أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

العودة المتزامنة:

هل تجري إيران تغييراً في سياستها إزاء الاتفاق النووي؟

09 فبراير، 2021


طرحت إيران على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف إمكانية تسوية الخلافات حول الاتفاق النووي عبر اعتماد مقاربة "العودة المتزامنة"، بما يعني أن تقوم إيران بالعودة من جديد إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق مقابل رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. وفي هذا السياق، رد ظريف على سؤال للمحاورة من أصل إيراني كريستيان امانبور خلال حواره مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في 2 فبراير الجاري، حول ما إذا كانت إيران لا تزال تطالب الولايات المتحدة بالعمل أولاً، بقوله: "يمكن اتخاذ الخطوات اللازمة في وقت واحد"، مقترحاً في الوقت نفسه أن يقوم الاتحاد الأوروبي بالتوسط لتسوية الخلافات وإزالة أية عقبات قائمة أمام عودة واشنطن للاتفاق.

ورغم أن ذلك قد يوحي بأن إيران قدمت تنازلات مبكرة في موقفها، بعد أن كانت تتبنى شروطاً صعبة قبل عودتها إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق، على غرار عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق أولاً ورفع العقوبات وتقديم تعويضات عن الخسائر التي منيت بها بسببها، إلا أنها قد لا تكون تنازلات كبيرة تمس التوجهات العامة التي تتبعها القيادة العليا في طهران، فضلاً عن أنها قد لا تؤشر إلى أن إيران في وارد إجراء تغيير بارز في سياستها إزاء الاتفاق النووي. وبمعنى أدق، فإن تلك المقاربة الجديدة التي أعلن عنها ظريف قد تكون مجرد تغيير تكتيكي في السياسة الإيرانية بهدف تعزيز فرص الوصول إلى تفاهمات وتجنب الانخراط في إشكاليات مبكرة مع الإدارة الأمريكية من الممكن أن تضعف هذا الاحتمال، في الوقت الذي تبدو إيران في أمس الحاجة لرفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

جهود المعتدلين:

ربما لا يمكن فصل حرص ظريف على تبني تلك المقاربة الجديدة عن التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية الإيرانية في الوقت الحالي. إذ تُلقِي تلك المقاربة الضوء على الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس حسن روحاني وحكومته إلى جانب تيار المعتدلين بشكل عام من أجل تسوية أزمة الاتفاق النووي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في 18 يونيو 2021. وبمعنى آخر، فإن الرئيس روحاني يسعى إلى تسجيل ما يمكن أن يعتبره "إنجازاً" قبل خروجه من الرئاسة، خاصة أنه تعرض خلال فترته الرئاسية الثانية لحملة ضغوط متواصلة من جانب الحرس الثوري وتيار المحافظين الأصوليين بسبب الأزمة التي واجهت الاتفاق على خليفة الانسحاب الأمريكي منه في مايو 2018 ثم فرض العقوبات الأمريكية بداية من أغسطس من العام نفسه. وربما لا يكون ذلك هو الهدف الوحيد، إذ أن تيار المعتدلين قد يسعى إلى استثمار أية تسوية محتملة للأزمة الحالية من أجل تعزيز فرص أحد مرشحيه في الانتخابات، التي تتوقع اتجاهات عديدة أن يفوز بها أحد مرشحي "الباسدران" وتيار المحافظين الأصوليين، وربما يكون وزير الخارجية محمد جواد ظريف نفسه أحد هؤلاء المرشحين الذين يُعوِّل عليهم المعتدلون.

هدفان رئيسيان:

أما على المستوى الخارجي، فإن ثمة هدفين رئيسيين تسعى إيران إلى تحقيقهما عبر تلك المقاربة الجديدة، هما:

1- تحييد المقاربة الغربية: والتي تقوم في الأساس على ضرورة ضم ملفات أخرى إلى الاتفاق النووي ليكون الأخير أكثر شمولاً بحيث لا ينحصر فقط في البرنامج النووي، وإنما يمتد أيضاً إلى برنامج الصواريخ الباليستية والدعم المتواصل للحلفاء في الإقليم فضلاً عن التدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة. وقد كان لافتاً أن المقاربة الإيرانية تزامنت مع التحركات التي تقوم بها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتنسيق المواقف سواء مع الكونجرس الأمريكي أو مع الدول الأوروبية. إذ اجتمع وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن مع نظرائه الأوروبيين، افتراضياً، في 6 فبراير الجاري، لمناقشة ملفات عديدة كان في مقدمتها الاتفاق النووي مع إيران، وهى المرة الأولى التي يجري فيها نقاش على مستوى وزراء الخارجية بين هذه الأطراف منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018. وكان لافتاً أن بلينكن أعاد التأكيد على أن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق إذا عادت إيران إلى الالتزام به وستجعل ذلك نقطة انطلاق إلى اتفاق أوسع يمكن أن يقيد تطوير إيران للصواريخ وكذلك أنشطتها الإقليمية، بما يعني أن الإدارة الأمريكية تتبنى موقفاً رافضاً للمقاربة الإيرانية. 

2- تجنب القيود التقنية: تسعى إيران عبر تلك المقاربة إلى تجنب فرض أية قيود جديدة على أنشطتها النووية، وهى المقاربة التي تتبناها الدول الغربية لمنع إيران مجدداً من تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي على غرار ما قامت به في الفترة الماضية رداً على الانسحاب والعقوبات الأمريكية التي فرضت عليها. لكن جهود طهران في هذا السياق تصطدم بإصرار الدول الغربية على ضرورة فرض قيود أكثر صرامة تمنعها من تبني هذه الإجراءات مجدداً، وهو اتجاه يبدو أن الأخيرة سوف تتمسك به، لاسيما بعد أن كشف ثلاثة دبلوماسيين، وفقاً لتقارير عديدة في 6 فبراير الحالي، أن المفتشين الأمميين عثروا على آثار مواد مشعة في موقعين بإيران، بما يضفي وجاهة خاصة على الشكوك التي أثيرت في الفترة الماضية حول رغبة إيران في الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية. 

تصعيد محتمل:

على ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن المقاربة الإيرانية الجديدة لم تلق استجابة لافتة من جانب الدول الغربية التي اعتبرت أنها لا تتضمن تغييراً رئيسياً في الموقف الإيراني. وقد تكون التحركات الأخيرة التي تقوم بها واشنطن، فضلاً عن ما كشفته التقارير من العثور على مواد مشعة، دافعاً لإيران لتبني خطوة تصعيدية جديدة في الفترة القادمة التي تتزامن مع الذكرى الثانية والأربعين للثورة الإيرانية، على غرار فرض قيود شديدة على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو تجميد العمل بالبروتوكول الإضافي، بما يوحي بأن الوصول إلى تسوية للأزمة بين طهران وواشنطن ما زال يواجه عقبات عديدة.