أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

أزمة جديدة :

أبعاد الخلافات الداخلية في الصومال حول طرد المبعوث الأفريقي

19 أبريل، 2022


عاد الخلاف التقليدي بين الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو، ورئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، وذلك على خلفية قرار الأخير طرد مبعوث الاتحاد الأفريقي، فرانسيسكو ماديرا، نظراً لتورطه في أعمال لا تتوافق مع منصبه كممثل خاص لمفوضية الاتحاد الأفريقي، وهي الخطوة التي رفضها فرماجو واعتبرها غير شرعية، مطالباً المبعوث الأفريقي بالاستمرار في منصبه. ويأتي ذلك التطور في ظل الاستعدادات الراهنة للانتخابات الرئاسية، واستعداد أعضاء البرلمان الصومالي الجديد لحلف اليمين الدستوري.

أبعاد طرد ماديرا:

عادت التوترات مرة أخرى بين روبلي وفرماجو بسبب التباين في المواقف بشأن طرد المبعوث الأفريقي، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- طرد المبعوث الأفريقي: أعلن مكتب رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، في 7 أبريل 2022، أن كبير دبلوماسيي الاتحاد الأفريقي في مقديشو، فرانسيسكو ماديرا، بات شخصاً غير مرغوب فيه، وبالتالي يتوجب عليه مغادرة الأراضي الصومالية خلال 48 ساعة، وذلك نظراً للتصرفات غير اللائقة التي اتهم مكتب رئيس الحكومة الصومالية المبعوث الأفريقي بارتكابها. 

2- تسريبات صوتية لماديرا: قامت الحكومة الصومالية بطرد ماديرا بسبب نشر بعض التسريبات الصوتية لفرانسيسكو ماديرا، والتي تضمنت اتهامات وجهها الأخير للمعارضة الصومالية، بما في ذلك عدد من رؤساء الصومال السابقين، على غرار شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود، بمحاولة عرقلة مساعي الرئيس المنتهية ولايته فرماجو لإعادة انتخابه لولاية جديدة.

3- رفض فرماجو والاتحاد الأفريقي: أعلن مكتب رئيس الصومال فرماجو، أن هذا القرار يعد غير شرعي ومتهور، وبناء عليه طالب وزارة الخارجية الصومالية بتقديم اعتذار رسمي للاتحاد الأفريقي عن هذا القرار.

أما بالنسبة للاتحاد الأفريقي، فقد أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، عن قلقه إزاء البيان الصادر عن مكتب روبلي بخصوص ماديرا، مشيراً إلى أن الاتحاد يرحب بموقف الرئيس الصومالي فرماجو بشأن عدم طرد السفير ماديرا.

ورداً على ذلك، أصدر وزير الأمن في الحكومة الصومالية تعليماته لإدارة الهجرة والجنسية والهيئات المعنية بسحب الإقامة من ماديرا والحيلولة دون حصوله على تأشيرة دخول جديدة للصومال، كما أمر الوزير أجهزة الأمن الصومالية في مطار "آدم عدي الدولي" بمقديشو بمنع دخول ماديرا.

تجدد الصراع الداخلي:

تعكس هذه التوترات الأخيرة بين فرماجو وروبلي حول ماديرا عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تنازع الصلاحيات: أعلنت الرئاسة الصومالية بأن فرماجو لا يزال هو صاحب الاختصاص فيما يتعلق بقبول أوراق اعتماد الدبلوماسيين الأجانب في الصومال. وفي المقابل، يتمسك رئيس روبلي بهذه الصلاحيات الدبلوماسية، نظراً لأنها أوكلت إليه خلال المرحلة الانتقالية، بسبب نهاية فترة ولاية فرماجو منذ فبراير 2021، ومن ثم لم يعد الأخير يمتلك كامل صلاحياته كرئيس.

