أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

مسارات متعددة:

إجراءات الحكومة الجزائرية لاستقبال المتطرفين العائدين من بؤر الصراعات

08 أبريل، 2018


اتبعت الحكومة الجزائرية استراتيجية أمنية محددة تهدف بشكل رئيسي إلى مواجهة التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومن أهم هذه الإجراءات ما يلي:

ممرات آمنة:

1- فتح 4 ممرات آمنة على الحدود الجزائرية مع كلٍّ من دولتي مالي والنيجر لتشجيع المتطرفين على تسليم أنفسهم، والخروج من التنظيمات الإرهابية المنتمين لها، وذلك خلال الفترة من يناير 2017 وحتى فبراير 2018، وذلك في إطار اتباع الأجهزة الأمنية سياسة أمنية حذرة تقوم على إعادة ضبط الحدود بالتعاون مع دول الجوار، أو بتشديد الإجراءات الأمنية بالمطارات والموانئ بالتعاون مع الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول).

وقد أعلنت السلطات الجزائرية فتح ممرات آمنة لاستقبال المتطرفين المنخرطين في تنظيمات إرهابية مسلحة في صحراء مالي والنيجر، ووفقًا لذلك أعلنت وصول 35 عنصرًا من أولئك المسلحين عبر الممرات التي سمح الجيش الجزائري بفتحها على حدود البلاد الجنوبية التي تخضع لمراقبة شديدة ضمن حملة موسّعة لمكافحة الإرهاب ومطاردة مهربي الأسلحة عبر هذه الحدود، فقد أُنشئ ممران مع دولة مالي لتسليم المسلحين قرب بلدتي "تيمياوين" و"أيملغيغ" الحدوديتين.

حيث تمثل الحدود الجزائرية التي يبلغ طولها 4 آلاف ميل والتضاريس الجبلية في الشمال الشرقي، فرصة سانحة أمام المتطرفين والتنظيمات الإرهابية للتسلل عبرها بسهولة والتي أثبتت منذ مطلع التسعينيات أنها مثالية بالنسبة للعناصر المتطرفة، وهو ما يمثل تحديًا أمام السلطات الجزائرية.

ويأتي فتح هذه الممرات بهدف تشجيع العناصر المتطرفة الراغبة في العودة إلى بلادهم مرة أخرى على تسليم أنفسهم لسلطات البلاد، وترك التنظيمات الإرهابية التي كانوا ينتمون إليها مقبال حصولهم على العفو العام، بما يسمح لهم بالاندماج داخل المجتمع، وذلك استجابة لقانون "السلم والمصالحة الوطنية" الذي تم إقراره في فبراير عام 2006 بعد طرحه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر 2005، وتصويت المواطنين لصالحه بنسبة 97%، والذي يقضي بالعفو الشامل عن المتشددين المنتمين للجماعات الإرهابية، في مقابل تسليمهم السلاح للدولة، وخضوعهم لشروط العفو، مع استثناء الذين ثبت تورطهم في قضايا قتل.

تطوير القدرات:

2- رفع كفاءة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة العاملة في مجال مكافحة الإرهاب، عبر تنفيذ عدد من البرامج التدريبية الوطنية والمشتركة، فضلًا عن تحديث منظومة التسليح المستخدمة في المجال ذاته، حيث أولت الجزائر اهتمامًا واضحًا لأسلحة مكافحة الإرهاب على حساب الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة، بالإضافة إلى تحديث أجهزة التنصت والمراقبة التي عززت من قدرة أجهزة الأمن الجزائرية على متابعة كافة التنظيمات الدينية والأشخاص المشتبه في انتمائهم لجماعات وتنظيمات جهادية.

برامج متخصصة:

3- المشاركة بصورة فعالة في أنشطة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تهدف إلى تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب بين دول المغرب العربي ومنطقة حوض البحر المتوسط، حيث تم تصميم برامج متخصصة لتقييم الطبيعة المتغيرة للتهديد عبر دول شمال إفريقيا ومنها الجزائر، كما انتهجت الدولة سياسة خارجية تعتمد على التنسيق مع دول الجوار للوصول إلى حلول سياسية لتسوية الأزمات التي تشهدها هذه الدول، وشاركت في تأسيس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب  (GCTF) في سبتمبر 2011، وفي أكتوبر 2017 استضافت الاجتماع العلني الأول لمجموعة العمل للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب حول غرب إفريقيا، وذلك برئاسة مشتركة بين الجزائر وكندا، بهدف بحث السبل الكفيلة بتعزيز التعاون في المجالات التي تكتسب أولوية في مخطط عمل المجموعة.

