أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تفجير مانشستر:

دلالات وأسباب تصاعد التهديدات الإرهابية في بريطانيا

23 مايو، 2017


لم يمنع نجاح بريطانيا خلال الفترة الأخيرة في إحباط العديد من عمليات الإرهاب الفردي لتنظيم "داعش"، من أن يستهدف إرهابي، وربما خلية إرهابية، بحسب ما ستؤكده التحقيقات لاحقًا، حفلا غنائيا بعبوة ناسفة في مدينة مانشستر شمال إنجلترا، ما أدى إلى سقوط 22 قتيلا بينهم أطفال، وأكثر من 50 جريحا.

وكانت بريطانيا قد رفعت مستوى التهديد الإرهابي إلى درجة "حاد" منذ 3 سنوات، وسبق أن أعلنت الشرطة والاستخبارات البريطانية إحباط حوالي 13 هجومًا إرهابيًّا منذ عام 2013، ما يعني أن أجهزة الأمن البريطانية كانت تتوقع حدوث عمليات إرهابية وشيكة، لا سيما بعد هجمات باريس وبروكسل.

وقد تبنى تنظيم" داعش" هجوم مانشستر، الذي يعد رابع عملية إرهابية ينفذها في عواصم أوروبية منذ مطلع العام الجاري 2017، في كلٍ من بريطانيا والسويد وفرنسا، وذلك على الرغم من إصدار تحذيرات بصورة أسبوعية من مختلف الدول الأوروبية تحذر من إمكانية وقوع هجمات إرهابية.

وحول الانتحاري الذي نفذ الهجوم، أعلنت الشرطة البريطانية أنه "سلمان العبيدي" من أصل ليبي، ويبلغ من العمر 22 عامًا، وهو ابن للاجئين ليبيين، وولد في مانشستر، ويعيش في لندن التي سافر منها بالقطار لتنفيذ هجومه في مانشستر.

دلالات أولية

تشير عملية مانشستر الإرهابية إلى بعض الدلالات الأولية، التي من أبرزها ما يلي:

1– هجوم منظم لا عشوائي: تم الهجوم باستخدام عبوة تفجيرية، وليس من خلال عملية دهس مثلا، كما أنه استهدف الحضور في الحفل لدى خروجهم، ما يُفيد بأن ثمة تخطيطًا جيدًا ومنظمًا لهذه العملية، حيث يدرك المنفذ أن الإجراءات الأمنية أقل شدة عند الخروج مقارنة بدخول الحفل.

2– قصور أمني بريطاني: يتضح القصور الأمني في ظل عدة عوامل، منها: وجود توقعات وتحذيرات مسبقة من حدوث هجوم إرهابي في بريطانيا، وإصدار تحذيرات بإمكانية وقوع عملية إرهابية في مكان الحفل قبل 4 ساعات من وقوعه، علاوة على انتقال منفذ الهجوم من العاصمة لندن إلى مانشستر دون الاشتباه أو توقيفه، علمًا بأنه من غير المعروف حتى الآن ما إن كان قد انتقل بعبوته الناسفة، أم أنها كانت مجهزة له في منطقة قريبة من مكان الهجوم؟

3– استهداف مدينة غير العاصمة: كانت المدينة المستهدفة هذه المرة هي مانشستر وليس العاصمة لندن، وربما يعود ذلك إلى معرفة منفذ الهجوم جيدًا بالمدينة، أو لإدراك تنظيم "داعش" أن الإجراءات الأمنية في المدن الأخرى قد تكون أقل من العاصمة.

4– تصاعد ظاهرة استهداف الحفلات الغنائية والملاهي الليلية: يؤكد هجوم مانشستر أن التنظيمات الإرهابية أو حتى بعض الأفراد من "الذئاب المنفردة"، تتعمد تنفيذ عمليات في حفلات غنائية أو في ملاهٍ ليلية، مثلما حدث في مدينة إسطنبول ليلة رأس السنة لعام 2017، وهجوم ملهى أورلاندو الأمريكي في يونيو 2016، والهجوم على قاعة باتاكلان في باريس في نوفمبر 2015؛ وهو ما يُشير إلى أمرين: أولهما اللعب على وتر العامل الديني لجذب متطرفين جدد، وثانيهما إدراك صعوبة السيطرة الأمنية على هذه الأماكن بسبب وجود جمهور كثيف بها.

5– جدل داخلي بريطاني: أثار هذا الهجوم مبكرًا جدلا حول ما إذا كان المُنفذ "داعشيًّا" أم لا؟ وهل ثمة خلية نفذت العملية أم فرد واحد؟ والأهم إذا ما كان المُنفذ من المتعاطفين مع "داعش" أم المنتمين إليه فكريًّا أم من العائدين من مناطق الصراع؟ وعلى الرغم من أن المُنفذ بريطاني المولد، إلا أن التساؤلات السابقة تفتح المجال أمام احتمال قيام بريطانيا بتغيير استراتيجيتها، سواء فيما يخص الحرب ضد "داعش"، أو سياساتها تجاه المقاتلين العائدين، أو حتى تعاملها مع أماكن حاضنة للتطرف، أو مع اللاجئين داخل الأراضي البريطانية.

عوامل تصاعد التهديدات الإرهابية في بريطانيا

يعد هجوم مانشستر هو العملية الإرهابية الثانية التي تحدث في بريطانيا منذ بداية عام 2017، بعد حادث دهس إرهابيٍّ عددًا من الأشخاص، وطعن شرطي قرب البرلمان البريطاني في مارس الماضي، وهو ما أسفر عن مقتل 4 أفراد، بينهم منفذ الهجوم.

ويشير ذلك إلى تصاعد التهديدات الإرهابية الموجهة إلى بريطانيا على الرغم من أنها تُعد من الدول المتعاطفة مع تيارات الإسلام السياسي بوجه عام، كما أنها تُعتبر أكثر أمنًا مقارنة بغيرها من العواصم الأوروبية التي شهدت عمليات إرهابية كبيرة، على غرار فرنسا في ديسمبر 2015 ويوليو 2016، وبروكسل في مارس 2016.

وترجع أسباب تصاعد التهديدات الإرهابية في بريطانيا خلال الأعوام الأخيرة إلى عدة عوامل، من أهمها ما يلي:

1- وجود مواطنين بريطانيين في صفوف "داعش": ثمة تقديرات تشير إلى وجود نحو 850 بريطانيًّا يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش"، وتتوقع الأجهزة الأمنية البريطانية أن بعضهم قد يعود إلى البلاد لتنفيذ عمليات إرهابية فور هزيمة التنظيم في سوريا والعراق. كما أن الضغط العسكري ضد "داعش" في سوريا والعراق قد دفعه إلى حث أعضائه على توجيه ضربات انتقامية ضد الدول التي تشارك في العمليات العسكرية.

2- تجاهل مخاطر التنظيمات المتطرفة في السابق: يُلاحظ أن الشرطة البريطانية كانت تميل إلى التعامل مع التيارات الإسلامية المتشددة، نظرًا لوجود اعتقاد لديها بأنها تتمتع بمصداقية أكبر لدى المتطرفين الشباب، وبالتالي تستطيع أن تمنعهم من تنفيذ عمليات إرهابية، وذلك مقارنة بالتنظيمات الإسلامية الليبرالية.

وفي هذا السياق، أشار "روبرت لامبرت" (الرئيس السابق لوحدة التواصل مع المسلمين في الشرطة البريطانية "سكوتلاند يارد) إلى أن المسلمين من الهنود الشباب نجحوا في منع "أبو قتادة"، أحد مروجي الفكر الجهادي السلفي، من السيطرة على مسجد بريكستون في لندن في التسعينيات. ولكن نتج عن هذه العلاقة التعاونية، في المقابل، تجاهل جهود تلك الجماعات لإنشاء مجتمعات موازية منفصلة عن المجتمع البريطاني.

وليس بعيدًا عما سبق، فإن الحكومة البريطانية كانت دومًا تتجاهل أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، حتى إصدار التقرير الذي تم إعداده في ديسمبر 2015 بناءً على تكليف من رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، والذي عرف باسم "مراجعة أنشطة الإخوان المسلمين"، والذي أشار إلى أن جانبًا من جماعة الإخوان المسلمين لديهم علاقات مشبوهة مع التطرف العنيف، فأيديولوجيا الجماعة وهيكلها التنظيمي، وفقًا للتقرير، بمثابة "طقس عبور" للأفراد والجماعات التي انخرطت في عمليات عنف وإرهاب.

وربما يرجع أسباب تغاضي الحكومة البريطانية عن أنشطة الإخوان المسلمين، إلى أن عناصر من الاستخبارات الداخلية البريطانية "إم آي 5" MI5، ووزارة الخارجية، كانت تعتبر الجماعة حليفًا مهمًّا، داخليًّا وخارجيًّا.

3- وجود حواضن للتطرف في بريطانيا: ترتب على السياسة البريطانية السابقة أن أصبحت بعضُ المدن حواضنَ للتطرف، مثل مدينة "برمنجهام" ثاني أكبر المدن البريطانية، إذ إن عددًا كبيرًا من الإسلاميين الإرهابيين ارتبطوا بها؛ فالرجل المتهم بتجنيد "الجهادي جون" في صفوف "داعش" كان من برمنجهام، كما تواجد "عبدالحميد أبا عود"، المخطط الرئيسي لعمليات باريس الإرهابية في ديسمبر 2015، في المدينة ذاتها لفترة. وينطبق الأمر نفسه على "محمد عبريني" الذي ساعد في عمليات بروكسل الإرهابية في عام 2016، و"خالد مسعود" الذي قام بتنفيذ الهجوم على البرلمان البريطاني في مارس 2017.

4- تحريض المتعاطفين مع "داعش": نجح تنظيم "داعش" في استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية التحريضية بهدف تنفيذ عمليات إرهابية. ويُعد أكثرَ التنظيمات الإرهابية نجاحًا في هذا الصدد. كما أن تنظيم "القاعدة" سعى لتوظيف نفس الأسلوب، في إطار مساعيه الرامية لاستعادة تصدر المشهد "الجهادي" منذ ظهور "داعش"، فقد دعا "حمزة" ابن أسامة بن لادن، أتباع "القاعدة" لمهاجمة اليهود والأمريكيين والغربيين وحتى الروس، وذلك باستخدام أسلوب إرهاب "الذئاب المنفردة"، وباستخدام الوسائل المتاحة أمامهم.

5- تنامي اليمين المتطرف: تهدف استراتيجية "داعش" إلى زيادة التوتر بين المسلمين والمجتمعات الأوروبية، خاصةً في الوقت الذي تشهد فيه الدول الأوروبية صعود اليمين المتطرف الذي يتبنى أجندة معادية للمهاجرين والمسلمين. ويسعى التنظيم لاستغلال ذلك لدعم شعور قطاعات من المسلمين بالاغتراب، وهو ما يجعلهم أكثر تقبلا لدعاية "داعش" المتطرفة، وبالتالي تنفيذ عمليات إرهابية.

ومن جهة ثانية، فإن اليمين المتطرف قد يدعم تلك الجهود بطريقة غير مباشرة، وليس أدل على ذلك من اعتقال جندي ألماني كان يعيش متنكرًا تحت هوية لاجئ سوري، ويخطط لتنفيذ عملية إرهابية.

مستقبل الهجمات الإرهابية في أوروبا

في ضوء تصاعد التهديد الإرهابي في أنحاء القارة الأوروبية، فإنه يتوقع أن يأخذ التهديد الإرهابي الأشكال التالية:

1- هجمات "الذئاب المنفردة": يعد "داعش" من أنجح التنظيمات الإرهابية في إلهام المتعاطفين معه بتنفيذ عمليات الإرهاب الفردي. وغالبًا ما يسعى التنظيم إلى تجنيد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية، ويشعرون بالاغتراب، بالإضافة إلى وجود رغبة لديهم في الإضرار بالمجتمع. وبطبيعة الحال، فإنه من الصعب على القوات الأمنية رصد أولئك الأفراد. 

من جهة ثانية، نجح "داعش" في تنفيذ هجمات إرهابية مبتكرة، مثل "إرهاب الشاحنات"، والتي قام بتوظيفها لأول مرة في مدينة نيس الفرنسية في 14 يوليو 2016، وتم تكرارها في عمليات إرهابية لاحقة، مثل هجوم استوكهولم في أبريل 2017.

وتتخوف الدول الأوروبية من هذا النمط من الإرهاب، فقد حذر تقرير عن "إدارة أمن المواصلات" في الولايات المتحدة، أصحاب الشاحنات من تصاعد "هجمات الدهس" من قِبَل الإرهابيين الذين يستخدمون الشاحنات كأدوات للقتل. ويعد هذا الأسلوب من الهجمات مفضلا لدى الجماعات الإرهابية، نظرًا لما يترتب عليه من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، مثل سقوط 87 فردًا في الهجوم الإرهابي الذي تم في "نيس".

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن "إرهاب الشاحنات"، إن جاز التعبير، لا يحتاج إلى خبرة فنية معقدة مثل المتفجرات، فكل ما يحتاجه الإرهابي في هذه الحالة، هو سرقة شاحنة، واختيار مكان مزدحم. كما أن امتلاك إرهابي ما لخلفية إجرامية تجعله على معرفة باستخدام الأسلحة، وكيفية الحصول عليها، ويزيد من الخسائر المترتبة على العملية الإرهابية.

2- العمليات الإرهابية المُوجهة من الخارج: يمكن تنفيذ عمليات إرهابية من قِبَل المقاتلين الأجانب العائدين، أو من خلال العناصر الإرهابية التي نجحت في التسلل في أوساط اللاجئين إلى الدول الأوروبية، على غرار ما حدث في العمليات الإرهابية التي شهدتها باريس في ديسمبر 2015، وبروكسل في مارس 2016.

وتجدر الإشارة إلى أن عناصر "داعش" الذين حاربوا مع التنظيم في سوريا والعراق، اكتسبوا مهارات قتالية، فضلا عن إدراكهم للقدرات التكنولوجية المتقدمة التي تمتلكها بريطانيا في مجال الرصد والتجسس، بالإضافة إلى معرفتهم بالإجراءات الأمنية المتشددة التي يتبعونها، وبالتالي سيكونون أكثر حرصًا عند تنفيذهم هجمات إرهابية. وفي حالة ما إذا كان هجوم مانشستر الأخير قد تم تنفيذه من خلال خلية إرهابية تابعة لداعش، فإن هذا سوف يزيد من التهديدات الإرهابية على الأمن الأوروبي، نظرًا لقدرته على اختراق التدابير الأمنية.

ختامًا، يمكن القول إنه مع خسارة تنظيم داعش مزيدًا من الأراضي في سوريا والعراق؛ فإن مخاطر التنظيم سوف تزداد، وسوف يواصل تركيزه على المناطق الرخوة التي يصعب تأمينها، مثل: المناطق المزدحمة، والمواصلات العامة، وذلك بغرض إيقاع أكبر قدر من الضحايا. وإذا ما كانت بريطانيا قد نجحت في الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة في الرصد والتجسس؛ فإن تحالفها وتغاضيها عن أنشطة الجماعات المتطرفة في الداخل سابقًا يعني أن هناك مخاطر جدية من تحول عدد من المتطرفين إلى إرهابيين نشطين يقومون بتنفيذ عمليات انتقامية.