طلب رئيس الجمهورية في لبنان الجنرال ميشال عون، من سعد الحريري رئيس الحكومة المكلَّف أن «يتفق» معه بحسب الدستور على تشكيل الحكومة، أو في حالة «العجز» عن الاتفاق معه ليعتذر عن التشكيل، ليحل محلَّه أي قادر على ذلك! إنما الأطرف من ذلك أن الحريري ردَّ عليه مباشرةً ومن خلال الإعلام أيضاً بما معناه: نستقيل معاً! فقد قال له بالتعبير اللبناني، «رِجلي على رِجلِك»، يعني استقل أنت فأستقيل أو أعتذر أنا (لإتاحة الفرصة لانتخابات رئاسية مبكرة)!
البارز في هذا التصارع هو أنه صار علنياً في الإعلام. فالمعروف أنه قبل دستور الطائف (1990) وبعده، كثيراً ما اختلف الرئيسان على تشكيل الحكومة أو على سياساتها. وعندما كان يحصل ذلك، فإن رئيس الحكومة كان هو الذي يعتذر أو يستقيل أو يعتكف في بيته رافضاً الاستقالة، إنما دون تصريحات علنية من الطرفين. فلماذا صارت الأمور إلى هذا المستوى من التنافُر، في زمن ما مرَّ على لبنان شبيهٌ له رغم نزاعات المسؤولين المستمرة منذ عقود طويلة.
رئيس الجمهورية في كلمته التلفزيونية المسجَّلة قدّم لكلمته الآمِرة للحريري بوصفٍ موجزٍ للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد: من انفجار المرفأ وإلى انهيار الليرة اللبنانية. والأهمُّ من ذلك مُضيُّهُ هو الرئيس باتجاه الإصلاح الجذري كما قال، ووقوف الجميع ضد محاولاته أو مبادراته. وبدون أن يشعر الكاتبون للرئيس، سار بعدها مباشرةً باتجاه تخيير الحريري بين الجهادَين الأصغر أو الأكبر: تشكيل حكومة على ذوق رئيس الجمهورية (كما حصل في الحكومات التي شكّلها في عهده) أو الاعتذار، وبسبب ماذا؟ بسبب «العجز»: العجز عن الحصول على رضا الرئيس. إنما الخطاب المضمر بعد المقدمة أنّ الرئيس عاجز عن «الإصلاح» من دون الحكومة، وهو الأمر الذي مضى عليه سبعة أشهر وهو يُنكره ويريد الحكم وحده من دون حكومة! كل أسبوع هناك اجتماع في القصر الجمهوري، ساعة من أجل الدولار، وساعة من أجل التظاهُرات، وساعة من أجل محاكمات الفاسدين، وساعة من أجل انفجار المرفأ، وساعة من أجل كورونا!
على ماذا يختلف عون مع الحريري بالضبط؟ يختلفان على «حصة» رئيس الجمهورية في الحكومة! وهذا أمرٌ معلن من جانب الطرفين: 7 وزراء أو 8 للرئيس من 18 أو 20، بحيث يمكنه باستقالتهم إسقاط الحكومة عندما يرى ذلك. ويضاف لذلك أنه يريد من ضمن السبعة كل من وزارتي الداخلية والعدل، ليتحكم بالأمن والقضاء. وبالطبع لا يوافق على ذلك ليس سعد الحريري فقط، بل ونبيه بري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وجعجع، وأخيراً وليس آخِراً البطريرك الماروني. إنما الأهمُّ من ذلك أنّ الفرنسيين الذين أطلقوا المبادرة لا يرون صلاحية حصول حكومةٍ كالتي يريدها الرئيس على مساعداتٍ خارجية!
سيقول الذين يقرؤون هذه المقالة: لكنّ وضع الانهيار الشامل والاتجاه المتسارع نحو الفوضى العارمة يحدّد أولويات، بحيث ينبغي أن يتجاوز الرئيسان مسائل التحاصص! إنما عند كلٍ من الرئيسين «اعتبارات» غلاّبة لا يمكنهما تجاوُزها: بالنسبة لرئيس الجمهورية هناك أمران؛ أولهما الحرص على وراثة صهره له، والذي يُعاني من صعوباتٍ هائلة وما بقي له غير «صلاحيات» الرئيس في التعطيل، وثانيهما أنّ عوناً -ومن قبل الحريري ومعه- كان يمتلك الحصة المسيحية كلها بمجلس الوزراء، أي حوالى النصف. هكذا حصل في حكومات الحريري أيضاً، فلماذا يراد تعليمه درساً جديداً؟! أما بالنسبة للحريري، فهو يريد إصلاح سمعته لدى طائفته ولدى المجتمعين العربي والدولي عن طريق التشبث بصلاحياته الدستورية، والتي ما حرص عليها من قبل لا في حكومته الأولى (2010)، ولا في حكوماته في عهد الرئيس عون!
كل تلك «الاعتبارات» والحسابات لا تستحق الاحترام أمام هول الكارثة: فهل هناك مخرج مؤقت لا يتطلب قتل الذئب ولا يسمح بإفناء الغنم؟!
*نقلا عن صحيفة الاتحاد