أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

حكومة الظل:

أسباب تصاعد التوتر بين روحاني والحرس الثوري

30 يونيو، 2017


تكشف الانتقادات المتبادلة التي تصاعدت في الآونة الأخيرة بين الرئيس حسن روحاني وقائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، عن أن الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل تهيئة المجال أمام استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس، واستمرار العمل بالاتفاق النووي؛ سوف تواجه عقبات لا تبدو هينة، في ظل النفوذ الواسع الذي يحظى به الحرس، خاصة على المستوى الاقتصادي، وتزايد الاتهامات الموجهة للأخير بدعم الإرهاب وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيما تجاه القوميات والأقليات الإيرانية.

ورغم أن حكومة روحاني تسعى في الوقت الحالي إلى تشكيل حشد دولي مؤيد لاستمرار العمل بالاتفاق، بهدف تقليص تداعيات التصعيد المتوقع من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز موقفها في مواجهة الضغوط الداخلية التي تمارسها القيادة العليا للنظام ممثلة في المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري في محاولة لدفعها إلى دعم سياسات الرئيس؛ إلا أن الخطوات الاستفزازية المستمرة التي يتخذها "الباسدران"، على المستويات المختلفة العسكرية والسياسية والاقتصادية، من شأنها أن تضع هذه المساعي أمام اختبارات صعبة خلال الفترة المقبلة.

مؤسسة موازية:

 دائمًا ما تصطدم برامج رئيس الجمهورية في إيران بالنفوذ الواسع الذي يحظى به الحرس الثوري على المستويات المختلفة، والذي يقلص من قدرة الرئيس وحكومته على الوصول إلى حلول للمشكلات الاقتصادية المختلفة؛ إذ إن الحرس يمارس في هذا السياق دور "حكومة الظل" التي تتحكم في جانب كبير من الموارد الاقتصادية للدولة، ولا تخضع في الوقت ذاته لإشراف أو رقابة الحكومة أو المؤسسات الأخرى في النظام باستثناء مؤسسة المرشد.

وهنا، ربما يمكن القول إن هذا الدور الذي يقوم به الحرس يبدو ملائمًا بالنسبة للقيادة العليا في النظام، التي لم تعد تخفي تحفظاتها على البرامج السياسية والاقتصادية والثقافية للحكومة الحالية، حيث ترى أن نفوذ الحرس يمثل صمام أمان يحول دون استفراد الحكومة بتحديد اتجاهات السياسة العامة للدولة، وهو ما يمثل امتدادًا للدور التقليدي الذي قام به الحرس منذ تأسيسه مع بداية العقد الأول للثورة في ثمانينيات القرن الماضي، إذ كان الهدف الأساسي منه هو حماية النظام من أية مخاطر قد يفرضها وجود الجيش التقليدي الذي أبدت القيادات الرئيسية للثورة شكوكًا في ولائه للنظام الجديد الذي تأسس في مرحلة ما بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي. 

هذا الدعم القوي الذي تُقدمه قيادة النظام للحرس يشير إلى أنها لا تبدي ثقة في المؤسسات المنتخبة التي تمثل الجانب الجمهوري للنظام، في مقابل اقتناعها التام بأن المؤسسات الراديكالية المُعيَّنة هى الوحيدة القادرة على مواجهة أية مخاطر قد تهدد بقاء النظام. 

حكومة بلا بندقية:

ويبدو أن ذلك هو الذي دفع الرئيس روحاني إلى العودة من جديد لتصعيد حدة انتقاداته المباشرة للحرس والضمنية للمرشد، وهو ما انعكس في التصريحات التي أدلى بها في 22 يونيو 2017، وقال فيها إن "جزءًا من الاقتصاد بيد حكومة لا تمتلك البندقية تسلمته حكومة تمتلك البندقية"، وهو ما رد عليه قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري بتأكيده أن "الحرس الثوري يملك الصواريخ والبندقية"، متوعدًا "حكومة بلا بندقية محكومة بالحقارة والاستسلام أمام الأعداء". 

