تبدو آفاق أسعار النفط في عام 2021 إيجابية إلى حد بعيد مع ارتفاع معنويات المتعاملين بفضل حملات التطعيم الواسعة ضد فيروس كورونا التي تجريها العديد من دول العالم والتي سوف تدعم من دون شك استئناف النشاط الاقتصادي العالمي دون قيود مشددة، هذا إلى جانب استمرار التزام تحالف "أوبك+" بسياسة كبح المعروض من الخام. وفي ضوء هذه المتغيرات، رفعت المؤسسات الدولية من توقعاتها لأسعار الخام في العام الجاري عند نطاق يدور بين 55 إلى 65 دولاراً للبرميل، أى ما يزيد بحوالي 10 دولارات عن مستويات العام الماضي. ورغم هذه الآفاق الإيجابية، تظل هناك مخاطر بارتداد أسعار النفط وهبوطها حال زيادة المعروض من جانب إيران العضو في "أوبك" في ظل احتمال رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها، وهو احتمال ما زال مرتبطاً بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول الملفات الخلافية.
ارتفاع كبير:
اتجهت أسعار النفط العالمية نحو الصعود القوي منذ فبراير الماضي، حيث تجاوزت حاجز الــ60 دولار للبرميل لأول مرة منذ عام، ووصلت أسعار خام برنت إلى أعلى مستوى لها في 24 فبراير الفائت عند حدود 67 دولاراً للبرميل، وبزيادة أكثر من 10 دولارات للبرميل عن مستوى يناير الماضي. ويأتي ذلك وسط ارتفاع معنويات المستثمرين بفضل حملات التطعيم الواسعة ضد فيروس كورونا في العديد من دول العالم، إلى جانب استمرار التزام أعضاء "أوبك+" بخفض إمدادات النفط.
وعلى نحو لافت، تحسن الطلب على النفط في الاقتصادات الكبرى ولاسيما في آسيا مع استئناف النشاط الاقتصادي وبالتالي زيادة عمليات تشغيل المصافي. ومن المرجح أن يعود الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا بحلول عام 2022 أو 2023 على الأكثر وفق عدد من الترجيحات. بينما في العام الجاري، من المحتمل أن يسترد الطلب العالمي على الخام حوالي 60% من خسائره في العام الماضي. ووفق ما تراه منظمة "أوبك"، فسوف يرتفع الطلب العالمي على الخام بنحو 5.79 مليون برميل يومياً هذا العام إلى 96.05 مليون برميل يومياً. بينما تذهب بعض التوقعات الأكثر تفاؤلاً مثل توقعات "ستاندر آند بورز جلوبال بلاتس" إلى أن متوسط الطلب قد يصل إلى 99.3 مليون برميل يومياً، أى أقل من مليون برميل يومياً من مستواه في عام 2019.
وإلى جانب علامات تحسن الطلب السابق، لازال تحالف "أوبك+" يبدي التزاماً قوياً بكبح إمدادات الخام من أجل إعادة توازن السوق. وفي يناير الماضي، اتفق التحالف على خفض الإنتاج بنحو 7.2 مليون برميل يومياً. ورغم ذلك، فإن هذه التخفيضات ساهمت في خفض تراكم المخزونات لدى الاقتصادات المتقدمة، في الوقت الذي فاجئت فيه المملكة العربية السعودية الأوساط النفطية بقرارها الأخير بخفض طوعي للنفط بنحو مليون برميل في فبراير ومارس 2021.
وعلى نحو آخر، فقد تراجعت إمدادات كبار المنتجين خارج تحالف "أوبك+"، كما انخفض الإنتاج الأمريكي بشكل ملحوظ في ظل الأوضاع المالية المتردية لشركات النفط الصخري، على نحو اضطرت معه إلى تقليص ميزانياتها وخفض عمليات حفر الآبار. وفي ضوء ما سبق، انخفض الإنتاج الأمريكي إلى نحو 11.3 مليون برميل يومياً في عام 2020، وهو أقل من 12.2 مليون برميل في عام 2019. ومن المرجح أن يصل إلى 11 مليون برميل يومياً في عام 2021 وفق توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وسوف يساهم تراجع الإنتاج خارج "أوبك+" في كبح المعروض العالمي من الخام، ومن ثم الحفاظ على مستويات الأسعار الحالية.
في ضوء التوقعات السابقة، رفعت المؤسسات الدولية من توقعاتها لأسعار النفط في عام 2021. ووفق مسح أجرته "رويترز" مؤخراً، توقع خبراء اقتصاديون أن يصل متوسط سعر خام برنت إلى 59.07 دولاراً للبرميل هذا العام، ويمثل هذا ارتفاعاً من متوسط 54.47 دولاراً للبرميل في السابق. بينما توقع بنك "باركليز" أن يبلغ سعر النفط 67 دولاراً للبرميل في المتوسط هذا العام، في ضوء عودة المخزونات إلى وضعها الطبيعي في الأسواق المتقدمة ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى مصاعب عمليات التشغيل والاستثمار لدى منتجي النفط الصخري الأمريكي حتى رغم ارتفاع أسعار النفط.
بينما كانت "جولدمان" من بين أكثر المؤسسات تفاؤلاً، حيث توقعت أن تصل أسعار خام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل خلال الربع الثاني من هذا العام، وأن تبلغ 75 دولاراً في الربع الثالث، بما يعني أنها ترفع توقعاتها السابقة للربع الثاني والربع الثالث بمقدار 10 دولارات للبرميل.
مرونة "أوبك+":
من المقرر أن يجتمع وزراء "أوبك+"، بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا، في 4 مارس الجاري، لاتخاذ قرار بشأن مستويات الإنتاج لشهر أبريل بعد التوصية في اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في 3 فبراير الفائت بالإبقاء على الحصص ثابتة حتى مارس، بدلاً من زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل.
وإزاء المتغيرات الجديدة القائمة في السوق، تشير بعض التوقعات إلى أن "أوبك" قد تكون بصدد زيادة مستويات إنتاجها من النفط في الاجتماع المقبل، بما يصل إلى نصف مليون برميل يومياً ابتداءاً من شهر أبريل المقبل، حيث يدرك التحالف أنه من الضروري تخفيف القيود من أجل تلبية الطلب المتزايد على الخام، واستعادة الحصة السوقية للأعضاء، وهذا سيكمله قيام السعودية على الأرجح بإلغاء الخفض الطوعي لإنتاج النفط.
ومع زيادات الإنتاج المحتملة من قبل "أوبك+"، أو من جانب إيران حال تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية، ربما تتوقف موجة صعود النفط، وترتد أسعار خام برنت عند نطاق يتراوح بين 55 إلى 65 دولاراً على الأرجح.