرتهم على تمرير قوانين ضريبية من شأنها تحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين، وتوفير وظائف للعاطلين، وكبح جماح التضخم.
نتائج متوقعة:
تشير معظم التوقعات إلى أن انتخابات الكونغرس سوف تشهد منافسة شرسة، تتقارب فيها فرص الحزبين الديمقراطي والجمهوري لاقتناص أغلبية مقاعد مجلسي النواب والشيوخ، مع وجود ميزة أكبر للجمهوريين في مجلس الشيوخ، وحظوظ متقاربة للحزبين في مجلس النواب. ومع ذلك، يُمكن القول إن المشهد الانتخابي قد يشهد بعض المفاجآت التي ربما تجعل نتائج معركة الكونغرس غير مسبوقة في تاريخ السياسة الأمريكية. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى السيناريوهات التالية:
1- مخالفة السوابق السياسية في الانتخابات الأمريكية، والتي أسفرت منذ تنصيب جورج بوش الأب عام 1989 عن سيطرة حزب الرئيس المُنتخب على غرفتي الكونغرس، حيث إن الانتخابات الراهنة قد تشهد خروجاً عن هذه المعادلة. ويُفسر ذلك بحدة الاستقطاب السياسي في الشارع الأمريكي بين هاريس وترامب، والتي قد تجعل الناخبين أكثر انقساماً بشأن آرائهم السياسية، بما يؤثر في سلوكهم التصويتي في الاستحقاقات الانتخابية الراهنة بشكل غير قابل للقياس على الانتخابات السابقة؛ ويعني ذلك أن بعض الناخبين قد يُدلي مثلاً بصوته لصالح المرشح الديمقراطي للفوز بمنصب الرئيس، بينما يختار المرشح الجمهوري في انتخابات مجلسي النواب أو الشيوخ في دائرته الانتخابية، أو العكس.
ويتسق ذلك التحليل مع التوقعات التي تنبأ بها نموذج مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في 10 أكتوبر 2024، والذي رجح سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ بنسبة 66%، وفوز الديمقراطيين بمجلس النواب بنسبة 61% سواء فاز ترامب أم هاريس بالانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من أن نسبة فوز الديمقراطيين بمجلس النواب قد تقلصت في تقرير آخر نشرته المجلة ذاتها في 28 أكتوبر الماضي، إلى 53%؛ فإنها لا تزال في إطار التوقع بأن يفرز التصويت العام خلال الانتخابات المقبلة انقساماً حاداً في السلوك التصويتي للناخبين.
وفي الإطار ذاته، أشار تحليل نشرته شبكة "سي أن أن" الأمريكية، يوم 22 أكتوبر الماضي، إلى أن انتخابات الكونغرس القادم قد تشهد ظاهرة جديدة تحدث لأول مرة منذ 230 عاماً، وهي تغيير السيطرة الحزبية على أحد المجلسين بالتبادل؛ بمعنى أن يفقد الديمقراطيون سيطرتهم الحالية على مجلس الشيوخ مقابل الحصول على أغلبية مجلس النواب. وفي المقابل، يسيطر الجمهوريون على أغلبية مجلس الشيوخ المقبل في حين يخسرون هيمنتهم الحالية على مجلس النواب.
2- سيطرة جمهورية مُحتملة على مجلس الشيوخ، وذلك بالنظر إلى طبيعة المشهد الانتخابي الراهن، وما يحمله من ميزة نسبية أكبر لصالح الجمهوريين بدرجة دفعت البعض للقول إنه سواء فازت هاريس أم ترامب في السباق الرئاسي، فإن استعادة الجمهوريين أغلبية مجلس الشيوخ تكاد تكون أمراً "مفروغاً منه"، كما أشار تقرير منشور بمركز السياسة التابع لجامعة فيرجينيا الأمريكية في 18 أكتوبر الماضي.
فمن ناحية، تنتظر الديمقراطيين مهمة شاقة من أجل الحفاظ على أغلبيتهم البسيطة في مجلس الشيوخ الحالي، والتي تبلغ 51 مقعداً. وتتمثل صعوبة مهمتهم في أن ثُلثي المقاعد المُقرر إجراء الانتخابات فيها، تقع تحت سيطرتهم، بواقع 23 مقعداً من أصل 34، وأنه من بين هذه المقاعد الـ34 هناك 7 مقاعد في ولايات متأرجحة؛ أي ذات تنافسية شديدة وغير محسومة بين الديمقراطيين والجمهوريين، و3 مقاعد أخرى في ولايات صوتت لصالح ترامب في انتخابات 2016 و2020.
