أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

تسييس المساعدات:

كيف أصبحت "إغاثة حلب" رهينة التوازنات الدولية؟

27 سبتمبر، 2016


لم تعد الأمم المتحدة في حالة عجز فقط أمام الأزمة السورية، بل باتت في وضع شلل مطلق، لا يمكنها من التأثير على توازنات القوى بين النظام السوري وقوات المعارضة ومن يصطف خلف كل منهما، سواء من القوى الدولية أو الإقليمية أو الميليشيات المسلحة.

ولعل القصف الذي حدث يوم 19 سبتمبر 2016 في بلدة أورم الكبرى بريف حلب الشمالي، مستهدفاً قافلة مساعدات إنسانية مكونة من 31 شاحنة، وأحد مراكز الهلال الأحمر، مُخلفاً عدداً كبيراً من الضحايا، جاء ليقطع الشك باليقين بأن الأزمة السورية وصلت إلى طريق مسدود على المدى المنظور، وأن المجتمع الدولي فشل فشلاً ذريعاً حتى في تأمين وصول المساعدات الإغاثية إلى المنكوبين في المناطق السورية، وبالتحديد حلب في الآونة الأخيرة، نظراً لما تعرضت له من عمليات عسكرية مدمرة، لتظهر معركتها وكأنها تكسير عظام بين طرفي الحرب الشرسة، على حساب المواطنين السوريين ممن لا يبحثون سوى عن أمان افتقدوه طوال سنوات الحرب، وزاد من معاناتهم عرقلة المساعدات المقدمة لهم من منظمات دولية.

عجز دولي

يطرح إخفاق الأمم المتحدة في حماية الشعب السوري ومساعدته، فكرة إصلاح المنظمة الدولية وتعديل نظام مجلس الأمن، على نحو يمكن من مواجهة التنافس الأمريكي – الروسي. فموسكو وجدت في الأزمة السورية فرصة ذهبية لاستعادة هيبتها الضائعة، وكان سلاح "الفيتو" مفتاحها، ولذا عملت على حماية النظام السوري من أي قرار إدانة دولي، وأغلقت فرص الحل كلها، الأمر الذي يؤكد وجود خلل كبير يتمثل في انحراف مجلس الأمن عن هدفه الرئيس وهو حماية الشعوب، فبات الهدف لدى موسكو أو واشنطن محدداً في حماية الأنظمة الحاكمة التي ترتبط معها بمصالح حتى لو مارست انتهاكات بحق شعوبها.

وبالنظر إلى توجيه أصابع الاتهام في قصف قافلة الإغاثة مؤخراً في حلب إلى النظام السوري وروسيا، فإن الأمر يبدو منطقياً، خاصةً في ظل فشل الاتفاق الأمريكي – الروسي السري بشأن سوريا بعد قصف الولايات المتحدة مواقع للجيش السوري في دير الزور يوم 17 سبتمبر 2016، لشعورها بتضليل تمارسه روسيا عليها، وكان هذا الحادث مدخلاً لنسف اتفاق الهدنة بين الطرفين وإعادة الحرب إلى ذروتها.

أي أن المسألة باختصار هي حرب بين قوتين كبيرتين، هما الولايات المتحدة وروسيا على الأرض السورية، وكل منهما تستهدف أطرافاً تتبع للقوة الأخرى، في ظل عجز الأمم المتحدة.

ضحية التوازنات

تتجلى عمليات المساومة السياسية بين الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية في قصف قوافل الإغاثة، ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى الأهالي، وبالتالي يكون الضغط كبيراً على جماعات المعارضة لكونها تسيطر على المناطق المنكوبة. وبما أن الولايات المتحدة تدعم بعض تيارات المعارضة السورية وتشرف على تدريبها، وسمحت لتركيا بتوظيفها في حربها ضد الفصائل الكردية المسلحة، فإن موسكو تكون قد انتقمت من واشنطن بشكل غير مباشر لقصفها الجيش السوري، عبر الضغط على من يحسبون على الولايات المتحدة في توازنات القوى في الميدان السوري، ما يشير إلى أن معركة حلب حاسمة في مسار الأزمة السورية، والمنتصر فيها سيفرض شروطه في أي مفاوضات مقبلة.

ومن المتوقع فشل أي مفاوضات بين طرفي النزاع في سوريا، لأن المعارضة لن تتخلى عن شرطها في تنحي الرئيس بشار الأسد، إن لم تطالب بمحاكمته، أما النظام السوري فلن يقدم أي تنازلات لأنها تشكل اعترافاً منه بأخطائه وجرائمه طوال سنوات الحرب، وذلك يمهد لمحاكمة رأس الهرم وأركان القيادة، والأكيد أن أحداً منهم لن يسلم إلا مجبراً أو مهزوماً، وهذا بدوره لن يحدث ما دامت روسيا داعمة للنظام السوري ومتمسكة بالأسد. فموسكو مستعدة لاختلاق أي شيء لتبرر سلوكها، مثل محاربة الإرهاب في سوريا كذريعة التفّت بها على الآخرين، وإن ظاهرياً، لدعم النظام السوري عسكرياً من الداخل السوري، إضافة إلى دعمه سياسياً في مواجهة المجتمع الدولي الرافض له.

