أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

اختبار التقنيات:

دروس "تسليح التكنولوجيا" في الحرب الروسية الأوكرانية

12 أبريل، 2023


على مدار العام الماضي، غالباً ما صورت المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام والتقارير الإخبارية من أوكرانيا حرباً تشبه صراعات أخرى من منتصف القرن الماضي. حيث تنتشر دبابات وطائرات مقاتلة وسفن حربية ومركبات برمائية وطائرات عمودية هجومية. وفي المقابل، توجد الأسلحة المضادة للدبابات وقاذفات القنابل والصواريخ المضادة للطائرات. هذا هو مقدار الحرب الذي يظهر على الأرض.

ولكن هناك جانب آخر للصراع - ساحة معركة حديثة للغاية حيث تؤدي الطائرات دون طيار والروبوتات القاتلة دوراً مهماً في مهام المراقبة والاستطلاع والقتال. وقد تنذر هذه التقنيات بعالم تجري فيه النزاعات المسلحة إلى حد كبير عن طريق التحكم عن بعد، وربما في يوم من الأيام عن طريق الذكاء الاصطناعي، ويطلق البعض عليها حرب الخوارزميات أو الحروب الإلكترونية. 

أصبحت الحرب في أوكرانيا مختبراً للحروب المستقبلية، حيث يؤدي الابتكار بقيادة المدنيين والعسكريين دوراً حيوياً في ساحة المعركة. ويتناول هذا التحليل تصنيفاً لأهم الأسلحة التي أثبتت نجاح دمج التكنولوجيا مع الأسلحة أو ما يُعرف "بتسليح التكنولوجيا" في حرب أوكرانيا على مدار العام الماضي، وإلى أي مدى يمكن أن يغير شكل المعركة والأسلحة المتوقع استخدامها في الفترة المقبلة.

أنماط تسليح التكنولوجيا:

1- الطائرات دون طيار 

يعد تكييف التقنيات للاستخدام العسكري واستخدامها بطرق مبتكرة وجديدة في ساحة المعركة، سمة رئيسية للحرب الروسية الأوكرانية، فقد استخدم كلا الجانبين مجموعة واسعة من المركبات الجوية غير المأهولة "UAVs" - أو الطائرات دون طيار - لأغراض الاستطلاع والهجوم. 

في البداية، كان يُنظر إلى الطائرات العسكرية دون طيار الرئيسية في أوكرانيا من طراز "Bayraktar TB2"، على أنها تغير قواعد اللعبة، حيث ساعدت في تدمير العديد من أنظمة المدفعية الروسية والعربات المدرعة. ويبلغ سعرها التقديري 2.8 مليون دولار، وهو - رغم أنه لا يزال باهظاً – يُعد أرخص بكثير من الطائرات القتالية التقليدية دون طيار المستخدمة في صراعات أخرى، مثل "ريبر" الأمريكية البالغة 32 مليون دولار.

لكن الحرب الحديثة كشفت عن نقاط ضعف الطائرات دون طيار الأكبر والمكلفة، حيث من المحتمل أن يتم إسقاطها بواسطة أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة. وتقول جوليا مورافسكا، محللة الدفاع في المملكة المتحدة: "الطائرات دون طيار بطبيعتها معرضة لهجمات العدو وتضيع بشكل روتيني في ساحة المعركة، ولهذا السبب فإن استخدام طائرات دون طيار رخيصة ومتاحة تجارياً لتنفيذ المهام العسكرية أمر ضروري للغاية، وهناك حاجة لكميات هائلة منها". 

على الجانب الروسي، ظهرت الطائرات دون طيار الإيرانية الصنع "شاهد –136" "كاميكازي" كسلاح روسيا المفضل في سبتمبر من العام الماضي، حيث استخدمت موسكو أسراباً منها، ويصل وزن تلك الطائرات إلى 50 كيلوغراماً، ويبلغ طول جناحيها حوالي 2.5 متر، وتبلغ تكلفتها أقل من 20 ألف دولار ويمكنها الطيران على ارتفاع منخفض بدرجة كافية بحيث لا يتم اكتشافها في كثير من الأحيان. 


وتشير بعض التقديرات إلى أن روسيا أرسلت 400 طائرة مسيرة هجومية إيرانية الصنع منذ أغسطس 2022. وعلى الرغم من أن هذا رقم صغير مقارنة بآلاف الصواريخ التي تقصف بها روسيا أوكرانيا، إلا أن اعتراض الطائرات دون طيار التي تحلق في مجموعات قد يكون أكثر صعوبة. كما أن تكلفة تصنيع الطائرات دون طيار أقل ويمكن إرسالها بأعداد متزايدة باستمرار.

على الرغم من ادعاء كييف أنها تمكنت من إسقاط نسبة كبيرة من طائرات "شاهد -136" في أواخر العام الماضي، إلا أنها نجحت بما يكفي في إلحاق أضرار جسيمة بمحطات الطاقة الأوكرانية. 

وقال وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف إن الجيش الأوكرانى يعتزم إنفاق ما يقرب من 550 مليون دولار على طائرات دون طيار في عام 2023، وقد تم بالفعل توقيع 16 صفقة توريد مع الشركات المصنعة الأوكرانية. وقال أيضاً إن البلاد تخطط لتطوير قتال جو-جو "طائرات دون طيار متفجرة".

تصدرت "Aerorozvidka "- إحدى فرق الطائرات دون طيار الأكثر فتكاً في أوكرانيا - عناوين الصحف في وقت مبكر من الحرب عندما ساعدت طائراتها دون طيار في إيقاف قافلة روسية متجهة إلى كييف. ويستخدم فريق "Aerorozvidka" طائرات سداسية الشكل تشبه العنكبوت، ومروحيات "أوكتوكوبتر"، وغيرها من الأجهزة التي يتم التحكم فيها عن بعد كأسلحة. وتطير هذه المركبات عادةً على ارتفاعات منخفضة - أقل من 1.5 ميل "2.4 كيلومتر" - ومسافات محدودة - أقل من 19 ميلاً "31 كيلومتراً". ولم يتم تصميم الطائرات المقاتلة الروسية لمنع الهجمات من مثل هذه الطائرات الصغيرة دون طيار. 

في الحرب الروسية الأوكرانية، يُعد اعتراض "الذخائر المتسكعة" والمعروفة أيضاً باسم "الطائرات دون طيار الانتحارية" أكثر تكلفة بكثير من نشرها. إن استخدام مقاتلات "MiG-29" النفاثة وصواريخ "كروز" وغيرها من أسلحة حقبة الحرب الباردة لإيقاف هذه الطائرات دون طيار يتجاوز بكثير تكلفة إنتاج تلك الطائرات الروبوتية التي يمكن التخلص منها. ويمكن أن تصبح معارك الاستنزاف الجديدة عالية التقنية سمة منتظمة للصراعات المستقبلية، حيث يحاول كل جانب استنفاد موارد عدوه.

2- تسليح الطائرات التجارية دون طيار 

أصبحت الطائرات دون طيار متاحة لأي شخص لديه بضع مئات من الدولارات وقليل من المعرفة التقنية، ويمكن شراؤها من الشركات التجارية العالمية كـ"أمازون" و"جوجل" وغيرها، حيث استخدمت أغلبها فى الخدمات المدنية للتوصيل. 

بالنسبة لأوكرانيا، كان التركيز أكثر على الحل المحلي، فقد قال دين بيكر، من مجموعة أبحاث العمليات المستقبلية بجامعة نيو ساوث ويلز في كانبيرا: "إن أحد الأمثلة الأكثر شيوعاً هو تجهيز الطائرات التجارية الصغيرة دون طيار بالمتفجرات، والتي تم إلقاؤها في فتحات الدبابات الروسية بدقة مدهشة". وأضاف: "لقد رأينا مقاطع فيديو لهذه الطائرات التجارية دون طيار وهي تسقط بشكل أساسي قنبلة 40 ملم في فتحة دبابة روسية وتدمر نظام أسلحة عدو ضخم ومكلف للغاية بمعدات تبلغ قيمتها بضعة آلاف من الدولارات فقط". 

