أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

لماذا نحارب؟

جذور الصراعات واستراتيجيات السلام في العالم

30 أغسطس، 2022


عرض: عبد المنعم علي

يشكل تفاقم وتيرة الصراعات المسلحة والحروب الأهلية وتلك العابرة للحدود الوطنية عبئاً على شعوب العالم، ومهدداً للاستقرار والسلام العالمي. وتعد الحرب الروسية- الأوكرانية، وتأثيراتها المختلفة خير دليل على تداعيات الحروب المعاصرة وتكاليفها المتعددة على البشرية، الأمر الذي يفرض ضرورة النظر في أسباب الحروب والصراعات وعوامل تفاقمها وتراجع القدرة على تسويتها.

لذلك، طرح "كريستوفر بلاتمان" في كتابه المعنون بــ" لماذا نحارب: جذور الحرب وطرق السلام" رؤية معمقة لمسببات الحروب والطرق المختلفة التي يتم من خلالها إقرار السلام بين الثقافات والمجتمعات، بالرغم من مظاهر التناقض والتباين، خاصة أن الباحث درس العديد من الدول التي تعاني صراعات مسلحة، مثل السودان وغيرها، ومناطق آخرى تعاني حروب العصابات المختلفة مثل، شيكاغو.

مسببات الحروب:

يرجع اندلاع الحروب لأسباب متباينة تختلف وفقاً للسياق والظرف الخاص بكل حالة على حدة، بيد أن الكاتب قد عدد القواسم والمسببات المشتركة التي يمكن القول إنها مظلة عامة لاندلاع الحروب بين الدول والجماعات، سواء أكانت حروباً قومية أو حروباً أهلية أو صراعات عرقية أو حروب العصابات. ويتطلب مواجهة الصراع، وإحلال السلام فهماً حقيقياً للدوافع الكامنة خلفها، ويمكن القول إن تلك الأسباب تتجلى في الآتي:

- المصلحة الذاتية للقادة: يُعد هذا السبب أحد ركائز اندلاع الحروب في ظل الحسابات الضيقة والشخصية للقادة التي قد لا تتوافق بالضرورة مع متطلبات المجتمع، مما يدفع الدول والجماعات للانخراط في صراعات طويلة الأجل. ولا يرتبط هذا السبب بديمقراطية الأنظمة السياسية من عدمه، وإنما ينجم بصورة رئيسية من وضعية الخلل في كفاءة نظام الضوابط والتوازنات الداخلية في تلك الأنظمة، ويدلل الكاتب في ضوء ذلك بحالة ليبيريا التي شهدت صراعاً دموياً في عام 1989، وذلك رغبةً في الهيمنة والسيطرة على الثروات والموارد الطبيعية، الأمر الذي خلق حالة من الانقسام الداخلي خاصة مع فشل النظام السياسي في إحداث قدر من الضوابط والتوازنات الداخلية، ولعل المصالح الخاصة للقادة غير الخاضعة للرقابة من شأنها أن تجعل السلام أكثر هشاشة.

- الحوافز غير الملموسة وتعظيم الإيديولوجيا: يُعد الانتماء لإيديولوجيا معينة سواء دينية أو ثقافية أو فكرية أو التعصب لطائفة معينة محفزاً للجماعات داخل المجتمع للانحياز للعنف والصراع والحروب في مقابل نبذ السلام، كما حال التمرد الأمريكي على بريطانيا في ظل تزايد وتيرة الإيديولوجية الجديدة الخاصة بتقرير المصير، وكذلك مساعي أدولف هتلر لنشر أيديولوجيته من خلال الحرب العالمية الثانية على نطاق أوسع حفاظاً على ما زعمه حول الجنس الألماني. 

أيضا برز هذا السبب في حروب داخلية ناجمة عن اتباع استراتيجية مكافحة التمرد داخل الدولة الواحدة تجاه الجماعات الداخلية مما يولد عنفاً داخلياً، كما حال انتفاضات الفلاحين في بدايات أوروبا الحديثة والمقاومة الفيتنامية أو العراقية للغزو الأمريكي، علاوة على عدد كبير من حكومات الدول (بريطانيا – روسيا – الصين – إيران – إندونيسيا – فرنسا – ميانمار) التي توظف العنف في مقابل إخضاع المقاطعات تحت سيادتها ورفض مبدأ تقرير المصير، ولعل هذا النهج بمنزلة  عامل داعم لبروز العنف، ومن ثٌم اندلاع الحرب، فالغضب والتطلع إلى المجد يُضيقان بقدر كبير من هامش المساومة والانحياز للسلام.

