أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

علاقات ملتبسة:

مستقبل العلاقة بين طالبان وداعش خراسان في أفغانستان

28 سبتمبر، 2021


ذكرت وكالة "أعماق" للأنباء التابعة لداعش على قناتها على تليجرام، في 19 سبتمبر، أن تنظيم داعش خرسان أعلن مسؤوليته عن سلسلة من التفجيرات في مدينة جلال آباد بشرق أفغانستان. واتهمت طالبان التنظيم بتنفيذ هجوم رابع في العاصمة الأفغانية كابول. وتجيء هذه التطورات في الوقت الذي تبدي فيه تحليلات غربية مخاوفها من أن التهديد الإرهابي القادم من أفغانستان ينبع من هذا التنظيم تحديداً. 

وشهد تنظيم "داعش خراسان" تراجعاً في قدراته في السنوات الأخيرة، نتيجة الضربات القوية، التي وجهت إليه من جانب الولايات المتحدة، والحكومة الأفغانية السابقة من جانب، فضلاً عن حركة طالبان من جانب آخر، فيما مثّل حينها، تحالف الخصوم ضد العدو المشترك. ويجيء تنامي داعش خرسان في الوقت الذي تسعى فيه حركة طالبان لنيل اعتراف المجتمع الدولي، وتقديم نفسها طرفاً قادراً على ضبط الأمن في أفغانستان. 

تطور تنظيم داعش خراسان

مر تنظيم داعش خرسان بعدة مراحل، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- نشأة التنظيم في 2015: ترجع بداية إنشاء هذا التنظيم في أواخر 2015 بعد وقت قصير من إعلان داعش في سوريا والعراق عام 2014، حيث أعلن بعض الأعضاء السابقين في حركة طالبان باكستان الولاء لأمير التنظيم "أبو بكر بغدادي"، وأعلنوا إنشاء ولاية له في خراسان، حيث تمكن التنظيم من إرساء وجود له في مقاطعتي "ننجارهار" وكونار" بشرق أفغانستان. وتولى العضو السابق في حركة طالبان "حافظ سعيد خان" إمارة التنظيم عند نشأتها.  

2- تراجع داعش في 2018: دعا زعيم حركة طالبان السابق، أختر محمد منصور، مقاتلي تنظيم داعش للانضمام لطالبان، وهو ما جوبه بالرفض؛ مما أدى إلى قيام الحركة بهجمات ضد التنظيم في مقاطعة جوزجان وولاية ننكرهار منذ عام 2017، وشاركت في هذه الحرب القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية، وهو ما كبد داعش خسائر فادحة، واستسلم المئات من عناصر التنظيم في عام 2018، وذلك عقب تعرُضه إلى هزائم كبرى نتيجة ضربات من التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير التقديرات إلى خسارة التنظيم في الفترة الممتدة من عام 2015، وحتى 2018 نحو 12 ألف عنصر. 

3- تنفيذ هجمات دموية في 2020: عيّن التنظيم شهاب المهاجر، أميراً جديداً، في عام 2020 بعد القبض على سلفه، أسلم فاروقي. ويشير البعض إلى أن الأمير الجديد انتمى إلى شبكة حقاني في السابق. 

وطوال عام 2020، نفذ التنظيم بنجاح هجمات بارزة، خاصة مع تحول تكتيكاته من السيطرة على مناطق وحكمها إلى الاحتفاظ بخلايا منتشرة في بعض ولاية البلاد، خاصة العاصمة الأفغانية كابول.

 وتمكن داعش خرسان من تنفيذ بعض أكثر الهجمات الإرهابية دموية، ومن ذلك هجومه في مايو 2020 على جناح للولادة في كابول، والذي أسفر عن مقتل 24 شخصاً، بالإضافة إلى الهجوم على جامعة كابول في نوفمبر 2020، والذي خلف 22 قتيلاً.

4- تنامي عمليات التنظيم الإرهابية عام 2021: قدرت الأمم المتحدة في شهر يونيو عام 2021 أن مقاتلي تنظيم داعش خراسان يتراوح عددهم بين 1500 و2200 متمركزين في مقاطعات كونار وننحارهار. وينتشر هؤلاء المقاتلون في خلايا مستقلة نسبياً تعمل تحت راية التنظيم. 

وفي الفترة من يناير 2020 إلى يوليو 2021، نفذ تنظيم داعش 83 هجوماً أسفر عن مقتل 309 أشخاص، استهدفت هذه الهجمات بشكل أساسي المدنيين وقوات الأمن، بما في ذلك قوات الناتو والجيش الأفغاني وقوات إنفاذ القانون وقوات الأمن الأخرى. كما أن هجوم داعش في 26 أغسطس على مطار حامد كرزاي الدولي، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 183 شخصاً.

مؤشرات العداء المتبادل: 

يلاحظ أن هناك عدداً من المؤشرات على وجود علاقات عدائية بين الجانبين، وهو ما يمكن توضيحه في التالي: 

1- الاختلاف المذهبي: ينتمي تنظيم داعش خرسان إلى المذهب السلفي المتشدد، في حين تنتمي طالبان إلى المذهب الحنفي. ولطالما اتهم داعش الحركة بالضلال والانحراف عن النقاء الديني، خاصة بعد وفاة الملا عمر في عام 2013، متهمة إياها بإهمال تطبيق الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى رفض التنظيم تسامح طالبان مع الأقليات الشيعية. 

ففي أغسطس 2019، أعلن داعش مسؤوليته عن هجوم على منطقة شيعية، ترتب عليه مقتل 91 شخصاً. كما قام بهجوم آخر في مايو 2020 استهدف مستشفى للتوليد في منطقة ذاته أغلبية شيعية، مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً.

2- تباين الاستراتيجيات: يتبنى تنظيم داعش خراسان أجندة عالمية من خلال شن الهجمات المختلفة ضد المصالح الغربية من دون التقيد بأفغانستان، وذلك على عكس حركة طالبان، والتي يقتصر نشاطها على الأراضي الأفغانية.

3- رفض اتفاق الانسحاب: اتهم داعش خرسان طالبان بأنهم عملاء للولايات المتحدة، وذلك عقب توقيع اتفاق انسحاب القوات الأمريكية عام 2020، حيث اعتبر التنظيم طالبان تراجعت عن مناصرة القضية الجهادية، بل ونظرت إلى الاتفاق باعتباره "انتقال سلمي للسلطة من حاكم وثني إلى آخر".

4- استهداف متبادل: نفذ داعش خرسان منذ يناير 2020، حوالي 13 اعتداءً أو اشتباكاً عنيفاً ضد قوات طالبان. كما أعدمت طالبان بعض قيادات تنظيم داعش خراسان المسجونين في سجن كابول عقب سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول، بمن فيهم زعيمها السابق أسلم فاروقي، المعروف أيضاً بالاسم الحركي أبو عمر خراساني.

اتهامات بالتعاون الخفي:

كانت توجه اتهامات بوجود علاقات قوية بين شبكة حقاني، المتحالفة مع حركة طالبان، والتي تتولى الآن وزارة الداخلية، وداعش خرسان، وهو ما يمكن توضيحه في التالي: 

1- اتهام الحكومة الأفغانية السابقة: اتهم المسؤولون الأفغان خلال عامي 2019 و2020 شبكة حقاني بتسهيل تنفيذ هجمات ضد المدنيين عبر إمداد داعش بالدعم التقني، والقدرة على الوصول إلى شبكات الجريمة المنظمة في كابول، وهي التقارير التي أكدتها بعض الدول في الأمم المتحدة.

كما أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أن هجوماً واحداً على الأقل في عام 2018 أعلن التنظيم مسؤوليته عنه نُفّذ في الواقع من قبل مقاتلي شبكة حقاني.

2- إطلاق عناصر داعش من السجون الأفغانية: قامت حركة طالبان عقب سيطرتها على السجون الأفغانية بإطلاق، ليس فقط عناصرها أو أولئك المرتبطون بالقاعدة، ولكن كذلك عناصر داعش. 

ففي حين قامت طالبان بتصفية قائد التنظيم المعتقل في سجن بولي شاركي في العاصمة كابول، وثمانية من أتباعه، فإنها أطلقت باقي عناصر التنظيم المعتقلين. ووفقاً لتقدير المتحدث باسم البنتاجون، جون كيري، في أواخر أغسطس 2021، فإن إجمالي من أفرجت عنهم طالبان من عناصر داعش من السجون الأفغانية يقدر بالآلاف. ويعني ذلك، أن الجماعة التي كان حجمها يقدر بحوالي ألفي عنصر، قبل الإفراج عن عناصرها من السجون، قد استعادت قوة بشرية تؤهلها لتوسيع نشاطها الإرهابي. 

