أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

السيادة التكنولوجية:

جدل أوروبي حول تنظيم الأسواق الرقمية لمواجهة الهيمنة الأمريكية

31 أكتوبر، 2021


عرض: ريم سليم

مع تزايد أهمية الأسواق الرقمية في اقتصادات الدول وعمليات التنافس التكنولوجي في العالم، طرحت المفوضية الأوروبية، قانون الأسواق الرقمية Digital Markets Act كمشروع قانون في 15 ديسمبر 2020، والذي تم اقتراحه في حزمة واحدة جنباً إلى جنب مع قانون الخدمات الرقمية Digital Services Act، ويستهدف القانونان معاً تعزيز تنافسية شركات التكنولوجيا الأوروبية في الأسواق الدولية. لكن مشروع القانون تعرض للمُطالبة بإجراء تعديلات في يونيو 2021 من قبل البرلمان الأوروبي، وإن كان من المتوقع أن يتم تمريره في العام 2022.

جاء طرح المفوضية الأوروبية لمشروع قانون الأسواق الرقمية، انطلاقاً من مبررين رئيسيين وهما، أن السياسة الأوروبية الحالية لتنظيم المنافسة لم تحقق النتيجة المرجوة منها، فيما يتعلق بالحد من السلوك المهيمن للشركات التكنولوجية الأمريكية بأسواق الاتحاد الأوروبي، ويتضمن ذلك شركات مثل "ألفا بيت"، و"أمازون"، و"فيس بوك"، و"آبل" و"مايكروسوفت" وغيرها، كما يتصل بالسابق أن ضبط الممارسات التجارية لمنصات التكنولوجيا الأمريكية الكبيرة يبدو أمراً ملحاً لتحسين تنافسية الكيانات الأوروبية في الفضاء الرقمي. 

مع ذلك، يجادل تقرير بعنوان "تداعيات قانون الأسواق الرقمية على التعاون عبر الأطلسي"، أعدته ميريديث برودبنت، مستشار أول في إدارة الأعمال الدولية، بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بأن هذا القانون لا يخدم الغرض الذي أعلنته المفوضية الأوروبية منه، حيث أنه ينطوي على عدة ثغرات قد تؤثر سلباً على أعمال الشركات الأوروبية، وعلى رفاهية المستهلك الأوروبي.

ضعف التنافسية 

تشير الكاتبة إلى أن مقترح القانون يحاول، بشكل رئيسي، معالجة مشكلة ضعف تنافسية الشركات الأوروبية بقطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية العالمي، وذلك ما يتضح جلياً على الأخص بالنسبة للمنصات الإلكترونية كبيرة الحجم. هنا، ووفقاً للقائمة السنوية لأكبر 500 شركة في العالم (Fortune Global 500)، توجد ثلاث شركات تكنولوجيا فقط من ذات الجنسيات الأوروبية، وذلك مقارنة بـ 12 شركة من الولايات المتحدة، وثمان من اليابان، وست من الصين، وست من تايوان؛ وهو ما يعني أن أوروبا لا تزال متخلفة عن الولايات المتحدة وآسيا في هذا القطاع.

يأتي ذلك على الرغم مما تتمتع به أوروبا من فرص لنجاحها والتي تتمثل في سوق يزيد على 450 مليون مستهلك، وقوى عاملة متطورة، ونظام تعليمي متقدم، وقاعدة بحث علمي متطورة. وعليه؛ فإن قانون الأسواق الرقمية يهدف إلى حماية الشركات التكنولوجية الأوروبية، وذلك من خلال فرض إجراءات صارمة لمكافحة الاحتكار وفرض غرامات عقابية حصرية على الشركات الكبيرة، خاصة الأمريكية.

نطاق القانون  

حدد مشروع قانون الأسواق الرقمية ثماني فئات من الكيانات الخاضعة له وهي كالتالي: (1) شبكات التواصل الاجتماعي، (2) محركات البحث، (3) منصات الفيديو، (4) خدمات الاتصالات، (5) الخدمات الوسيطة، (6) خدمات الحوسبة السحابية، (7) أنظمة التشغيل، (8) شبكات الإعلانات التي تعمل جنباً إلى جنب مع الفئات المذكورة آنفاً.

وتشير المفوضية الأوروبية إلى أن الشركات التي ستخضع للوائح قانون الأسواق الرقمية ستعرف باسم "حراس البوابة"، ويقصد بها تلك الكيانات التي لها تأثير كبير على السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، وحافظت على حجمها في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي لمدة ثلاث سنوات. علاوة على السابق، يحدد مقترح القانون "حراس البوابة" الكيانات التي تفي بالمعايير التالية: 

• حجم المستخدمين: 45 مليون مستخدم شهرياً (أي ما يعادل حوالي 10% من سكان الاتحاد الأوروبي).

• المبيعات العالمية: 7.9 مليار دولار من حجم المبيعات العالمية، أو ما يزيد (أي حوالي 6.5 مليار يورو).

• الأسواق التشغيلية: يكون لها سوق تشغيلية وعمليات على الأقل في ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي من 27 دولة عضو.

إطار الحماية 

يقدم قانون الأسواق الرقمية إطاراً جديداً لتنظيم وتحديد آليات عمل قطاع تكنولوجيا المعلومات في الاتحاد الأوروبي، من حيث تنظيم العلاقات بين أطراف القطاع، واستحداث التزامات وقيود على الشركات الكبيرة، وإعطاء صلاحيات لشركات الطرف الثالث - وهي شركات أصغر حجماً يتيح لها قانون الأسواق الرقمية تقديم خدمات وسيطة بين المستهلك النهائي وبين المنصات الرقمية العملاقة. 

وتبرز كاتبة التقرير أن مقترح قانون الأسواق الرقمية، بعكس، قوانين مكافحة الاحتكار التقليدية، يميل إلى حماية المنافسين كافة في السوق، بغض النظر عن التفوق الطبيعي لقادة السوق بسبب منتجاتهم وخدماتهم ورضائهم للمستهلكين. وكذلك، فإن مقترح القانون يمنح المفوضية الأوروبية سلطة تنظيمية مقتسمة مع السلطات المحلية بشأن تطبيق إجراءات الامتثال والإنفاذ المطبقة على الشركات. وتشكل المادتان الخامسة والسادسة الركيزتين الرئيستين اللذان يعتمد عليهما القانون في تحديد حقوق وواجبات الشركات التكنولوجية الكبرى، ويتضح ذلك على النحو التالي:  

• حماية المستهلكين: حظر مقترح القانون بموجب المادة الخامسة، عدة ممارسات اعتبرها غير عادلة، يأتي على رأسها حظر الشركات من استخدام البيانات الشخصية لمستخدمي خدمة ما، في خدمات أخرى تقدمها نفس الشركة؛ ومنع الشركات من تقديم الخدمات بتكاليف مخالفة، إذا ما قُدمت عبر وسطاء خارجيين، ومنع الشركات من إجبار المستخدمين النهائيين على الاشتراك في خدمة المنصة الأساسية كشرط للوصول إلى الخدمات.

 فيما، تنص المادة السادسة على أن المستخدمين النهائيين يجب أن يكونوا قادرين على إلغاء اشتراكاتهم في التطبيقات المثبتة مسبقاً. وهنا ترى الكاتبة بأن الاصطلاحات القانونية في القانون تفتقر إلى تمييز واضح بين ما يشكل تطبيقاً أو نظام تشغيل.

وبشكل تفصيلي، وضعت المادة السادسة أيضاً قيوداً على متاجر التطبيقات وأنظمة التشغيل في استخدام بيانات المستخدمين، حيث تحظر على الشركات استخدام البيانات غير العامة التي تم إنشاؤها بواسطة كل من المستخدمين النهائيين ومستخدمي الأعمال، لكنها تضع في الوقت ذاته قواعد لتسهيل إمكانية نقل البيانات من أجل منع التخزين المنعزل لبيانات المستخدم. علاوة على ذلك، تلزم الشركات أن يضمنوا إمكانية التشغيل البيني بين تطبيقات برامج الطرف الثالث.

