أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

احتمالات متعددة:

هل تحدد أزمة دوما مسارات الوجود العسكري الأمريكي بسوريا؟

11 أبريل، 2018


أبدت اتجاهات مختلفة داخل الولايات المتحدة الأمريكية شكوكًا عديدة إزاء احتمال اتخاذ خطوات إجرائية للانسحاب من سوريا خلال المرحلة القادمة، حيث لم يستند ذلك، وفقًا لتلك الرؤية، إلى استشارات داخل الإدارة الأمريكية أو تقديرات الدوائر المعنية، بل إن ردود فعل المؤسسات الرئيسية، إلى جانب بعض القوى الدولية، كشفت عن توجهات معاكسة للانسحاب. ومن الناحية العملية يواجه هذا الاحتمال تحديات لا تبدو هينة تتعلق بعملية سحب القوات الأمريكية وتداعياتها وفقًا للحسابات الأمريكية تجاه الملف السوري بشكل خاص والسياسات الأمريكية إزاء أزمات المنطقة بصفة عامة.

ومن دون شك، فإن الأزمة التي فرضها استخدام الأسلحة الكيماوية مجددًا في الهجمات العسكرية التي تعرضت لها مدينة دوما في الغوطة الشرقية، سوف يكون لها تأثير مباشر على مسارات الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، خاصة بعد أن توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتخاذ قرارات للرد على تلك الهجمات في غضون ساعات.

ومن المرجح أن تمارس مؤسسات مثل الاستخبارات والكونجرس وشخصيات نافذة في الإدارة ضغوطًا للإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، خاصة أنها ترى أن عملية الانسحاب من سوريا قد تعني، في رؤية بعض الأطراف، "هزيمة" للولايات المتحدة، وهو ما يتوازى مع جهود تبذلها بعض الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، لإقناع الإدارة بالتراجع عن ذلك.  

حدود التحرك:

اعتبرت بعض الأطراف المعنية بمسارات الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط أن ظهور هذا الاتجاه يعبر عن عدم تبلور ملامح محددة للسياسة الأمريكية في التعامل مع بعض الأزمات الإقليمية، خاصة بعد أن أشارت تقارير عديدة، في الفترة الماضية، إلى أن واشنطن تعد خطة للبقاء في سوريا وتشكيل إدارة منفصلة عن دمشق في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) شرق الفرات بعد هزيمة تنظيم "داعش"، وحذرت من انسحاب القوات الأمريكية باعتبار أن ذلك سيسمح لنظام الأسد، والأطراف الحليفة له، بالسيطرة على مساحات أكبر، وقد يدفع تنظيم "داعش" إلى محاولة العودة من جديد إلى المناطق التي سيطر عليها في السابق.

وتوازى ذلك مع ظهور مؤشرات تعكس عدم إعلان جدول زمني محدد لسحب القوات، في حالة ما إذا اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا في هذا السياق، وهو ما دفع اتجاهات أخرى إلى ترجيح احتمال قيام الإدارة بتعديل شكل الوجود العسكري ومناطقه داخل سوريا للتعامل مع التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدها الصراع.

ودعمت ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" هذا التوجه، بعد أن أعلن المتحدث باسمها كينو جابرييل، في 30 مارس 2018، عن أنه "لم يتم إبلاغ الميليشيا بأى خطة أمريكية للانسحاب وأن العمل والتنسيق مستمر مع الولايات المتحدة في إطار برنامج الدعم والعمليات المشتركة في جميع المناطق".

تحديات مختلفة:

لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تحديات تواجه أية جهود أمريكية لتكريس الوجود العسكري داخل سوريا، يتمثل أهمها في تغير توازنات القوى داخل سوريا لصالح المحور الذي تقوده روسيا ويضم إيران والنظام السوري والميليشيات الموالية، وفي مقدمتها حزب الله، فضلاً عن اتجاه بعض الأطراف المحلية الحليفة، حسب ما أشارت إليه تقارير مختلفة، إلى فتح قنوات تواصل مع النظام السوري، للتعامل مع المعطيات التي فرضتها التطورات الأخيرة، وعلى رأسها العمليات العسكرية التي تشنها تركيا ضد الميليشيات الكردية بداية من مدينة عفرين والهجمات الكيماوية التي تعرضت لها مدينة دوما.

كما أن ثمة إشكالية أخرى ترتبط بحرص تركيا على مواصلة التنسيق والتعاون مع المحور الذي تقوده روسيا، على نحو انعكس في القمة الثلاثية التي عقدت في أنقرة في 4 إبريل الحالي، وضمت الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فيلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، للتشاور حول المسارات المحتملة للصراع السوري خلال الفترة القادمة، حيث اتفاق الرؤساء الثلاثة على عقد قمة أخرى في طهران لم يتحدد ميعادها بعد.

وربما يكون إصرار تركيا على مواصلة عملياتها العسكرية في سوريا بعد فرض السيطرة على عفرين والإشارة إلى إمكانية التحرك باتجاه منبج، قد أثار قلقًا لدى واشنطن من تنامي التصعيد مع أنقرة إلى درجة غير مسبوقة، وهو ما يبدو أنه سوف يكون لها دور في تحديد الخطوة الأمريكية القادمة للرد على الهجمات الكيماوية.

مؤشرات معاكسة:

بدا موقف واشنطن واضحًا من تكرار الهجمات الكيماوية على بعض المدن السورية، وآخرها مدينة دوما، حيث أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ضرورة الرد على تلك الهجمات، مؤكدًا أنه بعد الاجتماع مع القيادات العسكرية الأمريكية سيتم اتخاذ قرارات في غضون الساعات الأربعة والعشرين أو الثمانية والأربعين القادمة وربما قبل ذلك بعد تحديد الطرف المسئول عن تلك الهجمات سواء كان النظام السوري أو روسيا أو إيران أو الأطراف الثلاثة.

ومن دون شك، فإن ثمة متغيرات عديدة سوف يكون لها دور في تحديد أنماط التحرك الأمريكي للتعامل مع هذه التطورات. إذ لا يمكن استبعاد أن يمارس مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون تأثيرًا بارزًا في هذا الإطار، خاصة أنه من أنصار توجيه ضربات عسكرية ضد نظام الأسد، وهو ما يمكن أن تدعمه مواقف بعض نواب الكونجرس ومسئولي الاستخبارات. ويبدو أن ذلك كان له دور في المزاعم التي روجتها بعض وسائل الإعلام، في 9 إبريل الجاري، بشأن تعرض مطار "تي فور" العسكري لضربات بواسطة صواريخ أمريكية، قبل أن تؤكد روسيا أن إسرائيل هى من قامت بتوجيه تلك الضربات.

وفي النهاية، يمكن القول إن تحديد ملامح السياسة الأمريكية تجاه تطورات الصراع في سوريا، سوف يتوقف، بدرجة ما، على التداعيات المحتملة التي سوف تفرضها القرارات الأمريكية المتوقعة للرد على الهجمات الكيماوية الأخيرة، والتي ستؤثر، في الغالب، على المسارات السياسية والعسكرية المحتملة للأزمة في سوريا خلال المرحلة القادمة.