أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ماذا حدث في طرابلس؟

09 يوليو، 2019


تعرض مركز تدريب الميليشيات الواقع شرق وسط العاصمة الليبية لضربة جوية مجهولة المصدر أدت إلى مصرع ما لا يقل عن ثلاثة وخمسين منهم وسقوط عشرات الجرحى الذين وصل عددهم وفقاً لأحد التقديرات إلى مائة وأربعين جريحاً. وقد سارعت حكومة ما يُسمى «الوفاق الوطني» إلى اتهام الجيش الوطني الليبي بالمسؤولية عن الغارة ودعت البعثة الأممية لدى ليبيا لإرسال لجنة تقصي حقائق على الفور لمعاينة الموقع وتوثيق العملية. ومن جانبه نفى الجيش الليبي هذا الادعاء وقال مركزه الإعلامي إنه وجه ضربة دقيقة لمخازن الذخيرة بمعسكر تابع للمليشيات المتحالفة مع «حكومة الوفاق»، وبعد تنفيذ الضربة قامت المليشيات بقصف مقر المركز بالهاون بحثاً عن ذريعة لتأليب الرأي العام على الجيش الوطني الليبي، وتحدى الناطق باسم الجيش «حكومة الوفاق» قائلاً إن صور الأقمار الاصطناعية ونوع التفجير وزاويته «في انتظار إثبات جرائمكم».

في الصراعات المسلحة يصعب تحديد المسؤوليات لكثرة ما يحيط بسير العمليات من غموض حتى أننا لا نعرف في بعض الأحيان من انتصر في جولة أو أخرى من جولات القتال. ومن ناحية أخرى بدت اتهامات «الوفاق» مفهومة طالما أن قيادة الجيش الوطني قد هددت بالتصعيد بعد التطورات الأخيرة في مدينة «غريان». اتهام الطرف الآخر بالمسؤولية منطقياً، لاسيما وأن جُل قوات حكومة الوفاق ميليشيا معظمها مدان بالإرهاب. وإلى ذلك فإن الأمم المتحدة حذّرت غير مرة من أن موقع هذا المركز يعرضه لخطر جسيم لقربه من أهداف عسكرية عديدة.

غير أن التطورات اللاحقة قد حسمت الجدل تقريباً لصالح الجيش الوطني، حيث كشف تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بعد الغارة بيومين أن المصادر الأممية لديها معلومات تفيد بأن حراساً ليبيين قد أطلقوا النار على المركز المستهدف أثناء، وهو ما يتسق ورواية الجيش الليبي، خاصة بالنظر إلى ما هو معلوم عن طبيعة المليشيات الإرهابية المتحالفة مع حكومة الوفاق، الأمر الذي يجعلها لا تتورع عن الإتيان بفعل كهذا، خاصة أن تزامنه مع تهديدات الجيش الوطني بالتصعيد رداً على تصاعد التدخل التركي لصالح الميليشيات الإرهابية يُسَهل الاعتقاد بأن طائرات حفتر قد تكون المسؤولة عن الغارة ولو على سبيل الخطأ، ومع هذا تبقى المطالبة بتحقيق محايد ونزيه وشفاف واجبة، حيث إن من شأنها إثبات الطبيعة الإجرامية للمليشيات الإرهابية المنتشرة في طرابلس. غير أن الأهم من هذا كله أنه آن الأوان لإعادة النظر في أمور مهمة أصبحنا نتعامل معها على نحو روتيني، وفي مقدمتها دور الأمم المتحدة في تسوية الصراعات الدائرة في العالم العربي، الدور الذي ثبت فشله حتى الآن، ناهيك عن اتهامات التحيز الموجهة له من حين لآخر. صحيح أن هذه الصراعات قد تطورت على نحو بالغ التعقيد، وصحيح أن الاعتبارات السياسية المرتبطة بمصالح الدول الكبرى كثيراً ما تعوق الدور الأممي، إلا أن النهج المتبع إزاءها لا يخلو من قصور فادح في بعض الأحيان، وهو أمر يستحق أن يكون موضوعاً لنقاش جاد ونزيه.

كما أن التعامل الدولي مع قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية يستحق بدوره وقفة لمعالجة القصور الدولي الواضح في الاكتفاء بمعالجة مظاهر الأزمة دون جذورها. وأخيراً، ورغم الإنجازات المتحققة في مواجهة الإرهاب، فإن التساهل مازال يميز الموقف من بعض التشكيلات الإرهابية، كما هو الحال مع ميليشيات طرابلس وتنظيم «الإخوان» الإرهابي، وهو أمر آن الأوان لوضع نهاية حاسمة له. 

*نقلا عن صحيفة الاتحاد