أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

خلافات جديدة:

تواصل الجدل في إيران حول الاتفاق النووي

08 سبتمبر، 2016


رغم مرور أكثر من عام على الوصول للاتفاق النووي في يوليو 2015، ونحو ثمانية أشهر على رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران في يناير 2016، إلا أن الاتفاق ما زال يمثل محورًا رئيسيًا للجدل المتصاعد بين القوى السياسية الإيرانية. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن هذا الجدل لم يعد يتركز فقط حول التداعيات الاقتصادية التي يمكن أن يفرضها الاتفاق على إيران، وإنما بدأ يمتد أيضًا إلى تأثيراته على علاقات إيران مع حلفائها الإقليميين، على غرار "حزب الله" اللبناني وحركتى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيتين.

وفي الواقع، فإن ذلك يعود إلى اتساع نطاق الخلافات بين حكومة الرئيس حسن روحاني من ناحية وتيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري من ناحية أخرى، خلال الفترة الحالية، حول الموقف من ما يسمى بـ"فريق العمل المعني بالإجراءات المالية" (The Financial Action Task Force (FATF، وهى مجموعة دولية تأسست عام 1989 وتهتم بتحديد المعايير الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، والتي رغم أنها علقت بعض الإجراءات التي اتخذتها ضد إيران لمدة 12 شهرًا في يونيو 2016، إلا أنها أبقت عليها ضمن قائمة الدول ذات المخاطر المرتفعة، على غرار كوريا الشمالية.

مشكلات عديدة

من دون شك، فإن التوصيات التي تطرحها تلك المجموعة يمكن أن تفرض مشكلات عديدة لا تبدو هينة بالنسبة لإيران لاعتبارين: أولهما، أنها تزيد من مخاوف الشركات والمصارف الأجنبية من التعامل مع الشركات والمصارف الإيرانية، لا سيما في ظل استمرار تعرض بعضها لعقوبات دولية، بسبب الاتهامات التي تواجهها في هذا السياق بدعم الإرهاب تحديدًا، وهو ما يقلص من أهمية رفع العقوبات المفروضة على إيران بعد الوصول للاتفاق النووي، على اعتبار أن التداعيات الإيجابية التي يمكن أن يفرضها رفع العقوبات ترتبط في قسم منها بمدى استعداد المصارف والشركات الأجنبية للتعامل مع إيران.

وثانيهما، أنها تقدم مؤشرات حول عدم حدوث تغير ملحوظ في السياسة الإيرانية في مرحلة ما بعد الوصول للاتفاق النووي، خاصة فيما يتعلق بمواصلة دعم بعض الميلشيات والمنظمات الإرهابية في المنطقة، على عكس بعض التوقعات التي كانت تشير إلى إمكانية اتجاه إيران نحو تبني سياسة أكثر اعتدالا في مرحلة ما بعد إنجاز الصفقة النووية، باعتبار أن هذا التطور يمكن أن يساهم في توسيع القاعدة الاجتماعية المؤيدة لتيار المعتدلين الذي كان له الدور الأبرز في الوصول للاتفاق.

اتجاهان رئيسيان

في هذا السياق، يبدو من التفاعلات السياسية التي تشهدها الساحة السياسية الإيرانية في الفترة الحالية، أن ثمة اتجاهين رئيسيين كل منهما يتبنى رؤية خاصة للتعامل مع توصيات ما يسمى بـ"فريق العمل المعني بالإجراءات المالية" (فاتف). الاتجاه الأول، وتقوده حكومة الرئيس روحاني، ويرى ضرورة التجاوب مع بعض التوصيات التي تطرحها تلك المجموعة، فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، باعتبار أن ذلك يمثل الآلية الرئيسية للحصول على العوائد المالية والاقتصادية للاتفاق النووي، وهى المهمة التي ما زالت تواجه عقبات عديدة، في ظل عزوف كثير من المصارف الأجنبية عن التعامل مع إيران تجنبًا لاحتمال تعرضها لعقوبات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد اتهام بعض المصارف والمؤسسات الإيرانية بممارسة أنشطة خاصة بغسيل الأموال ودعم الإرهاب.

وبعبارة أخرى، فإن حكومة الرئيس روحاني تسعى من خلال الدعوة للتجاوب مع توصيات تلك المجموعة إلى الإسراع في استحصال مكاسب الاتفاق التي تأخرت في رؤيتها، وهو ما سوف يدعم موقفها على الساحة الداخلية، ويقلص الضغوط التي تتعرض لها من جانب تيار المحافظين الأصوليين، الذي استغل العقبات التي ما زالت تحول دون رفع العقوبات الدولية من أجل تأكيد أن إيران قدمت تنازلات كبيرة في الاتفاق ولم تحصل في المقابل على مزايا تكنولوجية واقتصادية وإقليمية يعتد بها.

منافسة محتملة

بالطبع، فإن الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة من أجل إنهاء العقبات التي تحول دون حصول إيران على عوائد الاتفاق النووي لا ينفصل عن مساعيها لتوسيع قاعدتها الشعبية قبل الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في مايو 2017، والتي يتوقع أن يواجه فيها روحاني منافسة قوية من جانب مرشحين محتملين من تيار المحافظين الأصوليين، الذي يبدو أنه لن يقدم على تكرار تجربة انتخابات 2013 التي ترشح فيها أربعة من كوادره أمام روحاني، بشكل عزز من فرص الأخير في الفوز بالانتخابات من الجولة الأولى، بما يعني أن القوى السياسية التي تنتمي إلى هذا التيار سوف تسعى، في الغالب، إلى الاتفاق على مرشح واحد منافس لروحاني خلال الاستحقاق الرئاسي القادم.

شكوك متصاعدة

أما الاتجاه الثاني، ويقوده المحافظون الأصوليون والحرس الثوري، فيرى أن الضغوط التي تمارسها مثل تلك المنظمات والهيئات الدولية تهدف إلى إضعاف قدرة إيران على التحول إلى قوة إقليمية رئيسية في المنطقة، باعتبار أنها تدعو- في رؤيته- إلى وقف دعم الحلفاء الإقليميين لإيران، لا سيما بعض المنظمات المسلحة التي تتهم بالإرهاب.

وبعبارة أخرى، فإن هذا الاتجاه يرى أن بعض القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى من خلال تلك الآلية إلى تحقيق ما لم تستطع تحقيقه حتى الآن من الاتفاق النووي، وهو دفع إيران إلى إجراء تغيير في سياستها الخارجية بما يتوافق مع مصالح تلك القوى.

ومن هنا، بدأت شخصيات عديدة تنتمي لتيار المحافظين الأصوليين في الدعوة إلى عدم الاستجابة لمطالب تلك المجموعة على غرار الدكتور سعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليًا، الذي قال أن "تطبيق توصيات تلك المنظمة معناه مساعدة الآخرين على فرض حظر على إيران"، مشيرًا إلى أن "البعض يعقد الآمال على ممارسة الضغوط على المرشد والشعب من الداخل"، وهو ما يمثل اتهامًا ضمنيًا لحكومة الرئيس روحاني بأنها تسعى إلى تنفيذ أهداف وأجندات بعض الدول الخاصة بإجراء تغييرات في السياسة الخارجية الإيرانية بما يتوافق مع مصالحها.

خيارات محدودة

يبدو أن هذه الخلافات سوف تتجه إلى التصاعد في الفترة القادمة، خاصة أنها ترتبط بملفات أخرى لا تقل أهمية وتتعلق بالاتهامات الموجهة للحكومة بالسعى إلى توسيع نطاق نفوذها في عملية صنع القرار إزاء بعض القضايا الإقليمية، على غرار الأزمة السورية، وهو ما يبدو أنه سوف يدفع المرشد علي خامنئي إلى التدخل، في مرحلة ما، بهدف إعادة التأكيد على محددات السياسة الإيرانية إزاء القضايا الخلافية.

وهنا ربما يمكن القول إن إيران سوف تجد نفسها أمام خيارات محدودة في التعامل مع الضغوط الخارجية التي تواجهها، حيث أنها إذا تجاوبت مع توصيات "فريق العمل المعني بالإجراءات المالية"، فإن ذلك معناه اتجاهها إلى اتخاذ خطوات إجرائية فعلية لتقليص دعم بعض المنظمات المسلحة التي تتهم بالإرهاب، وهو ما لا يبدو احتمالا مطروحًا في الفترة الحالية، وعدم الاستناد فقط إلى تصديق مجلس الشورى الإسلامي على قانون مكافحة الإرهاب في عام 2012 لإضفاء شرعية على مزاعمها بأنها طرف رئيسي في مكافحة الإرهاب. وقد حرص المرشد خامنئي في مناسبات عديدة، خاصة بعد الوصول للاتفاق النووي، على تأكيد استمرار إيران في دعم حلفائها في المنطقة باعتبار أن ذلك يمثل ركنًا أساسيًا من أركان السياسة الخارجية الإيرانية، بما يزيد من صعوبة تغييره.

أما في حالة اتجاه إيران إلى عدم التجاوب مع تلك التوصيات، فإن ذلك سوف يقدم مؤشرات سلبية تكشف عن استمرار تورط إيران في عمليات غسيل أموال ودعم الإرهاب، وهو ما سوف يزيد من العقبات التي تقلص من قدرتها على استحصال عوائد الاتفاق وإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي من جديد، خاصة أن ذلك سوف يقنع المصارف والشركات الأجنبية بجدوى عدم التعامل مع إيران، لا سيما في الفترة الحالية، التي تقترب فيها الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2016، والتي ربما تتحول إلى سببب آخر يمكن أن يدفع تلك الجهات إلى عدم المغامرة بتوقيع اتفاقيات مع إيران أو رفع مستوى التعاملات المالية معها، إلى حين استشراف ما سوف تنتهي إليه تلك الانتخابات من نتائج.

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا