أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

مشروطيات التعبئة:

متى تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى موجة انتفاضات شعبية؟

06 نوفمبر، 2016


تُشكل الأزمات الاقتصادية أحد أبرز العوامل وراء ظهور موجات احتجاج شعبي دون إنكار أهمية العوامل السياسية والمجتمعية. ولعل المنطقة العربية عرفت منذ عام 2011 انطلاقة لثورات تشابكت فيها دوافع التغيير السياسي بالسعي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

بيد أن السؤال الأهم هنا: هل الأزمات الاقتصادية المتصاعدة التي تعيشها المنطقة بعد أكثر من خمسة أعوام على انطلاق الثورات يمكن أن تؤدي إلى احتجاجات شعبية موسعة تفرز موجة تغيير سياسي جديد في المنطقة؟ وتأتي أهمية هذا التساؤل مع ما خلّفته إدارة مراحل ما بعد الثورات ذاتها من صراعات مسلحة، وإنتاج دول فاشلة مثل سوريا وليبيا، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة حدة الأزمات الاقتصادية، لترتفع معدلات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة. 

والإجابة على هذا السؤال تستدعي فهمًا لطبيعة الشروط أو العوامل الوسيطة التي تُحوِّل أزمة اقتصادية معينة إلى موجة جديدة من الاحتجاجات تتجاوز المطالبات بتحسين الوضع الاقتصادي إلى السعي لتغيير سياسي شامل.

ملامح الأزمات الاقتصادية بعد الثورات:

شهدت معدلات النمو في المنطقة العربية تراجعًا واضحًا، حيث تراوحت ما بين ٣% في ٢٠١٣ إلى ٢,٧% في ٢٠١٦ وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي. ويعكس هيكل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية استمرار غلبة الصناعات الاستخراجية التي تمثل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العربي، في حين لم يتجاوز إسهام الصناعات التحويلية نسبة ١٠% خلال الفترة (2000 - 2015) بما يزيد من حدة تأثر الاقتصاد العربي بالانخفاض في الأسعار العالمية للنفط، والتي أسهمت في تراجع العديد من مؤشرات الاقتصاد الكلي في المنطقة العربية. 

وتكشف مؤشرات الاستثمار في الدول العربية ضعف عوامل الجذب للاستثمارات الأجنبية والبينية والمحلية، خاصة في ضوء الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها المنطقة. وقد دفعت هذه العوامل بالدول العربية -وفقًا لتقرير "مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2014" كمجموعة- إلى المرتبة الرابعة على مستوى العالم في مؤشر ضمان لجاذبية الاستثمار من بين 7 أقاليم جغرافية خلال عام 2014، وبمتوسط للمؤشر العام للجاذبية يبلغ 36,7 نقطة من إجمالي 100 نقطة (صندوق النقد العربي، 2015).

وانعكس تباطؤ الأداء الاقتصادي في الدول العربية على العديد من المؤشرات الاقتصادية-الاجتماعية، فقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في الدول العربية ككل حوالي ٨٠٠٤ دولارات عام ٢٠١٤ مقارنةً مع ٨٠٦٩ دولارًا عام ٢٠١٣، أي بانكماش تقريبًا ١%. وقد استقر معدل التضخم غير المرجح للدول العربية حول ٥% خلال الفترة (2013-2014)، وشهدت بعض الدول ارتفاعًا واضحًا في معدلات التضخم، مثل: العراق، وليبيا، وكذلك مصر. 

وعلى الرغم من عدم توفر بيانات دقيقة حول معدلات الفقر في الدول العربية خلال الفترة ما بعد ٢٠١١، إلا أن من المتوقع أن تكون معدلات الفقر في المنطقة العربية قد ارتفعت خلال الفترة ما بعد ٢٠١١ نظرًا للركود الاقتصادي وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية في العديد من البلدان العربية، وتظل نسبة تتجاوز الثلث من السكان ترزح تحت خط الفقر المدقع في عدد من الدول العربية [السودان، اليمن، الصومال، جيبوتي، موريتانيا] (صندوق النقد العربي، 2015).

