أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

صراعات ممتدة:

هل يساهم تشكيل جبهات سياسية جديدة في تسوية الأزمة اللبنانية؟

17 فبراير، 2021


ما زالت عملية تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة تواجه تحديات لا تبدو هينة في الوقت الحالي، خاصة مع بروز مؤشرات جديدة تكشف عن اتساع نطاق الخلافات بين القوى السياسية المختلفة التي بدأت في توجيه اتهامات متبادلة بالسعى للحصول على "الثُلث المُعطِّل" في الحكومة الجديدة، الذي يضعها بصفة دائمة على حافة الهاوية ويجعلها مرتبطة بحسابات داخلية وإقليمية معقدة. وقد فرض ذلك في مجمله تداعيات عديدة على الساحة السياسية اللبنانية، تمثلت أبرز ملامحها في محاولات تشكيل جبهات داخلية تتبنى أجندات وأهدافاً متباينة لا تنفصل عن حسابات القوى المختلفة وموقعها من التوازنات السياسية، التي ترتبط بدورها باتجاهات التفاعلات بين بعض القوى الإقليمية والدولية المعنية بتطورات المشهد السياسي في لبنان. وتتمثل أبرز تلك الجبهات في:

1- جبهة معارضة رئيسية: تضم تلك الجبهة تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، اللذين يمثلان المعارضة الرئيسية، مدعومة بحركة أمل التي لم تعلن صراحة تأييدها لتلك الجبهة، ولكن مواقف قياداتها أشارت إلى التماهي، نسبياً، مع أهداف وتطلعات المستقبل والحزب الاشتراكي، وهو ما برز بشكل واضح في تأكيد زعيم الحركة رئيس مجلس النواب نبيه بري في بيان صدر في مطلع فبراير الجاري، بأنه "لا يجوز لأحد على الإطلاق الحصول على الثُلث المُعطِّل (في إشارة إلى التيار العوني)، وإلا لا قيمة للاختصاص ولا لوجود شركاء ولا لوجود حكومة يثق بها الداخل والخارج"، مشدداً على أن تلك المعايير التزمت بها كتلة "التنمية والتحرير".

2- جبهة تدويل الملف اللبناني: بدأت تلك الجبهة في التشكل بعد مطالبة بطريرك الكنيسة المارونية بشارة بطرس الراعي، في عظة الأحد يوم 7 فبراير الجاري، بطرح القضية اللبنانية في مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، موضحاً أن "هذا الإجراء يعد تأميناً لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم أشهراً عند كل استحقاق رئاسي أو حكومي"، وتبع ذلك تأييد بعض القوى السياسية والشخصيات المستقلة لهذا الطرح، على رأسها حزبا القوات والكتائب اللبنانية.

3- جبهات مشتتة: ظهرت خلال الفترة الماضية محاولات لتشكيل جبهة معارضة موحدة من قبل بعض القوى السياسية، خاصة حزبى القوات والكتائب اللبنانية، حيث برزت تلك المحاولات في شهر يناير الماضي (بيان صادر عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في 21 يناير- حديث لعضو حزب الكتائب الياس حنكش لصحيفة "الشرق الأوسط" في 25 يناير)، ومن جهة أخرى أشار النائب المستقيل نعمة افرام إلى أنه يعمل على تأسيس حركة سياسية وطنية مع ستة مؤسسين، على أن يتم الاعلان عنها في الوقت المناسب.

4- جبهة السلطة: وهى جبهة قائمة بالفعل ولكن يجري العمل على تعزيز تماسكها، ويمثلها التيار العوني (رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر)، بدعم من حزب الله الذي يتجنب الضغط على حليفه المسيحي (العونيين)، ولا يوجه له اتهاماً صريحاً بأنه سبب عرقلة تشكيل الحكومة، مما يعتبر موافقة ضمنية منه على هذا النهج، والذي بموجبه يضمن تماسك قوى 8 آذار، وفي نفس الوقت الحفاظ على نفوذها حكومياً وفي المشهد الداخلي برمته، واضعاً في الاعتبار أن حزب "الطاشناق" وبعض أطراف قوى 8 آذار تلتزم الصمت حيال عرقلة الحكومة من قبل العونيين، بما يشير إلى نجاح الحزب في الضغط عليهم لعدم الهجوم على التيار الوطني الحر.

صدمة داخلية:

تكشف محاولات البطريرك الراعي، وأحزاب وتيارات المعارضة اللبنانية، عن سعيهم لإحداث صدمة داخلية تدفع نحو تشكيل حكومة، وذلك عبر تدويل الملف اللبناني أو حتى إنشاء جبهة معارضة موحدة يكون لها تأثير في الشارع اللبناني والمشهد الداخلي، وهو ما يفسر اتجاه بعض الساعين لتشكيل تلك الجبهة إلى الاعتماد على التيارات المدنية التي تزايد نشأتها بعد انتفاضة أكتوبر 2019، حيث يتضح أن الضغط الدولي بموازاة تحرك الشارع هو الذي يمكنه إحداث فارق في المشهد الداخلي، وهو ما تكشف من انتفاضة 2019 التي فرضت تغييرات جذرية في السلطة الحاكمة، إضافة إلى تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على النخبة السياسية، لاسيما بعد نشوب عدة أزمات مثل تفجيرات مرفأ بيروت في أغسطس 2020.

وقد واجهت لبنان العديد من الأزمات خلال العامين الماضيين، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بخلاف السياسية، التي لم ترتق إلى مستوى الصدمة الداخلية التي يتم بمقتضاها تجاوز الخلافات السياسية لإنقاذ الدولة من الانهيار، بل دفعت تلك الأزمات إلى تزايد الخلافات بين القوى السياسية، إلا أن تحرك الشارع "انتفاضة أكتوبر 2019" كان الأكثر تأثيراً نسبياً مقارنة بتك الأزمات، وهو ما يبدو أن بعض القوى بدأت في التلويح به، خاصة في ظل استمرار المُحفِّزات التي يمكن أن تدفع الشارع إلى الاحتجاج مجدداً. 

فاعلية محدودة:

لكن تحرك العديد من تلك الجبهات، التي يجمعها هدف واحد، على خطوط غير متسقة يشتت من فاعلية جهودها، ويستنفد العديد من الخيارات المطروحة في ظل عدم تحمس دولي لإنهاء الأزمة اللبنانية نظراً لحركة الممانعة الداخلية التي تمثلها قوى 8 آذار، ويُشار في هذا الصدد إلى أن المبادرة الفرنسية تراجع زخمها، حيث لم يسفر سعى باريس عبر عقد اجتماعات دولية لدعم لبنان شريطة تشكيل حكومة مستقلة، عن إحداث حلحلة في عملية تشكيل الحكومة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية نأت بنفسها عن المعترك الداخلي. 

ويمكن القول إن تصاعد حدة الخلافات الداخلية، والتي تجلت مؤخراً بين تيار المستقبل والتيار العوني، وكذا الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل مع العونيين، أفضى إلى تعقد الأزمة بشكل أكبر، في ظل تمسك كل طرف بمطالبه، على نحو ساهم في عدم التوافق على شكل الحكومة المقبلة، بما يعني أن استمرار الأزمة الحالية يبدو هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً في المرحلة القادمة.