استضافت أستراليا، في الفترة من 4 إلى 6 مارس 2024، قمّة خاصة، هي الثانية من نوعها على أرضها، مع دول رابطة جنوب شرق آسيا "الآسيان"، تزامنت مع ذكرى مرور 50 عاماً على تأسيس العلاقات بين الجانبين، ناقشت سُبل تعزيز الشراكة الاقتصادية بين أستراليا و"الآسيان"، ودعم تسريع عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة، فضلاً عن زيادة التعاون البحري ودعم القادة الناشئين.
وبجانب قادة الدول الأعضاء في "الآسيان"، باستثناء ميانمار، فقد شهدت القمة أيضاً مشاركة زعيم تيمور الشرقية، التي تحظى بعضوية مبدئية في الرابطة منذ نوفمبر 2022.
سياقات مأزومة:
عُقدت قمة أستراليا و"الآسيان" في ظل سياقات وأجواء مأزومة في منطقة جنوب شرق آسيا، كانت الصين قاسماً مشتركاً فيها، بجانب التوترات في العديد من مناطق العالم الأخرى، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. تصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي: شهدت منطقة بحر الصين الجنوبي تزايداً ملحوظاً في وتيرة التوترات في الآونة الأخيرة، ولاسيما بين الصين والفلبين. فقد اتهم خفر السواحل الفلبيني القوات البحرية الصينية بالمسؤولية عن وقوع حادثي تصادم، يوم 5 مارس 2024، بين سفن الجانبين، وهو ما نتج عنه إصابة أربعة أفراد من طاقم إحداها بخراطيم مياه، خلال مهمة إمداد في قطاع سكند توماس شول، الذي يشهد حوادث متكررة. وهو ما ردت عليه بكين باتهام القوات الفلبينية، التي تحظى بتأييد ومساندة واشنطن، بصدم السفينة الصينية "عمداً" لإثارة حادث بعد توغلها في المنطقة.
ولعل ما سبق؛ يفسر اتهام بكين للولايات المتحدة باستخدام الفلبين "بيدقاً" في بحر الصيني الجنوبي، ولاسيما في ظل التعاون الوثيق بين واشنطن ومانيلا، وتأييد الولايات المتحدة للموقف الفلبيني في الخلاف مع الصين. ويُعد الحادث الأخير أحد ملامح النزاعات المتزايدة في الأشهر الأخيرة في بحر الصين الجنوبي، الذي تتنازع الفلبين وفيتنام وماليزيا، وهي أيضاً أعضاء في "الآسيان"، مع الصين بشأن السيادة على بعض المناطق فيه. وقد عبّر وزراء خارجية رابطة "الآسيان"، في 30 ديسمبر 2023، عن قلقهم إزاء التوتر المتزايد في بحر الصين الجنوبي، محذرين من أنه قد يهدد السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة.
2. المحاولات الأمريكية لاستفزاز الصين: عُقدت قمة أستراليا و"الآسيان" بالتزامن مع محاولة واشنطن استفزاز بكين فيما يتصل بمسألة حرية الملاحة والأمن البحري في منطقة بحر الصين الجنوبي، وهو ما عكسه قيام سفينة حربية أمريكية بعبور مضيق تايوان، يوم 5 مارس 2024، وهو ما تزامن أيضاً مع انطلاق المؤتمر السنوي لنواب الشعب الصيني، في خطوة تعتبرها واشنطن في إطار حرية الملاحة في أعالي البحار، فيما اعتبرتها بكين استفزازاً وتضخيماً للأمر. ومن الجدير بالذكر أن السفن الحربية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تقوم بشكل متكرر بالعبور في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، لترسيخ كونهما ممرّين مائيين دوليين، ودحض المطالب الصينية بالسيادة عليهما.
3. استمرار الخلافات بين الصين وأستراليا: شهدت العلاقات بين الصين وأستراليا، خلال السنوات القليلة الماضية، توتراً ملحوظاً على خلفية العديد من الخلافات السياسية والاقتصادية بين البلدين، ولاسيما مُطالبة أستراليا بإجراء تحقيق دولي في منشأ فيروس "كورونا" الذي رصد للمرة الأولى في الصين في نهاية 2019. وهو ما ردت عليه الصين بفرض رسوم جمركية مرتفعة عام 2020 على الصادرات الأسترالية إليها من اللحوم والنبيذ.
