أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

متغيرات عديدة:

هل تتمكن السودان من تجاوز الاحتجاجات في عام 2019؟

05 يناير، 2019


شهدت العديد من المدن السودانية، منذ 19 ديسمبر 2018، احتجاجات شعبية بسبب نقص الوقود والخبز في الأسواق وارتفاع أسعارهما وسط تصاعد القيود على سحب النقود من البنوك، ويأتي ذلك على ضوء تراجع النقد الأجنبي في البلاد الذي ترتب عليه ضعف العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية بوتيرة سريعة في الأشهر الماضية، على نحو يزيد من أهمية التحرك بشكل عاجل من أجل تبني برنامج اقتصادي يستهدف تلبية الاحتياجات الأساسية بجانب تحقيق التوازن المالي والنقدي في مرحلة لاحقة. 

أوضاع مضطربة:

تصاعدت حدة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها السودان في الآونة الأخيرة نتيجة نقص النقد الأجنبي في البلاد، والذي تسبب بدوره في ضعف العملة المحلية وارتفاع وتيرة التضخم خلال الفترة الماضية، وهو ما ترتب عليه تدني المستويات المعيشية للمواطنين وشح السلع الأساسية في الأسواق.

ومنذ أن انفصلت جنوب السودان في عام 2011، خسرت الحكومة السودانية قسمًا كبيرًا من الإيرادات النفطية والصادرات، حيث تتركز معظم الحقول النفطية في الجنوب. وفي العام الماضي، أنتجت السودان نحو 86 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، أى ما دون 81% من مستوياته قبل عقد عندما بلغ 457 ألف برميل يوميًا في عام 2008.

فضلاً عن ذلك، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تُصنف السودان كإحدى الدول الراعية للإرهاب، مما يعرقل فعليًا استعادة علاقاتها التجارية  مع دول العالم وجذب الاستثمارات الأجنبية وهيكلة ديونها، وذلك على الرغم من رفع بعض العقوبات الأمريكية عليها في أكتوبر عام 2017 والتي دفعت اتجاهات عديدة إلى ترجيح إمكانية انتعاش النمو الاقتصادي في المستقبل.

وعلى ضوء النقص الشديد في النقد الأجنبي، اضطر البنك المركزي، منذ عام 2016، إلى خفض قيمة الجنيه، وهو ما أدى بدوره إلى وصول معدل التضخم في البلاد إلى أكثر من 60%، على نحو يضعه ضمن أعلى المستويات في العالم.

وفي نوفمبر 2018، وصل التضخم إلى ذروته، حيث بلغ نحو 68.93% مقارنة بـ68.44% في شهر أكتوبر من العام نفسه. وفي هذا الأثناء، كانت السلع الغذائية من بين أكثر السلع ارتفاعًا في الأسعار. وبالتوازي مع ذلك، تواجه السودان أيضًا ضغوطًا اقتصادية أخرى تتمثل في تراكم الديون المستحقة عليها مع عدم القدرة على سداد أقساطها وفوائدها.

ووفق صندوق النقد الدولي، بلغت قيمة الديون الخارجية بنهاية عام 2017 نحو 54 مليار دولار منها 85% متأخرات مستحقة لدى دول نادي باريس ومؤسسات متعددة الأطراف والقطاع الخاص، ومن المتوقع أن ترتفع إلى أكثر من 56 مليار دولار بنهاية عام 2018.

أزمات معيشية:

شهدت الفترة الماضية أزمات متكررة نتيجة شح الخبز في الأسواق، ويعود ذلك إلى توقف معظم مطاحن القمح في البلاد عن الإنتاج نظرًا لمحدودية توريد القمح إليها، وهو ما أدى بدوره إلى رفع سعر رغيف الخبز إلى ما بين 3 و5 جنيهات مقابل جنيه واحد في السابق.

وفي الأشهر الماضية، لم تتمكن الحكومة، بحسب اتجاهات عديدة وفي ضوء نقص العملات الأجنبية، من استيراد احتياجاتها من القمح، وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه إلى توفير أكثر من نصف مليون دولار يوميًا كدعم للمطاحن لتقديم الخبز بسعر مدعم. فيما يبدو أيضًا أن خطوة فتح المجال أمام القطاع الخاص لاستيراد القمح في الأشهر الماضية لم تثبت فعاليتها إلى الآن في توفير جزء من احتياجاتها من القمح من الخارج.

وعلى صعيد آخر، تزايدت الصعوبات التي تواجه عمليات سحب الأموال لدى البنوك في الفترة الماضية، وعلى الرغم من أن البنوك لم تعلن قيودًا محددة على سحب النقود بحسب الترجيحات، إلا أن مبالغ السحب هبطت في بعض الحالات خلال الفترة الماضية إلى 500 جنيه (ما يعادل 10 دولار يوميًا)، وذلك في ظل شح السيولة لدى النظام المصرفي وسط ارتفاع وتيرة التضخم وتباطؤ عمليات طبع نقود البنكنوت.

كما برزت في الآونة الأخيرة مشكلة تراجع الوقود المتوافر في الأسواق، ما أدى إلى التزاحم الشديد على تزويد السيارات بالنفط في محطات الوقود، وذلك لعدم قدرة الحكومة على استيراد احتياجاتها من المنتجات النفطية من الخارج. ورغم وجود 4 مصافي نفط، إلا أنها لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية.

برامج عاجلة:

تفرض هذه المعطيات في مجملها ضرورة تبني إجراءات عديدة: يتمثل أولها، في مواصلة إجراء مباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقد يدعم من هذا الاتجاه بدء المرحلة الثانية من الحوار مع الإدارة الأمريكية بهذا الشأن في نوفمبر الماضي، على نحو ربما يساعد السودان على الاندماج مجددًا في الاقتصاد العالمي واستعادة علاقاتها التجارية والاستثمارية مع دول العالم.

وينصرف ثانيها، إلى توفير الاحتياجات الأساسية من الوقود بالأسعار المناسبة في الأسواق. وقد يعزز ذلك توقيع السودان على اتفاقيات خاصة بالتزود بالنفط وبناء مصفاة على البحر الأحمر. ويتعلق ثالثها، ببذل مزيد من الجهود من أجل توفير الخبز في الأسواق المحلية بأسعار مناسبة وتعزيز توفير دقيق الخبز وضمان انسيابه بالأسواق، وهو ما قد يتطلب منها، بجانب تحسين مدخلات منظومة الخبز، إبرام اتفاقات مع شركائها الاقتصاديين للحصول على تسهيلات ائتمانية لاستيراد القمح من الأسواق العالمية وتدشين مخزون كافي لتلبية احتياجات الأسواق لفترة طويلة.

كما تتزايد أهمية الاتجاه نحو تعزيز القيمة المضافة للقطاعات التي تتمتع بتنافسية عالية خاصة التعدين والزراعة، وبما قد يدعم النشاط الاقتصادي في الفترة المقبلة. وعلى الأخص، فإن البلاد تتمتع بإمكانات عالية في إنتاج الذهب وتصديره وبما قد يوفر قسمًا من احتياجاتها من النقد الأجنبي. 

وفي عام 2017، بلغ إنتاج السودان من الذهب نحو 107.3 طن وبصادرات وصلت إلى 37.5 طن بعائدات بلغت 1.5 مليار دولار، بيد أنها تعاني من مشاكل واسعة في هذا القطاع تتمثل في التعدين غير الرسمي والتهريب للسوق السوداء. 

فضلاً عن ذلك، تتمتع السودان بإمكانات زراعية كبيرة تتمثل في وجود مساحات شاسعة للزراعة، بجانب توافر المياه وتنوع المناخ، على نحو قد يوفر لها مناخًا مناسبًا لزراعة محاصيل عديدة من بينها القمح، وبما قد يقلل من استيراد المحصول من الخارج وربما يساعدها على ذلك أنها تمكنت في الفترة الماضية من تأسيس شراكات مع المستثمرين الأجانب للعمل في القطاع الزراعي.

وأخيرًا، يمكن القول إن هذه التطورات تفرض ضرورة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أقرته الحكومة في أكتوبر الماضي، لمدة 15 شهرًا، ويتضمن مزيدًا من إجراءات التقشف بغرض تحقيق الاستقرار المالي والنقدي في البلاد، بشكل تدريجي، حتى لا يؤدي إلى حدوث صدمات معيشية لدى قطاعات واسعة من المواطنين، بالتوازي مع تبني برنامج فعّال للحماية الاجتماعية بهدف دعم ومساندة الفئات المتأثرة من هذه الإجراءات.