أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تسريبات تركية:

فرص اتجاه أنقرة لتسوية خلاقاتها مع الحكومة السورية

13 أبريل، 2022


نقلت صحيفة "حرييت"، في 4 أبريل 2022، عن مصادر حكومية تركية خبراً مفاده وجود توجهات لديها لفتح حوار مع الحكومة السورية خلال الفترة القادمة. ونفت صحيفة "الوطن" المقربة من الحكومة السورية، في 6 أبريل، عن مصادر في وزارة الخارجية، هذه الأخبار، معتبرة إياها لا تعدو كونها دعاية إعلامية مفضوحة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا بهدف تلميع صورة النظام التركي.

القضايا الخلافية السابقة:  

تشهد السياسة الخـارجية التركية منذ 2021 تحولات تستهدف تحسين علاقة أنقرة مــع دول الجــوار الإقلــيمي. ويلاحظ أن هناك اتصالات بين سوريا وتركيا على مستوى أجهزة الاستخبارات على نحو ما كشفت عنه الأخيرة سابقاً، كما جرت محاولات برعاية روسية للتوصل لتفاهمات بين الجانبين، غير أنها لم تتوصل لتوافقات نهائية. وتتمثل أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين في التالي: 

1- دعم أنقرة المعارضة المسلحة: لا تعترف تركيا بالحكومة السورية منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، خاصة بعد إعلان أنقرة دعمها فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري في مواجهة الحكومة السورية، وهو ما اتضح في مختلف تصريحات المسؤولين الأتراك على مدار السنوات الماضية، بما في ذلك تلك الصادرة على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. 

كما تطالب دمشق تركيا بسحب قواتها من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم المعارضة المسلحة وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، كما جاء على لسان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد في فعاليات منتدى "فالداي" بموسكو في 22 فبراير الماضي.

2- مطالبة أنقرة بحكومة شاملة: وضعت أنقرة، في السابق، شرطين أساسيين مقابل انسحابها من الأراضي السورية، وتتمثل هذه الشروط في توافق جميع الأطراف على الدستور الجديد، بما يحمي حقوق شرائح الشعب السوري كافة، في إشارة إلى المعارضة المسلحة، وإقامة نظام انتخابي يمكن لجميع الفئات المشاركة فيه بحرية، في إشارة إلى المعارضة المسلحة، إضافة إلى تشكيل حكومة شرعية بعد الانتخابات.

أما الشرط الثاني، فيتمثل في قضاء الحكومة السورية على التنظيمات الإرهابية، التي تستهدف وحدة أراضي تركيا على خط الحدود بين البلدين، ووضعها في إطار التنفيذ، في إشارة إلى ميليشيات قوات الدفاع الوطني الكردية، القريبة من الحزب العمالي الكردستاني، المصنف في تركيا كتنظيم إرهابي.  

3- تباين المواقف حول اتفاقية أضنة: تطالب أنقرة بتعديل اتفاقية أضنة بحيث يصبح لأنقرة الحق في التدخل عسكرياً في حال تهديد أمنها القومي بعمق 35 كيلومتراً في الأراضي السورية، في حين أن الملحق الرابع في الاتفاقية يتيح للقوات التركية التدخل فقط بعمق 5 كيلومترات على طول الحدود السورية – التركية، في حال لم يستطع الجانب السوري ضبط نشاط حزب العمال الكردستاني على وجه التحديد.

المطالب التركية الجديدة: 

نشرت صحيفة حرييت التركية مطالب أنقرة من دمشق، والتي يتمثل أهمهما في مطلبين أساسيين، وهما: 

1- الحفاظ على وحدة سوريا: يقصد بذلك تقليص، أو إلغاء منطقة الحكم الذاتي للأكراد المفروض بحكم الأمر الواقع في شمال شرق سوريا. ولا تمثل هذه النقطة موضع خلاف بين أنقرة ودمشق، غير أن المشكلة الأساسية، هي أن انفصال الأكراد بحكم الأمر الواقع يرتبط بدعم واشنطن لهم، عبر القوات الأمريكية المنتشرة في شرق سوريا. ومن ثم، فإن تبلور تفاهمات تركية – سورية حول هذه النقطة، لن تكون قائمة إلا في حالة انسحاب القوات الأمريكية من هناك. 

