أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات ماثلة :

هل تكتمل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟

28 أبريل، 2023


استضافت السعودية في 15 إبريل 2023 اجتماعاً ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وكل من مصر والعراق والأردن. وكان ملف العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها، في نوفمبر 2012، هو موضوعه الأساسي. وجاءت زيارة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، يوم 18 إبريل إلى دمشق لتثير تساؤلات عدة حول ما إذا كانت هذه التحركات السعودية وما سبقها من حراك عربي واسع باتجاه سوريا ستفضي إلى حضور سوريا القمة العربية التي تستضيفها الرياض في 19 مايو المقبل.

حراك متعدد 

ثمة حراك كبير منذ سنوات باتجاه الانفتاح على سوريا وبذل جهود لإعادة دمجها في المنظومة العربية، ولاسيّما وأن المعطيات السياسية والميدانية في سوريا باتت تشير إلى إقرار أمر واقع بوجود الرئيس السوري، بشار الأسد وحكومته، وأن محاولات إسقاطها قد فشلت. 

وعلى الرغم من أن المحاولات التي سبقت عقد القمة العربية الحادية والثلاثين في الجزائر، في نوفمبر 2022، هي الأكثر جدية على المستوى الجمعي في هذا الإطار فإنها لم تنجح في تحقيق هدفها. ولكن تبلورت جهود ومحاولات أخرى بعد كارثة الزلزال التي أصابت تركيا وسوريا في 6 فبراير 2023، ولاسيّما مع ما فرضته هذه الكارثة من انفتاح إنساني على الأقل للتعامل مع سوريا. ويمكن تناول هذه التحركات وفقاً لما يلي:

1- حراك عربي – سوري: أنتجت كارثة الزلزال حراكاً عربياً متعدد الاتجاهات تجاه سوريا أنتجته دوافع إنسانية في المقام الأول ثم ما لبث أن ظهرت ملامحه بصورة أعمق نحو إعادة سوريا إلى الصف العربي، وهو ما ظهر بشكل أساسي مع زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى سلطنة عُمان يوم 20 فبراير 2023، ثم زيارته إلى دولة الإمارات يوم 19 مارس 2023. هذا علاوة على زيارات عدد من المسؤولين العرب إلى سوريا منها زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، يوم 15 فبراير، ووفد البرلمان العربي يوم 26 فبراير، ووزير الخارجية المصري سامح شكري يوم 27 فبراير. فعلى الرغم من أن إظهار التضامن بعد كارثة الزلزال هو الهدف الأساسي من وراء هذه الزيارات وغيرها، فإنه لا يمكن استبعاد الرسائل السياسية من وراء هذه الزيارات التي تمثل نقلة مهمة في العلاقات العربية – السورية. 

يضاف إلى ذلك الدلالات التي تحملها الزيارات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى عدد من العواصم العربية منها القاهرة في 1 إبريل، والرياض في 12 إبريل، والجزائر في 15 إبريل، وتونس في 17 إبريل؛ إذ يشير هذا الحراك إلى أن الأمر لم يتوقف عند حد إظهار التضامن مع سوريا بعد كارثة الزلزال، وإنما يمثل سعياً عربياً سورياً مشتركاً إلى استغلال ما نجم عن الزلزال من تضامن عربي لتهيئة الظروف الملائمة لعودة سوريا للصف العربي وجامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها، في نوفمبر 2011، وهو ما عملت روسيا على تشجيعه جنباً إلى جنب مع جهودها للتقريب بين كل من سوريا وتركيا، وهو ما ظهر في زيارة الأسد إلى موسكو، في 14 مارس، والتي كان ضمن أهدافها تشجيع عودة العلاقات السورية – العربية بشكل عام، والسورية – السعودية بشكل خاص.

2- حراك سعودي – سوري: على الرغم من أن السعودية لم تتفاعل بشكل واسع مع الكارثة الإنسانية التي حلت بسوريا جرّاء الزلزال مثل دول عربية أخرى فإنها باتت من أكثر الدول حراكاً فيما يتعلق بسوريا في الفترة الأخيرة. ويمكن أن يرجع ذلك إلى نتائج الاتفاق الذي وقعته المملكة وإيران، في 10 مارس 2023، بوساطة صينية لاستئناف العلاقات فيما بينهما، والتي امتدت إلى أكثر من ملف تتقاطع فيه الدولتان، ومنها الأزمتين اليمنية والسورية. 

فقد اتخذ الحراك السعودي مع سوريا بعد هذا الاتفاق منحى مغايراً إلى حد كبير، عكسته بشكل خاص الاتصالات التي أجرتها الرياض مع روسيا، وكشفت عنها مصادر إعلامية أمريكية لإعادة العلاقات مع دمشق، فضلاً عن استئناف المشاورات بين الجانبين السعودي والسوري لاستئناف عمل سفارات وقنصليات البلدين، علاوة على ما كشفت عنه وكالة رويترز يوم 2 إبريل بأن المملكة ستدعو الرئيس السوري إلى حضور القمة العربية التي ستُعقد على أراضيها في مايو المقبل، وصولاً إلى زيارة فيصل المقداد إلى الرياض يوم 12 إبريل قبل استضافة المملكة اجتماع جدة الذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والأردن والعراق يوم 15 إبريل، ثم زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، في 18 إبريل، التي تُعد الزيارة الأولى منذ نحو 12 عاماً.

موانع قائمة

على الرغم من جدية الحراك العربي الراهن للانفتاح على سوريا، وإعادتها إلى جامعة الدول العربية، فإن هناك العديد من أوجه الشبه التي تربط هذا الحراك بالحراك الذي قادته الجزائر قبل القمة العربية الأخيرة لتحقيق نفس الهدف، ومن الواضح أن كلا الحراكين يواجهان، على الرغم من وجود متغيرات حالية قد تمثل محفزاً لإتمامه، نفس المعوقات التي تواجه إعادة سوريا إلى الجامعة العربية منذ سنوات، وتتمثل هذه المعوقات فيما يلي:

1- غياب الإجماع العربي: أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبو الغيط، بأن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تتطلب إجماعاً عربياً، وهو ما يبدو أنه غير متوفر حتى الآن. ومع كل هذا الحراك الذي أعقب زلزال سوريا ودفع باتجاه انفتاح نسبي على دمشق، فإن هذا الإجماع لم يتحقق؛ إذ تصر عدد من الدول العربية على مواقفها من رفض عودة سوريا إلى الجامعة العربية بالنظر إلى أن مسببات تعليق عضويتها لا تزال سارية، ولم يحدث تغيير جوهري يدفع باتجاه عودتها. 

وقد عبّر عن ذلك بوضوح، على سبيل المثال، موقف قطر الذي جاء على لسان رئيس وزرائها، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قبيل اجتماع جدة التشاوري بشأن سوريا، غير أنه يلاحظ أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لا تتطلب من الناحية التنظيمية والإجرائية إجماع كل الدول الأعضاء، وذلك نظراً لأن تعليق عضويتها لم يتم بالإجماع إذ تم بموافقة 18 دولة، ورفض 3 دول، وامتناع دولة واحدة عن التصويت. ولذلك، فإنه قد لا يكون هناك حاجة إلى تحقيق الإجماع لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.

2- الرفض الغربي: يمثل الرفض الغربي أحد الموانع التي قد تحول دون عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إذ لا تزال الولايات المتحدة ترفض أي محاولات عربية للانفتاح على سوريا بدعوى انتهاكات حقوق الإنسان وعدم التقدم في العملية السياسية. وقد تكرر هذا الرفض في تصريح نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، يوم 20 إبريل بأن الولايات المتحدة لا ترى أن سوريا تستحق العودة إلى جامعة الدول العربية في هذا الوقت وأن الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات معها في غياب تقدم حقيقي نحو حل الأزمة في البلاد وأنها تؤكد لشركائها الإقليميين المنخرطين مع الحكومة السورية بأن مشاركتهم يجب أن تركز على تحسين الظروف الإنسانية في البلاد.

وأظهرت بعض الدول العربية، في الآونة الأخيرة، وخاصة السعودية، رغبة في الابتعاد عن السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، الأمر الذي ظهر في توقيعها لاتفاق مع طهران لإعادة العلاقات الدبلوماسية، أو في قرارات أوبك بلس بخفض إنتاج النفط، ولكن لا تزال الولايات المتحدة في المقابل تمتلك ورقة عقوبات قانون قيصر التي قد تعيق أي تقدم حقيقي في التعاون مع الحكومة السورية. بما يعني أنه إذا كان قرار إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية قراراً سياسياً تمتلك الدول العربية القدرة على اتخاذه بعيداً عن مواقف الولايات المتحدة وعقوباتها فإنه من المفترض أن يمثل بادرة نحو تعاون أكثر عمقاً مع الحكومة السورية قد يمثل الرفض الأمريكي والغربي عائقاً أمامه.

3- تصميم دمشق على مواقفها: أقر وزراء الخارجية العرب مع اشتعال الأزمة السورية بنوداً تمثل مبادرة لحل الأزمة السورية، وتضمنت هذه البنود عدة إجراءات على الحكومة السورية اتخاذها منها الإفراج عن المعتقلين، وبدء حوار سياسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم تعددت المبادرات المطروحة بعد ذلك لحل الأزمة، أو تحقيق انفتاح عربي – سوري منها. وأكدت على عدد من هذه الشروط وغيرها، ومنها وصول المساعدات الإنسانية، وتسهيل بيئة ملائمة لعودة اللاجئين والنازحين، والانخراط في عملية سياسية حقيقية، والإفراج عن المعتقلين. 

وجاء البيان الختامي لاجتماع جدة التشاوري مؤكداً على عدد من هذه البنود، ومنها أهمية حل الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات وعودة اللاجئين، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات. ولكن حتى الآن لم تبد دمشق تجاوباً مع بعض هذه البنود والإجراءات. وقد يمثل ذلك عائقاً أمام تحقق العودة الكاملة لسوريا إلى محيطها العربي وجامعة الدول العربية.

وفي الختام، يمكن القول إن الحراك العربي بشأن الانفتاح على سوريا وإعادتها لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية لا يزال يواجه بعدد من التحديات. ويتضح من البيانات الصادرة عن اجتماع جدة التشاوري وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، والتي هدفت إلى إقناع سوريا باتخاذ بعض الإجراءات التي قد تسهم في إزالة الموانع التي تحول دون تحقق الإجماع العربي، أن قرار دعوة سوريا إلى حضور القمة العربية التي ستستضيفها الرياض في 19 مايو 2023 لم يُتخذ بعد. ولكن من المرجح أن مرحلة عزل سوريا قد ولّت وستكون هذه هي النتيجة الأساسية للحراك الذي جرى أخيراً.