إعداد: محمد أحمد عبدالنبي
يعد التمويل الخاص بأي منظمة عنصراً أساسياً لنجاحها، وينطبق ذلك على التنظيمات الإرهابية. ومن ثم فإن تتبع مسار تدفق الأموال لهذه التنظيمات ومنع وصولها إليها أصبح من ركائز مكافحة الإرهاب، وهو ما قامت به العديد من دول وحكومات العالم خلال السنوات العشر الماضية تحديداً، الأمر الذي أدى إلى تدمير العديد من الشبكات الارهابية وحرمانها من مصادر التمويل الهامة لها والحد من قدرات بعض التنظيمات الأخرى.
وفقاً لهذه الرؤية، نشرت "معهد دول الخليج العربي في واشنطن" The Arab Gulf States Institute in Washington تقريراً تحت عنوان: (مكافحة تمويل الإرهاب في الخليج.. تقدم ملحوظ ومخاطر قائمة)، والذي أعدته "سيلينا رياليو" Celina B. Realuyo الزميل غير المقيم بمؤسسة دول الخليج العربي في واشنطن، والمدير السابق لبرامج مكافحة تمويل الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية؛ حيث تبرز في هذه الدراسة أبرز الإجراءات المحلية والإقليمية والعالمية التي اتخذتها دول الخليج العربي على مدار العقد الماضي للتصدي لتمويل الإرهاب.
مصادر تمويل الإرهابيين
أوضحت الكاتبة أن المقصود بتمويل الإرهابيين هو "تقديم الدعم المالي لرعاية أو تسهيل نشاط إرهابي"، مشيرةً إلى وجود نوعين من تمويل الإرهاب: الأول هو الدعم المالي الذي يكون في شكل منح، ومبادرات جمع التبرعات؛ وهو عادة يأتي من الدول والتظيمات الكبرى أو من الأفراد. ومثال على ذلك تنظيم "القاعدة" الذي يعتمد على هذا النوع من التمويل.
أما النوع الثاني فهو الأنشطة التي تدر دخلاً، سواء الأنشطة الإجرامية مثل الخطف والابتزاز والتهريب والغش، أو الأنشطة الاقتصادية المشروعة مثل تجارة الماس أو الاستثمار في العقارات. والنموذج الإرهابي الذي يمثل هذا النوع هو تنظيم "داعش".
الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة تمويل الإرهاب
ذكر التقرير أن اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ الدولية لمكافحة غسيل الأموال وﺗمويل الإرهاب ((FATF، والتي تشترك في عضويتها كافة دول الخليج، كانت في طليعة الهيئات الدولية التي تم تكوينها لهذا الغرض خلال العقد الماضي. وقد وضعت هذه اللجنة مجموعة من التوصيات (40 توصية) لمجابهة تلك الجرائم المالية، وضمان سلامة النظام المالي.
وقد صدرت هذه التوصيات عام 1990 ثم تمت مراجعتها أعوام 1996 و2001 و2003 وأخيراً في 2012، بهدف ضمان مواكبتها للتطورات العالمية الجارية، ومراقبة مدى تحقيق أعضائها للتقدم فيما يتعلق بتنفيذ الإجراءات الضرورية على المستوى المحلي، ومراجعة عمليات غسيل الأموال، والإجراءات المناهضة لآليات تمويل الإرهاب، وتطوير إجراءات عالمية ملائمة في هذا الخصوص.
ومع التهديدات التي فرضتها عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد تم تأسيس هيئة إقليمية هي (MENAFATF) على غرار اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ الدولية لمكافحة غسيل الأموال وﺗمويل الإرهاب، وذلك في العاصمة البحرينية "المنامة" في نوفمبر 2004، وهي الهيئة التي ضمت 18 دولة، وتهدف إلى:ـ
* تبني التوصيات الأربعين الخاصة بمجموعة ((FATF فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
* تنفيد معاهدات واتفاقات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بهذا الموضوع.
* تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء وبعضهم البعض، لزيادة درجة الامتثال لهذه المعايير في منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً التعاون مع باقي المنظمات الدولية والإقليمية المعنية في هذا الشأن.
* العمل المشترك من أجل تحديد القضايا الإقليمية المرتبطة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبادل الخبرات، وتطوير الحلول للتعامل معها.
* اتخاذ إجراءات لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بطريقة لا تتعارض مع القيم الثقافية والأُطر الدستورية والقانونية في الدول الأعضاء.