• حقوق الشركات: أكد القانون بالمادة الخامسة على حظر تقييد قدرة أصحاب الأعمال على إثارة قضايا مع أي سلطة عامة ذات صِلة؛ علاوة على ذلك توضح هذه المادة أيضاً إجراءات تسمح للشركات بموجبها بالتفاعل مع المستهلكين. كما تحدد الالتزام بإرشادات الشفافية في أسعار الإعلانات، وتنص على أن المعلنين والناشرين يحتفظون بالحق في طلب بيانات حول مدى صلة الإعلان بالمحتوى والعائد المتوقع.

انتقادات رئيسية: 

تشير الكاتبة إلى أن قانون الأسواق الرقمية أثار العديد من المخاوف والانتقادات لدى أصحاب المصلحة من داخل الاتحاد الأوروبي، وعلى نحو قد يعوق الموافقة عليه من قبل البرلمان الأوروبي حال بقاء نصوصه الراهنة. ويقوم التقرير باستعراض أبرز مخاوف القانون، كما هو مبين على النحو التالي:

1) الانحياز المسبق ضد الشركات كبيرة الحجم: يبدو واضحاً أن قانون الأسواق الرقمية (DMA) يستهدف، بالأساس، فرض قيود والتزامات استباقية، لن تنطبق إلا على المنصات الأمريكية الرئيسية كبيرة الحجم، وليس على منافسيهم الأوروبيين أو الصينيين الذين يقدمون خدمات مماثلة، وهم عادة أصغر حجماً. وبذلك فإن القانون يحول هدف التدخل التشريعي لتنظيم المنافسة، من رفع كفاءة السوق إلى تعديل هيكل السوق واستهداف تقييد الشركات كبيرة الحجم باعتبارها تهديداً للشركات الوطنية.

ويؤخذ على هذا النهج أنه يتجاهل العواقب السلبية المحتملة لتقليص مزايا ووفورات الحجم الكبير التي تتيحها الشركات الدولية الكبيرة مثل كفاءة المنتجات، وخفض تكلفة المعاملات، بالإضافة إلى خفض أسعار الخدمات للمستهلكين، وكذلك خلق بيئة جديرة بالثقة بين مقدم الخدمة والعملاء.

كما ترى الكاتبة أن فرض القانون قيود على الشركات كبيرة الحجم الأمريكية، سيضر بالقطاعات غير الرقمية في أوروبا، حيث هناك عدد من الصناعات الأوروبية تستفيد من التكنولوجيا الرقمية التي تبتكرها الشركات الأمريكية العملاقة. فعلى سبيل المثال دخلت شركات تصنيع السيارات الألمانية في شراكة مع مزودي الخدمات السحابية في الولايات المتحدة، بما في ذلك "مايكروسوفت" Microsoft، لتعزيز جهود الرقمنة بها. وعليه؛ فإن القيود على عمل الشركات الأمريكية العملاقة في أوروبا سوف يلحق ضرراً جانبياً لدى تلك الشركات الأوروبية.

2) القيود على الابتكار: ترى الكاتبة أن قانون الأسواق الرقمية يضع بعض العراقيل أمام الصناعة الأوروبية لا سيما الشركات صغيرة الحجم في ابتكار تقنيات رقمية جديدة، ويأتي ذلك كنتيجة لزيادة التكاليف التنظيمية التي سيفرضها القانون بما فيها زيادة الحواجز أمام دخول السوق. وفي السياق نفسه؛ من شأن القيود المفروضة على "حراس البوابة" أن تكبح بشكل مباشر من مضي المنصات في ابتكار وتقديم منتجات وخدمات جديدة للعملاء.

3) غموض النصوص: تلقت المفوضية الأوروبية نحو 90 تعليقاً من أصحاب المصلحة من بينهم جمعيات أعمال وشركات ومنظمات غير حكومية، والتي ركزت في أغلبها على الحاجة إلى تعريفات ومعايير أكثر دقة لمفاهيم "حراس البوابة"، ومستخدمي الأعمال والمستخدمين النهائيين والقطاع الرقمي. إلى جانب ذلك، انتقدت الآراء أن القانون لم يحدد نطاق تقسيم السلطة بين السلطات الوطنية للدول الأعضاء وبين سلطة المفوضية الأوروبية. كما عبَّرت تعليقات أصحاب المصلحة عن الرغبة في تحديد أكثر دقة لخدمات المنصة الأساسية، بالإضافة إلى تقديم أسئلة حول ما يجب أو لا يقع ضمن نطاق قانون الأسواق الرقمية.

