أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

عواقب الاصطفاف:

لماذا تعارض قطر وتركيا تصنيف "الباسدران" منظمة إرهابية؟

16 أبريل، 2019


سارعت كل من قطر وتركيا إلى إبداء معارضتهما للقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 إبريل 2019، بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، على نحو لا يمكن فصله عن رؤية الدوحة وأنقرة للتداعيات التي يمكن أن تفرضها هذه الخطوة سواء على موقعهما من الأزمات الإقليمية المختلفة، أو على العلاقات الثنائية مع إيران، التي تبدو مقبلة على استحقاقات صعبة، بسبب التزامن المتواصل بين ضغوط الداخل والخارج، وهو ما يبدو أنه سوف يفرض على الدولتين عواقب وخيمة في حالة ما إذا أصرتا على مواصلة الاصطفاف إلى جانبها خلال الفترة القادمة.

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير الدعم الذي قدمته كل من قطر وتركيا إلى إيران في مواجهة القرار الأمريكي الأخير في ضوء اعتبارات رئيسية أربعة تتمثل في:

1- تشابه الآليات: تتوافق الدول الثلاث، إلى حد كبير، في الآليات التي تستخدمها لتعزيز حضورها في المنطقة، حيث لا تتوانى عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، خاصة عبر تأسيس علاقات مع الفاعلين من غير الدول، أو دعم بعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة، على نحو يبدو جليًا في كل من سوريا ولبنان واليمن والعراق. 

ومن هنا، يمكن القول إنه في حالة ما إذا كانت الدوحة وأنقرة قد اتخذت قرارًا آخر، وهو تأييد الخطوة الأمريكية، فإنهما بذلك تدينان سياستيهما، اللتين تتشابهان، إلى حد كبير، مع السياسة الإيرانية. 

2- ضريبة التحالف: يفرض التحالف القائم بين إيران وقطر وتركيا خيارات محدودة على الدول الثلاث، تدفعها دائمًا إلى تقديم الدعم لبعضها البعض. وقد كان قرار الدوحة وأنقرة بمعارضة خطوة تصنيف "الباسدران" منظمة إرهابية أجنبية، آخر مثال على ذلك، حيث سبقته خطوات عديدة اتخذت في هذا السياق.

فقد قدمت قطر، في 15 أغسطس 2018، دعمًا لتركيا من خلال استثمارات وصلت قيمتها إلى 15 مليار دولار، خلال أزمة عملتها الوطنية، وبالتوازي مع التوتر الذي تصاعد في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية حول أزمة احتجاز القس الأمريكي اندرو برونسون قبل إطلاق سراحه.

وقبل ذلك، قدمت كل من إيران وتركيا دعمًا لقطر في مواجهة القرارات التي اتخذتها الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب والداعمة للاستقرار في 5 يونيو 2017.  

3- المصالح الاقتصادية: تدرك كل من الدوحة وأنقرة أن الحرس الثوري لا يمثل مؤسسة عسكرية فقط، وإنما يعبر عن ما يمكن تسميته بـ"إمبراطورية اقتصادية" تمارس أنشطة واسعة داخل وخارج إيران، عبر الأذرع الاقتصادية التابعة له مثل شركة "خاتم الأنبياء"، التي تشير تقديرات عديدة إلى أنها تشرف على نشاط أكثر من 800 شركة أخرى تقوم بتنفيذ مشروعات على المستويين الداخلي والخارجي، ويصل عدد العاملين فيها إلى 635 ألف عامل، منهم 135 ألف موظف دائم و500 ألف موظف مؤقت. 

وهنا، فإن هذا النشاط الواسع يمكن أن يتسبب في مشكلات عديدة، خاصة بالنسبة لتركيا، التي تُعوِّل على علاقاتها الاقتصادية مع إيران وتعتبر إيران شريكًا تجاريًا رئيسيًا لها، حيث تسعى الدولتان إلى رفع حجم التبادل التجاري من 10 إلى 30 مليار دولار. وتكاد لا تخلو أى زيارة يقوم بها رئيسا الدولتين من توقيع مزيد من الصفقات الاقتصادية التي تهدف إلى الوصول إلى هذا الحجم من التبادل التجاري. 