2- صراع على السلطة: تعكس الخلافات الراهنة بين فرماجو وروبلي الصراع القائم بينهما حول من سيتولى منصب رئيس الصومال الجديد. وازدادت بالفعل وتيرة الصراعات السياسية بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، خاصةً بعد قرار لجنة الانتخابات الفدرالية في مقديشو بإعادة عملية التصويت على أربعة من مقاعد مجلس الشعب، أبرزها مقعد فهد ياسين، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات الصومالية، بسبب وجود انتهاكات ارتكبها الأخير لحسم المنافسة على هذا المقعد.

وخلف قرار لجنة الانتخابات أزمة سياسية جديدة، بسبب اعتراض ولاية جنوب غرب، التي تضم ثلاثة مقاعد من المقاعد الأربعة التي تم تعليق نتائجها، بل وأنها لجأت إلى تعليق تعاونها مع الحكومة الفيدرالية، وهو ما قد يعزى إلى العلاقات التي تربط رئيس هذه الولاية بفرماجو.

كذلك، عكس حضور فرماجو، في 12 أبريل 2022، لاحتفالات الذكرى الـ 62 للجيش الصومالي، مساعيه لحشد مزيد من الدعم داخل القوات المسلحة الصومالية له، خاصة في ضوء انقسام ولاءات الجيش الصومالي بين روبلي وفرماجو، ومحاولة الأخير الاتكاء على بعض وحدات الجيش لتأمين بقائه في السلطة.

3- امتداد الصراع إقليمياً: يرتبط ماديرا بعلاقات وثيقة بالرئيس فرماجو، ومن ثم كانت هناك تخوفات لدى روبلي من إمكانية أن تتدخل قوات ماديرا لدعم فرماجو. وقد تعززت هذه المخاوف بعد التسريبات الاخيرة لماديرا، والتي وجه فيها انتقادات للمعارضة الصومالية.

وكانت الحكومة الصومالية قد أقدمت، في نوفمبر الماضي، على طرد نائب الممثل الخاص لرئيس المفوضية الأفريقية، سيمون مولونجو، وهو ما دفع الاتحاد الأفريقي باستبداله في مطلع العام الجاري، دون أن تؤدي هذه الخطوة إلى أية خلافات بين مقديشو والاتحاد. وجاءت هذه الخطوة بناء على طلب فرماجو، نظراً للعلاقات الودية التي كانت تربط مولونجو بقوى المعارضة. 

4- انشغال أمريكي وغربي: أشارت تقارير غربية إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص بالقرن الأفريقي، ديفيد ساترفيلد، ربما يغادر منصبه قبل الصيف المقبل، أي تركه للمنصب قبل أقل من ستة أشهر من توليه خلفاً للمبعوث السابق، جيفري فيلتمان. 

وأرجعت هذه التقارير هذه الخطوة إلى تخبط السياسة الأمريكية تجاه القرن الأفريقي، في ظل الأزمات المتفاقمة التي تعانيها دول هذه المنطقة، وتعثر جهود واشنطن في فرض الأمن والاستقرار هناك، مع توجيه جل الاهتمام الأمريكي والغربي في الوقت الراهن إزاء الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي يمكن أن يترك المجال مفتوحاً أمام احتمالات تصعيد الصراعات السياسية والأمنية في حالة الصومال.

ارتدادات داخلية خطيرة:

هناك مخاوف من أن يؤدي تصاعد الصراع بين فرماجو وروبلي إلى تداعيات سلبية على الاستقرار الداخلي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- عرقلة الانتخابات الرئاسية: قد تؤثر الصراعات السياسية الراهنة على عملية الانتخابات الرئاسية، والتي اقترب إجراؤها "نظرياً"، خاصةً بعدما تم الانتهاء من انتخابات مجلس الشيوخ في نهاية 2021، فضلاً عن حسم حوالي 254 مقعداً من مقاعد مجلس الشعب البالغ عددهم 275 مقعداً، مع وجود مؤشرات تتعلق بالانتهاء من المقاعد القليلة المتبقية خلال الأيام القادمة.

ومن ناحية أخرى، وجهت ولاية جوبالاند اتهامات للرئيس فرماجو بنشر قوات أجنبية في إقليم "غدو" لتعطيل انتخاب المقاعد النيابية الـ 16 في "غربهاري"، كما أكدت الولاية أن هناك بالفعل عدد من القوات الكينية العاملة في بعثة الاتحاد الأفريقي على أراضيها، وأن هذه القوات ستتعاون مع ضباط الأمن في الولاية لصد أي محاولات من فرماجو للتدخل في الانتخابات. وتنذر هذه المعطيات باحتمالات حدوث مواجهات مسلحة خطيرة في هذه المنطقة، تشارك فيها هذه القوات الأجنبية.

وأعلنت لجنة الانتخابات الفدرالية في الصومال أن الأعضاء الجدد في البرلمان الصومالي سيؤدون اليمين الدستوري في 14 أبريل الجاري، وذلك في القاعدة الجوية بمطار مقديشو الدولي، وهو ما أثار المخاوف من إمكانية استهداف هذا الاجتماع بعملية إرهابية، خاصةً أنه هذه الخطوة تأتي بعد أسابيع قليلة من الهجوم الإرهابي الذي تبنته حركة الشباب الإرهابية في مطار مقديشو، والتي شهدت وصول عناصر الحركة لنقاط عمق لم تتمكن في السابق من بلوغها.

2- تفاقم الاضطرابات الأمنية: تعكس الانقسامات السياسية الراهنة مؤشرات خطيرة بشأن انعكاساتها على الأوضاع الأمنية المتفاقمة بالفعل، في ظل حدة الاستقطاب الداخلي في المؤسسات الأمنية الصومالية، وذلك بالتوازي مع التصعيد المستمر في أنشطة حركة الشباب الإرهابية.

وفي ضوء ذلك، فإن تفاقم الخلافات بين فرماجو وروبلي، بالتزامن مع التعثر المحتمل لإجراء الانتخابات الرئاسية، قد يدفع بالصومال من جديد نحو عودة التناحر المسلح، الأمر الذي سيشهد هذه المرة على الأرجح تحركات متوازية من قبل حركة الشباب الإرهابية، مما سيدفع بالبلاد نحو مصير مجهول.

وربما يتسق هذا الطرح مع الاتهامات التي وجهها وزير الأمن في الحكومة الصومالية، عبد الله محمد نور، مؤخراً لفرماجو، بشأن محاولة البقاء في السلطة بشكل غير قانوني، مشيراً إلى أنه يستهدف تسليم البلاد لحركة الشباب حال فشله في الاستمرار في منصبه.

3- استمرار جهود تجنب التصعيد: أشارت تقارير إلى أن روبلي يدرس إمكانية رفع الإيقاف المتعلق بالمقاعد البرلمانية الأربعة، بما في ذلك المقعد الخاص بمستشار الأمن القومي، فهد ياسين، وذلك بعدما شهدت الأيام الأخيرة مباحثات مكثفة بين الحكومة الصومالية والشركاء الدوليين، بالإضافة إلى المبعوث الأممي، جيمس سوان، والذين طالبوا بضرورة تهدئة الأوضاع لإنجاح عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما يتسق مع الزيارة التي قام بها وفد من لجنة الانتخابات إلى ولاية جنوب غرب لحلحلة الخلافات الأخيرة التي تمخضت عن أزمة المقاعد الثلاثة الخاصة بالولاية.

وفي الختام، بات المشهد الصومالي مرشح لمزيد من التصعيد، في ظل تصاعد حدة التوترات على المستوى السياسي، بالتوازي مع النشاط المتنامي لحركة الشباب، ما قد يدفع بالبلاد نحو عودة الحرب الأهلية مرة أخرى، وتزداد احتمالات هذا السيناريو في ظل الانشغال الغربي بالحرب الأوكرانية الراهنة.