أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

القتل العشوائي:

اغتيال الإرهابيين بـ"الدرونز"..هل المعايير الأمريكية عادلة؟

23 أكتوبر، 2016


عرض: علا رفيق منصور، باحثة في العلوم السياسية 


على الرغم من كافة التعهدات التي قدمها الساسة الأمريكيون بالالتزام بمحاكمة عادلة لجميع الأفراد قبل تنفيذ أي عقوبة حتى وإن كان الشخص يُصنف إرهابيًّا، إلا أن سلاحًا مثل الطائرات دون طيار -أو ما يُعرف بالدرونز- أكد مخالفتهم لكافة هذه التعهدات، خاصة وأنها لم تقم باغتيال الإرهابيين فقط، بل أدت أيضًا إلى قتل العديد من المدنيين.

وفي هذا السياق، يستعرض هذا الكتاب هذه القضية مستعينًا بمجموعة من الوثائق التي تم تسريبها من داخل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والتي قامت مجلة (Intercept The) المهتمة بشئون التكنولوجيا بنشرها، كما اعتمد هذا الكتاب على مقابلات مع بعض العسكريين والموظفين المتقاعدين من داخل برنامج الدرونز، وقام بتأليف هذا الكتاب "جيريمي سكاهيل" (باحث في معهد الأمة الأمريكي وصحفي استقصائي مهتم بقضايا الحريات)، وصدر الكتاب في مايو 2016.

قائمة الاستهداف العشوائي:

استطاعت مجلة (Intercept The) الحصول على مجموعة من الشرائح السرية التي وفرت معلومات هامة عن عمليات الجيش الأمريكي في أفغانستان واليمن والصومال، وقد أظهرت هذه الوثائق أن عمليات الاغتيال عنصر أساسي ومحوري في السياسة الأمريكية لمحاربة الإرهاب.

كما كشفت عن أن واشنطن اعتمدت لسنوات طويلة على المعلومات الخاطئة التي تأتي من قبل جهاز المخابرات الأمريكي، والتي كانت نتيجتها مصرع عدد كبير من المدنيين، كما أن المعلومات المتوفرة لم تكن بالدقة الكافية لتوضح الإرهابيين المشتبه بهم، فقد كشف المؤلف "جيريمي سكاهيل" عن تفاصيل جديدة حول سياسة الاغتيالات الأمريكية السرية تتمثل في أن الحكومة الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر تقوم بإعداد قائمة مراقبة.

وتعتمد في هذا على قاعدة بياناتها "تايد TIDE" التي تقوم فيها بجمع بيانات الإرهابيين من دول متعددة وبالتعاون مع أجهزة استخباراتية أخرى، ونظرًا لسرية هذه المعلومات فإنه لا يُسمح إلا لأفراد معينين بالاطلاع عليها، ولهذا توجد قاعدة بيانات أخرى تحتوي على معلومات يُسمح لجميع المسئولين بالاطلاع عليها، ويطلق عليها (TSDB).

غير أن أوباما منح منذ عام 2010 الحق لبعض المسئولين بإضافة أسماء إلى هذه القائمة، ولم يتضح ما هو المعيار الذي يقوم بناءً عليه هؤلاء المسئولون بإضافة أسماء إلى قائمة الإرهابيين المشتبه بهم أو الممنوعين من السفر، ويؤكد هذا التقرير العلني الذي أصدره مكتب المساءلة الأمريكي في عام 2012، والذي أشار إلى أنه لا يوجد معيار يمكن من خلاله التأكد مما إن كانت هذه القائمة تقوم بدورها من عدمه.

وقد أوضحت الوثائق المسربة أن هناك معايير غير عادلة لوضع بعض الأشخاص على قوائم الاشتباه، على غرار وجود صلة قرابة بينه وبين أحد الإرهابيين حتى وإن لم توجد معلومات تدين الشخص أو تثبت تورطه في مثل هذه الأعمال، أو وجود علاقة صداقة أو زمالة بينه وبين الإرهابي وإن كانت محدودة.

كما يمكن وضع الأشخاص في هذه القائمة في حالة تم الاشتباه في وجود صلة محتملة بينهم وبين جماعات إرهابية وإن لم تتوفر كافة المعلومات التي تثبت ذلك، وهو الأمر الذي لم يكن بالمفاجئ في ظل رفض كل من إدارة بوش وأوباما الإفصاح عن معايير وضع أسماء بعينها على قواعد بيانات قوائم المراقبة.

خريطة اغتيالات الدرونز:

منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس باراك أوباما الحكم اتخذ سلاح الطائرة بدون طيار كخياره الأفضل، وهو السلاح الذي استخدمته الحكومة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية لمطاردة وقتل من تعتبره الإدارة يستحق القتل، وعندما ناقشت الحكومة الأمريكية لأول مرة غارات الطائرات بدون طيار علانية، قامت بتقديم ضمانات بأن هذه الغارات سوف تكون بديلا أكثر دقة عن القوات الموجودة على الأرض، وقد لاقت هذه الضمانات القبول والثقة ولكنها لم تتحقق على أرض الواقع.

وكانت عمليات الطائرات بدون طيار في البداية تركز على كلٍّ من العراق وأفغانستان، إلا أن المقابلات والوثائق تؤكد أن عددًا من مسئولي البنتاجون قاموا بالضغط على الرئيس الجديد للقيام ببعض العمليات السرية وحروب الظل داخل اليمن والصومال، وقد أدت هذه الغارات إلى مقتل بعض المدنيين. فعلى سبيل المثال، أكدت إحدى الوثائق المسربة أنه تم قتل عدد من المدنيين خلال غارة بطائرات دون طيار قامت بها الولايات المتحدة في يونيو 2012، كما تم قتل ما يقدر بحوالي 4 مدنيين في الصومال في نفس العام.

وعلى النقيض من هذا، كانت دقة إصابة الأهداف في العراق وأفغانستان أكبر من اليمن والصومال، خاصة وأن هذه الطائرات كان يتم إطلاقها من داخل الدولة لإصابة أهداف قريبة تقدر بحوالي 150 كلم على سبيل المثال، وقد تكررت هذه العمليات في منطقة الشرق الأوسط لا سيما في الفترة ما بين 2012 إلى 2015 نظرًا لكون الدرونز منخفضة التكاليف ونتائجها سريعة.

"رامشتاين".. مركز التحكم:

اتضح من خلال الوثائق أن القاعدة العسكرية الأمريكية في "رامشتاين" بألمانيا، بمثابة قلب التكنولوجيا الفائقة لبرامج الطائرات بدون طيار الأمريكية؛ حيث تعد قاعدة "رامشتاين" محطة لتقوية الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والتي تمكِّن مشغلي الطائرات بدون طيار في جنوب غرب الولايات المتحدة من التواصل مع الطائرات النائية في اليمن والصومال وأفغانستان وغيرها من البلدان المستهدفة. 

وهو الأمر نفسه الذي أكدته كل من الصحيفة الألمانية (Süddeutsche Zeitun) والتليفزيون العام الألماني في مايو 2013، وهو ما دفع البرلمان الألماني إلى مطالبة الولايات المتحدة بضرورة تحديد أنشطتها داخل القاعدة، إلا أن الحكومة الألمانية أكدت وقتها أن هذه القاعدة لا تُستخدم من أجل الدرونز، واكتفى أوباما بالتعليق بأن هذه القاعدة الألمانية تعد جزءًا من جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، ولم يقم بالإشارة إلى شيء يتعلق بالدرونز.

وبعد تسريب هذه الوثائق، أصدرت الحكومة الألمانية بيانًا أكدت فيه عدم صدق هذه الادعاءات، فيما أكدت بعض الصحف الألمانية صحة هذه الادعاءات، ونشرت صحيفة "دير شبيجل" تسريبات لخلافات بين أعضاء الحكومة حيث طالب بعضهم بضرورة مواجهة الولايات المتحدة، فيما رأى البعض الآخر أن هذه المعلومات غير صحيحة وتهدف إلى إفساد العلاقة مع الولايات المتحدة. 

بيد أن المدير السابق لمركز العمليات الجوية المشتركة للقوات الجوية الأمريكية قام في أحد اللقاءات في إطار دفاعه عن استخدام الدرونز بالإشارة إلى أنه لا يجب أن تستجيب ألمانيا للضغوط التي تطالبها بإيقاف عمليات الولايات المتحدة للدرونز، وهو ما أكد شكوك المعارضة الألمانية.

أسباب إخفاق الدرونز:

صرحت إدارة أوباما أكثر من مرة بأن سلاح الطائرات بدون طيار هو الأقوى والأنسب في الحرب الدائرة مع تنظيم القاعدة، ولكن كشفت الوثائق السرية أن الجيش الأمريكي قد واجه صعوبات فيما يتعلق بقدرة المخابرات على الحصول على معلومات موثوق فيها عن أماكن الإرهابيين.

وقد جاءت هذه الصعوبات نتيجة لاستبدال الوجود الأمريكي على الأرض بتكنولوجيا "الجغرافيا عن بعد" في تلك البلدان، وقد أوضح طيار سابق في العمليات الخاصة المشتركة للجيش أن وكالة الأمن القومي بدلا من أن تقوم بتأكيد هوية الهدف مع عملاء أو مخبرين متواجدين على الأرض، قامت بتحديد أهداف غارات الطائرات بدون طيار على أساس تحليل البيانات الوصفية وتتبع الهاتف الخلوي، الأمر الذي يؤدي إلى وفاة الأبرياء. 

كما أكد أن هناك اعتمادًا شبه كامل من قبل وكالة الأمن القومي على تكتيكات محددة للمراقبة، وذلك باستخدام تكنولوجيا رصد شرائح الجوال أو الهاتف الخاص بأحد الإرهابيين المشتبه بهم. ومما يجدر ذكره أن بعض كبار قادة طالبان أصبحوا على علم بطرق الاستهداف، فيقومون بتوزيع شرائح الجوال الخاصة بهم بصورة عشوائية بين الوحدات المختلفة، وهو ما يخلق حالة من التشتيت وعدم القدرة على تحديد موقع الهدف. ولذا فإن هذه التقنية تعمل على تسهيل توجيه الغارات الجوية، ولكن دون أن يتم تحديد ما إذا كان الفرد الذي يحمل الهاتف الخلوي أو بطاقة الجوال هو الهدف المقصود أم لا. 

وفي هذا الإطار، قامت بعض عناصر نخبة القوات العسكرية بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية بوضع خطة واجبة التنفيذ في الفترة من 2011 إلى 2013 لتدمير قوات تنظيم القاعدة المخبأة بين قمم الجبال المرتفعة والوديان على طول الحدود الأفغانية الشمالية الشرقية مع باكستان، وقد تم دعم هذه الخطة من قبل وكالات المراقبة الإلكترونية الأكثر نفوذًا في العالم، كما تم تجهيزها بتكنولوجيا تسمح بتتبع الأهداف بدقة كبيرة، بالإضافة إلى دعم الخطة بمصادر استخباراتية قوية بما في ذلك المخبرون على الأرض. وعلى الرغم من كل هذا الدعم، فإن تحليل الجيش الأمريكي أوضح أن هذه العملية فشلت من جميع النواحي.

وختامًا، يمكن القول إن التغيرات في مجال الحرب على الإرهاب التي نجمت عن انتخاب أوباما لم تكن تختلف كثيرًا عن الإدارة السابقة، إذ إن جوهر نموذج جورج بوش ما زال مطبقًا، فسياسة أوباما منذ اللحظة الأولى تعتمد على حروب الطائرات بدون طيار، الأمر الذي أدى إلى سلسلة ضخمة من الاغتيالات الخاطئة، كما أدت إلى مقتل عدد من المشتبه بهم دون حصولهم على حدٍّ أدنى من المحاكمة العادلة.

المصدر:

Jeremy Scahill and the staff of the intercept, The Assassination Complex: Inside the US government's secret drone warfare programme, New York: Simon &Schuster, May 2016