- اختلاف المزايا المادية والمعنوية: تندلع الحروب بسبب الرغبة في استحواذ أحد الأطراف على المزايا المادية أو المعنوية التي يحظى بها الطرف الآخر، مما يدفع الحكام إلى تنشيط التحالفات المختلفة والتعبئة الجماهيرية للقوات للتأهب لخوض حرب مع الطرف الآخر، فالحروب تبدأ عندما تختلف الدول المتحاربة على قوتها النسبية، ولعل هذا الأمر دفع معظم الحكومات في تاريخ البشرية إلى خصخصة فوائد القتال وإضفاء الطابع الاجتماعي على تكاليف الحروب.

- اختلال التوازن والالتزام: فأحد الدوافع وراء قيام دولة باستخدام العنف وإعلان الحرب على دولة أخرى هو حالة التخوف والترقب من اختلال توازن القوى مع هذا الخصم، ويدلل على ذلك حالة الغزو العسكري الأمريكي للعراق عام 2003، والذي كان ناجماً بالأساس من التخوفات الغربية لتطوير العراق لترسانته العسكرية، خاصة أسلحة الدمار الشامل، إذ تشكل حالة التنافس وتطلعات الدول للتوسع في امتلاك القوة والمكانة عبر المزاحمة مع القوى المحيطة، دافعاً وراء اندلاع الصراعات بسبب سوء التقدير لقدرات ومقومات الدول المستهدفة، ويرى الكاتب أن مشكلة الالتزام تُعد أكبر عائق أمام تسوية الحروب الأهلية مدللاً بذلك على حالة كولومبيا التي شهدت توقيع اتفاق سلام بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية عام 2016، بيد أن عدم الالتزام كان سبباً في منع وقف العنف، فقد شهدت الفترة اللاحقة لهذا التاريخ موجات عنف وقتال كبيرين.

- التقديرات الخاطئة للقوى المتبادلة: أحد الأسباب التي يُعزى إليها اندلاع الحرب يكمن في المفاهيم والتقديرات الخاطئة بشأن قوة الخصم وقدرة المجتمع الدولي على معالجة أي خلل مستقبلي بين أطراف الصراع، ولعل هذا السبب وراء اندلاع الحروب يتزايد في ظل تعمد أطراف الصراع لانتهاج تكتيك الخداع والتضليل بما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة سوء الفهم لدى الطرف الآخر، فنقص المعلومات يتعارض مع مسارات تحقيق السلام، هنا، تعد "حرب السنوات السبع" نموذجاً لذلك السبب، خاصة أنها دارت بين معظم الدول الأوروبية بين عامي 1756 و1763 على خلفية التوسع ما أدى إلى صراع عالمي ممتد، وقد برز هذا الأمر أيضاً في وضعية الغزو الأمريكي للعراق، فالنظام العراقي جاءت تقديراته للموقف العالمي خاطئة في ظل اعتباره ضمناً أن كل من روسيا وفرنسا - كأحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين – لن يوافقوا على غزو العراق.

استراتيجيات السلام:

تؤثِّر التهديدات المتعلقة بالعنف والتخوف من اندلاع حروب بين الدول والجماعات المختلفة وما يتبعها من تكاليف متعددة على الأبعاد الاقتصادية والتجارية والمالية للدول؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى إفلاس الأنظمة الحاكمة، ومن ثم اتجاهها نحو التوافق السياسي والمساومة، وهو ما يُعد مرتكزاً نحو اتباع سبل السلام لاحتواء أي صراع محتمل، وفي هذا الإطار، وضع الكاتب عدداً من الاستراتيجيات الخاصة بإقرار السلام والحيلولة دون تفاقم النزاعات والحروب الأهلية بين الدول والجماعات، منها: 

- استراتيجية الردع، فغياب هذه الاستراتيجية يدفع في اتجاه نشوب الحروب أياً كانت طبيعتها، وضرب الكاتب مثالاً حول ذلك بحروب العصابات داخل شيكاغو والتي تفتقر لحالة الردع وغياب المسؤولية أمام المجتمع، مما يحفِّز لديهم طابع العنف والعدوان في سبيل بناء صورة ذهنية حول قدراتهم. في المقابل، فإن الردع يقلل من الصراعات، وهو الأمر الذي ينطبق على حالة الولايات المتحدة داخل أفغانستان، حيث اتبعت نهجاً داعماً لبناء سمعة أو صورة ذهنية رادعة حول القدرات العسكرية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر لتكون بنزلة إنذار وتحذير للدول الأخرى والجماعات الإرهابية إذا فكرت في مهاجمة الأراضي الأمريكية.

- استراتيجية التهديد: وهي تؤثر في مسارات إحلال السلام عبر الدور الذي تلعبه المؤسسات الدولية والمنظمات المعنية بالسلام من خلال التهديد بالعقوبات أو المحاكمات الدولية التي تختص بها تلك المؤسسات، كما الحال بالنسبة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يُعد أداة للرقابة ووسيلة للتعاون بين الدول. وبالرغم من عدم اتساق الأهداف وتضارب المصالح بين أعضاء ذلك المجلس، فإنه في نهاية المطاف ومن خلال القواعد والقوانين التي يضعها يُعزز من الالتزامات بين وحدات النظام الدولي كافة ويدفع في سبيل تحقيق السلام.

فالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما يعتبران من المؤسسات الدولية التي وضعت مواثيق دولية للتفاعل بين الدول وتحقيق الأمن الجماعي، ومن المفترض أن تساهم بصورة كبيرة في توسع نطاق المساومة وتقليل احتمالية نشوب أي حروب، خاصة في ظل أنها مؤسسات تضم دول العالم، ومن ثٌم تصبح هناك مصلحة مشتركة في تسوية قضايا الخلاف بدلاً من الاقتتال، فتلك المنظمات قد تساعد في حل المشاكل الخمس – السابق ذكرها - والتي تؤدي إلى الحرب، حيث إنها تُعد مظلة ومنتدى لتبادل المعلومات وآلية للتنسيق المشترك، مما يقلل من عدم اليقين ويساهم في إحلال السلام، كما أنها تعزز من مسار الإنفاذ وتطبيق القانون، مثلما تقوم بذلك قوات حفظ السلام الدولي.

- استراتيجية المساءلة: نظراً لكون التحيز للحرب يخضع بالأساس لمجموعة من المخاطر والمكاسب المختلفة لدى القادة وتناقض المصلحة والحوافز الخاصة للقيادة عن المصلحة العامة، فإن المُساءلة قد تؤدي دوراً مهماً لضبط هذا الخلل، فالمُساءلة من خلال نسق مجتمعي ومؤسساتي (في إطار من القواعد السياسية التي يضعها المحكومون) داخل الدول، قد تسهم في مواءمة مصالح الحكام مع مصالح الجمهور، وهو الأمر الذي يحقق قدراً من التوازنات الداخلية التي تساهم بصورة كبيرة في تحقيق السلام.

- استراتيجية المعلومات، وهي تعني التفعيل الإيجابي للمؤسسات الدبلوماسية والأجهزة الاستخباراتية داخل الدول للتواصل مع الأطراف الأخرى، من أجل تدقيق ومعالجة المعلومات الأولية والحصول على التقييمات الدقيقة، مما يقلل من مخاطر الحرب، حيث إن نقص المعلومات يتعارض مع فرص إحلال السلام. 

- استراتيجية التنمية: وهي تعني أن التنمية الاقتصادية والمصالح التجارية المشتركة وما أحدثته العولمة من تطورات في علاقات الدول بعضها بعضاً يعد عاملاً لتقليل الصدام والحروب، ويدلل الكاتب على ذلك بالفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى والتي تجنبت أوروبا لقرابة مائة عام الحروب؛ نظراً لما أحدثته الثورة الصناعية من تغيير الأفكار والتوجهات المختلفة، وباتت هناك تنمية اقتصادية أوجدت طبقات مجتمعية جديدة كما شكلت حافزاً نحو الحقوق السياسية.

ختاماً، فإن فشل الدول في تحقيق السلام الدائم وحل النزاعات سلمياً، لا يُعني أن الحرب أمر شائع بل هي الاستثناء وليست القاعدة، ويرى الكاتب أن المسارات المشتركة للسلام تتمثل في اتباع استراتيجيات العقاب والردع لمواجهة أي تحرك محتمل للدول القوية في استخدام العنف، مع العمل على ضمان الالتزام بالاتفاقيات والمبادئ الأساسية للمنظومة العالمية، والتيسير في تبادل المعلومات وفتح نافذة الحوار والمساومات لتقليل مخاطر الانزلاق في الحروب، مع تحقيق تنمية مجتمعية وتعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني لتجنب المفاهيم الخاطئة والأطر السلبية للنزاعات والحروب.

المصدر:

Christopher Blattman, Why we fight: the roots of war and the paths to peace, Viking, 2022.