تفاهمات فرنسية:

4- التعاون مع القوات الفرنسية في تطبيق استراتيجية أمنية لاستهداف التنظيمات الإرهابية، ووفقًا لتلك الاستراتيجية التي اتبعتها الجزائر طوال السنوات الماضية فقد تعرض تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي لضربات موجعة، سواء تلك التي شنّها الجيش الجزائري أو تلك التي نفذتها القوات الفرنسية المتواجدة شمال مالي بالقرب من الحدود الجزائرية، والتي أدت إلى مقتل العديد من عناصر التنظيم وفرار الآخرين إما إلى ليبيا أو إلى دول إفريقية.

وكانت حادثة مقتل الفرنسي "إيرفيه جورديل" في سبتمبر 2014 في الجزائر نقطة انطلاق الجيش الجزائري الذي شن حملات مداهمة لمنطقة القبائل (منطقة جبلية وبها غابات كثيفة وكانت جزءًا من المنطقة التي عرفت باسم "مثلث الموت" خلال العشرية السوداء)، وقامت الحكومة الجزائرية بتسيير مجموعات عسكرية لتطهير الشمال من الدولة الإسلامية بما يتيح للجيش الجزائري التركيز على الحدود الجنوبية مع ليبيا ومالي والنيجر التي قد يسعى المتشددون الهاربون للتسلل عبرها.

تحجيم المخاطر:

نجحت الضربات الجوية والعمليات الميدانية التي قام بها الجيش الجزائري في تحقيق عدد من الأهداف، أهمها ما يلي:

1- الحد من توسع انتشار التنظيمين الأكثر تأثيرًا في تهديد أمن واستقرار المنطقة (القاعدة - داعش)، وتحجيم قدراتهما في استقطاب مقاتلين جدد في صفوفهما، مع الأخذ في الاعتبار فرضيات جزائرية سابقة تقول إن عدد الجهاديين في الجزائر لا يزيد عن 400 شخص.

2-  تمكن قوات الجيش والأمن من تفكيك تنظيم "جند الخلافة في أرض الجزائر" وهو فرع داعش بالجزائر، وبصفة خاصة في مناطق مثل "البويرة" و"بومدراس" و"تيزي وزو"، والتي تمثلت في مقتل قادة هذه الجماعة وتفكيك هياكلها.

3-  طرد مجموعة من المتشددين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في الجبال الواقعة شرقي العاصمة بعد عامين من قيامهم بخطف سائح فرنسي في المنطقة التي كانت معقلًا سابقًا لتنظيم القاعدة وإعدامه.

وتشير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لمكافحة الإرهاب إلى نجاحها طول الفترة الماضية في التقليل أو الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية على أمنها القومي، وذلك من خلال الالتزام بتطبيق استراتيجية وطنية جديدة تقوم على الجمع بين الاحتواء الحاسم للظاهرة وبين القضاء على التهديدات المحتملة من المنبع، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى تفكيك هذه التهديدات بالتزامن مع التعامل الأمني والعسكري المباشر بتوجيه ضربات مباشرة لمواقع تنظيم القاعدة.

نقاط الضعف:

ويرى مراقبون أنه رغم قوة الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة الجزائرية في مواجهة التطرف والإرهاب، إلا أن بها بعض نقاط الضعف، خاصة الاعتماد المبالغ فيه على الأحزاب الدينية (مثل: حركة مجتمع السلم، وحزب النهضة، وحركة الإصلاح الوطني) التي شكلت ما عُرف بتكتل الجزائر الخضراء، بما يتيح لهم القيام ببعض مهام الدولة كحاضنة اجتماعية للمتطرفين العائدين. كما يعيبون على الدولة حرمانها العائدين من ممارسة حقوقهم السياسية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على توجهات الراغبين في العودة ومراجعة أفكارهم، ويدفع البعض منهم للتمسك بالفكر المتطرف، واللجوء إلى العنف كأداة للتغيير.