3- ادعاء طالبان استهدافها من داعش: أكدت طالبان أن التفجيرات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في كابول في 19 سبتمبر طالت قافلة عسكرية تابعة لها كانت تنفذ أعمال مراقبة تقليدية. لكن شهود عيان من داخل العاصمة أكدوا أن تفجير كابول إنما استهدف حياً سكنياً يعرف باسم داشت بارشي بواسطة سيارة مفخخة، وأن معظم الضحايا كانوا من الأطفال والنساء، وهو ما يثير التساؤل حول أسباب زعم الحركة بتعرضها للاستهداف من التنظيم.

فرص صعود داعش: 

هناك عدد من المحددات التي قد تُسهم في تحديد شكل وطبيعة الدور الذي قد يلعبه داعش خراسان مستقبلاً، والتي تتمثل في الآتي:

1- قدرة واشنطن على مكافحة الإرهاب عن بعد: أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بعد الانسحاب من أفغانستان أن الولايات المتحدة "طورت قدرتها على مكافحة الإرهاب عبر الأفق"، أي تنفيذ ضربات ضد التنظيمات الإرهابية من قواعد خارج أفغانستان. ومع ذلك، يثار تساؤل رئيسي حول مدى قدرة واشنطن على تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهي لا تحتفظ بعناصر على الأرض توفر لها معلومات استخباراتية. 

ولا شك أن إخفاق واشنطن في استهداف التنظيم سوف يساعده على الانتشار، والتخطيط لعمليات إرهابية، خاصة أن التنظيم ينشط في التحريض على الإرهاب خارج أفغانستان، إذ أشار تقرير للأمم المتحدة صادر في يوليو 2018 أن عدد من العمليات الإرهابية التي يتم رصدها ومنعها في أوروبا قد تم التخطيط لها من داعش أفغانستان. 

2- تحجيم طالبان لداعش: في حالة ثبت أن طالبان لا تتمتع بعلاقات خفية مع داعش، وتمكنت من السيطرة الأمنية على كامل الأراضي الأفغانية، فإنها قد تتجه إلى محاربة التنظيم، وتوظيف ذلك كورقة ضغط على الدول الغربية للاعتراف بها كحكومة شرعية لأفغانستان، على أساس أنها تحارب العدو المشترك لكليهما. 

3- القدرة على استقطاب مؤيدين جدد: إذا شهدت طالبان انشقاقات، وخرجت من رحمها عناصر متطرفة وانضمت للتنظيم، فإن ذلك سوف يجعل التنظيم أكثر قوة، ولكن يعد هذا السيناريو مستبعداً، نظراً لأن طالبان صارت نموذجاً للتنظيمات الإرهابية الأخرى الراغبة في السيطرة على دول وحكمها. 

ومن جهة أخرى، يتمتع داعش بجاذبية محدودة، ويرجع ذلك جزئياً إلى انتمائها إلى المذهب السلفي المتشدد، لذلك استطاعت في السابق السيطرة فقط على ولايتي كونار وننجارهار في الشرق، وهي أماكن تحظى فيها السلفية المتشددة بشعبية غير عادية، بينما يسود المذهب الحنفي في معظم المناطق بالدولة الافغانية.  ومن ثمّ، قد يكون تنظيم داعش قادراً على استقطاب بعض مؤيدي طالبان الأكثر تشدداً، لكنه سيجد صعوبة في توسيع قاعدة دعمه أكثر من ذلك.

وفي الختام، يمكن القول إنه بغض النظر، عن طبيعة العلاقات التي تربط بين طالبان وداعش، فإنه يتوقع أن تستغل الأولى العمليات الإرهابية لداعش من أجل تقديم نفسها للمجتمع الدولي باعتبارها حكومة مسؤولة قادرة على تحقيق الاستقرار، ومنع داعش من امتلاك ملاذ آمن لتنفيذ عمليات إرهابية، ليس فقط في أفغانستان، ولكن كذلك خارجها.