عرض : رشا رفعت
تثير تقنية "التعرف على الوجه" جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة بين من يعتبرونها مهدداً للخصوصية والحقوق المدنية، وآخرون يرون أنه يمكن تنظيم استخدامها، خاصة أنها تقنية قد تجلب منافع للسلامة العامة للمجتمعات، كما برز في تحديد المقتحمين للكابيتول في الولايات المتحدة في 6 يناير الماضي. إلا أن موقع "الفيس بوك" قد أوقف في نوفمبر الجاري هذه التقنية التي تحدد تلقائياً هوية المستخدمين في الصور ومقاطع الفيديو بسبب المخاوف على الخصوصية.
في هذا السياق، تظهر أهمية التقرير الذي أعده الباحثان جيمس أندرو لويس وويليام كرومبلر مؤخراً تحت عنوان "تقنية التعرف على الوجه.. مبادئ الاستخدام المسؤول والمشهد التشريعي"، إذ يسعيان إلى طرح ضوابط الحماية القانونية؛ لتقليص مخاطر هذه التقنية، على أن يتم تطوير هذه الضوابط من قبل الكونجرس لتوفير قواعد وطنية متسقة.
ومن بين النقاط المهمة التي طرحها الباحثان أن الادعاءات حول عدم دقة تقنية التعرف على الوجه، إما قديمة أو تتحدث عن طريق الخطأ عن توصيف الوجه، ولهذا قدَّم توضيحاً مبسطاً للاختلاف بينهما، حيث تعمل تقنية التعرف على الوجه على مقارنة صورتين لمعرفة مدى احتمالية تطابق إحدى الصور مع الأخرى، وتعد هذه التقنية أكثر دقة من البشر في مطابقة الصور. أما "تحليل الوجه" أو "توصيف الوجه"، فهي تقنية تحلل الصورة ثم تتم محاولة توصيفها حسب الجنس أو العمر أو العرق.
ويعرض التقرير الإجراءات الأخيرة التي اتخذها صانعو السياسات على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولاية والمستوى المحلي لتنظيم استخدام تقنية التعرف على الوجه من قبل المشغلين الحكوميين Government Operators، ثم مناقشة محاولات السلطات القضائية المختلفة لحظر استخدام التكنولوجيا من قبل السلطات الحكومية تماماً. ثم ينتقل التقرير إلى فحص محاولات تنظيم وحظر مثل هذا الاستخدام من قبل المشغلين التجاريين commercial operators. ولا يتناول هذا التقرير استخدام الدفاع والاستخبارات، حيث تخضع هذه بالفعل للمبادئ التوجيهية القانونية والأخلاقية التي تتضمن حماية كبيرة للأشخاص الأمريكيين وتوفر فوائد كبيرة للسلامة العامة.
ضمانات استخدام التقنية:
حدد التقرير ثلاثة تشريعات رئيسية على مستوى الولايات الأمريكية وتسعة على المستوى المحلي تم سنها لتنظيم استخدام تقنية التعرف على الوجه، كما أن هناك مشروعاً قانون مقترح من الكونجرس الحالي وخمسة من الكونجرس السابق توفر مؤشرات حول كيفية تعامل المشرعين الفيدراليين مع هذه القضايا في المستقبل القريب.
يحاول البعض من خلال هذه القوانين التحكم في حالات استخدام معينة، مثل تطبيق التعرف على الوجه على لقطات كاميرا الجسم، بينما يحاول البعض الآخر تشكيل نظام حوكمة شامل. تشمل الموضوعات التي تغطيها هذه القوانين الإذن والإشراف على عمليات استخدام هذه التقنية، والقيود المفروضة على الظروف التي يمكن في ظلها استخدام التكنولوجيا، ومتطلبات الشفافية للمشغلين، واختبار قياس أداء النظام، ومتطلبات المراجعة البشرية.
