أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

خيارات محدودة:

أزمات متعددة في مواجهة الاقتصاد السوداني

28 ديسمبر، 2020


شهدت الفترة الماضية العديد من التطورات السلبية التي طرأت على الأوضاع المالية والنقدية في السودان، الأمر الذي ينذر بمواجهة الاقتصاد الكلي في البلاد المزيد من المشكلات مستقبلاً. وقد يتسبب ذلك في وضع الحكومة في مأزق أمام الشعب، لاسيما أنه ينتظر منها إجراء إصلاح اقتصادي شامل، والتخلص من الأزمات التي تراكمت على مدار العقود الماضية. 

وبينما ورثت الحكومة تركة ثقيلة من الأزمات الاقتصادية، تتمثل في العيوب الهيكلية المزمنة التي يعانيها الاقتصاد، والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة، والضغوط التضخمية الخارجة عن السيطرة، والعجز المزمن في الموازنة العامة للدولة، وغير ذلك، فإن أزمة كورونا قد أضافت المزيد من المعاناة الاقتصادية للبلاد، ووضعت المزيد من الأعباء على عاتق الحكومة، التي لا تمتلك الكثير من الخيارات للتحرك في هذا الإطار.

مؤشر رئيسي:

وصل معدل التضخم في السودان إلى مستوياتٍ قياسية، متجاوزاً نحو 230% بنهاية أكتوبر 2020، كانعكاس للارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار السلع والخدمات في الأسواق، في ظل الهبوط المتواصل في قيمة العملة المحلية "الجنيه". ونتيجة لذلك، فإن السودان تحتل المرتبة الخامسة في مؤشرات التضخم الأعلى عالمياً في الوقت الراهن. وتعتبر عملتها إحدى أكثر العملات العالمية اضطراباً وتراجعاً في القيمة أيضاً.

ويمثل مؤشر التضخم، في حالة استمراره بالمستويات التي هو عليها الآن في السودان، معياراً ودليلاً قاطعاً على أن أوضاع الاقتصاد الكلي في البلاد غير صحية، وأن الاقتصاد يعاني خللاً هيكلياً عميقاً، وأن قدرات وإمكانات ذلك الاقتصاد غير كافية لتأمين احتياجاته، سواءً تعلق ذلك بالسلع والخدمات بشتى أنواعها، أو بمصادر التمويل اللازمة لتمكين الحكومة من الاضطلاع بمسئولياتها تجاه تأمين الخدمات والمرافق العامة للسكان بشكل آمن ومستقر.

كما تعتبر الظروف الاستثنائية التي ترتبت على أزمة كورونا، التي أوقفت الكثير من الأنشطة الاقتصادية حول العالم، ومنعت العديد من الدول من الاستفادة من مصادر التمويل الخارجية، أحد مصادر التهديد بالنسبة للاقتصاد السوداني في الوقت الراهن أيضاً. فرغم أن هذه الظروف أدت إلى تراجع عجز الميزان التجاري للسودان بنسبة 29.5% خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لكن هذا التراجع لا يعتمد على أرض صلبة، كما أنه لا يعتبر انعكاساً لتحسن أداء الاقتصاد، بقدر ما هو ناتج عن ظروف استثنائية خلَّفتها الأزمة، التي أدت إلى تراجع حجم التبادل التجاري لجميع الدول، وبالنسبة للسودان فإنها خفَّضت قيمة الواردات وقيمة الصادرات أيضاً، لكن نسبة انخفاض الواردات كانت أعلى من نسبة انخفاض الصادرات. ففي الوقت الذي تراجعت فيه الواردات بنسبة 29.5%، فإن الصادرات تقلصت بنسبة 28%.

ومع أن عجز الميزان التجاري تراجع على النحو المذكور، لكنه ظل مرتفعاً من حيث القيمة المطلقة، ببلوغه 3.92 مليار دولار خلال الفترة المذكورة، وفق بيانات البنك المركزي، وهذه القيمة تمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتوقع أن يرتفع هذا العجز إلى نحو 4.9 مليار دولار بنهاية العام الجاري، لتتجاوز نسبته 15% من الناتج على مدار العام، وليظل سبباً في استنزاف النقد الأجنبي من الاقتصاد، والضغط على قيمة العملة المحلية، ومن ثم ارتفاع التضخم.

