يبدو أن مرحلة جديدة من الحرب على تنظيم "داعش" في أفغانستان سوف تبدأ خلال الفترة القادمة، خاصة بعد إعلان السلطات الأفغانية، فى 26 أغسطس 2018، عن مقتل زعيم ما يسمى بـ"ولاية خراسان"، التابع للتنظيم، أبو سعد أرحبي خلال العملية البرية والجوية المشتركة التي نفذتها القوات الأفغانية والأمريكية على معاقل التنظيم في إقليم ننجرهار، وهو ما أسفر عن مقتل عشرة آخرين من عناصره، وتدمير كميات كبيرة من الأسلحة.
واللافت للانتباه في هذا السياق، هو تزامن مقتل أرحبي، الذي يعد القائد الرابع للتنظيم الذي يُقتل منذ ظهوره في أفغانستان عام 2014، مع شن هجوم جوي على المناطق الحدودية في ولاية تاخار الشمالية في أفغانستان، على نحو أسفر عن مقتل ستة عناصر من حركة "طالبان" . وقد أشارت تقارير عديدة إلى قيام كل من روسيا وطاجيكستان بشن هذا الهجوم، قبل أن تنفيها الأخيرة التي أكدت على أن قواتها ليست مخولة بتنفيذ مثل تلك النوعية من العمليات.
لكن ذلك لا ينفي أن هذه التطورات تكشف في مجملها عن تزايد مخاوف دول الجوار من تصاعد نفوذ تلك التنظيمات وامتداد نشاطها الى داخل حدودها، خاصة بعد ظهور تقارير تحذر من أن تنظيم "داعش" يركز على دول معينة في منطقة آسيا الوسطى، وعلى رأسها طاجيكستان، التي شهدت عمليات إرهابية عديدة في الفترة الأخيرة، وينتمي إليها عدد ليس قليلاً من عناصر التنظيم.
توقيت لافت:
توازى مقتل قائد "ولاية خراسان" في أفغانستان مع تزايد التحذيرات التي أطلقتها اتجاهات عديدة من تصاعد نفوذ التنظيم داخل البلاد، خاصة أنه بات يمثل حالة تنظيمية متقدمة بين فروع "داعش"، بعد أن تمكن من تعزيز قدراته العسكرية وموارده المالية وتوسيع نطاق نفوذه في مناطق جديدة، على نحو أدى إلى دخوله في صراعات مع قوى وأطراف عديدة، خاصة القوات الحكومية والأجنبية وحركة "طالبان"، التي شن هجومًا ضدها، في 17 يوليو 2018، بشكل أدى إلى مقتل 15 من عناصرها.
وقد دفع ذلك العديد من عناصر "داعش" إلى السعى من أجل الانضمام للتنظيم، حيث شهدت الفترة الأخيرة توافد أعداد من المقاتلين الأجانب للالتحاق بـ"ولاية خراسان"، وهو ما أشار إليه سفير أفغانستان لدى بريطانيا سعيد جواد بقوله، في 5 أغسطس 2018، أن "أفغانستان صارت قاعدة جديدة لداعش بعد هزيمته في العراق وسوريا"، مضيفًا أن "هؤلاء المتطرفين يشكلون تهديدًا ليس فقط لبلاده، بل للعديد من الدول، لأنهم ربما يتسللون عائدين إلى ديارهم".
دلالات عديدة:
تطرح الضغوط التي يتعرض لها تنظيم "ولاية خراسان" في هذا التوقيت دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- دور أمريكي متصاعد: تشير مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم على معاقل التنظيم، إلى سعيها نحو توسيع نطاق الحرب ضد الإرهاب، لتشمل الدول الأخرى التي انتقل إليها عناصر من التنظيم، وفي مقدمتها أفغانستان، التي تعاني في الأساس من اضطرابات أمنية وسياسية نتيجة تصاعد حدة الصراعات المسلحة وعدم الوصول إلى تسوية سياسية شاملة.