الموقف الروسي

لم يكن أمام موسكو، وهي تواجه الاتهامات بالوحشية وارتكاب الجرائم في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي يوم 25 سبتمبر 2016 والتي انعقدت بطلب من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لبحث تصعيد القتال في حلب، إلا التملص ورمي الاتهامات على غيرها. فالإدانات التي تلقتها روسيا من قوى غربية ومنظمات دولية لـ"أفعالها الوحشية" أفقدتها صوابها، ما قاد سفيرها لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين للقول إن "تحقيق السلام في سوريا بات مهمة شبه مستحيلة"، متجاهلاً أن التدخل الروسي أحد أهم عوامل إطالة عمر الأزمة واستحالة الحل، فالمؤشرات كانت تقول إن النظام السوري بدأ بالترنّح قبل أن ترسل موسكو قواتها لدعمه ميدانياً.

وفي اليوم التالي لتلك الجلسة الطارئة، صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن "الدول الغربية لا تفي بالتزاماتها تجاه الوضع في سوريا"، متغافلاً عن كون النظام السوري المدعوم من موسكو يمنع وصول المساعدات التي تقدمها الدول العربية والغربية. وعلى الرغم من أن الدلائل تشير إلى أن قصف قافلة الإغاثة في حلب كان من سلاح الجو الروسي، فقد طالب لافروف بـ"تحقيق دقيق حول المسؤول عن استهداف قافلة المساعدات في حلب"، ليظهر بلاده بريئة من الجريمة التي تسببت بإيقاف برنامج المساعدات الإغاثية لحلب وغيرها. غير أن اللافت هو قوله "واشنطن تريد وضع شروط مسبقة قبل تطبيق اتفاق وقف النار مع روسيا في سوريا"، ما يؤكد أن المعركة على الأرض السورية هي روسية - أمريكية بامتياز، وأن تعطيل عمليات قوافل الإغاثة بات جزءاً من المعركة بينهما.

تراجع أمريكي

حين يتساءل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون، يوم 25 سبتمبر 2016، "إلى متى سيسمح جميع من لهم تأثير في النزاع السوري باستمرار هذه الوحشية؟"، ويدعو الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن إلى "التحرك بعزم"، فإنه يدرك أن كلامه لن يتجاوز مجرد التصريحات، فلا روسيا ستعدل سياستها وتتوقف عن دعم نظام الأسد، ولا الإدارة الأمريكية التي أخفقت على مختلف المستويات الدبلوماسية والعسكرية في ترك بصمة فاعلة في الأزمة السورية قادرة على التدخل الحاسم، بعد أن تركت موسكو تنفرد باللعبة بمختلف تفاصيلها، وبلغ بها الأمر أن صارت تتخذ القرارات نيابة عن النظام السوري وتتحدث باسمه، بينما السياسة الأمريكية تشهد تراجعاً تلو الآخر، وينسحب البساط من تحتها تدريجياً.

بل إن التحدي الروسي للإدارة الأمريكية بلغ حدّ تنديد "الكرملين" بما وصفه "تصريحات غير مقبولة" لواشنطن ولندن، وانتقاده نبرة خطابي السفيرين الأمريكي والبريطاني تجاه روسيا أثناء الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، وفي الوقت ذاته الذي صدرت فيه تصريحات الكرملين كان الجيش الروسي يقصف بعنف الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في حلب. 

نقطة اللا عودة

من المخجل أن تصبح الإغاثة الإنسانية للبشر المتضررين من الحرب سلاحاً بيد دول دائمة العضوية في مجلس الأمن لإثبات قوتها أو صواب وجهة نظرها، فاستهداف المساعدات الإغاثية، أياً كان الفاعل، يتجاوز كونه جريمة، ليتحول إلى عملية قتل مع سبق الإصرار.

ولو أبعد أصحاب القرار السياسي الفعلي في الأزمة السورية مصالح دولهم جانباً، وتركوا المجال للفعل الإنساني ليأخذ مكانه على أرض الواقع، لكان الأمل بإنقاذ الشعب السوري أو بعضه، في غير المناطق الموالية للنظام، موجوداً، لكن التحجر والإصرار على المواقف بغض النظر عن صوابها من عدمه، جعل الأزمة تتفاقم حتى بلغت نقطة اللا عودة، فلا النظام السوري سيتراجع، ولا المعارضة يمكن أن تتخلى عن السلاح، ولا روسيا مستعدة للتخلي عن مكتسباتها التي جنتها من الأزمة، ولا الولايات المتحدة قادرة على الاعتراف بأن روسيا تفوقت عليها وكانت دائماً أسبق منها باتخاذ القرار الذي تمليه مصلحتها قبل أي شيء آخر. وأما الضحية دائماً فهو الشعب السوري، ولا شيء يوحي بأن القادم سيكون أفضل إلا إذا تغيرت المواقف، أو اقتنع اللاعبون الكبار بما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بعد قصف قافلة الإغاثة "إن مصير سوريا لا يمكن أن يعتمد على مستقبل رجل واحد".