ومن ناحية ثانية، يبدأ الديمقراطيون الانتخابات بخسارة مقعد السيناتور المستقل، جو مانشن، عن ولاية فيرجينيا الغربية بعدما أعلن تقاعده. وتكشف استطلاعات الرأي عن التفوق الكاسح لحاكم الولاية ومرشح الحزب الجمهوري، جيم جاستيس، على حساب نظيره الديمقراطي بنحو 34 نقطة كاملة في استطلاع نشره موقع (FiveThirtyEight.com) في 27 أغسطس الماضي؛ ويعني ذلك، أنه بافتراض نجاح الديمقراطيين في الاحتفاظ بجميع مقاعدهم الحالية، فإنهم لا يزالون بحاجة إلى فوز هاريس بالانتخابات الرئاسية حتى يضمنوا صوت نائبها لكسر حالة التعادل.
ومن ناحية ثالثة، تشير نتائج استطلاعات الرأي إلى أن فرصة سيطرة الجمهوريين على أغلبية مجلس الشيوخ تقترب من نسبة 75%، في ضوء التوقع باحتفاظهم بجميع مقاعدهم الحالية فضلاً عن زيادتها بمقدار مقعدين على الأقل. فإلى جانب مقعد ولاية فيرجينا الغربية الذي تحول إلى اللون الأحمر، نسبةً إلى الجمهوريين، تشير استطلاعات الرأي إلى تفوق المرشح الجمهوري، تيم شيهي، على حساب السيناتور الديمقراطي، جون تيستر، بأربع نقاط حسب استطلاع نشرته مؤسسة "إيمرسون كوليدج" في 27 أكتوبر الماضي، وتصاعد حظوظ المرشح الجمهوري في أوهايو، بيرني مورينو، بنقطتين على السيناتور الديمقراطي، شيرود براون، في واحدة من أكثر الولايات المتأرجحة، وذلك حسب استطلاع نشرته مؤسسة (Activote) في 29 أكتوبر الماضي. هذا فضلاً عن تفوق المرشحين الجمهوريين في ولايتي تكساس وفلوريدا، اللتين يراهن الديمقراطيون على الفوز فيهما، بفارق أربع نقاط لصالح كل منهما؛ وذلك وفق استطلاع رأي نشره موقع (270towin) في 30 أكتوبر الماضي.
3- حظوظ متقاربة للحزبين في مجلس النواب مع تقدم نسبي للديمقراطيين، فخلافاً للوضع في مجلس الشيوخ، يتقاسم الحزبان نتائج استطلاعات الرأي حول أغلبية مجلس النواب المقبل بفارق طفيف للغاية. فعلى سبيل المثال، رجح موقعا (270towin) و(FiveThirtyEight.com)، فوز الحزب الجمهوري بـ218 مقعداً مقابل 217 للديمقراطيين، وذلك وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي للدوائر المتأرجحة وخصوصاً في ولايات أريزونا وكاليفورنيا وميشيغان ونيويورك، يومي 29 و30 أكتوبر على التوالي. وعلى صعيد متصل، ذهبت دراسة منشورة في "مركز بيو للأبحاث" يوم 30 أكتوبر الماضي، إلى أن الأمريكيين منذ عام 1922 عادةً ما يُفضلون انتخاب حزب الأغلبية في مجلس النواب عشية الانتخابات، ثم تغييره في انتخابات التجديد النصفي؛ ويعني ذلك أن الأنماط السابقة للسلوك التصويتي تُرجح احتمال فوز الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب.
وعلى النقيض، رجحت تقديرات أخرى استعادة الديمقراطيين سيطرتهم على مجلس النواب، وأرجعوا ذلك إلى مجموعة من العوامل، من بينها: ضعف أداء الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي، وما صاحب ذلك من أداء تشريعي ورقابي مربِك، وصفه البعض بـ"الأسوأ" في تاريخ الحزب الحديث. ومنها أيضاً، أن الديمقراطيين أنفقوا الأموال بسخاء في المقاعد الأكثر تنافسية من أجل استعادة نفوذهم فيها، وذلك بفارق هائل وصل أحياناً إلى ثلاثة أضعاف ما أنفقه الجمهوريون الذين يُعانون من أزمة سيولة طاحنة. ففي أغسطس الماضي، على سبيل المثال، استطاعت حملة الديمقراطيين جمع نحو 22.3 مليون دولار، فيما لم تتجاوز ما استخدمته حملة الجمهوريين مبلغ 9.7 مليون دولار.