وقد أدت المخاوف بشأن تقنية التعرف على الوجه إلى قيام عدد من الولايات القضائية في الولايات المتحدة بإنشاء قواعد وأنظمة خاصة بها، في ظل غياب الإجراءات الفيدرالية. كان التركيز الأساسي للجهود التنظيمية حتى الآن هو وضع الضمانات التي تحكم كيفية استخدام المشغلين الحكوميين - لاسيما سلطات إنفاذ القانون - لاستخدام تقنية التعرف على الوجه. وتتمثل هذه الضمانات فيما يلي:
- عملية الإشراف والرقابة: حددت اللوائح ثلاثة إجراءات أساسية لعملية الإشراف والرقابة على استخدام الحكومة لتقنية التعرف على الوجه، ويختلف تنفيذ هذه الإجراءات حسب كل ولاية، وتتمثل هذه الإجراءات في مطالبة المشغلين الحكوميين بالحصول على إذن من هيئة تشريعية قبل شراء وتركيب هذا النظام، وأيضاً السماح فقط لعدد صغير من الجهات باستخدام التقنية.
وإذا أرادت أي جهة أخرى استخدام هذه التقنية، فسيتعين عليها تقديم طلب إلى أحد المشغلين المعتمدين القلائل. وأخيراً، تفرض العديد من الولايات القضائية إشرافاً قضائياً من خلال مطالبة مسؤولي سلطات إنفاذ القانون بالحصول على أمر قضائي أو أمر من المحكمة قبل استخدام تقنية التعرف على الوجه. وتستخدم بعض الولايات الأمريكية مزيجاً من هذه الإجراءات لتوفير ضمانات إضافية، مثل، ولاية ماساتشوستس، والتي تعمل على الحد من السلطات التي يمكنها إجراء عمليات البحث للتعرف على الوجه، كما تتطلب الحصول على إذن "مذكرة" قبل إجراء عمليات البحث.
- أوجه الاستخدام: تصف العديد من اللوائح الحالات التي يمكن للمشغلين الحكوميين استخدام هذه التقنية من أجلها وحظر الاستخدامات التي تقع خارج هذا النطاق. على سبيل المثال، سيسمح مشروع قانون مقترح في ولاية هاواي لسلطات إنفاذ القانون باستخدام هذه التقنية فقط لإنشاء مجموعة صور لشهود العيان أو لمقارنة صور المراقبة مع سجلات الاعتقال. أما ولاية يوتا، فتسمح فقط للشرطة باستخدام هذه التقنية لدعم التحقيقات في الجنايات والجرائم العنيفة. في حين تحظر اللوائح الأخرى الاستخدامات التي قد تتعارض مع الحريات المدنية، فواشنطن تحظر استخدام هذه التقنية على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الانتماء السياسي أو أي خصائص أخرى يحميها القانون. وتسمح العديد من اللوائح التي تم سنها والمقترحة لسلطات إنفاذ القانون باستخدام تقنية البحث عن الوجه لتحديد مكان الأشخاص المفقودين، المتوفين أو العاجزين، والشخص الذي تم القبض عليه بشكل قانوني، والموظف في مكان العمل، وحالات الطوارئ التي تنطوي على تهديد مباشر بالوفاة أو الإصابة الخطيرة.
- تدابير الشفافية: تهدف العديد من التشريعات إلى مطالبة المشغلين بالكشف علناً عن كيفية استخدام تقنية التعرف على الوجه وإدارته، وتركز تدابير الشفافية على ثلاثة مجالات للاستعمال؛ أولها، عملية الشراء التي تشترط على المشغلين الحكوميين تقديم سياسة الاستخدام وتقييم الآثار المحتملة قبل إتمام عملية الشراء، وتتطلب بعض التشريعات كذلك إجراء مشاورات مجتمعية قبل تشغيل هذه الأنظمة أو عقد جلسات استماع عامة. وثانيها، تحديد فترة تشغيل نظام التعرف على الوجه وأوقات التقاط الصور التي يمكن استخدامها، على سبيل المثال يتطلب مشروع قانون مقترح في ولاية ماساتشوستس من سلطات ترخيص السيارات نشر إشعارات في جميع مكاتبها لشرح كيفية استخدام الصور المخزنة من قبل الجهة كجزء من التعرف على الوجه المستهدف. وثالثاً وأخيراً، عند بدء تشغيل هذه التقنية، يجب تسجيل تفاصيل استخداماتها وإتاحتها للجمهور العام، وذلك من خلال عرض تقارير عامة سنوية توضِّح بالتفصيل كيف تم استخدام هذه الأنظمة.
- اشتراطات الاختبار: تتطلب بعض اللوائح ومقترحات القوانين من المشغلين اختبار أنظمة التعرف على الوجه في ظل الظروف التشغيلية المتوقعة، لتحديد كفاءتها والتحقق مما إذا كانت معدلات الدقة تختلف باختلاف المجموعات الديموغرافية. وتعمل الاختبارات على تقييم مدى جودة تعامل الخوارزميات مع مجموعات من الصور في مواقف مختلفة، مثل الصور خارج الزاوية، والإضاءة الضعيفة، وصور لأشخاص يرتدون أقنعة الوجه، وغيرها.
- الرقابة البشرية: من الأهداف الأساسية لتنظيم تقنية التعرف على الوجه حماية الأفراد من الضرر المحتمل المتعلق بالأخطاء الخوارزمية. وللتخفيف من مخاطر هذه الأخطاء، كان لابد من مشاركة العنصر البشري في مراجعة قرارات أنظمة التعرف على الوجه. وقد اشترطت بعض التشريعات ضرورة تدريب هؤلاء الموظفين بشكلٍ صحيح قبل السماح لهم بتشغيل أو مراجعة قرارات أنظمة التعرف على الوجه.
- مجالات الحظر: قررت بعض السلطات القضائية في الولايات المتحدة تضييق استخدام الحكومة لتقنية التعرف على الوجه، حيث يحظر استخدامها في المدارس أو المجمعات السكنية، ويحظر استخدامها فيما يتعلق بطائرات من دون طيار أو كاميرات هيئة الشرطة، أو في دعم سلطات الهجرة الفيدرالية. كما حظرت جميع القوانين التي سنتها ولايات كاليفورنيا ونيو هامبشاير وأوريغون سلطات إنفاذ القانون من استخدام التعرف على الوجه على اللقطات التي تم الحصول عليها من تسجيلات كاميرا الجسم. أما على المستوى الفيدرالي، فتم تقديم مشروعي قانونين في الكونجرس من شأنه حظر هذه الممارسة على الوكالات الفيدرالية.
تنظيم الاستخدام التجاري:
كما هي الحال مع المشغلين الحكوميين، استهدفت بعض الجهود التشريعية حظر الاستخدام التجاري تماماً لتقنية التعرف على الوجه، بينما حاول البعض الآخر وضع قواعد للتحكم في كيفية الاستخدام. وحتى الآن، يتطلب كل قانون أو مقترح ينظم الاستخدام التجاري للتعرف على الوجه من المشغلين الحصول على موافقة الأشخاص قبل جمع بيانات القياسات الحيوية الخاصة بهم.
وتتطلب بعض التشريعات الموافقة على الاشتراك، ويشار إليها عادةً بالموافقة الإيجابية أو الخطية أو غير المبهمة، بالإضافة إلى الموافقة الطوعية. كما تتطلب من المشغلين تزويد المستهلكين بإشعارات الخصوصية التي توضِّح بالتفصيل البيانات التي يتم جمعها وكيفية استخدامها ومع من يمكن مشاركتها وكيف يمكن للمستهلكين ممارسة حقوق حماية بياناتهم الشخصية. وتوفِّر بعض اللوائح استثناءات لشرط الموافقة هذه، على سبيل المثال ستعفي واشنطن وفيرجينيا أيضاً المشغلين من الاضطرار إلى تقديم إشعار أو الحصول على موافقة إذا كانوا يجمعون البيانات لأغراض الأمان ومنع الاحتيال. أما التشريع المقترح في ولاية ماساتشوستس فهو يمنع المشغلين من استخدام تقنية التعرف على الوجه لاتخاذ أي قرارات لها آثار قانونية أو آثار مهمة مماثلة، بما في ذلك القرارات التي يمكن أن تمنع الوصول إلى الخدمات المالية، والإسكان، والتعليم، والتوظيف، والرعاية الصحية، والضروريات الأساسية.
وتضع بعض اللوائح متطلبات للسياسات التشغيلية المعتمدة من قبل المنظمات التي تستخدم تقنية التعرف على الوجه، حيث يطلب الكثير من المشغلين اعتماد تدابير لتأمين البيانات الحيوية من الاستخدام غير المصرح به، كما سيطلب آخرون من المشغلين حذف بيانات الاستدلال البيولوجي بمجرد تحقيق الغرض من جمعها أو بعد انقضاء فترة زمنية معينة.
أما على صعيد مجالات حظر الاستخدام التجاري لتقنية التعرف على الوجه، فتعتبر بورتلاند وبالتيمور السلطتين القضائيتين الوحيدتين اللتين نفذتا حظراً على استخدام تقنية التعرف على الوجه من قبل المشغلين التجاريين في أماكن الإقامة العامة. ولا يحظر مرسوم بورتلاند جميع الاستخدامات، لكنه يحظر استعماله في أماكن الإقامة العامة. أما حظر بالتيمور يعد من أكثر التشريعات الصارمة بحيث لا يمكن لأي فرد أو شركة - بما في ذلك رئيس البلدية ومجلس المدينة - استخدام أي نظام لمراقبة الوجه. ومع ذلك من المقرر أن تنتهي صلاحية هذا الحظر في 31 ديسمبر 2022، ما لم يختار مجلس المدينة تمديده لمدة خمس سنوات أخرى، مما يمثل اعترافاً بالخسائر المحتملة التي يتكبدها الحظر التام.
آليات وعقوبات مقترحة:
لقد أدخلت التشريعات المقترحة والتي تم سنها في الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات المحتملة التي تتراوح في شدتها اعتماداً على طبيعة الانتهاك. على المستوى الفيدرالي، تتضمن بعض التشريعات التهديد بإلغاء التمويل الحكومي لحكومات الولايات أو الحكومات المحلية التي يثبت انتهاكها لسياسات حماية الخصوصية والحقوق المدنية. ومن بين العقوبات أيضاً حظر استخدام مبالغ المنح من مكتب برامج العدل التابع لوزارة العدل لاستخدامها في النفقات المتعلقة بتقنية التعرف على الوجه، والتعامل مع الانتهاكات على أنها أعمال غير عادلة ومضللة، والتي تحددها لجنة التجارة الفيدرالية، ويعاقب عليها بعقوبات مدنية تصل إلى 10.000 دولار لكل انتهاك. أما على مستوى الولاية، فيدعو التشريع المقترح في نيويورك إلى فرض عقوبات على شكل حجب أموال الدولة عن أقسام الشرطة غير المتوافقة.
في النهاية، يجب التأكيد على أن التقنيات الجديدة، خاصة إذا كانت تؤثر على السلامة العامة أو الحريات المدنية، تتطلب تنظيماً لتعود بمنافعها. ويوصي هذا التقرير بوضع إطار عمل وطني شامل يستند إلى فحص تشريعات تقنية التعرف على الوجه على المستوى المحلي والولائي والفيدرالي، ويعد إنشاء قواعد عامة لهذه التقنية مهمة ضرورية لتحقيق التوازن بين مخاوف الخصوصية والسلامة العامة.
المصدر:
James A. Lewis & William Crumpler, Facial Recognition Technology Responsible Use Principles and the Legislative Landscape, CSIS, SEPTEMBER 2021.