وتشير بعض المؤشرات إلى ارتفاع نسبة السكان في الدول العربية ممن يعيشون تحت خط الفقر الدولي (مقومًا بمن يعيشون بأقل من 1,25 دولار في اليوم) من 4% في 2010 إلى 7,4% في 2012، وسجلت الدول العربية الأقل نموًّا أكبر زيادة، حيث بلغت النسبة 21,6 % ( Arab Development Portal, 2016 ).

من ناحية أخرى، مثلت البطالة أحد أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية، خاصةً مع استمرار ضعف معدلات النمو والاستثمار في المنطقة، ووفقًا للبيانات المتاحة، فقد شهدت معدلات البطالة زيادةً في معظم الدول العربية خلال الفترة )٢٠١١ - ٢٠١٤) باستثناء دول الأردن والإمارات والكويت، حيث زادت معدلات البطالة في سوريا من ٨,١% في ٢٠١١ إلى ٣٥% في ٢٠١٤، وفي فلسطين من ٢٠% في ٢٠١١ إلى ٢٣,٤%، كما سجلت معدلات البطالة زيادة من ١٢% في عام ٢٠١١ في مصر إلى ١٣,٤% في عام ٢٠١٤، واستقرت النسبة في تونس حول نسبة 15% خلال (٢٠١٣-٢٠١٤). 

وترتفع نسبةُ البطالة بين الشباب بشكل واضح، حيث تظل النسبة في المنطقة العربية الأكثر ارتفاعًا مقارنةً بباقي الأقاليم في العالم، وتتجاوز نسبة الشباب من العاطلين أكثر من النصف في الكويت وسوريا وعمان واليمن ومصر، وتتراجع قليلا لتتراوح ما بين 35% إلى ٤٠% في تونس والمغرب وفلسطين والجزائر في 2014 (صندوق النقد العربي، 2015).

شروط تحول الأزمة الاقتصادية إلى تغيير سياسي:

على الرغم من التأكيد على أهمية العوامل الاقتصادية في تحريك الانتفاضات الشعبية، إلا أنه لا يمكن اعتبار الأزمة الاقتصادية السبب أو العامل الوحيد لحركة الشارع؛ حيث يرتبط تأثيرها بتفاعل هذه الأزمات مع العديد من العوامل والمحددات الأخرى، والتي يتمثل أهمها في:

أولا- مدى كفاءة إدارة النخبة الحاكمة للأزمة الاقتصادية: فقد لا تؤدي الأزمات الاقتصادية الحادة إلى تعبئة احتجاجية في حالة عدم الاعتقاد بمسئولية الحكومات عنها، وارتباطها بأزمات خارجية، أو في حالة قيام الحكومات باقتراح معالجات ناجحة لها تتضمن تغييرًا في الأشخاص و/أو السياسات. 

ويلاحظ في هذا الصدد ارتفاع سقف الطموحات والمطالب الاقتصادية والاجتماعية في مختلف البلدان العربية التي شهدت ثورات شعبية منذ 2011، لكن لم يصاحب ذلك الأداء المناسب من جانب مختلف الحكومات التي جاءت (مصر، تونس)، والتي واجهت انتقادات لاذعة لفشلها في تلبية مطالب الشارع في تحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصةً في ضوء عجز النظم المختلفة في فترة ما بعد الثورات في المنطقة العربية عن صياغة رؤية اقتصادية واضحة تتمايز عن السياسات والرؤى التي تبنتها النظم السابقة (كامل، 2015). 

ثانيًا- شعبية النظم الحاكمة في بلدانها: أثر تراجع الأداء الاقتصادي على شعبية الحكومات المختلفة التي تواترت في مراحل ما بعد الثورات. وعلى الرغم من النجاح الواضح الذي حققته تونس على مسار التحول السياسي، إلا أن تراجع الأوضاع الاقتصادية مَثَّلَ عقبة رئيسية أمام قصة النجاح التي حققتها. فقد شهدت تونس مظاهرات واسعة في يناير 2016 إثر انتحار شاب في ولاية القصرين (وهي من الولايات الفقيرة) نتيجة استبعاده عن لائحة المرشحين لوظائف في قطاع التعليم في الولاية، وقد أطلق موته موجة من التظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، خاصةً بين الشباب الذين أعربوا عن تذمرهم من ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع مستويات المعيشة، مما دفع الحكومة إلى فرض حظر تجوال في كل أنحاء تونس، بالإضافة إلى محاولة العمل على تهدئة الشباب من خلال الإعلان عن مشروعات وفرص عمل جديدة (يحيى، 2016).

ووفقًا لنتائج استطلاع المؤشّر العربي لعام 2015 الذي يُصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فقد أعرب 43% عن الرضى عن الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية بصفة عامة، في حين قيم ما يقرب من ٥٦% من المبحوثين الوضع الاقتصادي لبلدانهم بأنه سيئ / سيئ جدًّا. وترتفع نسبة التقييم السلبي للأوضاع الاقتصادية بشكل واضح في لبنان وتونس، حيث تتجاوز ٩٠% في لبنان، وتليها تونس (٨٦%)، في حين تتراجع النسبة تدريجيًّا -وإن ظلت مرتفعة- في مصر (٥٥%)، والأردن (52%)، وبلدان المغرب العربي (الجزائر والمغرب) (٤٨%). 

في حين جاءت معدلات التقييم الإيجابي للأوضاع الاقتصادية مرتفعة بشكل واضح في دول الخليج، حيث تجاوزت نسبة المبحوثين ممن قيموا الأوضاع الاقتصادية في دولهم بأنها جيدة / جيدة جدًّا الـ٩٠%. 

 

المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المؤشّر العربي 2015 في نقاط، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2025).

ثالثًا- مدى كفاءة الأداة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاجات: حيث تُمثل الأداة الأمنية آلية أساسية للضبط والسيطرة للحيلولة دون تحول الأزمات الاقتصادية إلى موجات احتجاجية وثورية مهددة للنظم، مع وجود حدود لقابلية هذه الأداة للتوظيف (جرين، 1986، صـ 158). 

وعلى الرغم من أن استخدام القوة للسيطرة على الغضب الشعبي قد يؤتي نتائجه من حيث حالة الترهيب التي يُحدثها، ويُضعف بها قدرة الشارع ورغبته في الخروج؛ إلا أنه على العكس قد لا يكون الحل الملائم خاصة لفترات طويلة، فاستخدام العنف من جانب الحكومة قد يُؤدي إلى الإقلال من شعبيتها وشرعيتها، ومن ثمَّ زيادة إمكانية المجتمع الثورية.

من ناحيةٍ أخرى، فإن الإفراط في استخدام القوة والعنف للسيطرة على الشارع يكون مجهدًا ومكلفًا، خاصةً في ظل طبيعة التحديات والظروف الأمنية التي تعيشها العديد من البلدان العربية (مثل: مصر، وتونس، والجزائر)، من حيث استمرار الأعمال الإرهابية التي تستهدف رجال الجيش والشرطة، بالإضافة إلى استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، مما يستلزم توجيه قدر أكبر من الجهود الأمنية للتعامل مع تلك التحديات.

رابعًا- العلاقة بين النخب الحاكمة والمعارضة ودرجة الصراع فيما بينها: تُشير الدراسات إلى أن زيادة حدة الانقسامات بين النخب الحاكمة والمعارضة مع قوة الأخيرة يزيد احتمالات تحول الأزمات الاقتصادية لمصدر تهديد للنظم. وبصفة عامة، اتسم المجتمع السياسي في العديد من بلدان الثورات العربية بقدر كبير من الانقسام، وتصاعد حدة الاستقطاب ما بين التيارات السياسية والدينية.