أضف إلى ذلك، أن مهمة الديمقراطيين للفوز بالأغلبية داخل مجلس النواب أكثر يُسراً؛ نظراً لحاجتهم إلى الفوز في 11 من أصل 25 دائرة متأرجحة، منها 5 دوائر فقط استطاع ترامب النجاح فيها من قبل، في حين أن الجمهوريين في حاجة للفوز في 14 دائرة متأرجحة منها 12 دائرة صوتت لصالح بايدن في الانتخابات الرئاسية الماضية، وذلك حسب تصنيف "تقرير كوك السياسي" (Cook Political Report) الصادر في 25 أكتوبر الماضي. وفي ضوء نتائج استطلاعات الرأي في الدوائر المتأرجحة، توقعت مجلة "الإيكونوميست"، في 30 أكتوبر الماضي، أن يحصد الديمقراطيون 218 مقعداً في مجلس النواب، والجمهوريون 217 مقعداً. وأوضحت أيضاً ارتفاع التوقعات بشأن قدرة الحزب الديمقراطي على حسم عدد من الدوائر المتأرجحة التي يُسيطر عليها حالياً الجمهوريون وخصوصاً نيويورك وكاليفورنيا.
وعلى الصعيد ذاته، كشف تقرير لمؤسسة "يوجوف" (YOGOV) البريطانية، في 16 أكتوبر الماضي، عن بقاء حظوظ الحزب الديمقراطي في الاستحواذ على أغلبية مقاعد مجلس النواب المقبل. فمن بين ثلاثة آلاف محاكاة لانتخابات المجلس أجرتها المؤسسة، وصلت نسبة فوز الديمقراطيين بالأغلبية إلى 62%. وأضاف التقرير أن متوسط عدد المقاعد التي سوف يحصدها الديمقراطيون يتراوح بين 218 و220 مقعداً في مقابل 215 أو 217 مقعداً للجمهوريين. ومن الجدير بالذكر أن هذه النتائج لا تختلف كثيراً عن التقرير السابق للمؤسسة ذاتها والمنشور في 23 سبتمبر الماضي.
احتمالات مفتوحة:
في ضوء المعطيات السابقة، من المُحتمل أن يتقاسم الحزبان الكبيران السيطرة على غرفتي الكونغرس، وسوف يكون من شأن ذلك استمرار حالة الجمود السياسي التي عاشتها الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين بسبب انقسام الكونغرس، وأن تستمر على هذا الوضع حتى نوفمبر 2026.
وسوف يترتب على ذلك أيضاً، تعطيل مختلف الوعود والمبادرات التي أطلقها مرشحا الرئاسة في ملفات الهجرة، والإجهاض، والرعاية الصحية، والتغير المناخي، والتخفيضات أو الزيادات الضريبية، والمساعدات العسكرية والأجنبية؛ لأنه بغض الطرف عمن سيصل إلى البيت الأبيض، من المؤكد أنه لن يستطيع المُضي قُدماً في تحقيق معظم أهدافه دون تمريرها عبر الكونغرس؛ ويعني ذلك، أن مرحلة ما بعد 5 نوفمبر المقبل قد تشهد كونغرساً منقسماً يعجز معه الرئيس عن تنفيذ أجندته باستثناء رسم الملامح العامة للسياسة الخارجية وفرض بعض التعريفات الجمركية لاعتبارات الأمن القومي.
ومع ذلك، يمكن القول إن توقع نتائج انتخابات الكونغرس أشبه بمعرفة شكل العُملة المعدنية بعد إلقائها في الهواء؛ إذ تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة بشأن الأغلبية البرلمانية داخل أروقة "الكابيتول هيل"، خصوصاً أن المعركة الانتخابية في الدوائر التنافسية والمتأرجحة تتسم بالسيولة المفرطة وعدم اليقين، وتُعبر النتائج في جانب كبير منها عن المزاج السياسي والشعبي المتقلب للناخبين، وخصوصاً في حالة انتخابات مجلس النواب التي تُجرى كل عامين ويكون من شأن أي حادث عارض التأثير في قرار الناخب يوم التصويت. أضف إلى ذلك، وجود كتلة حرجة لم تحسم قرارها الانتخابي بعد في الدوائر الأكثر تنافسية بمجلس النواب، والتي من شأن مشاركتها أن تُحدِث تأثيراً قد يفوق مختلف التوقعات، ولاسيما إذا ما قررت التصويت لصالح نفس الحزب في انتخابات الرئاسة والكونغرس معاً خوفاً من شبح الجمود السياسي.