ومع ذلك، فإن اتجاهات عديدة تشير إلى أن أحد الأهداف الأساسية لواشنطن يرتبط بتأكيد دورها المحوري في جهود تحقيق الاستقرار في أفغانستان، على المستويين الأمني والسياسي، خاصة أن الخطوة الأخيرة جاءت بعد إعلان روسيا عن استضافة مؤتمر سلام خاص بأفغانستان للاتفاق على محاور عديدة من بينها توحيد الجهود المبذولة للقضاء على خطر "داعش".
واللافت في هذا الإطار، أنه في الوقت الذي وافقت فيه "طالبان" على حضور المؤتمر، أعلنت واشنطن عدم المشاركة فيه، وتبنت كابول موقفًا مترددًا إزاءه، حيث تراجعت عن رفضه وطالبت ليس فقط بتأجيله من أجل بلورة موقف أفغاني موحد وإنما أيضًا بإشراكها في رئاسته، وهو ما دفع موسكو إلى تأجيله بعد أن كانت تستعد لعقده في 4 سبتمبر القادم.
ويبدو أن موسكو تحاول في الفترة الحالية تعزيز فرص إنجاح المؤتمر ودعم قدرته على تكريس حالة من الاستقرار السياسي الذي قد يقود إلى تقليص حدة الصراعات المسلحة في أفغانستان، وهو ما يمكن أن يساعد في النهاية على توسيع نطاق الدور الذي تقوم به في عملية صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية في أفغانستان بمشاركة الأطراف الرئيسية الأخرى.
2- تحجيم النفوذ: ربما تساهم الضربة الأخيرة التي أدت إلى مقتل أرحبي في إضعاف نفوذ التنظيم داخل أفغانستان، على غرار الأفرع الأخرى التي تنتمي للتنظيم، وتواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة، بفعل الضغوط القوية التي تتعرض لها من جانب بعض الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضدها. إذ يتزامن ذلك مع تراجع نشاط التنظيم في العراق وسوريا والصومال وغيرها من الدول التي تشهد أزمات سياسية وأمنية وحروبًا أهلية في السنوات الأخيرة.
3- منع التمدد الخارجي: تهدف هذه النوعية من الضربات التي تركز على قادة ومعاقل تنظيم "ولاية خراسان" خلال الفترة الأخيرة، إلى منع تمدده خارجيًا، لا سيما في ظل استمرار قدرته على بناء شبكة تحالفات "داعشية" مع المجموعات المناظرة له داخل بعض دول آسيا الوسطى، مثل "ولاية القوقاز" بشقيها في الشيشان وداغستان، فضلاً عن المجموعات المؤيدة له، وفي مقدمتها حركة "أوزبكستان الإسلامية" التي بايعت "داعش" في عام 2015.
4- تعزيز سلطة كابول: تسعى القوى المعنية بتحقيق الاستقرار في أفغانستان إلى تعزيز قدرة الحكومة الأفغانية على مواجهة التنظيمات الإرهابية وتقليص تهديداتها للأمن والاستقرار داخل أفغانستان. وقد حرصت الحكومة الأفغانية على رفع مستوى التنسيق الأمني والسياسي مع تلك القوى، من أجل مواصلة الحصول على دعمها في مواجهة تلك التنظيمات.
ومع ذلك، فإن هذه الضربات لا تنفي أن التنظيم ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية، بل إنه قد يمعن في شن تلك النوعية من العمليات خلال المرحلة القادمة للرد على تلك الضربات وتأكيد قدرته على احتواء تداعياتها، بشكل يشير في النهاية إلى أن الحرب على الإرهاب داخل أفغانستان سوف تستغرق وقتًا قد لا يكون قصيرًا، في ظل تعدد التنظيمات الإرهابية واستمرار انتقال العناصر الإرهابية من مناطق الأزمات إلى داخل أفغانستان للانضمام إليها.