أصبح تجهيز طائرات دون طيار رخيصة بالقنابل اليدوية أمراً شائعاً، لكن جوليا مورافسكا، محللة الدفاع في المملكة المتحدة تقول: "إن البحث عن المتفجرات المثلى وأفضل نوع من الطائرات دون طيار التجارية لربطها بها وأفضل طريقة لتشغيلها لتوفير أقصى قدر من الدقة في الاستهداف هو أمر مستمر".

وقالت مورافسكا إن وزارة الدفاع الأوكرانية أعلنت في نوفمبر من العام الماضي أن قواتها المسلحة اختبرت 7 نماذج أولية للطائرات دون طيار الأوكرانية الصنع في ذلك الشهر وحده. وأضافت: "هناك حملات مستمرة وناجحة للغاية لجمع التبرعات لشراء طائرات دون طيار متوفرة تجارياً لاستخدامها في الخطوط الأمامية". وتركز أوكرانيا على تعزيز هذا النوع من الإنتاج المحلي لبناء ما وصفه المسؤولون بأنه "جيش من الطائرات دون طيار".

3- الطائرات الموجهة عن بعد

فئة أخرى من الطائرات دون طيار تشمل تلك القادرة على الطيران لمسافات أطول - 124 ميلاً "200 كيلومتر" أو أكثر - وعلى ارتفاعات أعلى - 2.5 إلى 5 أميال "4 إلى 8 كيلومترات" - من تلك المذكورة أعلاه. كما يمكن أن تكون مسلحة بصواريخ موجهة بالليزر، مما يزيد من قدرتها على الفتك. وفي الحرب الأوكرانية، تشمل هذه الطائرات المقاتلة الموجهة عن بعد "الطائرة التركية Bayraktar TB2"، التي حصل الجيش الأوكراني على عشرات منها، بتكلفة تبلغ حوالي 5 ملايين دولار لكل منها.

استخدمت القوات الروسية طائرات دون طيار مماثلة، وأبرزها سلسلة "أوريون" المنتجة محلياً. ومن بين الطائرات دون طيار الأخرى في هذه الفئة (التي لم يتم استخدام أي منها في أوكرانيا) طائرات "هيرمس 450" الإسرائيلية، وطائرة "إم كيو -1 سي جراي إيجل" الأمريكية الصنع، وطائرة "وينج لونج 3" الصينية التي تم كشف النقاب عنها أخيراً وعشرات غيرها. وتتفوق الصين الآن على إسرائيل كأكبر مُصدر للطائرات دون طيار في العالم. ومن المرجح أن يؤدي انتشار الطائرات دون طيار إلى تسريع وجودها في ساحات المعارك مستقبلاً.

4- الأسلحة المستقلة "الروبوتات القاتلة"

ربما يكون الاحتمال الأكثر إثارة للقلق هو إمكانية حدوث سباق تسلح عالمي جديد تسارع فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا وإيران وإسرائيل والاتحاد الأوروبي ودول أخرى لتطوير أسلحة معززة بأنظمة الذكاء الاصطناعي. وهناك عدة عوامل تقود هذة العملية، ونظراً لأن أجهزة التشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي والتحكم أصبحت أكثر تعقيداً، فمن المرجح أن تصبح الطائرات دون طيار أقل اعتماداً على جهاز التحكم عن بعد وأكثر استقلالية، باستخدام أنظمة تتضمن الذكاء الاصطناعي، مثل الموقع المتزامن ورسم الخرائط وتقنية "LiDAR" - تحديد المدى عن طريق الضوء أو الليزر - والملاحة الجوية.

عامل آخر يدفع إلى تبني الأسلحة المستقلة على المدى الطويل هو التأثير النفسي للحرب التي يتم التحكم فيها عن بعد على قائدي الطائرات دون طيار، الذين يعاني الكثير منهم من أمراض عقلية خطرة مثل اضطراب ما بعد الصدمة بعد قتل الأشخاص المستهدفين. وبالنسبة لبعض المراقبين، قد يبدو أن الطائرات دون طيار ذاتية التحكم تقدم طريقة للقضاء على الصدمة النفسية للقتل عن بعد. ومع ذلك، يتردد العديد من الجنود والطيارين في استخدام الأسلحة المستقلة لأنهم لا يثقون بها. 

على الجانب الآخر، هناك مخاوف أخلاقية، حيث تميل الأسلحة المستقلة إلى إعفاء البشر من أي مسؤولية عن قرارات الحياة والموت. فمن الذي سيتحمل المسؤولية عندما تقتل طائرة مسيرة ذاتية مدنيين غير مقاتلين؟

ومع تزايد الخسائر الروسية في أوكرانيا، يتزايد الضغط لتحقيق مزايا ساحقة في ساحة المعركة باستخدام أسلحة مستقلة تماماً - روبوتات يمكنها اختيار أهدافها ومطاردتها ومهاجمتها بمفردها، دون الحاجة إلى أي إشراف بشري. ففي مطلع العام الجارى، أعلنت شركة تصنيع روسية عن خطط لتطوير نسخة قتالية جديدة من عدد من الروبوتات من طراز "ماركر" في الحرب بأوكرانيا في منطقة التماس في دونباس تحديداً، ويتمتع "ماركر" برؤية تقنية ونظام تحكم آلي ويمكن أن يزود بأنظمة أسلحة مختلفة بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي قصيرة المدى، ويتميز بخفة الحركة الذاتية، حيث يستطيع التعرف إلى الأهداف، ولاسيما الجوية منها، اعتماداً على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما يستطيع تحديد أهداف العدو من مسافة 15 كيلومتراً. وتدخل تلك الإجراءات ضمن الخطوات المتسارعة التي باتت تتخذها موسكو أخيراً عبر الدفع بالأسلحة الذكية. 

دور الشركات التكنولوجية متعددة الجنسيات:

إلى جانب تكنولوجيا التسليح المذكورة سالفاً، اتضح خلال الحرب الروسية الأوكرانية مدى خطورة الأدوار التي تؤديها شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات في الجغرافيا السياسية للحرب الحالية، حيث تم جر شركات التكنولوجيا إلى الصراعات، كما تقوم تلك الشركات بشكل مستقل بتشكيل الحرب في الوقت الفعلي من خلال تحديد القدرات التي يجب توفيرها، وما هي المقاومة التي تكون على استعداد لتحملها.

هذا يقود إلى واقع عالمي جديد. هو أنه لم يعد بإمكان أي دولة (أو مجموعة) لديها طموحات جيوسياسية أن تخطط فقط لكيفية استجابة الدول، ولكن يجب عليها أيضاً التفكير في كيفية استجابة شركات التكنولوجيا. 

الإنترنت هو مثال ساطع. عندما بدأت الحرب، تحركت القوات الروسية لشل أوكرانيا من خلال السيطرة على البنية التحتية الحيوية - مثل محطات الطاقة النووية. فعلى سبيل المثال، محطة  الطاقة النووية في زاباروجيا، التي سيطرت عليها روسيا، تولد خمس الكهرباء في أوكرانيا. لكن لم تنجح هذه الاستراتيجية مع الإنترنت. فبعد أيام قليلة من اندلاع الحرب، بدأت شركة "SpaceX" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، في تزويد الحكومة الأوكرانية بخدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية " ستارلينك"، مما سمح لكييف بالرد على القوات الروسية. فقد كانت إحدى فرق الطائرات دون طيار الأكثر فتكاً في أوكرانيا، "Aerorozvidka"، قادرة فقط على ضرب القوات الروسية بسبب الوصول إلى "Starlink".  

بحلول أكتوبر 2022، بلغت التكلفة الإجمالية لشركة "SpaceX" لتسليم محطات "Starlink" إلى أوكرانيا 80 مليون دولار. حتى مع وجود شك في هذه العلاقة الآن، بمشاركة "SpaceX"، تمكنت أوكرانيا من منع روسيا من السيطرة على الإنترنت في البلاد. إلى جانب ذلك قدمت لأوكرانيا خدمات تخزين البيانات السحابية من خلال استخدام بطاريات "Tesla Powerwall" الاحتياطية، والمولدات المتقدمة وبطاريات الليثيوم. 

وتُعد صور الأقمار الاصطناعية حاسمة في الحرب الدائرة، لذا عطلت "Google" وظائف حركة المرور المباشرة في أوكرانيا، وهي ميزة يمكن أن تمنح روسيا نظرة ثاقبة على مواقع القوات الأوكرانية. في الوقت نفسه، تلقت "MDA"، وهي شركة فضائية كندية متخصصة في استخبارات الصور، أو "Geointelligence"، موافقة من الحكومة الكندية لتزويد أوكرانيا بصور الأقمار الاصطناعية لتحركات القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية. وكانت روسيا فقط هي التي لديها "عيون" على أوكرانيا، من خلال صور الأقمار الاصطناعية، لأن روسيا كانت واحدة من الدول القليلة ذات القدرات الفضائية العالية. ولكن الآن، بمساعدة شركات التكنولوجيا الغربية، تكتسب أوكرانيا قدرات ووعياً مماثلاً لحركة القوات الروسية.

حروب المستقبل:

بعد مرور عام على حرب أوكرانيا، توصف الحرب بأنها "إرساء مبادئ للقرن الحادي والعشرين". من نواحٍ عديدة، ويُنظر إلى هذا الصراع على أنه حالة اختبار لحروب المستقبل. في حين أنه من السابق لأوانه استخلاص دروس محددة، فقد ظهرت بالفعل بعض الأفكار المهمة.

1- التطور التدريجى للتحولات التكنولوجية في تلك الحرب: إحداها أن الحرب لا تشهد التحولات التكنولوجية البراقة التي توقعها بعض المستقبليين. بدلاً من ذلك، تكون التغييرات تدريجية ومركزة. ويجري تعديل التكنولوجيا لإتاحة مزيد من الوصول إلى المعلومات وتقاسمها؛ حيث ظهرت التقنيات القائمة على أجهزة الاستشعار في مجموعة متنوعة من الإعدادات؛ والبيانات التشغيلية التي يتم جمعها واستخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي (AI).

2- حرب المعلومات مفتوحة المصدر: أحد الجوانب التي كثيراً ما تتم مناقشتها للقتال الحالي في أوكرانيا هو توافر معلومات مفتوحة المصدر. وبمراقبة المناورات العسكرية الروسية قبل التوغل في عام 2022، أعلنت مجلة "الإيكونوميست" أن المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر أدت إلى "عصر حرب شفافة".

يمكن الآن لكلا الجانبين –الروسي والأوكراني- مراقبة الأحداث على الأرض بشكل أكثر فعالية. لكن الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص هو أن الجيش الأوكراني يستفيد أيضاً من التكنولوجيا التي تربط القوات في منطقة الحرب بمجموعة أكبر من الأفراد البارعين من الناحية التكنولوجية. ويقوم خبراء المصادر المفتوحة و"المتطوعون عبر الإنترنت" باعتراض الاتصالات بين الوحدات العسكرية الروسية في أوكرانيا وتقديم تلك المعلومات إلى الجيش الأوكراني. ومن المرجح أن تصبح مثل هذه الممارسات شائعة في الحروب المستقبلية، حيث ينضم الأفراد المهرة من أي مكان في العالم إلى ساحات القتال تقريباً ويدعمون الجيوش على الأرض. 

3- الاستخدام المزدوج للتطور التكنولوجي: وصفت الحرب في أوكرانيا أيضاً بأنها "حرب الهواتف الذكية"، حيث أسهم العديد من المراقبين، بمن فيهم الجنود على الأرض، في رواية القتال الدائر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتم التقاط لقطات أخرى بواسطة أقمار اصطناعية تجارية وطائرات دون طيار. ويُعد توفير لقطات محدثة إحدى الطرق التي تستخدمها الجيوش لمواجهة المعلومات المضللة. كما استخدم المقاتلون في أوكرانيا طائرات تجارية دون طيار في الاستطلاع.

ويوضح الاستخدام العسكري للهواتف الذكية والطائرات التجارية دون طيار طبيعة الاستخدام المزدوج للتطور التكنولوجي، حيث يتم بعد ذلك استخدام التكنولوجيا المطورة للاستخدام المدني في الحرب. بعبارة أخرى، قد تؤدي التطورات في التقنيات التجارية إلى تشكيل ما يظهر في ساحة المعركة.

4- ستكون حروب المستقبل حول الحد الأقصى من الطائرات دون طيار والحد الأدنى من البشر: أثبتت ساحة الحرب بأوكرانيا التفوق الاستراتيجي للطائرات دون طيار على باقي الأسلحة. مثال ذلك، في يوم 29 أكتوبر 2022، تعرض أسطول روسي على البحر الأسود بالقرب من سيفاستوبول لهجوم من قبل 16 طائرة دون طيار - 9 في الجو و7 في الماء -. يُزعم أن أوكرانيا أطلقتها، ولا أحد يعرف مقدار الضرر الذي حدث، لكن مقطع فيديو التقطته الطائرات المسيرة المهاجمة أظهر أن السفن لم تكن قادرة على تجنب التعرض للضرب. ورداً على ذلك وغيره من الهجمات الناجحة، ردت روسيا بعشرات الصواريخ والطائرات دون طيار الإيرانية الصنع "شاهد –136"، والتي تستهدف أنظمة الكهرباء والمياه في جميع أنحاء أوكرانيا.

5- استخدام تقنيات الأسراب: توقع الاستراتيجيون العسكريون وصول ما يسمى "سرب" الطائرات دون طيار، وهي مجموعة كبيرة من آلات الطيران الصغيرة التي ستعلن عن حقبة جديدة من الحرب الذكية. وستكون آلاف الطائرات الروبوتية صغيرة الحجم غير المرئية عند انتشارها، لكنها قادرة على الاندماج على الفور في سحابة مظلمة. ويقول عنها صمويل بينديت، خبير الأسلحة الروسية في مركز التحليلات البحرية: "في سرب - تماماً كما هو الحال في سرب الحشرات، في سرب الطيور - تفكر كل طائرة دون طيار بنفسها، وتتواصل مع الآخرين، وتشارك المعلومات حول موقعها في السرب، والتهديدات المحتملة القادمة، وماذا تفعل حيال ذلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتغييرات في الاتجاه أو التغييرات في تكوين السرب".

ولا تزال الأسلحة التي نشرها الجانبان الروسي والأوكراني بعيدة عن هذا الكابوس الكامن المحتمل. وسيستخدم السرب الذكاء الاصطناعي للسماح للطائرات الفردية دون طيار بالتصرف بشكل مستقل مع تسخير حكمة المجموعة أيضاً. وأفاد ديفيد هامبلينج، في كتابه الصادر عام 2015، Swarm Troopers""، بأن مهندسي البرمجيات تمكنوا بالفعل من محاكاة تلك الأسراب الكبيرة في الطبيعة عن طريق برمجة طائرات دون طيار بـ3 تعليمات بسيطة: فصل، أو الحفاظ على مسافة دنيا معينة من الآخرين؛ محاذاة، أو البقاء على نفس المسار مع جيرانك؛ وتماسك، أو محاولة التحرك نحو متوسط موضع جارك. وبناءً على التعليمات، ستتحرك أسراب الطائرات دون طيار في السحب التي تعمل ككيان واحد، ربما يكون منتشراً على نطاق واسع في البداية، لإخفائها عن الرادار، فقط لتلتقي على هدف في اللحظة الأخيرة. سيكون السرب قادراً على الرد على التهديدات دون تدخل بشري - تغيير المسار أو السرعة أو الارتفاع، والمناورة حول مساحات جوية محمية بشدة - ويمكن أن يمتص خسائر فادحة دون توقف، وتدميره للأهداف شديد للغاية.

من خلال جعل أي هدف تقريباً غير قابل للدفاع، يتخيل الخبراء العسكريون، أن مثل هذه الأسراب – أو ما يطلقون عليها "عصابات الحصى" - ستجعل الحرب "مستحيلة". ومن المتصور أن تنقلنا أسراب الطائرات دون طيار إلى عصر الحرب بين جيوش الروبوت المتنافسة. وقد يؤدي ظهورها أيضاً إلى دخول ساحات معارك الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، حيث يجب اتخاذ قرار إطلاق النار أو الانفجار بشكل أسرع مما يمكن أن يتفاعل معه البشر.

6- الأسلحة المضادة للطائرات دون طيار: يُعد العنصر الثاني الحاسم في تطور الحرب. هو أنه عندما يظهر سلاح أو تكتيك جديد، فستكون هناك طريقة لهزيمته كذلك. كانت أوكرانيا تختبر في ساحة المعركة دفاعاً ليتوانياً مصمماً يسمى "SkyWiper"، يحبط الطائرات دون طيار أثناء الطيران عن طريق التشويش على اتصالاتها. وقد أرسلت وزارة الدفاع الليتوانية، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، 50 شخصاً لتدريبهم على ذلك السلاح المضاد الجديد إلى أوكرانيا بعد أن وصفته أوكرانيا بأنه "إحدى الأولويات القصوى".

لكن الأداة الأكثر فائدة للمدافعين عن أوكرانيا هي أقل تقنية بكثير، وهي "المدافع الرشاشة". تصدر مروحة "الطائرات دون طيار مثل "شاهد -136" ضوضاء كافية لتنبيه القوات البرية أثناء مرورها في سماء المنطقة، وهي عرضة للنيران المنسقة. وتم تدمير الطائرات دون طيار أيضاً بواسطة الطائرات المقاتلة وصواريخ جو-جو، لكن هذا يشبه دق مسمار بساعة "كارتييه". ويبلغ متوسط تكلفة "شاهد -136" حوالي 20 ألف دولار، في حين أن أقل تكلفة صاروخ أرض - جو "لا يزال قيد التطوير" ستقترب من 150 ألف دولار، وهو مبلغ لا يشمل ملايين الدولارات للنظام المطلوب لتشغيله. عندما تطير طائرات دون طيار رخيصة الثمن وبأعداد كبيرة، يصبح هذا التفاوت في التكلفة غير مستدام ومكلفاً.

في العام الماضي، وجه الكونغرس البنتاغون لتطوير قوة مضادة لأنظمة الطائرات الصغيرة دون طيار "UAS"، وخصص لها ما يقرب من 750 مليون دولار. وقال مدير المكتب المشترك للطائرات دون طيار بوزارة الدفاع الأمريكية الذي تم إنشاؤه حديثاً، اللواء شون جيني، إن الاعتماد على الطائرات دون طيار في أوكرانيا أضاف إلحاحاً إلى مهمته: "أعتقد أنه يسلط المزيد من الضوء على ما نعرفه بالفعل، إنه يظهر حقاً أهمية وجود نظام مضاد للطائرات دون طيار على نطاق واسع".

من جانبه، يقوم الجيش الأمريكي بتجربة استخدام انفجارات جوية كبيرة أو نبضات كهرومغناطيسية للحماية من سرب الطائرات دون طيار. ويُستخدم نظام أسلحة الليزر عالي الطاقة التابع للبحرية الأمريكية، وتلك التي يتم تطويرها بواسطة مقاولين دفاعيين كبار من أنظمة الذكاء الاصطناعي لاستهداف وتدمير الطائرات دون طيار الواردة واحدة تلو الأخرى بسرعة كبيرة، مما قد يكون كافياً لتعطيل سرب. سيكون مثل هذا السلاح أكثر فائدة في البحر أو في ساحة المعركة المفتوحة أكثر من المدن، حيث تدور معظم المعارك في العصر الحديث. كما تُعد الحركة الجوية فوق المدن الكبيرة مزدحمة، لذا من الصعب تحديد طائرة مسيرة صغيرة وخطرة نسبياً دون تدمير الطائرات الصديقة. 

وختاماً، يمكن القول إن روسيا والغرب لن يتخلوا عن تحقيق ما يمكن وصفه بأنه انتصار في حربهما "الوجودية". هذا يعني أن الحرب ستستمر. لذلك، لن تكون هذه الحرب الهجينة بمثابة اختبار جيد للتقنيات الحالية فحسب، بل ستكون أيضاً مبرراً لتطوير التقنيات العسكرية المتقدمة. ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب في أوكرانيا، فإن المسرح مهيأ لشركات التكنولوجيا الأخرى لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة، ومع اندفاع أبحاث الأسلحة المستقلة إلى الأمام، تلوح في الأفق إمكانية نشوب حرب روبوتية.