وعلى الرغم من بروز بوادر تحسن في العلاقات بين البلدين، وخاصة بعد عودة العماليين إلى السلطة في أستراليا في مايو 2022، وزيارة رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، في نوفمبر 2023، للصين، والتي عُدَّت مؤشراً على تحسن العلاقات الثنائية، فإن هناك تبايناً في المواقف بين البلدين على المستوى الاستراتيجي، وخاصة بشأن القضايا الأمنية والتحالف الأمني والعسكري بين أستراليا والولايات المتحدة، والذي ترى بكين أنه موجه إليها بالأساس.
4. الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة: جرى عقد القمة بين أستراليا ورابطة "الآسيان" في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. وهي الحرب التي نتج عنها مصرع ما يقرب من 31 ألف قتيل، وإصابة ما يزيد عن 72 ألف جريح من الجانب الفلسطيني، منذ السابع من أكتوبر 2023. كما يعاني سكان قطاع غزة نقصاً شديداً في المواد الغذائية والأدوية، مما يجعل أهالي القطاع عرضة لمجاعة بدأت تحصد أرواح الأطفال في غزة. وكانت منظمات دولية حذّرت مرات عدّة من أن سكان القطاع يواجهون مجاعة كارثية، كان آخرها تحذير الأمم المتحدة من أن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في غزة، يمثلون ربع السكان، على حافة المجاعة.
ومن الجدير بالذكر أن رابطة "الآسيان" تضم في عضويتها دولاً ذات أغلبية مسلمة، وهي ماليزيا وإندونيسيا وبروناي. وقد دعا وزراء دفاع "الآسيان" إلى إنهاء الحرب في غزة. في حين تُعد أستراليا داعماً قوياً لإسرائيل، رغم دعوتها في السابق إلى وقف إطلاق النار وانتقادها لما ترتب على الحرب من أعداد كبيرة للقتلى.
مُخرجات القمة:
أسفرت قمة أستراليا و"الآسيان" عن العديد من المخرجات المهمة التي تؤكد رغبة الجانبين في تعميق التعاون بينهما، ولاسيما في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. تعميق التعاون الاقتصادي: ترى أستراليا أن مستقبلها يكمن في منطقة جنوب شرق آسيا أكثر من أي منطقة أخرى؛ وبالتالي، فهي ترغب في تعميق علاقاتها الاقتصادية مع دول "الآسيان"، وذلك في محاولة من جانبها لإيجاد توازن بين علاقاتها مع الصين، أكبر شريك تجاري لها، من جهة، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، حليفتها الأمنية الأساسية، من جهة أخرى. وتعمل أستراليا على تنويع شركائها التجاريين في استراتيجيتها الاقتصادية الجديدة لجنوب شرق آسيا، والتي تم تسليط الضوء عليها في قمة "الآسيان" التي استضافتها جاكرتا في سبتمبر 2023. كما تسعى أستراليا وبعض دول "الآسيان"، خاصة الفلبين، إلى حماية اقتصادياتها من أي سياسات اقتصادية متشددة من جانب الصين.
في هذا الإطار، أعلنت كانبرا عن رغبتها في زيادة استثماراتها في جنوب شرق آسيا، من خلال تخصيص 1.3 مليار دولار لتعزيز النشاط التجاري في المنطقة التي تحظى بإمكانات عالية للنمو الاقتصادي. وتنص الإجراءات التي أعلنتها أستراليا على توفير مساعدات وقروض بهدف تمويل مشروعات البنية التحتية والطاقة المتجددة.
وتحدث وزير الخارجية الفلبيني، إنريكي مانالو، عن أهمية قيام بلاده بتعزيز شراكاتها مع دول أخرى، بهدف مساعدة اقتصاد الفلبين على أن يكون أكثر مرونة، مُعرباً عن أمل بلاده في بدء مفاوضات للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي في أقرب وقت. وذلك في خطوة لتقليل الاعتماد على الصين.
