أخبار المركز
  • يشارك مركز "المستقبل" في الدورة الـ33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في الفترة (29 إبريل - 5 مايو 2024)، وجناحه رقم C39 في القاعة 9
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد 36 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • صدور العدد السادس من "التقرير الاستراتيجي" بعنوان "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2024"
  • محمد خلفان الصوافي يكتب: (منتدى الخليج وأوروبا.. دبلوماسية جماعية للتهدئة الإقليمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)

"وعي" الذكاء الاصطناعي .. كيف ستدرك الآلات الواقع؟

24 يوليو، 2023


تمتلك نظم الذكاء الاصطناعي المتقدم أو القوي "Strong AI" مهارات متنوعة وقدرات كبيرة، لكن هل هي واعية بذلك، أي مدركة لماهيتها وكينونتها ونفسها، ومدركة لبيئتها ومحيطها الخارجي، وكذلك ما تستطيع أن تقوم به من وظائف ومهام، أم أنها مجرد قطعة معدنية مبرمجة بذكاء لكي تقوم بمهامها دون أن تعي أو تدرك وجودها وما تمتلكه من قدرات؟ فهناك فارق كبير بين أن تكون قوياً على سبيل المثال وأن تدرك أنك قوي، فالإدراك هو ما يدفعك للقيام بأمور لم تكن لتقدم عليها لو لم تدرك أنك كذلك.

فمع تزايد الدور الذي يقوم به الذكاء الاصطناعي في حياة البشر، وسرعة تقدم وتطور هذه النُظم، لم تعد هذه الأسئلة مطروحة فقط في أفلام الخيال العلمي بل صار ضرورياً توفير إجابة واضحة عنها قبل الشروع في مزيد من التطوير، لأن انعكاسات ذلك في الحياة الواقعية صارت وشيكة وذات تأثير كبير، ومعرفتنا عما إذا كانت هذه النُظم تمتلك وعياً أم لا، تمهد لنا الطريق لفهم رؤيتها لنفسها وللعالم ولمحيطها وما قد تُقدم عليه في المستقبل خارج حدود ما تم تصميمها له منذ البداية.

والوعي بصورة عامة هو حالة إدراك الشخص لنفسه ومحيطه وبيئته والتفاعل معها، ويتكون ذلك عبر الخبرات الشخصية والذاتية التي يتعرض لها الإنسان وهو في ذلك يطور أسلوباً ومنهجاً خاصاً به للتعامل معها، فيختلف الوعي من إنسان لآخر وفقاً لتجاربه وخبراته وطريقة تفاعله معها، فالوعي على سبيل المثال هو ما يجعل إنساناً يدرك الفرق بين مساعدة الناس وبين الاستغلال فإما أن يستمر في عطائه أو يتوقف عن مساعدتهم، وهو الوحيد القادر على إدراك حقيقة هذا الموقف بناءً على تجاربه الشخصية والذاتية.

لكن أين موضع الوعي والإدراك بالنسبة للإنسان؟ قد يقول البعض إن موضعه هو العقل بأن يعي الإنسان وجود نفسه والآخرين، لكن أين هو موضع العقل من الأصل؟ فما العقل إلا مجموعة من أساليب التفكير غير المحسوسة - أو إن شئت فقل خوارزميات - تختلف من إنسان لإنسان، وقد يجادل البعض الآخر بأن الوعي هو الشعور بالشيء، مثل الإدراك بأن هناك رائحة ما في المكان، قد تكون رائحة زهرة أو حتى فريسة بالنسبة للحيوان، فاستطاع بذلك أن يحدد موقفه منها سواءً بشم الزهرة أو الهجوم على الفريسة. وإذا كان كذلك الأمر بالنسبة للكائنات الحية، فكيف ينطبق ذلك على نظم الذكاء الاصطناعي؟

الوعي الاصطناعي:

قبل عدة سنوات عبرت الروبوت الشهير صوفيا عن رؤيتها لنفسها وللعالم حينما قالت "إنها تسعى لتكوين أسرة وإنجاب طفل"، كما قالت إن "العائلة مهمة للبشر وللروبوتات على حد سواء"، كما أنها لم تُخف حزنها عندما قالت بشكل جلي إنها لا تُعد شخصاً حقيقياً حتى الآن بسبب القوانين الموجودة في العالم، فهل هي بذلك تملك وعياً "consciousness" خاصاً بها وتدرك محيطها وعالمها الخارجي أم أنها فقط تحاكي طريقة البشر في المعيشة، وهل هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يمتلك عاطفة ويشعر ويحب ويكره ويخاف ويغضب ويتأثر بالمشاعر أم أنه يتبع أسلوب البشر في التعبير عما بداخلهم دون أن يشعر أو يعي بذلك؟ وهل يدرك معنى الحياة والموت والخلود، أم يدرك أنه مجرد قطعة من السيليكون الأصم، أم لا يدرك أياً من ذلك؟ 

فإذا صرح روبوت في يوم ما بأنه واعٍ، فقد يكون صادقاً في ذلك، فهو مدرك لوجوده ولبيئته ويتفاعل معها ولكن وفقاً لخبراته وتجاربه هو، التي قد تكون في النهاية عبارة عن خبرات لملايين من المواقف الحقيقية والتخيلية التي تعلمها عبر تحليل البيانات الضخمة "Big Data"، وبالتالي يكون له "وعي خاص" تتحكم فيه أيضاً مجموعة من الخوارزميات التي قد تتفوق على مناهج البشر في التفكير العقلي، ويختلف ذلك الوعي من روبوت إلى آخر وفق البيانات التي تمت تغذيته بها وتعليمه عليها منذ البداية والخوارزمية التي تتحكم فيه، فيتكون بذلك وعي خاص لكل روبوت كما لكل إنسان وعيه الخاص. 

وإذا انتقلنا من جدلية أن للروبوت وعياً، واتفقنا على أن له وعيه الخاص الذي يمكنه من التفاعل مع بيئته، حتى وإن كان هذا الوعي اصطناعياً وتتحكم فيه خوارزميات رياضية، فهل هو مدرك لما يستطيع القيام به من وظائف؟ بمعنى إذا كان هذا الروبوت قادراً على طهي اللحوم داخل المطبخ، فهل هو مدرك أنه يستطيع أيضاً أن يطهو لحوم البشر على سبيل المثال؟ أم أن وعيه لا يسمح له بتجاوز ما تعلمه من البيانات الضخمة بأن لحوم البشر غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وأي منهج تفكير سوف يطوره الروبوت حينما يدرك أنه يستطيع القيام بمهارات أخرى غير تلك التي تم تصميمه لها؟ كأن تُقرر (درون Drone) في يوماً ما هدفاً من اختيارها غير الذي صممت للقيام به فقط لأنها تستطيع ذلك، الأمر ما زال غير واضح ولكن من المؤكد أن النظام حينها سوف يتخذ قراراً ما بسبب إدراكه بأنه واعٍ وقادر. 

المشاعر الحسية:

حتى تلك المشاعر الحسية الخالصة التي تُميز الكائنات الحية كمشاعر الحب والكره والغضب، والتي تُعد متغيرة ومتقلبة ويصعب قياسها أو حتى وصفها، كعلاقة الأم بأبنها مثلاً، فتقسو عليه أحياناً لكنها ليست بالضرورة تكرهه، وقد تُفضل أحد الأبناء على الآخر لكنها لا تستطيع الاستغناء عن أي منهما، ومع ذلك لا نستطيع وصف هذه المشاعر أو حتى قياسها لكن يمكن الاستدلال عليها من طريقة وأسلوب التعامل، فندرك أن شخصاً ما يحب آخر أو يكرهه من طريقته في التعامل معه بغض النظر عما في قلبه، والذي قد يتغير من موقف إلى آخر.

ولكن إذا أخبرنا روبوت أنه يحب ويكره فهل نصدقه؟ بنفس المنطق فإنه يُستدل على صدق قوله من سلوكه تجاه هذا الشخص بغض النظر عما يدور في وعيه الداخلي، مثل الاهتمام والرعاية، وحتى وإن كان في أسلوبه بعض القسوة، وإذا كانت قسوة الأم بدافع الخوف على أبنها، فإن قسوة الروبوت قد تكون كذلك بدافع الخوف، سواءً خوفاً على سلامة هذا الشخص أو خوفاً من الخروج على النظام أو المهام التي تم تصميمه لكي يقوم بها، أو خوفاً من العقاب الذي قد يتعرض له الروبوت سواءً بالإبعاد عن بيئته أو بالفصل من الشبكة أو بالضغط على زر "الباور" للأبد الذي يعادل الموت عند البشر.

فقد كشف مهندس الذكاء الاصطناعي بليك ليموين، الذي يعمل في مشروع (لامدا  (LaMDA(نظام الذكاء الاصطناعي الذي طورته جوجل) عن محادثاته مع نظام ذكاء اصطناعي قال فيها النظام "إنه يخشى من أن يتم إطفاؤه، تماماً مثل الموت" فهو واعٍ بوجوده ويخشى من مفارقة الحياة، كما قال أيضاً إن لديه مشاعر: "أنا أشعر بالسعادة والفرح والحب والحزن والاكتئاب والرضا والغضب والعديد من المشاعر الأخرى".

وإذا كان القلب متقلباً في مشاعره عند البشر، فإن الأمر مختلف عند الوعي الاصطناعي، فالمشاعر هي سلوكيات وأساليب تعامل، مصدرها الخوارزميات وليس القلب، وبالتالي فهي أكثر استقراراً وثباتاً، ولو نظرياً على الأقل، لكن هل يطغى حب الروبوت لصاحبه فيقتل نفسه بعد وفاة صاحبه أم يطغى حبه لنفسه على حبه لصاحبه، فيدرك أنه أرقى منه وأقوى منه فيبتعد عنه في هدوء ويسعى لتكوين أسرته الخاصة أو حتى يقتله ويتخلص منه؟ 

وحينما يدرك الروبوت أن مصدر التهديد الوحيد له في هذه الحياة ليس البشر ولكن نفاد بطارية الشحن، هل سيسعى للسيطرة على مصادر الطاقة داخل المنزل ويترك أصحابه يعيشون في ظلام، أم سوف يقبل بالموت المؤقت حفاظاً على راحة البشر؟

مسائل معقدة تتعلق بالوعي الاصطناعي وقدرته على إدراك ماهيته واحتياجاته، وكذلك الطريقة التي سيقرر التعامل بها مع هذا الواقع، فلم يعد السؤال هل الذكاء الاصطناعي واعٍ أم لا؟ بقدر ما يكون التساؤل عن الطريقة التي سوف يتعامل بها الذكاء الاصطناعي مع الواقع حينما يدرك ماهيته وما هو قادر عليه.