وفي هذا الصدد، يبدو الوضع أفضل في تونس. فعلى الرغم من وقوع بعض الاغتيالات لشخصيات مدنيّة، وأعمال عنف في مناطق طرفيّة من البلاد، فإن الكثير من الكتابات ما زالت تركز على تونس باعتبارها من أفضل وأنجح الحالات في العالم العربي من حيث الإدارة السلمية للعلاقة ما بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية حتى في وقت الأزمات (الجورشي، 2014).

ولا ينطبق نفس المشهد التونسي على الوضع في العديد من البلدان العربية، فقد تحول الصراع ما بين النظم القائمة وتيارات المعارضة في دول مثل اليمن وسوريا إلى حرب أهلية دامية. من ناحية أخرى، فإن افتقاد التوافق بين النظام القائم وتيارات المعارضة في مصر يزيد من صعوبة إدارة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، خاصةً في ظل محاولات جماعة الإخوان المسلمين إيجاد تيار معارض بشكل كامل للنظام الجديد (يضم بالأساس جماعة الإخوان وحلفاءها من بعض تيارات الإسلام السياسي) والتي ترفض النظام القائم بشكل مطلق، وتعمل بشكل رئيسي على إسقاط النظام ومحاكمة رموزه (العزباوي، 2014). ويواجه هذا التيار العديد من الاتهامات من جانب الحكومة بمحاولاته المستمرة لتعميق الأزمة الاقتصادية في مصر.

خامسًا- السياق الخارجي وتأثيره على دعم / إضعاف النظم القائمة: تنجح النظم في تجاوز التأثيرات السلبية للأزمات الاقتصادية الحادة حال توافر سياق خارجي داعم أو مساند لها، والعكس صحيح. وبصفة عامة، حاولت الحكومات العربية في دول الثورات العربية العمل على جذب التأييد الخارجي للنظم الجديدة، والحصول على المساعدات الاقتصادية لمساندتها في تخطي أزمتها. 

وتتباين الدول العربية من حيث حجم المساندة والدعم الخارجي الذي حصلت عليه، فمثلا حصلت تونس على دعم ومساندة كبيرة من الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ حجم المساعدات والقروض والتسهيلات التي قدمها الاتحاد إلى تونس ما يقرب من ٣,٥ مليارات يورو خلال الفترة (٢٠١١-٢٠١٦)، كما حدد الاتحاد الأوروبي حجم التمويل المُخصص لتونس بما يتراوح ما بين ٧٢٥ مليون يورو إلى ٨٨٦ مليون يورو خلال الفترة ( 2014 - 2020 ).. ( European Commission, 2016 ).. كما نجحت تونس في تأمين الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في يونيو 2016 بمبلغ 2,9 مليار يورو على أربع سنوات.

من ناحيةٍ أخرى، مَثَّل الدعم الخليجي في حالة مصر، مصدرًا أساسيًّا للدعم الاقتصادي الخارجي منذ الثلاثين من يونيو 2013، حيث تُشير البيانات المختلفة إلى أن دول الخليج (السعودية، والإمارات، والكويت) قد قدمت لمصر ما يصل إلى 23 مليار يورو خلال الثمانية عشر شهرًا الأولى بعد الثلاثين من يونيو. في حين برزت بعض الصعوبات في لجوء مصر إلى الحصول على التمويل من مصادر خارجية وأبرزها القرض من صندوق النقد الدولي، وإن كانت الحكومة قد أقدمت على إجراءات من شأنها تسهيل الحصول على هذا القرض، مثل قوانين الخدمة المدنية والقيمة المضافة، فضلا عن تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع الدعم جزئيًّا عن أسعار المحروقات.