ولذا، فإن القرار الأمريكي الأخير سوف يفرض مفاعيل جديدة على الأرض، تؤثر، من دون شك، على مستوى التعاون الاقتصادي، خاصة أن العقوبات الجديدة سوف تفرض عراقيل أمام التعامل مع الشركات التابعة للحرس، باعتبار أن ذلك يدخل في نطاق "الخطوط الحمراء" التي حددتها الإدارة الأمريكية وعبر عنها الرئيس دونالد ترامب بقوله أن "من يتعامل مع الحرس الثوري، فإنما يدعم الإرهاب". 

وعلى ضوء ذلك، يمكن تفسير أسباب اهتمام تركيا، عبر مراحل عديدة، بتجنب توسيع نطاق التوتر بين إيران والقوى الدولية، حيث سبق أن اقترحت، بالمشاركة مع البرازيل، اتفاقًا لتسوية أزمة البرنامج النووي الإيراني، في 17 مايو 2010، قبل أن تصل إيران ومجموعة "5+1" إلى اتفاق في 14 يوليو 2015. 

كما عارضت إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، وأعلنت عدم التزامها بها، على نحو قد يؤدي إلى توسيع نطاق خلافاتها مع واشنطن، لا سيما في حالة ما إذا لم تجدد الأخيرة المهلة التي منحتها لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني، ومنها تركيا، في مايو القادم.

والأهم من ذلك، هو أن مؤشرات عديدة كشفت عن أن تركيا ساعدت إيران في مساعيها للالتفاف على العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها قبل الوصول للاتفاق النووي، على نحو بدا جليًا في عمليات غسيل الأموال التي كشفت عنها القضية الخاصة برجل الأعمال التركي (الإيراني الأصل) رضا ضراب، الذي اعترف للقضاء الأمريكي، بعد أن تحول إلى شاهد رئيسي، بتورطه في عمليات وساطة لتجارة إقليمية معقدة كانت تهدف إلى تعزيز جهود إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية عبر بنك "خلق" التركي. وقد دفع ذلك القضاء الأمريكي إلى إصدار قرار إدانة ضد محمد هاكان اتيلا نائب مدير بنك "خلق"، في 3 يناير 2018، لاتهامه بالتحايل لخرق العقوبات الأمريكية على إيران خلال الفترة ما بين عامى 2010 و2015.  

4- التعاون الأمني: ربما يؤدي تصاعد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بعد القرار الأخير إلى إرباك حسابات كل من قطر وتركيا، وعرقلة مواصلة التعاون الأمني بينها، لا سيما في بعض دول الأزمات، وفي مقدمتها سوريا. 

فرغم أن قطر تبنت، ظاهريًا، سياسة مناقضة للسياسة الإيرانية في سوريا، حيث دعمت التنظيمات والقوى المناوئة للنظام السوري، إلا أنها لم تتوانى عن التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إيران أسفرت عن توقيع صفقات لتبادل أسرى ضمت تنظيمات إرهابية عديدة، على غرار حزب الله وجبهة النصرة. 

ويعتبر اتفاق "البلدات الأربع" (مضايا والزبدانى وكفريا والفوعة) الذي أبرم في 12 إبريل 2017، أبرز مثال على ذلك، حيث قضى بإخراج المقاتلين والمدنيين من بلدتى الفوعة وكفريا الشيعيتين مقابل إخراج المقاتلين والمدنيين من قريتى مضايا والزبداني السنيتين. وكانت هذه الصفقة امتدادًا لاتفاق آخر جرى بين قطر وإيران أسفر عن إطلاق سراح المختطفين القطريين في العراق.

كذلك الحال بالنسبة لتركيا. إذ لم يمنع تناقض السياستين التركية والإيرانية، ظاهريًا أيضًا، من اتجاه الدولتين إلى رفع مستوى التنسيق الأمني والسياسي بينهما، بشكل انعكس في مشاركتهما المستمرة في ما يسمى بـ"مسار الأستانة" مع روسيا. كما توصلت الدولتان إلى تفاهمات للتعامل مع ما يجري في شمال العراق، خاصة في مرحلة ما بعد الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان في 25 سبتمبر 2017.

وعلى ضوء ذلك، يبدو أن هذا المحور سوف يواجه تحديات عديدة في ظل تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران.