أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رهائن هرمز و«الحذر وبعد النظر»

22 يوليو، 2019


بعد خمسين عاماً من هبوط الإنسان على سطح القمر وما أثارَه المشهدُ الاستثنائي من آمال، تبدو منطقة الشرق الأوسط عالقة في نزاعات قديمة وجديدة تحرمها فرصة الصعود إلى قطار الدول الطبيعية المنشغلة بالتنمية والتقدم. ففي هذه العقود الخمسة لم يعثر الفلسطينيون على دولتهم. ولا الأكراد على حقوقهم. احتفظ الخوف بلقب المواطن الأول في الإقليم. دول خائفة على حدود خرائطها أو خائفة من مفاجآت الداخل. وحكومات عاجزة عن مواجهة استحقاقات التنمية. وغياب فادح للمؤسسات العصرية القادرة على مواجهة المشكلات القائمة والتنبؤ بالمقتربة. منطقة مؤلمة تضجُّ بالنزاعات وولادة لأمواج من اللاجئين ولنزعات انتحارية تدميها والعالم معاً. 

وإذا كانت هذه المنطقة خافت سابقاً على ثرواتها وأرضها من تربُّص القوى الخارجية فإنها تتخوف اليوم من النهج المغامر لدول فيها تغريها أحلام انتزاع لقب الدولة الكبرى المحلية. ونظرة سريعة إلى المنطقة تظهرها مكتظة بالجيوش الصغيرة الجوَّالة والصواريخ والطائرات المسيَّرة والسياسات المتهورة.

كان على المرء أن يتابع حدثين في الوقت نفسه. حدث الاحتفاء بذكرى صعود الإنسان إلى القمر، وحدث الأزمة المتفاقمة قرب مضيق هرمز بكل تشعباتها المحلية والدولية. ومع تحول ناقلات النفط مادة لأزمة رهائن جديدة، تذكر أهل المنطقة والعالم أزمة الرهائن القديمة قبل أربعين عاماً حين حولت الثورة الإيرانية الأميركيين إلى رهائن في سفارة بلادهم في طهران. وثمة من يسارع إلى الاستنتاج بأن المنطقة لم تتغير وأن إيران لم تتغير.

تذكرت وأنا أتابع الفيديو الذي وزعه «الحرس الثوري» الإيراني لعملية احتجاز الناقلة البريطانية ما سمعته على هامش قمة العشرين في أوساكا. كان المتحدث الياباني يحاول شرح الهموم التي تشغل بلاده حالياً. قال إن اليابان تقيم في منطقة صعبة وإنك «لا تختار جيرانك»، في إشارة إلى سلوك كوريا الشمالية واحتفالاتها المتكررة بآخر إنتاج ترسانتها وإلى الصعود الصيني، وما يمكن أن يشكله لليابان من تحديات اقتصادية وسياسية وربما أمنية. ورأى أن على الدول أن تكون عاقلة وحازمة في آن. عاقلة كي لا تسارع إلى الانخراط في أي تصعيد يلجأ إليه جار مشاكس أو متهور. وحازمة بمعنى أن تكون لديها عناصر قوة يمكن أن تردع اللاعبين الذين يستعذبون السير على حافة الهاوية. وعناصر القوة في نظره هي أن تطور قواك الذاتية للدفاع عن نفسك، وأن تكون لديك في الوقت نفسه تحالفات تشكل مظلة واقية ضد المغامرات. واعتبر أن أصعب ما يمكن أن تواجهه دولة هو التعامل مع جار قلق وعدواني، يعيش في ظل قاموس لا يتوافق والقاموس الدولي ومبادئ الأمم المتحدة وقراراتها.

يطرح الفيديو الذي وزعه «الحرس الثوري» أسئلة كثيرة. لماذا اختارت إيران ناقلة ترفع العلم البريطاني؟ هل يتعلق الأمر بالإفراج عن الناقلة الإيرانية التي احتجزت في جبل طارق؟ وهل اختيار بريطانيا بالذات لأنها غارقة هذه الأيام في البحث عن خليفة لتيريزا ماي على وقع المخاوف من «بريكست» من دون اتفاق؟ أم لأن بريطانيا اليوم هي غير بريطانيا التي أرسلت أسطولها في بداية الثمانينات لاستعادة جزر فوكلاند، وإنزال الهزيمة بالجنرالات الأرجنتينيين الذين حاولوا إذلال الإمبراطورية السابقة؟ هل لأن بريطانيا لم تعد قادرة على شنِّ حرب بمفردها، ولأن دونالد ترمب لن يشنَّ حرباً من أجل بريطانيا؟

أسئلة كثيرة. لماذا اختارت إيران سلوك طريق التصعيد؟ هل لأنها تأكدت أن ترمب يعني ما يقول حين أعلن أنه لا يريد الذهاب إلى الحرب؟ وهل اعتبرت ذلك ممراً لإجراء عرض للقوة يوقظ المشاعر الوطنية داخل خريطتها، ويلهي المواطنين عن معاناتهم بفعل العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها إدارة ترمب على صادرات النفط الإيراني؟ وهل أرادت طهران تقديم عينة عن إمكان اللجوء إلى إغلاق جزئي لمضيق هرمز بسلسلة من الحوادث تدفع الدول إلى نصح ناقلاتها بتجنب مصيدة المضيق؟ وهل تريد طهران تغيير قواعد اللعبة بحيث يصبح المطلب الوحيد للعالم منها أن تكفَّ عن تعكير مياه هرمز، بدلاً من أن يطالبها بوضع ملفي ترسانتها الباليستية وسياستها الإقليمية على الطاولة في أي مفاوضات مقبلة؟

تجد دول المنطقة صعوبة في فهم السلوك الإيراني الذي يغرف من قاموس غير القاموس الدولي المتعارف عليه. تزعم طهران أنها تريد خروج قوات الدول الكبرى من المنطقة، لكنها تتصرف على نحو يبرر لهذه الدول تعزيز وجودها. ثم إن ما تعرضت له الناقلات من تفجير أو احتجاز يؤكد، على نحو لا لبس فيه، أن المشكلة مع إيران تتعلق بسلوكها قبل أن تتعلق بطموحاتها النووية. ولهذا لا يبقى لدول المنطقة غير أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة لإحداث توازن يمنع الانزلاق إلى حرب. في هذا السياق يمكن فهم قرار السعودية بالموافقة على استقبال قوات أميركية «لرفع مستوى العمل المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها وضمان السلم فيها». فالسعودية التي أعلنت صراحة أنها لا تريد الحرب ترى في استقبال القوات الأميركية «استمراراً للتعاون العسكري بين البلدين، الذي يهدف لإبقاء الضغط عالياً على إيران ومنعها من زيادة التصعيد الذي تسببت فيه».

لا مصلحة للمنطقة في حرب جديدة. لكن شروط الاستقرار لا تبدو متوافرة. لم تتغير إيران التي تتصرف كثورة رافضة قاموس الدولة. بعد أربعين عاماً من احتجاز الأميركيين رهائن في سفارة بلادهم في طهران، تحتجز الناقلات رهائن على مقربة من مضيق هرمز. تراهن على أن خيار الحرب ليس مناسباً لترمب الذي يتطلع إلى ولاية ثانية، لهذا تذهب بعيداً في اللعب على حافة الحرب. ثمة من يعتقد أن العقوبات توجعها إلى حدٍّ يغريها بالمخاطرة. وهناك من يعتقد أن توتير خط التماس مع الغرب وحلفائه سياسة تستخدمها لتجديد تماسك نظامها. لكن هذا النوع من الألعاب لا يصلح لكل زمان ومكان. وحافة الحرب مقعد محفوف بأخطار كثيرة. وعلى طهران أن تستفيد من نصائح وزير خارجيتها للآخرين بـ«الحذر وبعد النظر».

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط