أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

حلول مؤقتة:

الأنماط غير التقليدية في التعامل مع ملف اللاجئين

20 أكتوبر، 2016


مع تفاقم أزمة اللاجئين التي سجلت أرقامًا غير مسبوقة في العامين الأخيرين، بدأت العديد من الدول التي تواجه تصاعدًا في معدلات الهجرة غير الشرعية إليها -خاصة دول الاتحاد الأوروبي- في البحث عن آليات غير نمطية للتعامل مع هذه الأزمة التي باتت تفرض تداعيات سلبية على أمنها ومصالحها.

وعلى ضوء ذلك، بدأت بعض الاتجاهات في طرح مبادرات جديدة غير تقليدية لاحتواء تلك الظاهرة، ورغم أنها بدأت تكتسب اهتمامًا خاصًا في تلك الدول، إلا أنها ما زالت مجرد مشروعات وأفكار لم تترجم بعد إلى خطوات إجرائية، حيث ظلت الأفكار الكلاسيكية الخاصة بإعادة التوطين في حال قبول اللاجئين، أو الطرد والمنع وإغلاق الحدود في حال عدم القبول، هي الآليات الرئيسية التي يتم التعامل بها مع هذه الأزمة. 

"يورو أفريكان":

واللافت في هذا السياق، هو أن ظهور مبادرات غير تقليدية للتعامل مع أزمة اللاجئين، توافق مع اهتمام بعض وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث بإلقاء الضوء من جديد على مشروع قديم يحمل اسم "أتلانتروبا"، وطرحه المهندس الألماني هيرمان سورجيل في عام 1928، وكان يقضي بدمج أوروبا وأفريقيا في قارة كبرى تسمى "يوروأفريكان"، وإنشاء سدود على نقاط التقارب بين القارتين تسمح بمساحة برية واسعة للحركة، بحيث تهدف إلى تحويل أفريقيا لقارة أكثر ملاءمة للمستوطنين الأوروبيين، إلى جانب تقليص قدرة الدول الأوروبية الرئيسية على الدخول في حرب عالمية جديدة، في ظل التكلفة العالية التي يفرضها هذا المشروع.

ورغم أن هذه المبادرة لم تكن واقعية بشكل لم يجعلها تلق قبولا من جانب تلك الدول، إلا أن الهدف من التركيز عليها في الفترة الحالية يكمن في الإشارة إلى أنه يمكن التعامل مع أزمة اللاجئين بآليات جديدة تبدو أكثر قبولا من الآليات التقليدية المتبعة، على غرار إعادة اللاجئين إلى دولهم ورفض دخولهم إلى أراضي الدول الأوروبية، خاصة أن مشروع سورجيل كان يهدف إلى تعزيز فرص إحلال السلام العالمي والعمل على تجنب نشوب صراعات مسلحة من خلال تبني آليات غير تقليدية للتواصل بين قارات العالم.

مبادرات متعددة:

وتتمثل أبرز المبادرات غير التقليدية التي طُرحت لمعالجة هذه الأزمة في:

1- شراء جزر لتوطين اللاجئين: وهي فكرة اقترحها بعض رجال الأعمال لتسوية أزمة اللاجئين، وتعتمد على إمكانية استغلال بعض الجزر الموجودة في البحر المتوسط، وتحويلها إلى نقاط استقرار للاجئين والمهاجرين، بهدف تجنب استمرار موجات اللاجئين إلى الدول الأوروبية، أو إعادتهم إلى الدول الأصلية.

وقد تم استخدام بعض الجزر بالفعل لاستضافة اللاجئين، على غرار جزر ليسبوس وخيوس وساموس وليروس اليونانية. لكن هذه الآلية تواجه عقبات عديدة، إذ أن اليونان تعاني من أزمة مالية بشكل يضعف من قدرتها على تحمل أعباء استضافة اللاجئين، في حين أنه لا يبدو أن هناك رغبة من الاتحاد الأوروبي في التوافق على هذه الآلية باعتبار أنها تعيد إنتاج المشكلة، فضلا عن أن تطلعات اللاجئين لا يمكن أن تتوقف عند البقاء في هذه الجزر.

إلى جانب أن هذه الجزر لا تتحمل عددًا كبيرًا من اللاجئين، فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن مساحة جزيرة ليسبوس التي يوجد بها نحو 5600 لاجئ، لا تجعلها تتحمل أكثر من 3600 لاجئ. كما أن معظم هذه الجزر تعاني من مشكلات عديدة، بدت جلية في تداعيات الحريق الذي اندلع في مخيم موريا في جزيرة ليسبوس، في سبتمبر 2016، والذي أدى إلى إجلاء 4 آلاف لاجئ من المخيم بعد أن أسفرت النيران عن تدمير 30% من المخيم.  

2- إنشاء معسكرات لجوء: وهى مبادرة بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل المجر، في الترويج لها، بهدف الحد من تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، حيث قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في 25 سبتمبر 2016، أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يقوم بإنشاء مدينة ضخمة في ليبيا لاستقبال اللاجئين قبل وصولهم إلى أوروبا على أن تعود سلطة إدارة المدينة إلى الحكومة الليبية. 

وعلى الرغم من أن تنفيذ هذه المبادرة يعني وقف ثاني أكبر مسارات تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر جزيرتي صقلية ولامبيدوزا الإيطاليتين، إلا أن هناك معوقات أساسية لتنفيذها، منها ضعف القدرات الأمنية واستمرار المواجهات المسلحة بين الأطراف الرئيسية الليبية بشكل يمكن أن يخصم من قدرة الحكومة على إدارة شئون تلك المدينة.

3- الملاذ الآمن: وهى المبادرة التي طرحها وزير التنمية البريطاني السابق أندرو ميشل، والتي تدعو إلى فرض الفصل السابع من الأمم المتحدة على الدول التي تشهد حروبًا تُصدِّر لاجئين، على أن تقام فيها ملاذات آمنة للاجئين في بعض الجيوب تسمح بأن تكون هناك طرق إغاثة عبر دول الجوار أو من خلال إقامة مناطق حظر طيران.

لكن هذه المبادرة لم تحظ بتوافق من جانب القوى الدولية المعنية بقضية اللاجئين، خاصة في ظل اتساع نطاق الخلافات فيما بينها حول التعامل مع الأزمات الإقليمية المختلفة التي أدت إلى ارتفاع معدلات تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية بشكل غير مسبوق.

4- إعادة التوطين بتوجيه المسار: وذلك عبر توجيه المهاجرين إلى مناطق أو دول أخرى، وهى مبادرة تبنتها أستراليا التي تقوم بنقل اللاجئين عبر زوارق إلى مراكز استقبال تقع خارج حدودها، منها جزر ناورو في المحيط الهادي وحزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة، ونجحت في إبرام صفقة مع كمبوديا لاستقبال مجموعة من اللاجئين مقابل الحصول على مساعدات تصل إلى نحو 41 مليون دولار.

ولكن من الملاحظ أن اتساع نطاق استخدام هذه المبادرة يمكن أن يؤدي إلى بروز ظواهر عنصرية وأنشطة غير قانونية منها مثلا فكرة "إغراق" السفن في البحار، أو قصفها لمنع وصول اللاجئين إلى شواطئها.

ومن هنا، يمكن القول إن هذه المبادرات تبقى مجرد "مسكنات"، إذ إنها لا تمثل حلولا جذرية للأزمة، ووفقًا لبيانات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن هناك تراجعًا يتجاوز 80% في نسبة من يريدون العودة إلى الأوطان لاحقًا، حيث أنهم يبحثون عن هجرة مميزة ونوعية، بما يعني أنه ليس لدى هؤلاء المهاجرين طموح للبقاء في مواقع الإيواء أو مراكز التوقيف.

فضلا عن أن بعض المبادرات التي طرحت في هذا السياق يمكن أن يدخل في إطار الدعايا الانتخابية، مثل فكرة إقامة مراكز "فرز" للاجئين في الدول المجاورة لأوروبا، وهي الفكرة التي تبناها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي وجه انتقادات قوية لدعوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى استقبال مجموعة من اللاجئين، وأكد على أهمية وضع إطار قانوني للاجئين السوريين والعراقيين، الذين يمكن أن يدخلوا فرنسا باعتبارهم "لاجئي حرب"، على أن يعودوا، وفقًا لرؤيته، إلى بلادهم فور تحسن الأوضاع السياسية والأمنية.

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن بعض الدول الأوروبية تتجه إلى تغيير سياستها إزاء قضية اللاجئين، لا سيما بعد تصاعد حدة التداعيات التي بدأت تفرضها على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية، إلى جانب وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في بعض تلك الدول، بشكل ربما يؤدي إلى طرح مبادرات أخرى غير تقليدية للتعامل مع تلك القضية، التي يبدو أنها سوف تستمر خلال المرحلة القادمة، مع عدم الوصول إلى تسويات للأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط.