أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

نقاط اختراق:

أسباب تعثر ملتقى الحوار الوطني في حلحلة الأزمة الليبية

17 نوفمبر، 2020


أعلنت المبعوثة الأممية لدى ليبيا "ستيفاني ويليامز"، في 16 نوفمبر 2020، انتهاء ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس دون التوصل إلى تفاهمات نهائية حول عددٍ من القضايا المهمة، ولا سيما ما يتعلق بتسمية حكومة انتقالية تشرف على إجراء الانتخابات المزمع عقدها في أواخر العام المقبل. كما أكدت "ويليامز" صعوبة حل أزمة ممتدة منذ نحو عشر سنوات في أيام معدودة، في اعتراف منها بصعوبة أن تفضي التفاهمات الحالية في الملتقى إلى حلول ناجزة في المدى المنظور.

نقاط التوافق:

نجح ملتقى الحوار الوطني الليبي في تونس في تحقيق بعض النتائج الإيجابية نحو حل سياسي شامل للأزمة الليبية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- إجراء انتخابات وطنية: إذ تمخض عن الملتقى تحديد موعد لإجراء انتخابات وطنية في الرابع والعشرين من ديسمبر من العام المقبل، دون تحديد ماهية هذه الانتخابات وما إذا ستكون تشريعية أم رئاسية أم كلاهما، بيد أنه في بيان صادر عن المجلس الرئاسي في 16 نوفمبر الجاري، رحّب بالتوافق على تحديد موعد انتخابات "رئاسية وتشريعية"، كما أكد المجلس دعمه للعملية الانتخابية عبر تخصيص مبلغ مالي للمفوضية العليا للانتخابات، وتسخير كافة الإمكانيات المتاحة لتمكينها من أداء عملها، وفي حال تم عقد تلك الانتخابات فستكون هي الأولى في ليبيا منذ عام 2014.

2- تحديد صلاحيات الحكومة والمجلس الرئاسي: أكدت المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا "ستيفاني ويليامز"، في 16 نوفمبر 2020، أنه جرى التوافق على وجود فصل بين سلطات المجلس الرئاسي والحكومة، على أن يتم عقد جلسة الأسبوع المقبل لاختيار المناصب والسلطة التنفيذية، إلى جانب تشكيل لجنة قانونية لمعالجة الأزمة الدستورية للانتخابات، موضحة أنه من بين اختصاصات المجلس الرئاسي التي جرى التوافق عليها، العمل على ملف المصالحة الوطنية، وأن يتكون من ثلاثة أعضاء يمثلون جنوب وشرق وغرب ليبيا. وفي المقابل، ستكون اختصاصات الحكومة المقبلة متعلقة بشكل أساسي بتقديم خدمات للمواطنين، والحد من الفساد، ومراعاة الفئات المجتمعية المهمشة.

3- بحث التصويت على دستور موحد: دفع بعض الليبيين في الملتقى نحو الذهاب إلى الاستفتاء على مشروع الدستور على أن يكون مطلع العام المقبل وقبل الذهاب إلى الانتخابات، وهو ما لم يتم البت فيه، وقد جاء هذا التوجه بشكل أساسي بدعم من المجلس الأعلى للدولة وبعض نواب البرلمان الموازي في طرابلس وهيئة الدستور في ليبيا، حيث دعوا الأمم المتحدة لدعم العملية الدستورية والذهاب إلى الاستفتاء على مشروع الدستور.

4- مسار أمني موازٍ: بالتزامن مع المسار السياسي في ملتقى تونس، كانت هناك نقاشات ممتدة حول المسارات الأمنية والعسكرية من خلال اجتماعات ممثلي حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي في سرت الليبية، وقد أكد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني، في 14 نوفمبر الجاري، أن المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق الأمني تتضمن فتح طريق من الشرق انطلاقًا من سرت باتجاه الغرب نحو مصراتة بطول 900 كم، على أن تكون المرحلة الثانية إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، ثم المرحلة الثالثة تفكيك الميليشيات المسلحة في البلاد. فيما أعلنت المبعوثة الأممية، في 16 نوفمبر، اتفاق طرفي الصراع الليبي على توحيد القوات المخولة بحماية المنشآت النفطية، وذلك بعد عقد محادثات توسطت فيها الأمم المتحدة مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط "مصطفى صنع الله".

