أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أنماط متباينة:

كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الاستحقاقات الانتخابية؟

18 مايو، 2017


بات تصاعد الدور السياسي والاجتماعي الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في دول العالم، ملموسًا إلى حد كبير، حيث نجح مستخدمو هذه الوسائل في توظيفها خلال السنوات الماضية لخدمة أهداف سياسية واجتماعية، واستطاعوا من خلال هذا التوظيف التأثير على بعض السياسات، لا سيما في ظل الانتشار الواسع والشعبية الكبيرة التي تتمتع بها هذه الوسائل حول العالم.

وقد شهد العالم ومنطقة الشرق الأوسط، مؤخرًا، دورًا فاعلاً ومؤثرًا لمواقع التواصل في سير بعض الاستحقاقات الانتخابية، على غرار ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والجزائر والصومال وإيران، في الوقت الذي يظل فيه حجم تأثير هذه المواقع مرهونًا بمدى استجابة الأنظمة السياسية لاتجاهات الرأي العام، ومدى انتشار وشعبية هذه المواقع في الدول المختلفة.

انعكاسات مختلفة:

تتعدد أنماط تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على مجريات الاستحقاقات الانتخابية، لتكون فاعلاً أساسيًّا في بعض الحالات، وعاملاً مساعدًا في توجيه الرأي العام في حالات أخرى:

ففي بعض الأحيان، تفرض هذه الوسائل تأثيرًا مباشرًا، وهو ذلك التأثير الذي يعتمد على الحشد الفعلي والمباشر للرأي العام لدعم أحد المرشحين، بشكل يتطلب ظروفًا خاصة لبيئة استخدام هذه المواقع، تتمثل في الوصول إلى أكبر قدرٍ من الجمهور المستهدف من هذا الحشد، وامتلاك القدرة على التأثير عليه.

وتتعدد أنماط هذا التأثير أيضًا، ويتمثل أبرزها في: 

1- التأثير في الاتجاه التصويتي: مارست وسائل التواصل الاجتماعي، لأول مرة، دورًا بارزًا في الانتخابات الرئاسية الصومالية التي أُجريت في 8 فبراير 2017، والتي فاز فيها رئيس الوزراء السابق محمد عبدالله فرماجو، بحسب العديد من المراقبين. فقد وظّف المرشحون لمنصب الرئاسة منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم للإعلان عن برامجهم الانتخابية، وحشد المؤيدين لهم، في حين استخدم أعضاء مجلس النواب صفحاتهم لاستطلاع آراء الجمهور حول الشخصية الأنسب من وجهة نظرهم لتولي المنصب. 

وقد أسهم بشكل كبير غلبة الشباب على تشكيلة البرلمان الصومالي الحالي في دعم الدور السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي، وجعلها بمثابة منصات لاستطلاع الرأي حول الرئيس الأنسب للبلاد، في ظل توظيف بارز من قبل المرشحين، في حين يرى المراقبون أن حسابَيِ الرئيس السابق حسن شيخ محمود والرئيس الحالي فرماجو على موقع "فيسبوك" كانا فاعلين للغاية، وحظيا بمتابعات واسعة من قبل الجمهور. 

كما عكست نتائج الانتخابات، ما ورد في استطلاعات الرأي التي أجراها البرلمانيون الصوماليون على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم؛ إذ فاز فرماجو بالمنصب، وجاء في المرتبة الثانية الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود، حيث بلغت نسبة التصويت لكليهما 55.93% و29.48% على التوالي.

2- التأثير على نسبة المشاركة: أسس الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر لقيامها بدور مؤثر في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 4 مايو 2017؛ حيث أشارت نتائج استطلاع المؤشر العربي لعام 2016 إلى أن الجزائر قد احتلت المرتبة الأولى عربيًّا بنسبة 85% في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بهدف التفاعل مع قضاياها السياسية، تلتها الأردن بنسبة 69%.

وقد شغلت الانتخابات التشريعية الجزائرية اهتمام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واضح؛ حيث سعت الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات إلى الترويج لرؤيتها وسياساتها، كنوع من الدعاية الانتخابية. وأشار عديد من المراقبين إلى أن الاهتمام بالدعاية الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي للأحزاب فاق الاهتمام باللوحات الدعائية الورقية في الميادين. فعلى سبيل المثال، دشّن حزب "جبهة التحرير الوطني" ما يقرب من 100 صفحة على موقع "فيسبوك".

وعلى الرغم من التوظيف المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأحزاب السياسية الجزائرية، فإن دعوات المقاطعة للانتخابات التي أطلقها بعض مستخدمي هذه المواقع قد لاقت، على ما يبدو، صدى عقب انتشار هاشتاج "#مانسوطيش" الداعي إلى عدم المشاركة في التصويت بالانتخابات، والذي أُطلق بعد نجاح فيديو يحمل نفس الاسم والذي حقق نسبة مشاهدة قياسية، حيث بلغ عدد مشاهديه خلال أربعة أيام من بثه على موقع "يوتيوب"، في 27 إبريل 2017، قرابة 2 مليون و300 ألف مشاهد. وقد دفع ذلك الحكومة الجزائرية إلى توجيه انتقادات لتلك الدعوات باعتبار أنها محاولات للعبث باستقرار البلاد.

وقد كان لدعوات المقاطعة على مواقع التواصل، وفقًا لاتجاهات عديدة، أثر في انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات عن مثيلتها التي أُجريت عام 2012، حيث وصلت في الانتخابات الأخيرة إلى 35.37%، مقارنة بنسبة 43% في عام 2012.

تأثير غير مباشر:

لكن على جانب آخر، تمارس تلك الوسائل تأثيرًا غير مباشر في بعض الحالات، وعادةً ما يتم من خلال إطلاق شائعات وأخبار تحاول إما صرف الانتباه عن الاستحقاق الانتخابي برمته، أو التأثير على صورة أحد الأطراف لتحقيق مصالح أطراف أخرى، أو أن تكون الاستحقاقات الانتخابية مناسبة سانحة لفرض ضغوط على النظام الحاكم، وهو ما تواجهه الدول التي يحدث فيها ذلك بإجراءات صارمة، على غرار ما تقوم به إيران.

وتتعدد أنماط هذا التأثير أيضًا، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- محاولات تضليل الرأي العام: عادة ما تشهد الاستحقاقات الانتخابية إطلاق الشائعات للتأثير على سير العملية الانتخابية لصالح طرف على حساب طرف أو أطراف أخرى، غير أن الفترة الأخيرة قد شهدت العديد من الحملات الممنهجة لإطلاق الشائعات أثناء الانتخابات، وهو ما شهدته الانتخابات الأمريكية والفرنسية على حد سواء، فيما كان محور هذه الشائعات مواقع التواصل الاجتماعي التي روجت لها بشكل كبير.

وفي هذا السياق، أشار تقرير لمجموعة من الباحثين في جامعة أكسفورد البريطانية إلى أن ما يقرب من 25% من المحتوى السياسي الذي تمت مشاركته على موقع "تويتر" حول الانتخابات الفرنسية كان مضللا ولا أساس له من الصحة، وأن روابط الأخبار التي تمت مشاركتها لا تراعي المهنية والمعايير الصحفية، حيث تدعو هذه الأخبار إلى الحشد لمرشحي اليمين الذين ينتقدون سياسات الاتحاد الأوروبي وذلك قبل إجراء الجولة الأولى من الانتخابات.

كما انتشرت العديدُ من الشائعات حول المرشح إيمانويل ماكرون (الذي فاز في النهاية) على وسائل التواصل من قبل مؤيدي مرشحة اليمين مارين لوبان خلال الحملة الانتخابية التي أعقبت الجولة الأولى للانتخابات، دارت حول حساباته البنكية وتهربه الضريبي، وهو ما نفاه ماكرون، الذي قدم بدوره طلبًا إلى المدعي العام الفرنسي بفتح تحقيق حول نشر أخبار كاذبة قبل موعد الانتخابات، وذلك بالتزامن مع إعلان فريق الحملة الانتخابية لماكرون عن تعرض حزب "إلى الأمام" الذي أسسه الأخير لمحاولات عدة للقرصنة الإلكترونية، غير أنها لم تنجح في اختراق أي بيانات للحملة.

2- فرض ضغوط على النظام: نجح بعض الإيرانيين في توظيف مواقع التواصل سياسيًّا واجتماعيًّا إلى الحد الذي لفت انتباه السلطات إلى ضرورة مواجهة مطالب التغيير التي تنادي بها هذه المواقع، واتجهت إلى حجبها ومراقبة مستخدميها، وملاحقة العديد منهم قضائيًّا، غير أن ذلك لم يؤثر على الشعبية المتزايدة لهذه المواقع في الداخل الإيراني، فعلى الرغم من القيود التي يُمارسها النظام الإيراني منذ عام 2009 على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن دورها يتزايد سياسيًّا في حشد الرأي العام الإيراني في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بعد أن استطاع قطاع عريض من مستخدمي هذه المواقع الاستعانة بـ"بروكسي" يُمكِّنهم من استخدام المواقع المحجوبة في الداخل الإيراني، وتفعيل دور المواقع غير الخاضعة للحظر.

وتعتبر الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 19 مايو الجاري من أبرز القضايا التي تشغل الرأي العام الإلكتروني حاليًّا في إيران، وسط تخوف متزايد من قبل النظام الإيراني من توظيف هذه المواقع في حشد مضاد يمس استقراره، كما حدث عقب انتخابات 2009، حيث قامت السلطات، خلال شهر إبريل 2017، بإغلاق خدمة البث المباشر لموقع "إنستغرام"، وذلك بعد أيام من إغلاق الخدمة الصوتية لموقع "تليغرام"، وهما أكثر وسائل التواصل الاجتماعي استخدامًا في البلاد.

ويرى المراقبون أن تعطيل خدمات الموقعين السابقين، إلى جانب حظر موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، يأتي في إطار التخوف من الانتشار الواسع والتوظيف الواضح لمؤيدي التيار الإصلاحي على هذه الشبكات واستغلالها في انتقاد النظام وسياساته. فيما تجدر الإشارة إلى أن الحملة الانتخابية للرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني كانت قد أعلنت أنها ستقوم بالبث المباشر لمناظرات المرشحين مباشرة عبر موقع "إنستغرام" من خلال خدمة البث المباشر، غير أنها لم تستطع ذلك بسبب حظر هذه الخدمة.

وفي إطار ما سبق، يمكن القول إن الدور المتزايد، سياسيًّا، لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، وباقي وسائل الـ"نيو ميديا" بشكل عام، من المرجح أن يستمر خلال الفترة المقبلة، على الرغم من سياسات الحجب والمراقبة التي تلقاها هذه المواقع في العديد من الدول، لا سيما في ظل ما تحققه من نجاحات على صعيد التأثير في الحياة السياسية ولو بشكل ضئيل يتفاوت من دولة لأخرى حسب درجة استجابتها لضغوط ورغبات الرأي العام الذي تُعبر هذه المواقع عن جزء مهم منه.