هذا الجدل حسمه المرشد خامنئي خلال إلقائه خطبة صلاة عيد الفطر بعد ذلك بأربعة أيام، عندما حرص على وضع بندقية قناص بجانبه، في إشارة تطرح دلالة رمزية تفيد بتأييده الواضح لمواقف الحرس الثوري في مواجهة الرئيس.

توجه جديد:

وهنا، بدأ روحاني في تبني آليتين جديدتين للتعامل مع نفوذ الحرس الذي يحظى بدعم المرشد: تتمثل الأولى في الترويج لأن تدخل الحرس في الشئون الاقتصادية من الممكن أن يوجه ضربة قوية للجهود التي تبذلها الحكومة من أجل استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية من الخارج، تعويلاً على التداعيات التي فرضها الوصول للاتفاق النووي.

ففي رؤية الحكومة، فإن تزايد احتمالات فرض مزيد من العقوبات على الحرس بتهمة إجراء تجارب على إطلاق صواريخ باليستية أو دعم الإرهاب من خلال "فيلق القدس" التابع له بقيادة قاسم سليماني، وربما تصنيف الحرس -في مرحلة تالية- كمنظمة إرهابية، سوف يؤدي ليس فقط إلى خروج الاستثمارات الأجنبية من إيران مرة أخرى، وإنما أيضًا إلى عزوف الشركات الأجنبية عن الدخول إلى السوق الإيرانية، خشية تعرضها لعقوبات أمريكية بتهمة التعامل مع شركات ومؤسسات اقتصادية تابعة للحرس.

ويبدو أن روحاني سعى في هذا السياق إلى استثمار التوجه الدولي المناهض للأدوار التي يقوم بها الحرس الثوري من أجل إضفاء وجاهة خاصة على هذه الرؤية. ففضلا عن إشارة تقارير عديدة، في فبراير 2017، إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب درست فكرة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، إلا أنها تراجعت عنها مؤقتًا، فقد أصدر 265 عضوًا من أصل 751 نائبًا في البرلمان الأوروبي بيانًا، في 27 يونيو 2017، طالبوا فيه بفرض عقوبات على الحرس بسبب دوره في النزاعات الإقليمية، في إشارة إلى تدخل إيران في الأزمات الإقليمية، على غرار الأزمة السورية، إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب، مؤكدين ضرورة ضم الحرس إلى ما يُسمى بـ"القائمة السوداء". 

الاستقواء بالخارج:

فيما تنصرف الثانية، إلى محاولة "الاستقواء بالخارج" من أجل تقليص تداعيات أى توجه محتمل من جانب الإدارة الأمريكية لاتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية، واحتواء ضغوط الحرس الثوري والقيادة العليا للنظام بهدف تمكين الرئيس من تنفيذ برامجه الاقتصادية خلال ولايته الرئاسية الثانية التي سوف تبدأ في أغسطس 2017.

ففي هذا الإطار، اتجهت حكومة روحاني إلى العمل على تكوين حشد دولي داعم لمواصلة العمل بالاتفاق النووي، وهو ما بدا جليًّا في الزيارتين اللتين قام بهما وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى كلٍّ من ألمانيا وإيطاليا في الفترة من 26 إلى 28 يونيو 2017، والتي شارك خلالها في جلسة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، حيث مثّل الاتفاق النووي والأزمة الخليجية المحاور الرئيسية في مباحثاته مع المسئولين الألمان والإيطاليين، فضلا عن المقال الذي كتبه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي في صحيفة "ذي جارديان" البريطانية، في 23 من الشهر ذاته، والذي دعا فيه الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، إلى "تغيير الوجهة في الشرق الأوسط إذا ما رغبت في الحفاظ على الاتفاق".

 لكن هذه المحاولات التي تبذلها حكومة روحاني لن تحقق -في الغالب- نتائج بارزة، خاصة أنها تتوازى مع الانتقادات المستمرة التي توجهها الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي، بشكل سوف يدعم من موقف الحرس الثوري في مواجهة الرئيس، ويعزز نفوذه على المستوى الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، وهو ما سيزيد من العقبات التي ستحول دون تنفيذ البرامج الاقتصادية للرئيس خلال فترته الرئاسية الثانية.