4) تهديد حماية الملكية الفكرية: يتطلب القانون من الشركات الخاضعة له الكشف عن الملكية الفكرية لأنشطتها كافة، بما في ذلك الأسرار التجارية الحساسة، وبيانات الملكية، ورمز المصدر للخوارزميات، وتفاصيل البنية التقنية للشركات، وينطبق ذلك على الأخص، بحسب الكاتبة، على الشركات من ذوي الجنسية الأمريكية. وعليه؛ فإن الأخيرة ستكون المتضرر الأول من القانون، بينما سيفيد ذلك بشكل غير عادل المنافسين الأوروبيين والصينيين والروس الأصغر حجماً.

5) خلق صعوبات أمام متاجر التطبيقات: بموجب اقتراح قانون الأسواق الرقمية، ستخضع شركتي "آبل" و"ألفا بيت" لالتزامات جديدة تهدف إلى تقوية موقف مستخدمي الأعمال في المنصات، ومنها تسهيل "التحميل الجانبي" الذي تنص عليه المادة السادسة. ويشير هذا المصطلح إلى تمكين المستهلكين الأوروبيين من تجاور متاجر تطبيقات "آبل" و"جوجل" وإمكانية تثبيت التطبيقات مباشرة على هواتفهم من متاجر طرف ثالث. غير أن ذلك من شأنه أن يتطلب من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ضخ استثمارات كبيرة لصنع التطبيقات الخاصة بها، لا سيما مع زيادة التكاليف مطوري التطبيقات.

6) تصاعد تهديدات الأمن الإلكتروني: من شأن قواعد الإفصاح التي يقرها قانون الأسواق الرقمية أن يجعل مجموعة بيانات مستخدم الأعمال متاحة للجمهور، والتي قد تتضمن تفاصيل حول الوكالات ومجموعات البنية التحتية الحيوية التي تستخدم خدمات الحوسبة السحابية وكيفية توظيفها للخدمات. بالتالي؛ فإن ذلك قد يؤدي إلى كشف نقاط الضعف لهجمات برامج الفدية وغيرها من الجرائم الإلكترونية.

تمرير محتمل

في البداية، تمت إحالة مشروع قانون المفوضية الأوروبية إلى لجنة الأسواق الداخلية وحماية المستهلك في البرلمان الأوربي، والتي أوصت بدورها، في يونيو 2021، بإجراء بعض التعديلات ومنها رفع حجم مبيعات شركات "حراس البوابة" من 6.5 مليار يورو إلى 10 مليارات يورو، بالإضافة إلى توسيع دور السلطات الوطنية في تطبيق لوائح القانون. 

ولاحقاً، ستجرى مفاوضات مشتركة بين البرلمان والمجلس والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، حول القانون المقترح، والذي على الأرجح أن يتم تمريره، لاسيما أن فرنسا، أحد أقوى المؤيدين لتنظيم قطاع التكنولوجيا جنباً إلى جنب مع ألمانيا، ستتوليان رئاسة مجلس رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر بدءاً من يناير 2022. وبناء على ما سبق؛ فإن التقرير يتوقع أن يتبنى البرلمان الأوروبي التشريع في وقت ما في عام 2022، وسيدخل حيز التنفيذ في عام 2023.

في الأخير، تؤكد الكاتبة أن قانون الأسواق الرقمية يعتبر جزءاً لا يتجزأ من طموحات الاتحاد الأوروبي بتحقيق "السيادة التكنولوجية الأوروبية"، والتي تأتي ضمن هدف التكتل لبناء أنظمة مستقلة في مجموعة واسعة من المجالات العالمية، ومن بينها بشكل خاص القطاع الرقمي.

المصدر:

Meredith Broadbent, Implications of the Digital Markets Act for Transatlantic Cooperation, CSIS, September 15, 2021, Available at: https://www.csis.org/analysis/implications-digital-markets-act-transatlantic-cooperation