أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

دبلوماسية الخصوم:

دلالات دعوة وزير الخارجية الصيني الجديد لزيارة واشنطن

08 أغسطس، 2023


أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الخميس 3 أغسطس 2023، أن بلاده وجهت دعوة إلى نظيره الصيني المعيّن حديثاً، وانغ يي، وأنه يتوقع فرصة لإجراء لقاء معه ومواصلة المحادثات العامة التي أجراها في بكين.

وكانت تلك الدعوة، قد وُجهت خلال اجتماع رفيع المستوى عُقد بين مسؤولين أمريكيين وصينيين في 31 يوليو 2023. وجدير بالذكر أن تلك الدعوة كانت قد أُرسلت مسبقاً إلى وزير الخارجية الصيني السابق تشين غانغ، والذي أُقيل بشكل مفاجئ من منصبه خلال يوليو 2023. 

مؤشرات التقارب:

شهدت الفترة الأخيرة عدداً من مؤشرات التقارب بين الجانبين الأمريكي والصيني، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1. انفتاح الصين على الدعوة الأمريكية: أعلنت بكين، في بيان، في 3 أغسطس 2023، أنها مُستعدة للإبقاء على الاتصالات مع الولايات المتحدة حول زيارة مُستقبلية مُحتملة لوزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى واشنطن. دون تحديد تاريخ محدد لهذه الزيارة. كما لم تذكر وزارة الخارجية الصينية مزيداً من التفاصيل في بيانها. ويؤشر ذلك على انفتاح الصين على دعوة واشنطن وزير الخارجية الصيني لزيارتها. 

2. زيارة بلينكن إلى الصين: أجرى وزير الخارجية الأمريكي زيارة إلى الصين في 18و19 يونيو 2023، وهي الزيارة التي كان من المُقرر إجراؤها في فبراير 2023، إلا أنه تم تأجيلها في أعقاب حادث المنطاد الصيني، الذي أسقطته واشنطن، وقالت إنه كان يُستخدم لأغراض تجسسية. وقد أعادت هذه الزيارة الآمال بشأن إمكانية تحسين العلاقات بين البلدين، ولاسيما وأنها الأولى لمسؤول أمريكي بإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للصين، بهذا المستوى، بعد خمس سنوات من زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في عام 2018.  

3. محادثات وزيرة الخزانة الأمريكية مع المسؤولين الصينيين: قامت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، بزيارة إلى الصين، في الفترة من 6 إلى 9 يوليو 2023. وقد صرّحت بأن محادثاتها في بكين كانت مباشرة وجوهرية ومثمرة، وأنها قد أسهمت في الدفع بالعلاقات بين البلدين على أسس أكثر رسوخاً، مؤكدة أن الولايات المتحدة الأمريكية تحت رئاسة جو بايدن، ليست معادية بشكل جوهري للصين. وقد أسفرت تلك الزيارة عن  اجتماع كبار المسؤولين الاقتصاديين في كلا البلدين، خلال الفترة الأخيرة، على طاولة المفاوضات في بكين لبحث المسائل الثنائية والمتعددة الأطراف والعالمية التي تتعلق بالتعريفات الجمركية والديون العالمية والتغيرات المناخية وصناعة أشباه المواصلات. 

4. زيارة كيسنجر وكيري إلى بكين: قام وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، بزيارة الصين، في 19 يوليو 2023؛ حيث اسُتقبل من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتقى عدداً من كبار المسؤولين الصينيين، كان في مقدمتهم وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو. ورغم التأكيدات الرسمية الأمريكية أن الزيارة جاءت بدافع شخصي من كيسنجر، إلا أنها تُشير إلى أن الإدارة الأمريكية صارت أكثر انفتاحاً للمضي قدماً في المسارات الرسمية وغير الرسمية لتخفيف حدة التوتر والسعي لترطيب الأجواء مع بكين. 

وإلى جانب ذلك، فقد شارك المبعوث الأمريكي الخاص بتغير المناخ جون كيري، في محادثات في بكين، مع نظيره الصيني شيه تشن هوا، خلال الفترة من 16 إلى 19 يوليو 2023، كما التقى بــوانغ يي، وأكد أن التعاون بشأن التغير المناخي يتقدم في ظل المناخ العام المستقر بين الصين والولايات المتحدة.

5. زيارات قادة الأعمال الأمريكيين: لم تقتصر الزيارات الأمريكية إلى بكين على القادة السياسيين فحسب، وإنما امتدت لتشمل زيارات لكبار رجال التكنولوجيا والاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أجرى مالك موقع "تويتر" وشركة "تسلا"، إيلون ماسك، ومؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل غيتس، والرئيس التنفيذي لشركة "آبل"، تيم كوك، زيارة إلى الصين، وأكدوا ضرورة استمرار الروابط الاقتصادية والتجارية الضخمة بين الولايات المتحدة والصين، باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم.

بواعث التقارب:

ثمّة أسباب تدفع باتجاه تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، ويمكن تناولها فيما يلي: 

1. تشابك العلاقات الاقتصادية والتجارية: يرتبط الاقتصادان الأمريكي والصيني ببعضهما بشكل كبير، إذ بلغ إجمالي حجم تجارة السلع بين البلدين نحو 690,6 مليار دولار أمريكي في عام 2022، وقد بلغت واردات الولايات المتحدة من السلع والخدمات من الصين رقماً قياسياً وصل إلى 563,6 مليار دولار خلال نفس العام، كما تُعد الصين ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة الأمريكية بعد كندا والمكسيك، هذا إلى جانب أن الصين تُمثل سوقاً رئيسياً للتصدير بالنسبة للولايات المتحدة؛ حيث تُصدر الأخيرة نصف صادرات الفول الصويا إلى الصين. وتُشير تقديرات مجلس الأعمال الأمريكي الصيني إلى أن الصادرات الأمريكية إلى الصين دعمت ما يقرب من 1,1 مليون وظيفة في الولايات المتحدة في عام 2021. لذا يدرك الجانبان أن انخراط أكبر اقتصادين في العالم في منافسة جيوستراتيجية شرسة، أمر من شأنه تهديد اقتصادهما بشكل كبير، بل ويُشكل كارثة على الاقتصاد العالمي.

2. تقويض التقارب الصيني الروسي: أدرك الأمريكيون أن استمرار الخلافات الأمريكية الصينية من ناحية، ومواصلة فرض العقوبات الغربية على روسيا من ناحية أخرى، أدى إلى تقارب غير مسبوق بين الصين وروسيا، سواءً فيما يتعلق بالتبادلات الاقتصادية، أو ما يتعلق بالنواحي التكنولوجية العسكرية والدفاعية، وقد أسفر ذلك عن وقوف الصين في موقف داعم لروسيا في الحرب الأوكرانية. لذا تسعى واشنطن، من خلال تقاربها مع بكين، إلى دق إسفين بين الجانبين، نظراً لما تُمثله العلاقة بين البلدين من تهديد للمصالح الأمريكية والغربية عموماً. 

3. تفرد نهج إدارة بايدن في التعامل مع الصين: ترغب إدارة بايدن في توصيل رسالة مفادها أنها لا تسير على نهج الإدارات الأمريكية السابقة بشأن التعامل مع الصين، فمن ناحية، تعلم إدارة بايدن أن استراتيجية "التحول نحو آسيا"، والتي أُعدت في عهد الرئيس الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بهدف منافسة التقدم الصيني العسكري والاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لم تُسفر سوى عن تركيز واشنطن على تعزيز تشكيل تحالفاتها في المنطقة، وعلى وجه الخصوص مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وتكثيف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة من خلال زيادة الأصول البحرية في المنطقة الآسيوية، ومن ناحية أخرى، ترى الإدارة الحالية أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اعتمدت فقط نهجاً أكثر تصادمية، أدى إلى حرب تجارية وكلامية بين البلدين. وفي كلا من النهجين، فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تقويض واحتواء النفوذ الصيني المتصاعد. وبناءً عليه، فقد انتهجت إدارة بايدن رؤية متفردة، تجعلها قادرة على التعامل مع التحديات الصينية بصورة أكثر توازناً وانفتاحاً وبعيدة عن الدخول في صدام معها.  

تحديات قائمة: 

رغم وجود دوافع عديدة للتقارب بين الجانبين الأمريكي والصيني، إلا أن هناك تحديات ما زالت قائمة، تحول دون وصول العلاقات بينهما إلى مستويات متقدمة، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

1. استمرار دعم واشنطن لتايوان: تُمثل قضية تايوان أحد أكثر الملفات زخماً بين الجانبين الأمريكي والصيني، فرغم التأكيدات الأمريكية الرسمية على مبدأ الصين الواحدة، وعدم دعم واشنطن لاستقلال تايوان عن الصين، فقد تزامنت دعوة الولايات المتحدة وزير الخارجية الصيني لزيارتها، مع إعلانها أيضاً، في 28 يوليو 2023، عن تقديمها حزمة أسلحة بقيمة 345 مليون دولار لتايوان، وهو ما يُعد، في نظر بكين، انتهاكاً لمبدأ الصين الواحدة، والذي تفاوض عليه كيسنجر عام 1971. 

2. استمرار التحرشات العسكرية في المنطقة: قبل يومين من إعلان البنتاغون بيع أسلحة إلى تايوان، كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في أستراليا للحديث عن ترتيبات بشأن نقل غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى أستراليا بموجب اتفاق "أوكوس" الثلاثي، وأثناء الزيارة اتهم أوستن الصين بأنها تمارس الإكراه والتنمر على دول المنطقة، في مؤشر على استمرار التوتر بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بالأبعاد العسكرية. كما تتواصل التحرشات العسكرية بين القطع الحربية الصينية والأمريكية في المنطقة، ومنها ما نشرته البحرية الأمريكية في 5 يونيو 2023، من تسجيل مصور لاقتراب سفينة حربية صينية من مدمرة أمريكية في مضيق تايوان، والعبور من أمامها بطريقة وصفتها البحرية الأمريكية بأنها غير آمنة، وغير ذلك من الحوادث، والتي تعكس خطورة أن تتحول هذه التحركات العدائية العابرة إلى حدث عسكري ضخم يؤدي إلى نتائج كارثية. 

3. التخوف من الإدارة الأمريكية القادمة: يتوقع مراقبون أن التحسن في العلاقات الثنائية الأمريكية الصينية سينتهي بحلول عام 2024، وذلك مع بدء الحملات الرئاسية الأمريكية؛ إذ من المتوقع أن يهاجم المرشحون الجمهوريون بايدن لاسترضائه الصين، بينما يتنافسون حول الأكثر تشدداً حيالها. والجدير بالذكر أن الزيارات التي قام بها المسؤولون الأمريكيون لم تسلم من انتقادات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، فعلى سبيل المثال، شجب رئيس لجنة التصدي الاستراتيجي للصين، مايك غالاغر، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول، زيارة بلينكن باعتبارها أحد مؤشرات ضعف الولايات المتحدة الأمريكية. وتفيد تقديرات بأنه في حال لم يجر مسؤول صيني كبير زيارة إلى واشنطن، فإنه من المتوقع أن تتعرض إدارة بايدن لانتقادات حادة من قبل الجمهوريين، قد تؤثر في حظوظها في الانتخابات القادمة.

وفي التقدير، يمكن القول إن دعوة الولايات المتحدة لوزير الخارجية الصيني إلى زيارة واشنطن، وانفتاح الصين على تلك الدعوة، يأتي في سياق حرص الجانبين على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بينهما، رغم الملفات الشائكة القائمة، ويحول دون تحول تلك الخلافات إلى مستوى المواجهة بين الطرفين، وهو الأمر الذي ستكون له عواقب كارثية ليس فقط على الجانبين، وإنما على الأمن والاستقرار العالمييْن. ولعل هذا ما كشفه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان خلال تصريحاته في منتدى "آسبن" الأمني الذي انعقد في يوليو 2023؛ حيث أشار إلى أن هناك إمكانية حقيقية لتأسيس علاقة مستقرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على الرغم من أن هذه العلاقة تنافسية بطبيعتها. ويرجح أن تشهد الفترة القليلة المقبلة انفراجة واضحة بين البلدين قد تتوج خلال لقاء الزعيمين بايدن وبينغ في قمة العشرين في سبتمبر المقبل بنيودلهي أو في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في نوفمبر المقبل بسان فرانسيسكو.