وعلى الرغم من أهمية الاتحاد الأوروبي كأحد المانحين الرئيسيين لمصر، إلا أن الملاحظ أن حجم المساعدات الأوروبية ظلت أقل مما حصلت عليه تونس، فمثلا حصلت مصر على 90 مليون يورو (2011-2013) في إطار برنامج SPRING الذي تم استحداثه في 2011 لمساندة بلدان الثورات العربية، وهو أقل كثيرًا مما تم تقديمه مثلا إلى تونس التي حصلت على إجمالي 155 مليون يورو خلال نفس الفترة (European Commission, 2011). 

في هذا السياق، أثّر استمرار انخفاض أسعار النفط بشكل سلبي على الأداء الاقتصادي للعديد من الدول العربية بما جعلها تلجأ إلى تبني سياسات تقشفية قد لا ترضي الرأي العام. وفي هذا الصدد تبرز الحالة الجزائرية، فعلى الرغم من قدرة النظام الجزائري على احتواء المظاهرات التي كانت قد خرجت في 2011 تأثرًا بتطور الأحداث على الساحة المصرية والتونسية، إلا أن تراجع أسعار النفط الذي تعتمد عليه الجزائر بشكل أساسي في تمويل نفقاتها وموازنتها قد أثار القلق من تجدد انتفاضات شعبية مماثلة لتلك التي خرجت في أكتوبر 1988.

وقد يلعب السياق الإقليمي دورًا مهمًّا في التأثير سلبًا في تطور الحركات الثورية، فالانتكاسات التي تعرّضت لها العديد من الدول العربية -مثل ليبيا وسوريا واليمن- تُقلل من الحافز أمام تجدد الموجات الثورية في المنطقة، خاصةً في ضوء الأوضاع المتدهورة التي تُعاني منها هذه الدول، والتي تصل إلى حد وقوعها في نطاق الدول "الفاشلة"، وفقدان السلطة المركزية السيطرة على أراضيها، والتي أصبحت مرتعًا لتدخل أطراف خارجية، وسيطرة الجماعات المتشددة المسلحة على أجزاء منها، وصولا إلى التخوف من تفكك تلك الدول أصلا إلى دويلات أصغر حسب الانتماءات العرقية والقبلية. 

ويرصد البعض أهمية هذا العامل في إضعاف فرص خروج انتفاضات جديدة، خاصة في الدول التي لم تشهد موجات تغيير كبيرة في أعقاب 2011 مثل الجزائر، لا سيما في ضوء التجربة الذاتية للجزائر التي شهدت سنوات دامية في أعقاب انتفاضة أكتوبر 1988 نتيجة الصراع المسلح بين التيارات الإسلامية والمؤسسات الأمنية (العشرية السوداء) والتي يقدر أنها قد أودت بحياة ما يقرب من مائتي ألف جزائري (قيراط، 2016).

ويفرض السياق الإقليمي المضطرب آثارًا اقتصادية شديدة السلبية، سواء من خلال الارتفاع الكبير في تدفقات اللاجئين من هذه الدول -خاصة سوريا- إلى دول الجوار، وما تفرضه تلك التدفقات من ضغوط هائلة على البنى التحتية والاقتصادية لدول الجوار (الأردن، لبنان، مصر)، بالإضافة إلى عودة عدد كبير من العاملين في تلك الدول إلى بلدانهم الأصلية، ويُمثل ذلك خسارة للتحويلات التي يقدمها هؤلاء العاملون من جهة. كما أن العودة المفاجئة لتلك الأعداد الكبيرة تزيد من الضغط على أسواق العمل. أضف إلى ذلك انخفاض العائدات من السياحة في دول مثل مصر ولبنان وتونس نتيجة تعقد المشهد الأمني في هذه الدول والمنطقة ككل.