معوقات النجاح:

بالرغم من نجاح الملتقى في إتمام التوافق حول بعض النقاط، ولا سيما ما يتعلق بالانتخابات؛ إلا أن الملتقى لم ينجح في تحقيق المأمول منه بشكل تام، وذلك لعدة أسباب يمكن تناولها على النحو التالي:

1- شخصنة المناصب السياسية: لم ينجح أعضاء الملتقى في وضع المعايير والآليات للترشح للمجلس الرئاسي والحكومة، بالرغم من وجود اتفاق على تقاسم منصبي رئاسة المجلس الرئاسي والحكومة الموحدة، على أن يكون الأول لإقليم برقة شرق ليبيا، وكانت الترجيحات تشير إلى تولي رئيس مجلس النواب عقيلة الصالح هذا المنصب بالرغم من منافسة أسماء أخرى له، ويكون لإقليم طرابلس في الغرب الحق في تسمية رئيس الحكومة الموحدة، وهناك تنافس محتدم بين وزير داخلية الوفاق "فتحي باشاغا" الساعي بشكل حثيث للحصول على هذا المنصب، ومنافسه من نفس مدينته مصراتة "عبدالحميد أدبيبة"، وقد أدّى ذلك التنافس إلى صعوبة التوصل إلى صيغة نهائية للمناصب، فيما طرح بعض الحاضرين مقترح قياديي المشهد الحالي من أي مناصب في المرحلة المقبلة، وهو ما صوّت عليه أغلبية الحضور بالرفض.

2- تقويض الإخوان لتفاهمات الملتقى: سعى الإخوان إلى تقويض أي تفاهمات لا تتضمن مناصب مهمة لهم في المرحلة المقبلة، كما طرحوا بعض الأسماء المنتمية للجماعة، حيث تم الترويج لاسم "علي الصلابي" -عضو التنظيم الدولي للإخوان- لعضوية المجلس الرئاسي المقترح كممثل لإقليم برقة، فيما لم تكن حركة النهضة التونسية الإخوانية بمعزل عن تحركات الإخوان في الملتقى، إذ أكدت بعض المصادر أن صهر "راشد الغنوشي" "رفيق عبدالسلام" سعى للالتقاء بعدد من المشاركين في الملتقى للتأثير في مجريات الحوار، فيما اعتبرت المبعوثة الأممية أن هناك ضغوطًا كبيرة تمارسها بعض الفصائل والأفراد الذين يسعون إلى عرقلة التقدم وتقويض العملية السياسية. وتأتي تلك التحركات الإخوانية المشبوهة لإعاقة الحوار إذا لم يحصلوا على التمكين الكافي لهم في المناصب تزامنًا مع أنباء عن زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى طرابلس هذا الأسبوع.

3- توظيف المال السياسي: أوضحت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، خلال مؤتمر صحفي في ختام ملتقى الحوار الليبي، أن البعثة ستجري تحقيقات حول اتهامات بتلقي رشى تمهيدًا لمحاسبة الضالعين في ذلك، وذلك في ظل وجود شبهات فساد مالي لشراء الأصوات لصالح بعض الأسماء المرشحة للمناصب العليا لقيادة المرحلة الانتقالية في ليبيا، حتى إن بعض المصادر أكدت وصول سعر الصوت الواحد إلى 200 ألف يورو لصالح بعض المرشحين لرئاسة المجلس الرئاسي، وقد وقّع بعض أعضاء الملتقى على عريضة تطالب بتأجيل الحوار السياسي، بسبب ما وصفوه بأنه صفقة مسبقة ومال سياسي فاسد لشراء الأصوات لبعض المرشحين لتقلد مناصب في الفترة الانتقالية.

4- التباين حول آليات تولي المناصب: أرجأت المبعوثة الأممية الملتقى إلى الأسبوع المقبل، عبر عقد لقاء افتراضي، من أجل بحث آليات اختيار من سيتولى المناصب في السلطة التنفيذية، إذ إن هناك تباينًا شديدًا في وجهات النظر نابعًا من دفاع بعض أعضاء الملتقى عن آليات بعينها من أجل وصول أشخاص معينين إلى السلطة، في مقابل وجهات نظر أخرى لا سيما تلك التي تؤكد على ضرورة استبعاد قيادات المرحلة الحالية من أي مناصب مقبلة، وهو ما يُعزز من الخلاف في وجهات النظر ويُصعّب من إمكانية حسم تلك النقطة الجوهرية في المدى المنظور.

ختامًا، شكّل الملتقى خطوة مهمة نحو الأمام في سبيل حلحلة الأزمة الليبية، وقد توفر له من الدعم الدولي والإقليمي ما يكفي من أجل إنجاحه، إلا أنه لم يحقق اختراقًا مهمًّا في الملف الليبي، ولذا فقد كان الملتقى دون سقف التوقعات المرتفع، وفي حال ظلت النقاشات المحتدمة نابعة بالأساس من الدفاع عن مصالح شخصية أو مناطقية، فإن ذلك يُعقد من النجاح في وضع خارطة طريق واضحة المعالم تنقذ البلاد من عقد كامل من التدهور السياسي والأمني.