أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

اتجاهان متناقضان:

انقسام إيراني حول زيارة روحاني إلى اليابان

22 ديسمبر، 2019


رغم أن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى اليابان، في 20 ديسمبر الجاري، حازت على قدر من الأهمية، خاصة بعد ظهور تقارير خلال الفترة الماضية تشير إلى أنها قد تمثل فرصة لمواصلة الأخيرة جهود الوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذا الاهتمام تراجع تدريجياً حتى مع إجراء الزيارة نفسها. إذ يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة وضعت حدوداً واضحة لما يمكن أن يسفر عن تلك الزيارة من نتائج، لاسيما على صعيد التوتر القائم حالياً، والمرشح للتصعيد، بين طهران وواشنطن. وبدا لافتاً أن الداخل الإيراني شهد انقساماً بارزاً حول أهداف الزيارة ونتائجها، لدرجة وصلت إلى حد حرص وسائل الإعلام القريبة من تيار المحافظين الأصوليين على نشر تقارير نسبتها لوسائل إعلام يابانية تشير إلى أن الزيارة لا تعدو كونها خطوة بروتوكولية أو احتفالية إلى حد كبير.

اعتبارات متداخلة:

تواصل الجدل داخل إيران حول الأهداف التي سعى الرئيس حسن روحاني إلى تحقيقها من زيارته إلى اليابان في 20 ديسمبر الجاري، والنتائج التي أسفرت عنها في النهاية. وبالطبع، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى الربط بين الزيارة والتصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب العقوبات التي تفرضها على إيران، والذي دفع دولاً عديدة إلى محاولة بذل جهود للتوسط بين الطرفين على غرار اليابان.

وقد برز في هذا السياق اتجاهان رئيسيان: رأى الاتجاه الأول، المؤيد للرئيس، أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة لاعتبارين: أولهما، أنها توجه رسائل عديدة بأن إيران لا تتعرض لعزلة دولية رغم كل المعطيات التي فرضها التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. 

وثانيهما، أنها تبقي الباب مفتوحاً أمام استمرار جهود الوساطة، على أساس أن الخيار الآخر لا يتوافق مع المصالح الإيرانية، وهو استمرار التصعيد فقط دون أن يكون هناك أفق لما يمكن أن يصل إليه في النهاية.

ورغم أن هذا الاتجاه يرى أن التصعيد في المرحلة الحالية يكتسب أهمية خاصة باعتبار أنه يعزز موقع طهران، إلا أنه لا يتبنى سياسة "التصعيد من أجل التصعيد"، وإنما "التصعيد من أجل التفاوض". إذ أن تعزيز موقع إيران، في رؤيته، يعني تحسين شروط التفاوض في النهاية للحصول على أكبر قدر من المكاسب مقابل تقديم أقل مستوى من التنازلات.

سياسة انعزالية:

أما الاتجاه الثاني، القريب من تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري، فيرى أن الزيارة عديمة الفائدة ولن تفرض نتائج إيجابية على مصالح إيران، وذلك لاعتبارين: أولهما، أنها سوف توجه رسائل سلبية يمكن أن تنتج تداعيات عكسية. إذ أنها، في رؤيته، تعكس رغبة إيران في التفاوض، باعتبار أن اليابان كانت إحدى القوى الدولية التي حاولت الانخراط في هذا المسار بداية من منتصف العام الحالي، وهو ما يمكن أن تعتبره واشنطن، وفقاً لرؤيته، علامة ضعف في موقف إيران قد تدفعها إلى الإصرار على التمسك بسياستها الحالية.

ولا يفصل هذا الاتجاه بين تلك الزيارة وما سبقها من تصريحات حاول من خلالها الرئيس حسن روحاني أن يشير إلى أن التفاوض ما زال قائماً في حالة ما إذا تغيرت السياسة الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق بالعقوبات، في مسعى إلى توجيه رسالة بأن الموقف المبدئي للمرشد الأعلى علي خامنئي برفض التفاوض مع واشنطن يمكن أن يشهد تغييراً، أو بمعنى أدق يخضع للتأويل، بما يتوافق مع مصالح وحسابات طهران في مرحلة معينة.

وقد أشار روحاني، في 9 ديسمبر الجاري، إلى أن "المفاوضات أمر ضروري وخطوة ثورية إذا أدت إلى هزيمة العدو وإحباط مخططاته". ويُفهَم من ذلك أن روحاني رغم محاولاته التماهي مع مواقف القوى المتشددة إزاء ما يمكن تسميته بـ"المواجهة مع الخصوم"، إلا أنه ما زال حريصاً على تأكيد أن خيار التفاوض لا يمكن استبعاده في كل الأحوال رغم ما يحدث من تصعيد مع واشنطن التي تواصل فرض عقوبات على طهران.

وثانيهما، أن الأهم من الجهود التي تبذلها الحكومة في الوقت الحالي من أجل الإبقاء على خيار التفاوض مطروحاً، هو إدارة الاقتصاد بشكل يمكن أن يقلص من التداعيات التي تنتجها العقوبات، وهى إشارة لها مغزاها يحاول من خلالها هذا الاتجاه الإيحاء بأن المشكلة لا تكمن في العقوبات وإنما في آليات التعامل معها، بما يعني أنه حريص على تحميل الحكومة المسئولية عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية.

وبعبارة أخرى، فإن هذا الاتجاه يتبنى نهجاً انعزالياً يقوم على ضرورة الاهتمام بما يحدث في الداخل دون النظر لما يمكن أن تنتجه سياسات إيران الحالية من تداعيات على صعيد علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية المختلفة.

جدل مستمر:

يبدو أن هذا الجدل سوف يستمر في المرحلة القادمة. إذ أن اقتراب موعد انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) التي سوف تجرى في 21 فبراير 2020 يزيد من احتمالات إقدام الاتجاه الثاني على مواصلة حملته القوية الحالية ضد الرئيس روحاني وتيار المعتدلين بشكل عام.

وهنا، فإن الهدف الأساسي هو منع المعتدلين من تحقيق نتائج بارزة في الانتخابات البرلمانية القادمة على نحو يمكن أن يؤدي إلى تكريس سيطرة المحافظين الأصوليين على الدورة القادمة للبرلمان، تمهيداً لتعزيز فرص أحد مرشحيهم في الوصول إلى منصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في منتصف عام 2021.

وقد لا يكون للرئيس حسن روحاني تأثير كبير في الدفاع عن تيار المعتدلين أو تعزيز فرصه في الانتخابات القادمة. ففضلاً عن أنه لن يترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، باعتبار أنه تولى منصبه لفترتين، فإنه يتعرض لضغوط في الوقت الحالي، ليس فقط من جانب خصومه السياسيين، وإنما أيضاً من قبل بعض أنصاره الذين صوتوا له في الانتخابات الرئاسية، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي دفعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أثارت استياءً واضحاً في الشارع، على غرار رفع أسعار الوقود في 15 نوفمبر الفائت، الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة في محافظات ومدن قرى مختلفة.

ومن هنا، يتوقع أن يتعرض تيار المعتدلين بشكل عام لضغوط سياسية قوية في المرحلة القادمة، بهدف تمهيد الطريق أمام عودة المحافظين إلى السيطرة على مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية خلال الاستحقاقات السياسية القادمة.