سيناريوهات متباينة:

استنادًا إلى هذه المشروطيات التي تُشكِّل همزة وصل بين الأزمات الاقتصادية والتعبئة الاحتجاجية للتغيير السياسي في المنطقة العربية، يُمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات، هي على النحو التالي:

السيناريو الأول: هو السيناريو المتفائل، وقوامه تراجع احتمالات تحول الأزمة الاقتصادية الحالية إلى انتفاضات شعبية جديدة، ويرتبط هذا السيناريو بتحقيق الحكومات الحالية إنجازًا اقتصاديًّا بما قد يُسهم في تحسين شعبية وشرعية النظم القائمة، وقد يرتبط ذلك بزيادة المساندة الدولية والإقليمية للحكومات القائمة (مثلا زيادة المساعدات الأوروبية في حالات تونس ومصر، وحصولهم على تسهيلات أكبر من صندوق النقد الدولي، ونجاح الجزائر في تبني برنامج اقتصادي قائم على التنويع..)، ونجاح النظم القائمة في تحقيق قدر من التوافق الداخلي بما يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي وتحسين المناخ الاقتصادي. 

السيناريو الثاني: هو السيناريو المتشائم والذي يرتبط باستمرار تدهور الأحوال الاقتصادية بما قد يُنذر بخروج موجة شعبية جديدة مُطالبة بالتغيير السياسي، وقد تزداد احتمالات هذا السيناريو في حال استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، خاصةً في ضوء تراجع المساندة الخارجية للنظم القائمة، وتعثر فرصها في الحصول على المساعدات والقروض اللازمة، وانخفاض أسعار النفط، واشتداد حدة الصراع الداخلي ما بين النخبة الحاكمة والمعارضة، ومحاولة الأخيرة تعبئة الجماهير للخروج ضد النظام القائم.

السيناريو الثالث: يقوم على استمرار الأوضاع على ما هي عليه دون حدوث تحسن حقيقي في الأوضاع الاقتصادية، وهو حالة أقرب إلى الاستقرار الهش.

 المراجع:

1. Arab Development Portal, "Poverty", retrieved (October 23, 2016) http://www.arabdevelopmentportal.com/indicator/poverty

2. European Commission , Action Fiche for the southern Neighborhood region programme Support for partnership, reforms and inclusive growth (SPRING), 2011, retrieved (October 22, 2016) http://ec.europa.eu/europeaid/documents/aap/2011/af_aap-spe_2011_enpi-s.pdf

3. European Commission, "Relations between EU &Tunisia", 2016, retrieved (October 23, 2016) 

http://ec.europa.eu/enlargement/neighbourhood/countries/tunisia/index_en

4. جرين توماس، ه..1986. الحركات الثورية المقارنة: بحث عن النظرية والعدالة. ترجمة تركي الحمد. بيروت: دار الطليعة.

5. الجورشي، صلاح الدين. 2014. "ربيع تونس بين الأمل والخوف" في التقرير العربي السابع للتنمية الثقافيّة". بيروت: مؤسسة الفكر العربي.

6. صندوق النقد العربي. 2015. التقرير العربي الموحد. الكويت: صندوق النقد العربي.

7. العزباوي، يسري. 2014. "في الذكري الأولى لـــ30 يونيو: خريطة مرنة للتحالفات الانتخابية والإشكاليات السبع أمام عملية التحول الديمقراطي". آفاق سياسية. العدد (8). أغسطس 2014.

8. قيراط، محمد "أحداث 5 أكتوبر.. ماذا تحقق بعد 25 سنة؟"، بوابة الشرق الإلكترونية، 8/10/2016 http://www.al-sharq.com/news/details/447707 

9. كامل السيد، مصطفى. 2015. "الاقتصاد والثورات العربية". الديموقراطية. العدد (59)، يوليو 2015.

10. يحيى، مها. 2016. "آمال معلّقة في تونس". مارس 2016. مركز كارنيجي للشرق الأوسط. مستخرج (أكتوبر 24، 2016) http://carnegie-mec.org/2016/03/31/ar-pub-63176