الجهود الخليجية لمكافحة تمويل الإرهاب
تطرقت الكاتبة في هذا الجزء من التقرير إلى إبراز الجهود التي بذلتها كل دولة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لمكافحة تمويل الإرهاب، وذلك على النحو التالي:ـ
1 ـ البحرين:
أكدت الكاتبة على الدور الرائد الذي لعبته البحرين في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وتمويله، حيث كانت هي البلد المضيف لأمانة تجمع MENAFATF . وفي عام 2013 صدر مرسومان ملكيان لتعديل قانون جمع تبرعات الجمعيات الخيرية الصادر عام 1956، بهدف تشديد الرقابة على تمويل الإرهاب، وتضييق استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية التي تُسهل من انتشار الإرهاب، وهي التعديلات التي عكست الحاجة لمواكبة تطور التهديدات واستخدام الإرهابيين للابتكارات التكنولوجية والمالية.
كما استضافت البحرين في نوفمبر 2014 اجتماع المنامة لمكافحة تمويل الإرهاب، والذي كان بمثابة فرصة للبلدان المشاركة بمجموعة MENAFATF لتأكيد التزامها بوقف تمويل الجماعات والأنشطة الإرهابية في كافة أشكالها، ومناقشة مخاوف اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ الدولية لمكافحة غسيل الأموال وﺗمويل الإرهاب من تمويل تنظيم "داعش"، والجهود المبذولة للتعامل مع هذا التهديد.
2 ـ الكويت:
أصدرت الكويت قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في عام 2013، والذي منح الحكومة صلاحيات جديدة من بينها تجريم تمويل الإرهاب، وتجميد الأصول الإرهابية دون تأخير. وأكدت الكاتبة أنه على الرغم من مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتية عن الرقابة والإشراف على الجمعيات الخيرية المُرخصة، وفرض حظر على التبرعات النقدية، وتنفيذ نظام لاستلام تبرعات شهر رمضان النقدية، والتنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية لرصد وملاحقة مسؤولي الجمعيات الخيرية الاحتيالية، فإن ثمة تقاريراً صادرة في عام 2013 تشير إلى زيادة تحويل التبرعات الخيرية من بعض الأفراد إلى الجماعات المتطرفة خارج البلاد، وتحديداً إلى سوريا، وهو التحدي الذي تسعى الكويت للتعامل معه.
3 ـ سلطنة عُمَان:
أصدرت سلطنة عُمَان قانون غسيل الأموال في عام 2002، مروراً بقانون مكافحة الإرهاب عام 2007، وصولاً إلى قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الموحد في عام 2010، والذي قام بتوحيد كافة التشريعات المرتبطة بجرائم التمويل، ومنح شرطة عُمَان مسؤولية تطبيق هذه القوانين واللوائح.
وأوضحت الكاتبة أن حكومة سلطنة عُمَان والبنك المركزي ووزارة التجارة والصناعة وهيئة سوق مال، لهم سلطة كبيرة في الإشراف على القطاع المصرفي، واتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة جرائم غسيل الأموال بما يتوافق مع المعايير الدولية والإقليمية، لافتةً إلى تقديم عُمَان في عام 2012 للخدمات المصرفية الإسلامية في النظام المالي العُمَاني، وعدم سماحها بالحوالات في قطاع خدماتها المالية، إضافة إلى إنشائها للجنة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي عقدت أول اجتماع لها في ديسمبر 2014، وقامت بمراجعة طرق مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
4 ـ قطر:
أكد التقرير على وجود إطار تشريعي قطري لمكافحة الإرهاب، مُتمثلاً في قانون مكافحة الإرهاب لعام 2004، وقانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر في عام 2010. وطبقاً للأخير، فإن النائب العام القطري مُطالب بتجميد أموال المنظمات الإرهابية المحددة من قِبل مجلس الأمن الدولي، كما يتعين على الحكومة أن تقوم بتوزيع قوائم بهذه الكيانات الإرهابية على المؤسسات المالية.
ووفقاً للسفارة القطرية في الولايات المتحدة، فإن وحدة التحريات المالية القطرية تشارك بنشاط كبير في المجموعة الدولية لوحدات الاستخبارات المالية "إيجمونت" Egmont والتي تهدف إلى تحسين التعاون في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال وضع المعايير والممارسات الدولية لتعزيز تنفيذ البرامج المحلية في هذا المجال. كما تم إصدار قانون جديد لتنظيم الجمعيات الخيرية في قطر عام 2014، وفقاً لمعايير مجموعة FATF.
وطبقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن ثمة قصوراً في التنفيذ الفعَّال للقانون القطري لغسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، ويتعلق هذا القصور بعدم وجود إحالات من قبل وحدة التحريات المالية، فضلاً عن التساهل القطري مع ممولي بعض الجماعات الإرهابية في دول أخرى مثل سوريا.
5 ـ السعودية:
وصف التقرير المملكة السعودية بأنها الزعيم الإقليمي الهام في جهود مكافحة الإرهاب. وقد تجلى هذا الالتزام من خلال دور المملكة في عام 2011 كعضو مؤسس للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF)، وهو منظمة متعددة الأطراف تسعى للحد من تعرض الناس للإرهاب وملاحقة مرتكبي الأفعال الإرهابية، ومواجهة التحريض والتجنيد للإرهاب. كما تحرص المملكة على وضع نظم للرقابة المالية لمنع توجيه الأموال لدعم الإرهاب.
وأشارت الكاتبة إلى التزام الحكومة السعودية بمكافحة جمع التبرعات الإرهابية، وسعيها إلى إظهار نفسها كقوة إقليمية في جهود تعطيل تمويل الإرهاب، إذ قامت كافة المؤسسات المالية السعودية بتنفيذ التوصيات الـ40 لمجموعة FATF بشأن غسيل الأموال، إضافة إلى ثماني توصيات بشأن تمويل الإرهاب.
كما يحظر على الجمعيات الخيرية السعودية تحويل الأموال إلى الخارج، وجمع الأموال النقدية مثل الزكاة في المساجد والأماكن العامة.
وأبرزت الكاتبة دور مؤسسة النقد العربي السعودي ""SAMA في تقديم برامج لتدريب القُضاة والمُحققين بشأن المسائل القانونية المتعلقة بتمويل الإرهاب وأساليب غسيل الأموال، والأساليب التي يمارسها المجرمون لتبادل المعلومات. كما تتعاون المملكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واستراليا وحلفاء آخرين، لمكافحة تمويل الإرهاب وفقاً للمستويات العالمية.
6 ـ الإمارات:
وصفت الكاتبة دولة الإمارات بأنها مركزاً إقليمياً هاماً للتجارة والخدمات المصرفية الدولية، وبالتالي فإنها اتخذت خطوات حثيثة لحماية اقتصادها من تمويل الإرهاب، بالإضافة إلى تدقيقها في القطاع المصرفي الرسمي، وشركات الصرافة، والحوالة، والشركات التجارية.
ومن أجل الرقابة على "الحوالات" التي يعتمد عليها الاقتصاد الإماراتي بسبب زيادة نسبة المهاجرين، فقد أصدر مصرف الإمارات المركزي لوائح جديدة في يوليو 2012، جعلت تسجيل الحوالة أمراً إلزامياً، مع فرض عقوبات في حال عدم الامتثال لذلك.
وأشارت الكاتبة إلى إصدار وحدة مواجهة غسيل الأموال والحالات المشبوهة (AMLSCU) ووحدة التحريات المالية في الإمارات، ملاحظات تحذيرية للجمهور بشأن التعامل مع المؤسسات الخيرية غير المرخصة وشركات الاستثمار، مؤكدةً على حاجة وحدة مواجهة غسيل الأموال لدعم قدراتها المعلوماتية المالية، وكذلك يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين إجراء تحقيقات موسعة حول الواردات النقدية الكبيرة للبلاد.
وبهدف وقف تدفق الأموال إلى "داعش"، فقد أنشأت كل من الولايات المتحدة ودولة الإمارات في أكتوبر 2014 فرقة عمل مشتركة لمكافحة الإرهاب والشبكات المالية المرتبطة بالمتطرفين في المنطقة.
تعزيز مكافحة تمويل الارهاب
أثنى التقرير على الخطوات التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية لوقف تدفق الأموال للجماعات الإرهابية خلال العقد الماضي، مؤكداً على ضرورة تعزيز دول الخليج جهودها في هذا الصدد، من خلال ما يلي:
1 ـ تكريس المزيد من الموارد البشرية والتكنولوجية والمالية للوكالات الحكومية، مثل وحدات التحريات المالية المسؤولة عن التحقيق والتحري عن تمويل الإرهاب وغيرها من الجرائم المالية.
2 ـ تعزيز تبادل المعلومات والاستخبارات بين الحكومة والقطاع الخاص، وبين الدول لمكافحة تمويل الإرهاب.
3 ـ رفع الوعي العام حول كيفية استخدام التبرعات الخيرية لتمويل الإرهاب.
4 ـ تحديد ومتابعة وملاحقة ممولي الإرهاب، والمُيسرين لهم مثل هذه الجرائم المالية.
5 ـ مواكبة حكومات دول الخليج مساعي الجماعات الإرهابية مثل "داعش"، لابتكار أساليب جديدة للحصول على الموارد المالية، والتحايل على جهود مكافحة الإرهاب.
* عرض موجز لتقرير تحت عنوان: (مكافحة تمويل الارهاب في الخليج.. تقدم ملحوظ ومخاطر قائمة)، والصادر في يناير 2015 عن "معهد دول الخليج العربي في واشنطن" وهي مؤسسة بحثية مستقلة أُنشئت عام 2014 لدراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدول الخليج العربي، بما يساعد في صياغة السياسية الأمريكية تجاه المنطقة الجيوستراتيجية.
المصدر:
Celina B. Realuyo, Combating Terrorist Financing in the Gulf: Significant Progress but Risks Remain (Washington, The Arab Gulf States Institute in Washington, January 2015).