2. إمكانية انضمام أستراليا إلى عضوية "الآسيان": كشفت تصريحات بعض قادة دول رابطة "الآسيان" عن وجود توجه لدى التكتل الإقليمي الآسيوي البارز لإمكانية ضم أستراليا إلى عضويته. فقد اقترح رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، ضم أستراليا إلى "الآسيان"، في ظل ما تحظى به كانبرا من مكانة مهمة في التكتل الإقليمي الآسيوي، وهو الطرح الذي قوبل بالتأييد من جانب الرئيس الفلبيني، فرديناند ماركوس الابن، في ظل العلاقات القوية التي تجمع بلاده مع أستراليا.
ومن الجدير بالذكر، أن أستراليا أصبحت شريك الحوار الأول لرابطة "الآسيان" في عام 1974، وسبق لها استضافة القمة مع "الآسيان" في عام 2018، وأعلنت رفع مستوى الحوار مع الرابطة إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في عام 2021. كما أنها تنظر إلى الرابطة باعتبارها شريكاً تجارياً رئيسياً لها، وتتوقع كانبرا أن يصل حجم تجارتها الثنائية مع التكتل الإقليمي إلى 400 مليار دولار أسترالي بحلول عام 2040، بزيادة عن 178 مليار دولار أسترالي في عام 2022.
ومن المعلوم أن رابطة "الآسيان" تضم في عضويتها عشر دول، وهي: بروناي، كمبوديا، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، ميانمار، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، وفيتنام. كما وافقت الرابطة في عام 2022، على قبول العضوية المبدئية لتيمور الشرقية باعتبارها العضو الحادي عشر في التكتل الإقليمي، وكانت قد تقدمت لتصبح عضواً رسمياً في "الآسيان" في عام 2011.
3. مُحاولة بناء توافق بشأن تهديدات الأمن البحري: حظيت مسألة التهديدات التي تواجه الأمن البحري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولاسيما في منطقة بحر الصين الجنوبي، باهتمام كبير من جانب قمة أستراليا و"الآسيان". وبدا واضحاً تركيز القمة بشكل خاص على الخلافات في منطقة بحر الصين الجنوبي، وما يرتبط بها من تهديد للأمن البحري في المنطقة. وهو ما عكسته تصريحات الجانبين خلال القمة. فقد أكّدت أستراليا أن دول منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ وجنوب شرق آسيا تواجه تهديدات دفاعية خطرة، وأعلنت عن تخصيص المزيد من الأموال لاتفاقية الأمن البحري مع دول جنوب شرق آسيا. وصرّحت وزيرة خارجية أستراليا بيني وونغ، بأن بلادها ستستثمر 41.8 مليون دولار أمريكي على مدى أربع سنوات، بما في ذلك 26 مليون دولار في تمويل جديد، للمساهمة في تحقيق أمن وازدهار المنطقة، بما يتماشى مع أولويات دول جنوب شرق آسيا.
ومن جانبه، صرّح الرئيس الفلبيني، فرديناند ماركوس الابن، بأن الفلبين ستتعاون مع الصين في المحادثات بشأن بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، لكنها سترد إذا تم تجاهل سيادتها وحقوقها البحرية، مؤكداً التزامه بالعمل مع دول جنوب شرق آسيا والصين، بهدف وضع مدونة سلوك لبحر الصين الجنوبي ترتكز على القانون الدولي.
وقد وقّعت أستراليا والفلبين في 29 فبراير 2024، مجموعة من الاتفاقيات في مجالات الدفاع والتعاون البحري والأمن السيبراني، وذلك خلال زيارة رئيس الفلبين لأستراليا، كما أعلن رئيس الوزراء الأسترالي عن استثمارات جديدة بقيمة 20 مليون دولار لدعم الإصلاحات في الفلبين. كما أجرت أستراليا والفلبين في نوفمبر 2023، دوريات بحرية وجوية مشتركة في بحر الصين الجنوبي للمرة الأولى.
4. مُواجهة ظاهرة تغير المناخ: حظيت مسألة كيفية التعامل مع ظاهرة التغير المناخي باهتمام ملحوظ من جانب القمة، وذلك في ظل اعتماد بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى حد كبير على الطاقة الأحفورية، فيما تُعد أستراليا أحد أكبر المصدرين الرئيسيين للغاز والفحم الحراري في العالم. وهناك رغبة مُشتركة من جانب الطرفين في التحول إلى الطاقة المتجددة، وتحقيق أقصى استفادة مما يمتلكانه من ثروات طبيعية ومعدنية هائلة؛ إذ يرتبط استمرار نجاح دول "الآسيان" في تطوير وتنمية اقتصادياتها بتوافر المزيد من مصادر الطاقة، وهي الموارد التي يمكن الحصول عليها من خلال تعزيز التعاون مع أستراليا.
كما يمكن للطرفين التعاون في مجال تصنيع السيارات الكهربائية في إطار التحول نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة؛ خاصة وأنهما يمتلكان العديد من المعادن المهمة التي تدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية؛ إذ تُعد إندونيسيا والفلبين من أكبر دول العالم في إنتاج النيكل، بينما تُعد أستراليا أكبر منتج لليثيوم في العالم.
وهناك بالفعل تعاون بين أستراليا وإندونيسيا في مجال بطاريات السيارات الكهربائية، كما طرحت كانبرا مبادرة بقيمة 50 مليون دولار أسترالي (33 مليون دولار أمريكي) لجذب التمويل الخاص بالمناخ إلى إندونيسيا.
5. الدعوة إلى وقف الحرب الإسرائيلية في غزة: دعت أستراليا ورابطة "الآسيان" إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة؛ إذ أكّد البيان المشترك للقمة القلق إزاء الوضع الإنساني "الخطر" في غزة، مع الدعوة إلى الإفراج عن جميع المُحتجزين في الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس. كما أدان البيان الهجمات ضد جميع المدنيين والبنية التحتية المدنية، والتي تؤدي إلى مزيد من التدهور في الأزمة الإنسانية في غزة، بما في ذلك تقييد الوصول إلى الغذاء والماء والاحتياجات الأساسية الأخرى.
دلالات مُتباينة:
عكست قمة أستراليا و"الآسيان" مجموعة من الدلالات المتباينة، ولاسيما فيما يتصل بالموقف إزاء الصين، ومدى استقلالية السياسة الخارجية لدول "الآسيان"، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. استهداف الصين: عكست المواقف التي تضمنها البيان المشترك الصادر في ختام القمة، وكذلك تصريحات بعض قادّة وكبار مسؤولي الدول المشاركة في القمة، استهدافاً واضحاً للصين، في ضوء تحركاتها الأخيرة في منطقة بحر الصين الجنوبي. في هذا الإطار، حذّرت دول "الآسيان" وأستراليا، مما وصفته بأنه تحركات "مهددة للسلام" في بحر الصين الجنوبي، وذلك في إشارة ضمنية إلى الصين؛ إذ جاء في البيان المشترك: "نشجع كل الدول على تجنب أي تحرك أحادي الجانب من شأنه تهديد السلام والأمن والاستقرار في المنطقة"، مُضيفاً: "نحن ندرك فوائد بحر الصين الجنوبي بصفته بحراً للسلام والاستقرار والازدهار".
وقد دعا الجانبان إلى ضبط النفس في بحر الصين الجنوبي المُتنازع عليه، كما دعا البيان إلى نظام "قائم على القواعد" في منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ؛ إذ تتطلع الصين إلى زيادة وجودها في بحر الصين الجنوبي.
ومن جانبه، أعرب الرئيس الفلبيني عن قلقه البالغ إزاء ما أسماه المناورات والتصرفات الخطرة المتواصلة ضد البحرية وخفر السواحل الفلبينية. فيما طالب وزير الخارجية الفلبيني، إنريكي مانالو، بكين بالتوقف عن مضايقة بلاده. كما أبدت أستراليا موقفاً متشدداً تجاه الصين، فقد قال رئيس الوزراء الأسترالي أمام القمة: "علينا ضمان أن تخفف الأنشطة في بحر الصين الجنوبي التوترات وألا تؤدي إلى تصعيدها".
