أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

استغلال التصعيد:

لماذا تحاول إيران الانخراط في أزمة إدلب؟

16 فبراير، 2020


لم تكتف إيران بالدعوة إلى احتواء التصعيد بين تركيا والنظام السوري حول إدلب، والذي وصل إلى درجة نشوب مواجهة عسكرية بين الطرفين، بل إنها سعت إلى التوسط بين الطرفين وأبدت استعدادها لتسهيل إجراء حوار بينهما، بالتوازي مع ظهور تقارير تشير إلى انخراط ميليشيات موالية لها في العمليات العسكرية التي يشنها النظام. وربما لا يعود ذلك في المقام الأول إلى رؤية إيران لموقع إدلب في معادلة الصراع في سوريا، وإنما إلى حرصها على استغلال التصعيد الحالي في إدلب لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات أخرى، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها في الوقت الحالي، نتيجة تصاعد حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية واتساع نطاق الخلافات مع الدول الأوروبية.

اعتبارات عديدة:

أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 10 فبراير الجاري، استعداد إيران للتوسط من أجل تقليص حدة التصعيد بين تركيا والنظام السوري وتسهيل إجراء مباحثات بين الطرفين، وهى الدعوة نفسها التي وجهها المسئولون الإيرانيون الذين التقوا المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون الذي قام بزيارة طهران قبل ذلك بيومين. وكان لافتاً أن ذلك جاء عقب ظهور تقارير إعلامية تكشف عن مشاركة عناصر من ميليشيا "فاطميين" الأفغانية، الموالية لطهران، في المواجهات التي تشهدها إدلب في الوقت الحالي، على غرار تقرير لصحيفة "تليغراف" البريطانية في 26 يناير الفائت.

وفي الواقع، فإن هذه التحركات لا يمكن فصلها عن رؤية إيران لاتجاهات التطورات التي طرأت على الساحة السورية، على المستويين السياسي والأمني، والخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها في المرحلة الحالية. ويمكن القول إن ثمة اعتبارات رئيسية أربعة دفعت إيران إلى الانخراط في أزمة إدلب في الفترة الحالية تحديداً، وتتمثل في:

1- تعويم النظام السوري: ترى إيران أن مرحلة الصراع العسكري داخل سوريا أوشكت على الانتهاء بعد أن تغيرت توازنات القوى لصالح النظام السوري، الذي حظى بدعم من جانب روسيا وإيران والميليشيات الموالية لها. ومن هنا، فإن إعادة تعويم النظام السوري على المستوى الإقليمي يكتسب أولوية بالنسبة لها في الفترة الحالية، لاسيما في ظل العزلة الإقليمية والدولية التي قد تتعرض لها في المرحلة القادمة، كإحدى تداعيات اتساع نطاق خلافاتها مع الدول الغربية. 

وعلى ضوء ذلك، فإن تسهيل إجراء حوار بين النظام السوري وتركيا يمكن أن يخدم أهداف إيران في هذا الصدد، خاصة في ظل العلاقات القوية التي تؤسسها طهران مع الطرفين. 

2- استباق واشنطن: لا يمكن فصل مسارعة إيران إلى الدعوة لإجراء حوار بين تركيا والنظام السوري عن حرص إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الانخراط في أزمة إدلب من خلال تأييد موقف أنقرة، باعتبارها حليفاً في "الناتو" حسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 4 فبراير الجاري، والتي قال فيها أن "الولايات المتحدة تندد بالهجمات الوحشية غير المبررة التي يتعرض لها سكان إدلب"، مضيفاً: "نقف مع تركيا حيلفتنا في حلف الناتو في أعقاب الهجوم الذي أسفر عن مقتل عدة جنود أتراك يخدمون في مواقع مراقبة للتنسيق ووقف التصعيد، وندعم دعماً كاملاً تحركات تركيا المبررة للدفاع عن نفسها رداً على ذلك".

وبعبارة أخرى، فإن إيران سارعت إلى الانخراط في الأزمة لاستباق الاستحقاقات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عنها، لاسيما فيما يتعلق برفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري بين واشنطن وأنقرة، وربما دفع الأولى إلى تعزيز وجودها كطرف دولي معني بتداعيات تلك الأزمة، وبالتالي إرباك الحسابات السياسية والعسكرية لإيران في سوريا مجدداً، التي بدأت في إعادة صياغتها بناءً على افتراض الانسحاب الأمريكي تدريجياً من الأخيرة. 

3- توجيه رسائل مضادة: تحاول إيران عبر الانخراط في الأزمة توجيه رسائل بأن لديها القدرة على تعزيز دورها كطرف لا يمكن تجاهله في الملفات التي لم تحسم بعد داخل سوريا، وفي مقدمتها ملف إدلب التي ما زالت تمثل ما يسمى بـ"خزان الإرهابيين"، نتيجة سيطرة التنظيمات الإرهابية عليها. ومن دون شك، فإن ذلك يرتبط، في قسم منه، بمحاولة إيران تبني سياسة مختلفة لإعادة التموضع بهدف التعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني مع نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية أبومهدي المهندس، خلال الضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 3 يناير الفائت.  

إذ أن هذه الضربة ساهمت بشكل واضح في إرباك حسابات إيران الإقليمية ودفعتها إلى إعادة النظر من جديد في الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات التي تشهدها الملفات الأكثر أهمية بالنسبة لها على المستويين السياسي والأمني. ومن هنا، فإنها سارعت إلى الانخراط في ملف إدلب من أجل تقليص احتمالات تبلور معطيات إقليمية جديدة قد لا تتوافق بالضرورة مع محاولاتها وضع حدود للارتباك الذي اتسمت به تدخلاتها الإقليمية في مرحلة ما بعد مقتل سليماني. وربما لا ينفصل ذلك عن محاولاتها طمأنة حلفائها، سواء النظام السوري أو الميليشيات الموالية على غرار حزب الله، بأن غياب سليماني عن المشهد لا يعني تراجع دعمها لهم.

4- احتواء دور موسكو: لا تبدي طهران ارتياحاً واضحاً للتنسيق المتواصل بين موسكو وأنقرة على المستويين السياسي والعسكري داخل إدلب، والذي كان عنوانه الرئيسي خلال الفترة الماضية هو "اتفاق سوتشي"، على أساس أن ذلك يساهم في تعزيز دور الأولى باعتبارها الطرف الرئيسي الذي يمتلك القدرة على إدارة مسارات الصراع داخل سوريا، بدليل قدرتها على الوصول إلى تفاهمات أمنية مع كل القوى الإقليمية والدولية المعنية بهذا الصراع، بما فيها خصوم إيران نفسها. 

ومن هنا، لا يمكن استبعاد أن تحاول إيران استغلال التصعيد الحالي من أجل تعزيز دورها على حساب روسيا، التي اتسع نطاق خلافاتها مع تركيا بسبب دعمها الواضح للإجراءات العسكرية التي يتخذها النظام، الذي يشارك بدوره إيران في هذه المقاربة التي تقوم على دعم احتمالات انهيار "اتفاق سوتشي" الذي توصلت إليه روسيا وتركيا في 17 سبتمبر 2018 ويواجه اختباراً صعباً في الفترة الحالية بسبب التصعيد المستمر في إدلب.

وقد انعكست هذه المقاربة الإيرانية في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي، في 3 فبراير الحالي، التي قال فيها أن "مسار الأستانة (الذي تشارك فيه إيران إلى جانب كل من تركيا وروسيا) هو المسار الوحيد الممكن لحل الأزمة السورية وينبغي الحفاظ عليه". 

مع ذلك، فإن استمرار التصعيد العسكري في إدلب قد يخلط أوراق إيران، لاسيما أن دعوتها للتوسط بين الطرفين قد لا تلقى دعماً من جانب أنقرة، خاصة في حالة ما إذا اتجهت إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الداعمة للنظام السوري في تلك المنطقة.