ضغوط متزايدة:

تسببت الأزمات الاقتصادية المتتالية، وحالة التراجع المستمر التي انتابت المؤشرات الاقتصادية على مستوى السنوات الماضية، في تراجع مستمر لمستويات المعيشة في السودان. وتشير بيانات منظمة الأمم المتحدة إلى أن نحو 46.5% من السكان يعيشون دون خط الفقر الوطني، وأن نحو 52.4% منهم يعيشون في فقر متعدد الأبعاد. وبرغم أن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء تظهر أن نسبة الفقر في البلاد تراجعت إلى 28% في عام 2017، لكن هذا يعني أن ما يتراوح بين ثُلث ونصف سكان البلاد في الوقت الراهن يعانون -بشكل أو بآخر- من مظاهر الفقر.

ومع أن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء تظهر أن نسبة الفقر تشهد تراجعاً متواصلاً، وأنها انخفضت إلى مستواها الحالي بينما كانت تبلغ 36.1% في عام 2016، ونحو 64.5% في عام 2009، فإن الظروف الاقتصادية الراهنة، والتي أضيفت إليها المزيد من العقبات بسبب أزمة كورونا، من شأنها أن تسبب ارتفاعاً جديداً لمعدلات الفقر في البلاد بداية من عام 2020. كما يتوقع أن تستمر هذه النسبة في الارتفاع خلال السنوات المقبلة، ولاسيما في حال استمرت أزمة كورونا، وفي حال لم تتمكن الحكومة من إجراء إصلاحات جوهرية للأوضاع الاقتصادية على المستوى الكلي.

ويعتبر ارتفاع معدل البطالة أحد القنوات الرئيسية التي تغذي الفقر في السودان، لاسيما أن السودانيين الذين يفقدون وظائفهم، وأولئك الذين يطول بهم الزمن قبل أن يجدوا فرصة عمل، تزداد فرص تحولهم إلى فقراء في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة أكثر من أى وقت مضى. وفي هذا السياق، فقد أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي ارتفاع معدل البطالة في السودان إلى 22.1% في عام 2019، مقارنة بنحو 19.5% في عام 2018. ومن المتوقع أن تتسبب أزمة كورونا في ارتفاع البطالة إلى ما نسبته 25% من إجمالي القوى العاملة في البلاد. 

وهذا الارتفاع في معدلات البطالة، وكذلك الانكماش المتوقع أن يطرأ على الناتج المحلي الإجمالي، والمرجح أن يبلغ معدله نحو 8.4% في عام 2020، يضغطان سوياً على متوسط دخل الفرد، والذي يتوقع بلوغه نحو 735 سنوياً بنهاية هذا العام، وليكون بذلك قد بلغ أقل من نصف مستواه في عام 2015، والذي وصل فيه إلى 1,698 دولار سنوياً.

وأمام هذه التحديات، لا تملك الحكومة الكثير من الخيارات، من أجل إخراج الاقتصاد من ضائقته وتعزيز مستويات المعيشة، عبر تمكين الاقتصاد من توليد متوسطات الدخول الملائمة والكافية، وكذلك تعزيز قدرة أسواق العمل الوطنية على توفير فرص العمل الجديدة الكافية لاستيعاب الوافدين الجدد إليها، وكذلك استيعاب رصيد البطالة البالغ نحو 3.2 مليون عاطل في الوقت الراهن.

 ولذلك، فإن الحكومة في حاجة لمساعدات كبيرة وعاجلة من العالم الخارجي، سواءً من منظمات اقتصادية دولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، أو من الدول الأخرى، حيث ليس من المتوقع أن تتمكن من إنجاز مهامها الثقيلة تلك من دون ذلك.