وفي ذات السياق، أبدى رئيس وزراء سنغافورة، لي هسين لونغ، استعداد بلاده لاستقبال أسطول أستراليا المستقبلي من الغواصات النووية (الذي يتم تأسيسه في ظل اتفاق أوكوس)، في مياهها الإقليمية، وهي خطوة من شانها إثارة غضب بكين.
2. حرص دول "الآسيان" على استقلالية قرارها: أظهرت القمة بين أستراليا و"الآسيان"، وجود رغبة قوية من جانب الدول الأعضاء في رابطة "الآسيان" لرفض تبني موقف الانحياز في المنافسة بين القوى الكبرى، مؤكدة الدور المهم الذي تؤديه الصين في تحقيق النمو الاقتصادي في المنطقة، ورفضها التورط في أي نزاع بين بكين وواشنطن.
فقد كشفت تصريحات بعض قادة وكبار مسؤولي الرابطة عن الرفض الصريح لمحاولات إجبار التكتل الإقليمي على الانحياز في المنافسة بين القوى الكبرى. فقد صرّح رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، بأن "الولايات المتحدة وبعض حلفائها يجب ألا يمنعوا ماليزيا من أن تكون صديقة للصين"، مُشدداً على أن بلاده ليس لديها مشكلة مع الصين. كما ندد في مُقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" بما اعتبره "رهاب الصين"، المتزايد بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها، وذلك رداً على انتقادات واشنطن لعلاقات كوالالمبور مع بكين.
ومن جانبه، أكد الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا، كاو كيم هورن، بأن الكتلة الإقليمية لن تختار أبداً الانحياز إلى أي طرف في المنافسة بين الدول الكبرى. ومن الجدير بالذكر، أن دول "الآسيان" تتبنى بشكل عام سياسة الحياد وعدم الانحياز في المنافسة بين القوى الكبرى، وهو ما يسمح لها بالحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف البلدان وتجنب الانجرار مباشرة إلى الصراعات.
3. تزايد المكانة الاقتصادية لرابطة "الآسيان": أصبح التكتل الإقليمي الآسيوي بمثابة قاطرة اقتصادية جديدة على المستوى الدولي؛ إذ تشير تقديرات إلى أن رابطة "الآسيان" تمثل الحصان الأسود اقتصادياً في العالم، وهي في طريقها إلى التحول إلى مركز عالمي للنمو. في ضوء ما تحظى به من إمكانات هائلة، وعلى رأسها النمو الديمغرافي القوي، ويتوقع أن تؤدي منطقة جنوب شرق آسيا دوراً محورياً في الجهود العالمية للطاقة النظيفة، مع احتياطياتها الهائلة من المعادن المهمة، وتزايد الطلب على الكهرباء. ولعل ما سبق يفسر اهتمام أستراليا بالاتجاه نحو تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع "الآسيان"، في إطار بحثها عن شراكات اقتصادية أخرى، بعد خلافاتها الاقتصادية مع الصين، شريكها التجاري الرئيسي.
وفي التقدير، يمكن القول إن قمة أستراليا و"الآسيان"، التي استضافتها كانبرا مؤخراً، تمثل نقلة نوعية مهمة في إطار توثيق العلاقات بين الجانبين، في ضوء ما تمخض عنها من مُخرجات في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن أهمها مسألة إمكانية انضمام أستراليا إلى عضوية رابطة جنوب شرق آسيا، والتي يُعضد من فرص تحققها العلاقات القوية التي تربط بين الجانبين، وفتح "الآسيان" باب العضوية في التكتل أمام الدول الأخرى، بدليل ترحيبها بانضمام تيمور الشرقية من حيث المبدأ إلى عضويتها، فضلاً عن حرص دول "الآسيان" على تبني سياسة الحياد وعدم الانحياز في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، وإعلائها مبدأ المصلحة الوطنية في علاقاتها الدولية. ومع ذلك، يظل التحدي الصيني العامل الرئيسي الذي قد يحول دون إمكانية قبول أستراليا كعضو في "الآسيان"، بالنظر إلى استمرار الخلافات الاستراتيجية بين بكين وكانبرا من جهة، وتوتر علاقات الصين مع بعض دول "الآسيان"، كالفلبين، من جهة أخرى.