أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

حسابات "الخوف":

كيف يفكر أطراف الصراع الليبي في أزمة "كورونا"؟

24 مارس، 2020


يتندر الليبيون على وباء كورونا المستجد (كوفيد -19)، الذي انتشر في أكثر من 162 دولة حول العالم، بقولهم إنه يخشى دخول بلدهم، لأنه إما سيُصاب هو نفسه بعدوى انقسام السلطة، أو سيلقى حتفه جراء الصراع المزمن. تلك المزحة قد تُعبّر عن امتزاج حالة السخرية الليبية من خطر الوباء بالإحباط من واقعٍ صراعيٍّ لا يكاد يدنو من السلام خطوة، حتى يبتعد عنه خطوات أخرى، برغم مرور تسع سنوات على سقوط نظام "القذافي". 

وبرغم إعلان السلطات الليبية المنقسمة عدم تسجيل أي إصابات بكورونا في البلاد، حتى الاثنين 23 مارس 2020، فقد تصاعدت مخاوفها من احتمال انتشار الوباء، وربما تحوله إلى كارثة، في ظل تردي البنية الصحية للبلاد، وضعف جاهزيتها. لذا، اتخذت حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا، ونظيرتها الموازية في الشرق، خلال الأيام الماضية، سلسلة من الإجراءات الاحترازية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما عسكريًّا لمواجهة فيروس كورونا، منها: حظر التجوال، ومنع التجمعات، وإيقاف المدارس، وإغلاق المنافذ الحدودية والبحرية والجوية، فضلًا عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية.

على جانب آخر، رحّب طرفا الصراع في معركة طرابلس (حكومة الوفاق، الجيش الوطني الليبي) يومي 18 و21 مارس على التوالي بدعوات أممية ودولية لإقرار هدنة إنسانية في ليبيا لدعم الجهود المبذولة للتصدي لأزمة كورونا. ومع ذلك، لم تَخْلُ تلك الاستجابة من هشاشة، فلم يمضِ يوم واحد على هذه الهدنة حتى تعرضت لخروقات من أطراف الصراع، إثر القصف المتبادل في جنوبي طرابلس وترهونة. 

بذلك، تعرضت تلك الهدنة لمأزق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه منذ 12 يناير الماضي، ولم يفلح في تثبيته لا الحشد الدولي والإقليمي في مؤتمر برلين في الـ19 من الشهر نفسه، ولا ما تمخض عنه من مسار عسكري في جنيف، إذ ظلت مسودة وقف النار التي تم التوصل لها، من خلال اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 برعاية أممية في الـ23 من فبراير الماضي، محل خلاف بين قيادات أطراف الصراع.

من هنا، فإن السؤال المطروح هو: كيف يفكر أطراف الصراع الليبي في أزمة كورونا ومخاطر انتشارها؟ وما مدى تأثير تلك الأزمة على مسارات الحرب والسلام؟ لا سيما في ظل تغير أولويات القوى الخارجية المتدخلة في ليبيا، والتي تركز كل جهودها في التوقيت الراهن على مكافحة انتشار ذلك المرض.

دوافع الخوف:

تُدرك الأطراف المتنازعة، سواء أكانوا أفرادًا أم قادة في مناطق الصراعات العنيفة، أن أحد الاحتمالات التي تواجههم في المعارك هو الموت، فلماذا -إذن- قد يخشون أزمة كورونا طالما أن هذا الاحتمال قد يكون قائمًا في الحالتين؟. لكن عند التفكير مليًّا بالأمر، فإنه يمكن القول إن تهديد خطر البقاء قد يختلف ما بين خصم تملك القدرة على معرفة تهديده، وتوقع سلوكيّاته، وما قد يملكه من أدوات صراعية، وآخر قد يتسم بالغموض والتعقيد، حيث لا تُعرف على وجه اليقين سماته وحدود مخاطره.

في الحالة الأولى، قد يبدو الخوف طبيعيًّا لأنه يمكن لأطراف النزاع السيطرة على التهديد نسبيًّا، أو حتى توقّعه بقدر ما في مناطق القتال من تكتيكات. بينما في الثانية قد يتحول الخوف من التهديد الغامض إلى ذعر، لأن قدرة أطراف النزاع على السيطرة أو التنبؤ بمسارات هذا التهديد تنعدم تقربيًا، كما الأمر مع وباء كورونا، الذي بدا كعدو غير مرئي، كما وصفه "ترامب"، إذ لا يميز في الإصابات والوفيات بين عدو وصديق، أو دولة مستقرة وديمقراطية، وأخرى تسلطية أو مضطربة. والأكثر خطورة أنه لم يتم اكتشاف لقاح أو دواء لمواجهته حتى اللحظة الراهنة.