2- عودة اللاجئين السوريين: تطالب تركيا بضمان أمن اللاجئين العائدين إلى سوريا، البالغ عددهم 3.7 مليون فرد، وهو ما يعني أن تركيا تفكر عملياً في إعادة جانب منهم إلى سوريا. وتعد هذه النقطة من أهم التحديات التي تواجهها الحكومة التركية في الداخل، وتسعى إلى إيجاد حل لها لاسيما قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرر لها يونيو 2023، إذ يتصاعد الاحتقان الشعبي الداخلي في تركيا من وجود اللاجئين السوريين، خاصة في ظل تدهور أوضاع الاقتصاد التركي، ونظرة الكثير من الأتراك للسوريين على أنهم يسرقون وظائفهم، بالنظر إلى كونهم مصدراً للعمالة الرخيصة. 

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أنه، ومنذ مطلع العام الجاري، يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث أحزاب المعارضة، والتي سعت لتوظيفه للانتقاص من شعبية أردوغان، وعبر تبني مواقف تستميل الناخب التركي. ومن ذلك إعلان زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، في 17 يناير 2022، أنه سوف يقوم بإرسال السوريين إلى بلادهم في حال فوز حزبه بالانتخابات المقبلة. وتطالب المعارضة التركية بشكل دوري بإرجاع السوريين إلى بلادهم، وتقييد أعمالهم التجارية. 

دلالات تسريبات حرييت:

تكشف التسريبات التركية عن عدد من الملاحظات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تراجع محتمل لأنقرة: تمثلت المطالب التركية، كما سبقت الإشارة، في إشراك المعارضة السورية في الحكومة، بالإضافة إلى قضاء دمشق على وحدات حماية الشعب الكردية. وفي حين أن الشرط الأخير ينسجم مع المطالب التركية التي كشفت عنها حرييت التركية، فإن النقطة الأولى المتعلقة بتوافق السوريين على دستور جديد، ومشاركة المعارضة السورية في الحكومة، لم يرد ذكره في المطالب التركية الأخيرة، وهو ما يكون مؤشراً على تراجع محتمل لأنقرة، أو على الأقل تأجيل لهذه القضية الخلافية. 

2- بالونة اختبار لدمشق وواشنطن: نفت الخارجية السورية ما أوردته صحيفة حرييت التركية، وهو ما يكون مؤشراً على أن أنقرة إما تستخدم هذه التسريبات لقياس رد فعل دمشق على التنازل المحتمل التركي عن بعض المطالب السابقة، أو أن هذه التسريبات ورقة ضغط على واشنطن، في محاولة لدفعها لتقليص اعتمادها على أكراد سوريا، خاصة أن أنقرة ترى أن واشنطن توظف الورقة الكردية كإحدى أوراق الضغط عليها. 

فقد جاءت التسريبات التركية بالتزامن مع التصاعد الملحوظ في عدد الضربات الجوية التي تنفذها الطائرات المسيّرة التركية منذ النصف الثاني من مارس 2022، وحتى مطلع أبريل، حيث تستهدف تركيا قادة وعناصر في قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى قصف مدفعي وصاروخي تركي مكثف يستهدف بعض مناطق سيطرة الأولى، مثل مدينة عين عيسى، ومناطق تقع على طول الطريق الدولي "إم فور"، وكذلك مناطق ريف الحسكة الشمالي، وصرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 3 أبريل، أن كفاح تركيا ضد "التنظيمات الإرهابية" الناشطة في سوريا، سيتواصل خلال الفترة المقبلة. وقد تكون مجمل هذه التحركات التركية تمثل محاولة للضغط على واشنطن لضبط تحركاتهم، التي تراها أنقرة مهدداً أساسياً لأمنها القومي. 

3- التحسب لتداعيات الصراع الأوكراني: تدرك أنقرة جيداً أن الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا يحد من قدرتها على مهاجمة قوات الدفاع الوطني الكردية. وتتحسب أنقرة أن تتجه واشنطن لتقليص وجودها العسكري، وتتجه للانسحاب في النهاية من منطقة شرق سوريا، ارتباطاً بتصاعد اهتمامها وتركيزها بالصراع الأوكراني.

ولذلك، فإن تسريبات حرييت التركية، يمكن النظر إليها باعتبارها محاولة لإبقاء أنقرة على قنوات اتصال قائمة مع دمشق، من أجل ضمان أن تتدخل الحكومة السورية في مناطق سيطرة الأكراد، في حالة الانسحاب الأمريكي. 

4- التحوط لتداعيات الانفتاح العربي: تدرك أنقرة أن السياسة الأمريكية القائمة على حصار سوريا اقتصادياً عبر قانون قيصر، لدفعها لتقديم تنازلات سياسية قد تتراجع خلال الفترة المقبلة، خاصة مع اتجاه العديد من الدول العربية للانفتاح على دمشق، سياسياً واقتصادياً، وهو التطور الذي، لو استمر، سوف يعني أن الدور الأمريكي سوف يكون مرشحاً للتراجع أكثر خلال الفترة القادمة.

ومن جهة أخرى، فإن مطالبة الائتلاف الوطني السوري المعارض، في 5 مارس، المجتمع الدولي، بمنحه مقعد سوريا في الأمم المتحدة للائتلاف، باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري لن يلاقي أي صدى، في ضوء انفتاح الدول العربية والصين على دمشق، وهو ما يعني أن فرص نجاح المعارضة السورية في تقديم نفسها كبديل لدمشق لن يكتب لها النجاح. وفي ظل هذه الظروف، فإن محاولة أنقرة إقامة علاقات مع دمشق قد تكون بمنزلة تحوط تركي، وتراجع عن سياستها السابقة، التي كانت تسعى إلى الإطاحة بدمشق. 

5- محاولة البناء على التعاون السابق: أشارت بعض المصادر الإعلامية التركية إلى حدوث لقاء بين مسؤولين أمنيين من دمشق وأنقرة بوساطة أردنية منذ مطلع 2022، فضلاً عن استمرار قنوات الاتصال مفتوحة بشكل شبه رسمي عبر قيادات حزب الوطن التركي، الذي يرأسه دوغو برنتشيك، والذي يتقارب مع أردوغان في السنوات الأخيرة.

كما أشارت وكالة الأنباء السورية "سانا" في يناير 2020 إلى أول لقاء منذ 2011 بين رئيس مكتب الأمن الوطني، علي مملوك ورئيس المخابرات التركية، حقان فيدان، وذلك في العاصمة الروسية موسكو، حيث تمحورت معظم هذه الاتصالات والمباحثات حول الجوانب الأمنية والاستخباراتية فضلاً عن أنشطة  حزب العمال الكردستاني في سوريا، ومنطقة "الحكم الذاتي الكردي" في شمال الشرق السوري.

وفي الختام، تشير تسريبات حرييت إلى إنهاء محاولة من جانب أنقرة لإرسال رسائل لكل من دمشق وواشنطن، للتحسب مع التطورات الدولية والإقليمية التي قد تفضي إلى تراجع الدور الأمريكي في شرق سوريا، فضلاً عن مواصلة أنقرة اتباع سياسة "تصفير المشاكل"، وإن كان من الملاحظ أن نجاح هذا التقارب سوف يتوقف على مستقبل الوجود الأمريكي في شرق سوريا، فضلاً عن قدرة أنقرة ودمشق على حل القضايا الخلافية بينهما.