في هكذا سياقات، تنشأ حسابات الخوف، خاصة لدى القادة في مناطق الصراع، حيث قد تدفعهم -على الأرجح- إلى تغيير خطاباتهم وسلوكياتهم، انتظارًا إما للرهان على الوقت لتجاوز الأزمة، أو الحد من تداعياتها على مصالحهم المباشرة بالصراع. فببساطة، لا يمكن إغفال أن أي صراع مسلح يعتمد بالأساس على العنصر البشري، وبالتالي فلو تعرض ذلك العنصر للضرر من الوباء، فقد يعني ذلك عدم قدرة الأطراف على الاستمرار في الصراع ذاته. 

زد على ذلك أنه من الصعوبة عمليًّا تطبيق سياسات العزلة والتباعد الاجتماعي التي تنتهجها الدول لمواجهة كورونا في إدارة ساحات المعارك العسكرية. فعلى الرغم من دخول الأسلحة التكنولوجية الحديثة، كالطائرات دون طيار وغيرها، لمناطق الصراع في الشرق الأوسط، ومنها ليبيا؛ فلا يزال القتال البري المباشر ملمحًا رئيسيًّا لديناميات الصراع، خاصة في حروب المدن، لا سيما مع استهداف أطراف الصراع السيطرة على مناطق ميدانية يحوزها الخصوم، وقد تعج بالسكان، بما سيفترض التواصل معهم، مثلما نمط المعارك في غرب ليبيا، والتي للمفارقة تضم العدد الأكبر من سكان هذا البلد، مقارنة بمنطقتي الشرق والجنوب. 

قد يفسر ذلك المنطقُ العقلانيُّ الذي يؤطر حسابات الخوف نمطَ الاستجابة الإنسانية الأخيرة لأطراف الصراع لوقف القتال في ليبيا بسبب أزمة كورونا، أو حتى عدم التصعيد الحاد والاقتصار على نمط خروقات متبادلة، حيث قد يخشون على الجنود الموالين لهما من الإصابة بالوباء بما يغير كليًّا من توازنات المعارك في أي لحظة. مع ذلك، فإن ثمة عوامل أخرى مضافة تطرحها طبيعة السياقات الصراعية في ليبيا، وتضاعف أكثر من حسابات الخوف لدى أطراف الصراع من فيروس كورونا، ومنها:

1- انكشاف النظام الصحي: إذ تعاني البنية الصحية الليبية (المستشفيات، أعداد الأطباء والممرضين، والمستلزمات الطبية) ترديًا بسبب تضررها من الحرب المستمرة، سواء إبّان تدخل حلف الناتو في عام 2011، أو إثر نشوب الحرب الأهلية في صيف عام 2014، والتي أدت إلى انقسام السلطة وتأثر وظائفها بما فيها الصحية. ولا تسعف تلك الأوضاعُ الدولةَ الليبية على الاستجابة الفعالة لأزمة كورونا، حال انتشاره، لا سيّما إذا قارنّا ذلك بدول أخرى متقدمة ومستقرة أكثر تطورًا لم تستطع احتواء المرض، مثل إيطاليا. فضلًا عن معضلة النازحين ومراكز إيواء اللاجئين، حيث قد تتراجع عندها القدرة على توفير أماكن للحجر الصحي وأجهزة تنفس، إذا ما برزت أزمة كورونا. لذا فإن ثمة خشية دولية على خطر محتمل في ليبيا إذا انتشر المرض، وفقًا لتحذير أشارت له مؤخرًا "إليزابيث هوف" ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا.

وما قد يُعزز ذلك أن مؤشر الأمن الصحي العالمي في عام 2019 (GHS INDEX) يضع ليبيا في المرتبة 168 من بين 195 دولة في العالم، ذلك أن جاهزية البنية الصحية أضعف من أن تتعامل مع الأوبئة أو تحد من انتشارها، وهو أمر مماثل لدول الصراعات في الشرق الأوسط، كما حال العراق وسوريا واليمن، حيث نالت تلك البلدان مراتب متدنية هي الأخرى على التوالي في المؤشر (167، 188، 190)، ناهيك عن الفجوات الصحية بين مناطق ليبيا، نتاجًا لنمط التنمية المناطقية اللا متوازنة وعدم المساواة التي كرسها نظام "القذافي" طيلة عقود حكمه الأربعة، حيث كان الليبيون يلجئون إلى دول الجوار الإقليمي، كتونس ومصر وإيطاليا، لتلقّي الخدمات الصحية، وازداد هذا الأمر مع عدم الاستقرار الليبي بعد عام 2011.

المصدر:

:Global Health Security Index 2019, Available on 

https://www.ghsindex.org/

2- حصار كورونا في الجوار الإقليمي: إذ تعاني غالبية دول الجوار الحدودي لليبيا، وخاصة مصر والجزائر وتونس والسودان، وجود إصابات ووفيات جراء فيروس كورونا، وإن كان بدرجات متفاوتة، كما لم تصل إلى حد الانتشار الواسع، كما حال إيطاليا التي لا يفصلها عن سواحل ليبيا سوى 320 كم، إذ أصبحت ثاني بؤرة عالمية في انتشار مرض كورونا المستجد بعد الصين، حيث سجلت 59138 إصابة، بينما وصل إجمالي الوفيات إلى 6077 (الاثنين 23 مارس 2020). 

تبدو المعضلة هنا في حجم التفاعلات متعددة المستويات بين ليبيا والدول المصابة بفيروس كورونا، ناهيك عما أسفر عنه الصراع الليبي من لاجئين في دول الجوار. وبرغم إغلاق الحدود بين ليبيا ودول العالم، فلا يُعرف يقينًا ما إذا كان هنالك تسرب من تلك الدول المصابة إلى ليبيا، مع بداية أزمة كورونا من عدمه، في ظل هشاشة السيطرة على بعض مناطق الحدود الطويلة مع دول الجوار الإقليمي، خاصة من جهتي الغرب والجنوب الليبي.

3- مخاطر التدخل الأجنبي: إذ يحمل وجود مرتزقة أجانب وقوات ومستشارين من دول أخرى لمساندة أطراف الصراع الليبي خطرًا مضاعفًا لاحتمال انتشار كورونا. فعلى سبيل المثال، فإن وجود مرتزقة سوريين بالآلاف في طرابلس، فضلًا عن مستشارين وجنود من تركيا، لدعم ميليشيات الوفاق في غرب ليبيا في مواجهة الجيش الوطني الليبي، قد يُثير احتمال انتشار العدوى، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن تركيا أصبحت إحدى بؤر المرض في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغت الإصابات 1256 والوفيات 30 شخصًا، حتى الأحد 22 مارس 2020. وإذا أضفنا إلى ذلك وجود بعثات ومنظمات دولية وأجنبية إغاثية تعمل على الأراضي الليبية؛ فإن احتمال ظهور كورونا قد لا يمكن استبعاده في أي لحظة.

4- الانشغال الإقليمي والدولي: فمع تحول فيروس كورونا إلى التحدي الأكبر للقوى الكبرى والإقليمية ذات المصلحة في ليبيا، فقد يؤثر ذلك على حالتي السلم أو الحرب، على أساس اعتبارين أساسيين؛ الأول أن الصراع الليبي يتخذ شكل الحرب بالوكالة، وبالتالي إذا كان الرعاة مشغولين بمحاربة كورونا، فإن الوكلاء قد يتأثرون بالتبعية بذلك، سواء على صعيد الدعم السياسي أو الاقتصادي أو إمدادات السلاح، لا سيما مع حركة إغلاق الحدود ومخاوف الدول من أي تفاعلات خارجية قد تؤدي إلى انتشار الفيروس لديها. وإن كانت تلك الفرضية قد تواجه معضلة انتشار السلاح الكثيف خلال السنوات الماضية، بما قد يسمح للوكلاء بالاستمرار في المعارك، ولو فترة من الزمن دون الاحتياج لتدفقاته من الرعاة.

أما الاعتبار الثاني فيتعلق بأن حالة الانشغال العالمي بكورونا قد تؤثر على الجهود الدبلوماسية الأممية والدولية لتسوية الصراع، والتي أخذت ملمحًا متصاعدًا منذ مؤتمر برلين الأخير، حيث عُقدت بعده اجتماعات للمسارات الثلاثة، السياسية والاقتصادية والعسكرية. صحيح أنها لم تُسفر حتى اللحظة عما قد يوقف الحرب ويتجه بالبلاد إلى التسوية السلمية، لكنها على الأقل قد تتعطل أو تتباطأ مع انتشار كورونا عالميًّا، بسبب القيود على تحرك الممثلين السياسيين لأطراف الصراع إلى الخارج. بل إن التعهد الأوروبي في مؤتمر برلين بإنشاء قوة بحرية لمراقبة حظر السلاح إلى ليبيا قد يواجه هو الآخر تحديًا حول مدى إمكانية تطبيقه مع الآثار الوخيمة لأزمة كورونا. كما لم تستقرّ الأمم المتحدة بعد على بديل للمبعوث الأممي "غسان سلامة" الذي استقال في مطلع مارس الجاري، حيث حلّ محلّه مؤقتًا نائبته "ستيفاني وليامز".

5- خطر فقدان الشرعية: فالاستجابات السريعة لأطراف الصراع في ليبيا لمواجهة كورونا، سواء على صعيد الإجراءات الأمنية والصحية والاقتصادية، تعكس سعيهم للحفاظ على شرعيتهم الأخلاقية والسياسية وقت الأزمة أمام أنصارهم وحلفائهم في المناطق الليبية الخاضعة لسيطرتهم، بما قد يساعد على تجنب المحاسبة، سواء عند تجاوز الأزمة، أو حتى إذا ما انتشر المرض وحصد أرواحًا في المجتمع. ولعلّ بيان الجيش الليبي الذي رحب فيه بالهدنة الإنسانية الأخيرة، سعى مثلًا للضغط على شرعية حكومة الوفاق أمام حلفائها في غرب ليبيا، عندما حملها المسئولية عما أسماه "الجرائم الأخلاقية" إذا ما استمر تدفق المرتزقة السوريين إلى العاصمة طرابلس. على الجانب الآخر، فقد تحرك الجيش الليبي سريعًا للانتشار لفرض حظر التجول منذ الخميس الماضي، بخلاف تجهيز الجيش لمشفيين عسكريين في شرق ليبيا؛ أحدهما في قاعدة بنينة، والثاني الهواري للتعامل مع حالات الطوارئ.

6- مخاطر الأزمة الاقتصادية: حيث قد تتعاظم مخاوف أطراف الصراع من أزمة كورونا، في سياق تصاعد الأزمة الاقتصادية الداخلية، في ضوء إغلاق موانئ وحقول النفط قبل أكثر من شهرين، ما خفض من الإنتاج، وأدى لخسائر بلغت قرابة 3.3 مليارات دولار، وفقًا للمؤسسة الوطنية للنفط. وتعمقت أزمة القطاع النفطي الليبي مع تراجع الأسعار العالمية مؤخرًا إلى ما دون الثلاثين دولارًا، ما خفض تقريبًا ثلث ميزانية حكومة الوفاق في عام 2020، فضلًا عن الركود الذي بدأ يصيب الاقتصاد العالمي إثر إغلاق الدول لحدودها، وتباطؤ التبادل التجاري بعد أزمة كورونا.

وبينما تُلقي حكومة الوفاق باللائمة على الجيش الليبي في ذلك الإغلاق النفطي، كونه يسيطر عسكريًّا على تلك الموانئ والحقول؛ إلا أن الجيش ينفي، حيث يشير إلى أن جماعات قبلية في شرق ليبيا هي التي أقدمت على ذلك، احتجاجًا على إنفاق حكومة الوفاق عائدات النفط على الميليشيات والمرتزقة في معركة طرابلس. وتكمن معضلة ورقة النفط في أنه بينما يسيطر الجيش الليبي عسكريًّا على حقول النفط التي تميل غالبيتها لجهة الشرق، فإن العوائد تدار من طرف المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها أمميًّا، وكجزء من ضغوطات القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، على قطاع النفط الليبي. ومما زاد من معضلة تلك الورقة، الاتفاقات الليبية التي سعت لتسوية الصراع وتجاهلت بناء اتفاقات محددة حول التوزيع العادل لعوائد النفط، بما فيها اتفاق الصخيرات المتعثر منذ توقيعه في ديسمبر 2015. 

 تأثيرات محتملة:

برغم صعوبة التنبؤ بتأثير أزمة كورونا على أطراف الصراع الليبي، بسبب حالة الغموض والضبابية لتلك الأزمة؛ لكن مع ذلك يمكن طرح ثلاثة مسارات محتملة سترتهن على الأغلب بمحددين، أحدهما مدى قدرة القوى الكبرى والإقليمية على تجاوز أزمة ذلك المرض واحتواء مخاطره، ومن ثم معاودة الاهتمام بمناطق الصراعات كليبيا، والآخر مدى قدرة البنية الصحية الليبية على الاستجابة حال ظهور المرض وانتشاره.

ويتعلق المسار الأول باحتمال جمود الصراع، خاصة في معركة طرابلس التي مر عليها قرابة العام، دون إحداث تغيرات نوعية في مواقف الأطراف الميدانية المتحاربة، إذ ازدادت الأمور صعوبة بعد لجوء حكومة الوفاق الأخيرة إلى جلب مرتزقة سوريين، فضلًا عن إبرام مذكرة تفاهم أمني وبحري مع تركيا، في مسعى لسد ثغرات موازين القوى مع الجيش الوطني الليبي. ومع ذلك، لا يُمكن إغفال أن ميزان القوى يميل إجمالًا أكثر للجيش، إذ يُسيطر على غالبية أراضي البلاد شرقًا وجنوبًا، فضلًا عن مناطق في محيط العاصمة طرابلس، بخلاف ورقة النفط، لذا قد تخشى حكومة الوفاق وحلفاؤها استمرار الصراع في الوضع الراهن، لأنه سيفرض عليها مزيدًا من الضغوط المزدوجة إذا انتشر كورونا في غرب ليبيا. على جانب آخر، قد يكون من مصلحة الجيش الليبي أيضًا تجميد الصراع في اللحظة الراهنة كي يواجه أزمة كورونا، وذلك لدعم تحالفاته وشرعيته في المناطق التي يسيطر عليها. 

أما المسار الثاني، فيشير إلى احتمال تصاعد الصراع، وقد ينشأ إذا استشعر أحد الأطراف المتنازعة أن عدم الاهتمام الدولي إثر انتشار كورونا قد يمثل فرصة لتغيير موازين القوى لصالحه في معركة طرابلس. لكن سيظل ذلك الاحتمال مرتبطًا بما إذا كان كورونا سيصل إلى ليبيا من عدمه، وحدود انتشاره إذا ظهر، لأنه حال حدوث إصابات أو وفيات من ذلك المرض، بشكل لا يمكن احتواؤه، فقد يصعب على أطراف الصراع مواصلة القتال عمليًّا. ولعل بعض الاتجاهات المتشددة تدفع إلى سيناريو تصعيد الصراع في هذا التوقيت، كما حال المفتي المعزول "الصادق الغرياني" الذي دعا الليبيين في الغرب إلى عدم الاهتمام بكورونا، وتوجيه كل دعمهم للجبهة العسكرية في مواجهة الجيش الوطني الليبي. 

ما بين هذا وذاك، يبرز مسار ثالث، حيث قد يظل أطراف الصراع ضمن مسار المراوحة ما بين السلم والحرب، بحيث يبقون على وضعية الهدنة الهشة بسبب حسابات الخوف من تأثيرات محتملة لأزمة كورونا. ويعزز ذلك المعضلة المستعصية التي تعترض بالأساس تثبيت وقف إطلاق النار. فبينما يشترط الجيش الوطني الليبي إخراج المرتزقة والقوات التركية، ووقف إمدادات السلاح التركي، وتصفية الجماعات الإرهابية من غرب ليبيا، كي يتم تفعيل ذلك الوقف؛ تطالب حكومة الوفاق بعودة الجيش الليبي إلى ما قبل خطوط بدء معركة طرابلس في الرابع من أبريل 2019. هنا، يخشى طرفا الصراع تقديم أي تنازلات خشية تصدع تحالفاتهما الداخلية والخارجية، ما قد يُبقي الصراع قائمًا دون تصعيد حاد، منتظرًا ما قد تفسر عنه أزمة كورونا من تغيرات عالمية وإقليمية قد تطال مناطق الصراع في الشرق الأوسط.